هل تقترب واشنطن من توسيع ضرباتها الجوية ضد «داعش» من العراق إلى سوريا؟ مارتن ديمبسي، رئيس أركان الجيوش الأميركية ومستشار الرئيس باراك أوباما العسكري، مفكراً بصوت عال، طرح على نفسه السؤال أمام صحافيين سبقوه إليه: «هل يمكن أن نهزم داعش في العراق، من دون التدخل ضد فرع التنظيم في سوريا؟ الجواب هو لا».

ويعد هذا الجواب أوضح رسالة تبعث بها واشنطن إلى حلفائها في المنطقة، تمهيداً لفتح الباب نحو تعديل محتمل للعلاقات مع النظام السوري، وإيجاد صيغة مقبولة للتعاون معه، ضد دولة أبي بكر البغدادي.

ويستفيض الأميركيون في عرض أخطار «داعش»، على ما جرت عليه العادة في التحضير غربياً من تعظيم خطر الخصوم، لإقناع الرأي العام بجدوى الحرب التي انتظرت قطع رأس صحافي أميركي، برغم مئات الرؤوس التي سبق لـ«داعش» أن قطعها في العراق وسوريا.

وأمس، اعتبر البيت الابيض أن قتل فولي من جانب «داعش» يشكل «هجوماً إرهابياً» على الولايات المتحدة نفسها، مؤكداً أن واشنطن تبحث خيارات مختلفة للرد على هذه «الجريمة الهمجية». وقال مساعد مستشار الأمن القومي بن رودس إنه «حين ترون شخصاً يقتل بهذا الشكل الفظيع، فهذا الأمر يشكل هجوماً إرهابياً على بلادنا»، من دون أن يستبعد احتمال شن غارات في سوريا «إذا اقتضت الضرورة».

لقد أصبح خطر التنظيم يتجاوز كل الأخطار، وبحسب ما قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل «فإن جهاديي الدولة الإسلامية، يتخطون كل ما شاهدناه حتى الآن، ويحملون رؤية نهاية العالم، كما أن سعيهم إلى إقامة الخلافة يمكن أن يحدث تغييراً جذرياً في الشرق الأوسط يهدد مصالحنا».

والحال أن واشنطن لم تتوقف عند خط الاستفاضة في التخويف أو التساؤلات، بعدما واكبت عملياتها الجوية في غرب العراق، وحول أربيل، بتزويد السوريين بإحداثيات ومعلومات عن أرتال «داعش» على المقلب السوري، على ما يؤكده مصدر سوري رفيع المستوى، ساعدت على تسديد ضربات سورية نوعية لـ«داعش» في الرقة.

بل إن الأميركيين في تساؤلاتهم العلنية، بدأوا بوضع الإطار السياسي لتحالف الأمر الواقع ضد «داعش»، بعدما أخذوا علماً أن خرائط الكيانات، كما وضعها الفرنسيون والبريطانيون وحدود سايكس-بيكو، خرجت من التداول ولو مؤقتا، وانه ينبغي التكيف مع «إستراتيجية داعش الثورية».

إذ قال ديمبسي إنه «ينبغي الهجوم على جانبي الحدود (السورية العراقية) التي لم تعد موجودة... وستكون معركة طويلة»، يشترط رئيس الأركان الأميركي للانتصار فيها على «الدولة الإسلامية» خلط الأوراق والتحالفات الإقليمية، ونقل التحالف في العراق خصوصاً، من الشيعة إلى السنة، وتجديد الاعتماد على العشائر السنية في العراق وسوريا في قتال «داعش» بعد تنظيم «القاعدة». يقول: «لا يمكن الانتصار من دون القوى الإقليمية، ودعم 20 مليون سني مهمش، يحدث أنهم يقيمون ما بين بغداد ودمشق».

وترتدي تصريحات ديمبسي أهمية لافتة، إذ يعد الرجل المستشار العسكري الأقرب لأوباما، الذي يدعو اليوم إلى تنظيم الحرب في سوريا والعراق ضد «داعش». وهو أحد أكبر المعارضين لشن حرب أميركية ضد النظام السوري، وعمل على ثني الإدارة الأميركية عن أي تدخل عسكري ضد دمشق.

وكان رئيس أركان الجيوش الأميركية، الذي يضع اليوم الأطر السياسية والعسكرية لحرب لا بد منها أميركياً ضد «داعش» وتطوير القتال نحو سوريا، قد تدخل مرات عدة لمنع إنشاء منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة، وحذر من شن أي غارات ضد سوريا، وكان قليل الثقة بالمعارضة السورية المسلحة واعتدالها، و«الجيش الحر» كشريك لأي عمل عسكري في سوريا، وعارض تسليحها بأسلحة نوعية مخافة سقوطها بأيد غير أمينة.

وجلي أن الإستراتيجية الأميركية في العراق لن تكون فاعلة من دون التوسع بها نحو سوريا، من حماية المركز النفطي الكردي في الشمال إلى حماية المكتسبات الأميركية في العراق بأسره. كما أن دخول «جهاديين» أميركيين على خط «داعش»، يعد تهديداً مباشراً (للسوريين والعراقيين واللبنانيين أولاً) للأمن القومي الأميركي، بالرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية، كما تصر على لسان مساعدة المتحدثة باسمها ماري هارف، لا تزال تقلل من عددهم الذي وصفته بـ«عدد صغير، من بين 12 ألف مقاتل أجنبي التحقوا بداعش»، فيما تقول مصادر في الإدارة الأميركية، بحسب الوكالات، إن عددهم قد يبلغ مئة «جهادي».

وليس كافياً حتى الآن، لتشكيل إستراتيجية حرب على المقلبين العراقي والسوري ضد «داعش»، خلط أوراق التحالفات الإقليمية، الذي ترجم بالتوافق مع إيران أساساً في العراق وحده من دون سوريا، وهو معنى الصفقة التي تمت بإزاحة نوري المالكي وتعيين رئيس وزراء تقبل به السعودية، لإعادة السنة إلى صفوف الصحوات والعملية السياسية.

إذاً، يحتاج توسيع العمليات العسكرية ضد «داعش» في سوريا كما في العراق، إلى قوة ارتكاز محلي كالأكراد أو الجيش العراقي، أو العشائر التي ساهمت في الماضي بهزيمة «القاعدة»، خصوصاً أن الأميركيين لا ينوون إرسال قوات برية لا إلى العراق ولا إلى سوريا.

وتكمن مشكلة الجنرال ديمبسي في انعدام وجود تلك القوة، مع اضمحلال «الجيش الحر»، وسيطرة الجماعات «الجهادية» على ما تبقى من معارضة مسلحة، نواتها «قاعدي»، كـ«النصرة» و«أحرار الشام» و«الجبهة الإسلامية»، ولو من مرتبة أقل خطراً من «داعش».

وبسبب ضغوط تركية و«بارزانية»، تستبعد واشنطن من الدعم والتسليح «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، برغم أنه يمثل الجدار الصلب في الشمال السوري الذي يمنع تمدد «داعش»، وقد دفع ثمناً كبيراً في قتالها. كما أن العشائر السورية، لا تمثل وحدة متجانسة في الشرق السوري يمكن الاعتماد عليها لإطلاق قوة محلية تقاتل «داعش»، تقارن بالعشائر العراقية في الأنبار.

ولاقت محاولات «الائتلاف السوري» لإنشاء قوة من خمسة آلاف مقاتل في الشرق السوري فشلاً ذريعاً. كما أن «داعش» شتت شمل الكثيرين في المناطق المحيطة بدير الزور، بعد دخوله بادية الشعيطات وارتكاب مجازر حقيقية في حقهم، فيما تساند العشائر الكبرى طي والجربا في الشمال، الأكراد والجيش السوري.

وفي غياب المرتكزات المحلية، تبدو الخيارات أمام الاميركيين لشن الحرب على الفرع السوري لـ«داعش» مشروطة بإيجاد صيغة للتعاون مع دمشق. فالقرار الدولي 2170 لا يمنحهم حق التدخل من دون العودة إلى مجلس الأمن.

وليس مؤكدا أن يقبل السوريون بتدخل عسكري أميركي، على ما عد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن «أي عمل من هذا النوع يشكل اعتداءً على السيادة السورية».

وتبدو صيغة توفير المعلومات للطيران السوري، للمشاركة في الحرب على «داعش»، حتى الآن، مباشرة أو عبر طرف ثالث، هي الصيغة المرشحة للاستمرار، ولكن الحرب طويلة جداً، كما قال الجنرال مارتن ديمبسي.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-22
  • 11614
  • من الأرشيف

استدارة في الرؤية الأميركية لقتال «داعش»

هل تقترب واشنطن من توسيع ضرباتها الجوية ضد «داعش» من العراق إلى سوريا؟ مارتن ديمبسي، رئيس أركان الجيوش الأميركية ومستشار الرئيس باراك أوباما العسكري، مفكراً بصوت عال، طرح على نفسه السؤال أمام صحافيين سبقوه إليه: «هل يمكن أن نهزم داعش في العراق، من دون التدخل ضد فرع التنظيم في سوريا؟ الجواب هو لا». ويعد هذا الجواب أوضح رسالة تبعث بها واشنطن إلى حلفائها في المنطقة، تمهيداً لفتح الباب نحو تعديل محتمل للعلاقات مع النظام السوري، وإيجاد صيغة مقبولة للتعاون معه، ضد دولة أبي بكر البغدادي. ويستفيض الأميركيون في عرض أخطار «داعش»، على ما جرت عليه العادة في التحضير غربياً من تعظيم خطر الخصوم، لإقناع الرأي العام بجدوى الحرب التي انتظرت قطع رأس صحافي أميركي، برغم مئات الرؤوس التي سبق لـ«داعش» أن قطعها في العراق وسوريا. وأمس، اعتبر البيت الابيض أن قتل فولي من جانب «داعش» يشكل «هجوماً إرهابياً» على الولايات المتحدة نفسها، مؤكداً أن واشنطن تبحث خيارات مختلفة للرد على هذه «الجريمة الهمجية». وقال مساعد مستشار الأمن القومي بن رودس إنه «حين ترون شخصاً يقتل بهذا الشكل الفظيع، فهذا الأمر يشكل هجوماً إرهابياً على بلادنا»، من دون أن يستبعد احتمال شن غارات في سوريا «إذا اقتضت الضرورة». لقد أصبح خطر التنظيم يتجاوز كل الأخطار، وبحسب ما قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل «فإن جهاديي الدولة الإسلامية، يتخطون كل ما شاهدناه حتى الآن، ويحملون رؤية نهاية العالم، كما أن سعيهم إلى إقامة الخلافة يمكن أن يحدث تغييراً جذرياً في الشرق الأوسط يهدد مصالحنا». والحال أن واشنطن لم تتوقف عند خط الاستفاضة في التخويف أو التساؤلات، بعدما واكبت عملياتها الجوية في غرب العراق، وحول أربيل، بتزويد السوريين بإحداثيات ومعلومات عن أرتال «داعش» على المقلب السوري، على ما يؤكده مصدر سوري رفيع المستوى، ساعدت على تسديد ضربات سورية نوعية لـ«داعش» في الرقة. بل إن الأميركيين في تساؤلاتهم العلنية، بدأوا بوضع الإطار السياسي لتحالف الأمر الواقع ضد «داعش»، بعدما أخذوا علماً أن خرائط الكيانات، كما وضعها الفرنسيون والبريطانيون وحدود سايكس-بيكو، خرجت من التداول ولو مؤقتا، وانه ينبغي التكيف مع «إستراتيجية داعش الثورية». إذ قال ديمبسي إنه «ينبغي الهجوم على جانبي الحدود (السورية العراقية) التي لم تعد موجودة... وستكون معركة طويلة»، يشترط رئيس الأركان الأميركي للانتصار فيها على «الدولة الإسلامية» خلط الأوراق والتحالفات الإقليمية، ونقل التحالف في العراق خصوصاً، من الشيعة إلى السنة، وتجديد الاعتماد على العشائر السنية في العراق وسوريا في قتال «داعش» بعد تنظيم «القاعدة». يقول: «لا يمكن الانتصار من دون القوى الإقليمية، ودعم 20 مليون سني مهمش، يحدث أنهم يقيمون ما بين بغداد ودمشق». وترتدي تصريحات ديمبسي أهمية لافتة، إذ يعد الرجل المستشار العسكري الأقرب لأوباما، الذي يدعو اليوم إلى تنظيم الحرب في سوريا والعراق ضد «داعش». وهو أحد أكبر المعارضين لشن حرب أميركية ضد النظام السوري، وعمل على ثني الإدارة الأميركية عن أي تدخل عسكري ضد دمشق. وكان رئيس أركان الجيوش الأميركية، الذي يضع اليوم الأطر السياسية والعسكرية لحرب لا بد منها أميركياً ضد «داعش» وتطوير القتال نحو سوريا، قد تدخل مرات عدة لمنع إنشاء منطقة حظر جوي أو مناطق آمنة، وحذر من شن أي غارات ضد سوريا، وكان قليل الثقة بالمعارضة السورية المسلحة واعتدالها، و«الجيش الحر» كشريك لأي عمل عسكري في سوريا، وعارض تسليحها بأسلحة نوعية مخافة سقوطها بأيد غير أمينة. وجلي أن الإستراتيجية الأميركية في العراق لن تكون فاعلة من دون التوسع بها نحو سوريا، من حماية المركز النفطي الكردي في الشمال إلى حماية المكتسبات الأميركية في العراق بأسره. كما أن دخول «جهاديين» أميركيين على خط «داعش»، يعد تهديداً مباشراً (للسوريين والعراقيين واللبنانيين أولاً) للأمن القومي الأميركي، بالرغم من أن وزارة الخارجية الأميركية، كما تصر على لسان مساعدة المتحدثة باسمها ماري هارف، لا تزال تقلل من عددهم الذي وصفته بـ«عدد صغير، من بين 12 ألف مقاتل أجنبي التحقوا بداعش»، فيما تقول مصادر في الإدارة الأميركية، بحسب الوكالات، إن عددهم قد يبلغ مئة «جهادي». وليس كافياً حتى الآن، لتشكيل إستراتيجية حرب على المقلبين العراقي والسوري ضد «داعش»، خلط أوراق التحالفات الإقليمية، الذي ترجم بالتوافق مع إيران أساساً في العراق وحده من دون سوريا، وهو معنى الصفقة التي تمت بإزاحة نوري المالكي وتعيين رئيس وزراء تقبل به السعودية، لإعادة السنة إلى صفوف الصحوات والعملية السياسية. إذاً، يحتاج توسيع العمليات العسكرية ضد «داعش» في سوريا كما في العراق، إلى قوة ارتكاز محلي كالأكراد أو الجيش العراقي، أو العشائر التي ساهمت في الماضي بهزيمة «القاعدة»، خصوصاً أن الأميركيين لا ينوون إرسال قوات برية لا إلى العراق ولا إلى سوريا. وتكمن مشكلة الجنرال ديمبسي في انعدام وجود تلك القوة، مع اضمحلال «الجيش الحر»، وسيطرة الجماعات «الجهادية» على ما تبقى من معارضة مسلحة، نواتها «قاعدي»، كـ«النصرة» و«أحرار الشام» و«الجبهة الإسلامية»، ولو من مرتبة أقل خطراً من «داعش». وبسبب ضغوط تركية و«بارزانية»، تستبعد واشنطن من الدعم والتسليح «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، برغم أنه يمثل الجدار الصلب في الشمال السوري الذي يمنع تمدد «داعش»، وقد دفع ثمناً كبيراً في قتالها. كما أن العشائر السورية، لا تمثل وحدة متجانسة في الشرق السوري يمكن الاعتماد عليها لإطلاق قوة محلية تقاتل «داعش»، تقارن بالعشائر العراقية في الأنبار. ولاقت محاولات «الائتلاف السوري» لإنشاء قوة من خمسة آلاف مقاتل في الشرق السوري فشلاً ذريعاً. كما أن «داعش» شتت شمل الكثيرين في المناطق المحيطة بدير الزور، بعد دخوله بادية الشعيطات وارتكاب مجازر حقيقية في حقهم، فيما تساند العشائر الكبرى طي والجربا في الشمال، الأكراد والجيش السوري. وفي غياب المرتكزات المحلية، تبدو الخيارات أمام الاميركيين لشن الحرب على الفرع السوري لـ«داعش» مشروطة بإيجاد صيغة للتعاون مع دمشق. فالقرار الدولي 2170 لا يمنحهم حق التدخل من دون العودة إلى مجلس الأمن. وليس مؤكدا أن يقبل السوريون بتدخل عسكري أميركي، على ما عد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن «أي عمل من هذا النوع يشكل اعتداءً على السيادة السورية». وتبدو صيغة توفير المعلومات للطيران السوري، للمشاركة في الحرب على «داعش»، حتى الآن، مباشرة أو عبر طرف ثالث، هي الصيغة المرشحة للاستمرار، ولكن الحرب طويلة جداً، كما قال الجنرال مارتن ديمبسي.

المصدر : السفير/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة