لن تحمل الحكومة السورية العتيدة اختراقات كبيرة. تمدُّد داعش في العراق وسورية خفف سقف التوقعات السياسية ورفع مستوى الاتجاهات العسكرية او تلك المرتبطة بها. لا أسماء معارضة من الخارج، ولا تغييرات جوهرية سوى ببعض الأسماء المعروفة التي قد تغيب لأسباب خاصة. دور الحكومة إذاً هو ادارة شؤون الناس بما يتلاءم مع العملية العسكرية وتشجيعهم على العودة وتعزيز المصالحات الداخلية.

ادارة الرئيس بشار الاسد لم تقتنع أصلاً منذ بداية الأزمة والحرب بمعارضة الخارج. البعض يقول انها لو اقتنعت لربما غيرت بعض مسارات الحرب خصوصاً أن جزءاً من المعارضين ليسوا من انصار التدخل الخارجي ومؤمنون بالحوار للحل.

غالباً ما نظرت القيادة السورية الى معارضة الخارج على أنها «عميلة» لمشاريع خارجية. المرة الوحيدة التي اقتنعت بمجالستها على طاولة واحدة كانت في جنيف. لعل ذلك حصل فقط من اجل تسهيل عمل الحليف الروسي دولياً وليس اقتناعاً بجدوى الحوار. اليوم يبدو الاسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وحلفاؤهم الآخرون مقتنعين بصوابية الخيار العسكري. (كيف لا وبوتين يعتمد الخيار نفسه في اوكرانيا؟).

من يزر دمشق حالياً قد يسمع كلاماً مفاده انه «حتى مجلس الامن الدولي اقتنع أخيراً بأن لا حل مع الارهاب سوى باستئصاله وضرب مصادر تمويله». القرار الأخير الصادر عن المجلس يريح سوريا، رغم ان ثمة نظرية اخرى تقول انه قد يدفع بعض الموقعين عليه لتوجيهه ضد النظام السوري لاحقاً. أصحاب هذه النظرية يتساءلون مثلاً لماذا كل هذا الرفع بمستوى الاسلحة للكرد، هل فقط لضرب داعش ام لاهداف اقليمية اكبر اهمية لاحقاً؟

لا حاجة اذا لفتح خطوط مع معارضة الخارج لانها بنظر القيادة السورية أعجز من ان تمون على شارع واحد. ثمة معارضون في الداخل سيدخلون الحكومة ولكن ليس في مواقع مؤثرة. الاولوية لا تزال للحسم على الأرض.

للأمر اسباب اخرى. فمنذ خطاب القسم للرئيس الأسد بعد الانتخابات الأخيرة، لوحظ ان وتيرة الهجمات المضادة ازدادت. تعرضت ألوية وفرق لهجمات واسعة من داعش والنصرة وغيرها. تكاد القيادة السورية تعتبر معارضة الخارج داعمة لداعش والنصرة رغم ان هذه المعارضة مستهدفة علانية من داعش.

في أول رد عسكري من القيادة السورية على تلك الاختراقات تمت السيطرة على المليحة. ستليها قريباً السيطرة على جوبر ومناطق اخرى. هذه بشكل عام معاركُ صعبةٌ ومعقدة. الحرفيةُ العالية في شبكة الانفاق عند المسلحين، قتالُهم الشرس من بيت الى بيت، قناعتُهم بأنَّهم يخوضون حرباً جهادية، اكتسابُ مهاراتٍ عسكرية بعد ثلاثِ سنوات من الحرب، والهجوم المباغت بعدد كبير من المسلحين في كل مرة، كلُّها أمورٌ تجعلُ معركةَ جوبر صعبةً ومعقدة وخطيرة. لكن قرارَ السيطرة عليها يبدو أنه اتخذ فعلاً.

لو تحقق للجيش ان يسيطر عليها، فهذا سيمنع اولاً الكثير من القذائف التي لا تزال تنهمر على دمشق، وسيحقق اختراقاً عسكرياً ومعنوياً للدولة السورية.

في المعركة ضد داعش كل المفاجآت واردة. لا مجال اذا بالنسبة للقيادة السورية فتح الأبواب السياسية لأية مغامرات. من المهم استمرار المصالحات في الداخل. كل جبهة تنتهي بالتفاهم لا بالقتال مقبولة لا بل ومطلوبة. العفو يشمل في بعض المرات اخطر المسلحين اذا ما سلموا سلاحهم. عاد الى صفوف الجيش السوري ضباط لم تذكر اسماؤهم، فتحت قنوات اتصال اخرى قد تظهر نتائجها قريباً، ثمة قناعة شبه مطلقة بأن معارضة الخارج لا تستطيع ان تضبط شارعاً واحداً وبأن المسلحين لا يعترفون أصلاً بها، فلماذا الحوار معها؟ الحوار مع المقاتلين أنجع. هذا سيتعزز مع الحكومة العتيدة.

خارجياً، تبدو دمشق مرتاحة للقرار الدولي الاخير. لكنها مرتاحة أكثر للعلاقة مع موسكو وايران. القيادة الروسية ترسل قريباً اسلحة جديدة ومهمة في سياق معارك الشوارع والانفاق. إيران تعمل على سحب فتيل العراق، وتستمر بالتفاوض مع اطراف اقليمية ودولية عديدة لتغيير مجاري الرياح. ليس غريباً ان تظهر بوادر انفراج بين العراق والجار السعودي بعد فترة الاتهامات المتبادلة بين نوري المالكي والسعودية وتركيا وقطر. يجري العمل حثيثاً أيضاً لترتيب اتصال ايراني ـ سعودي.

ادراج قرار مجلس الامن تحت الفصل السابع مهم لوقف تمويل التكفيريين ومنع استيراد النفط منهم عبر تركيا. اللافت في مجال النفط ان بعض خصوم سوريا في لبنان باعوها نفطاً أكثر من مرة، وبعض المسلحين الذين تناوبوا السيطرة على بعض مصافي النفط ـــ أي الجيش الحر ثم النصرة ثم داعش ـــ حاولوا اكثر من مرة استدراج وسطاء لبيع الغاز والنفط لمناطق يسيطر عليها الجيش. دخل هذا أيضاً في سياق تعزيز مصالحات داخلية. الدولة تجاوبت في بعض المرات مع الجيش الحر وتم إطلاق سراح بعض المرتبطين بضباط منشقين.

مختصر القول ان القيادة السورية لاتزال عند القناعة نفسها. ما لم يتم الحسم على الارض لن يتغير شيء. من الافضل إذاً عدم انتظار مفاجآت كبيرة من الحكومة السورية باستثناء تغيير بعض الاسماء المعروفة. المشكلة ان الحسم طال، الناس تعبوا، والجيش يوزع قواته على الاراضي السورية كلها، والشتاء على الأبواب. هل ستُترك سوريا تقاتل داعش والنصرة وغيرهما لوحدها، ام ان قرار مجلس الامن مقدمة لتحولات أهم؟

  • فريق ماسة
  • 2014-08-17
  • 12891
  • من الأرشيف

لاتغيرات جوهرية بالحكومة الجديدة بما يتناسب مع العملية العسكرية

لن تحمل الحكومة السورية العتيدة اختراقات كبيرة. تمدُّد داعش في العراق وسورية خفف سقف التوقعات السياسية ورفع مستوى الاتجاهات العسكرية او تلك المرتبطة بها. لا أسماء معارضة من الخارج، ولا تغييرات جوهرية سوى ببعض الأسماء المعروفة التي قد تغيب لأسباب خاصة. دور الحكومة إذاً هو ادارة شؤون الناس بما يتلاءم مع العملية العسكرية وتشجيعهم على العودة وتعزيز المصالحات الداخلية. ادارة الرئيس بشار الاسد لم تقتنع أصلاً منذ بداية الأزمة والحرب بمعارضة الخارج. البعض يقول انها لو اقتنعت لربما غيرت بعض مسارات الحرب خصوصاً أن جزءاً من المعارضين ليسوا من انصار التدخل الخارجي ومؤمنون بالحوار للحل. غالباً ما نظرت القيادة السورية الى معارضة الخارج على أنها «عميلة» لمشاريع خارجية. المرة الوحيدة التي اقتنعت بمجالستها على طاولة واحدة كانت في جنيف. لعل ذلك حصل فقط من اجل تسهيل عمل الحليف الروسي دولياً وليس اقتناعاً بجدوى الحوار. اليوم يبدو الاسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وحلفاؤهم الآخرون مقتنعين بصوابية الخيار العسكري. (كيف لا وبوتين يعتمد الخيار نفسه في اوكرانيا؟). من يزر دمشق حالياً قد يسمع كلاماً مفاده انه «حتى مجلس الامن الدولي اقتنع أخيراً بأن لا حل مع الارهاب سوى باستئصاله وضرب مصادر تمويله». القرار الأخير الصادر عن المجلس يريح سوريا، رغم ان ثمة نظرية اخرى تقول انه قد يدفع بعض الموقعين عليه لتوجيهه ضد النظام السوري لاحقاً. أصحاب هذه النظرية يتساءلون مثلاً لماذا كل هذا الرفع بمستوى الاسلحة للكرد، هل فقط لضرب داعش ام لاهداف اقليمية اكبر اهمية لاحقاً؟ لا حاجة اذا لفتح خطوط مع معارضة الخارج لانها بنظر القيادة السورية أعجز من ان تمون على شارع واحد. ثمة معارضون في الداخل سيدخلون الحكومة ولكن ليس في مواقع مؤثرة. الاولوية لا تزال للحسم على الأرض. للأمر اسباب اخرى. فمنذ خطاب القسم للرئيس الأسد بعد الانتخابات الأخيرة، لوحظ ان وتيرة الهجمات المضادة ازدادت. تعرضت ألوية وفرق لهجمات واسعة من داعش والنصرة وغيرها. تكاد القيادة السورية تعتبر معارضة الخارج داعمة لداعش والنصرة رغم ان هذه المعارضة مستهدفة علانية من داعش. في أول رد عسكري من القيادة السورية على تلك الاختراقات تمت السيطرة على المليحة. ستليها قريباً السيطرة على جوبر ومناطق اخرى. هذه بشكل عام معاركُ صعبةٌ ومعقدة. الحرفيةُ العالية في شبكة الانفاق عند المسلحين، قتالُهم الشرس من بيت الى بيت، قناعتُهم بأنَّهم يخوضون حرباً جهادية، اكتسابُ مهاراتٍ عسكرية بعد ثلاثِ سنوات من الحرب، والهجوم المباغت بعدد كبير من المسلحين في كل مرة، كلُّها أمورٌ تجعلُ معركةَ جوبر صعبةً ومعقدة وخطيرة. لكن قرارَ السيطرة عليها يبدو أنه اتخذ فعلاً. لو تحقق للجيش ان يسيطر عليها، فهذا سيمنع اولاً الكثير من القذائف التي لا تزال تنهمر على دمشق، وسيحقق اختراقاً عسكرياً ومعنوياً للدولة السورية. في المعركة ضد داعش كل المفاجآت واردة. لا مجال اذا بالنسبة للقيادة السورية فتح الأبواب السياسية لأية مغامرات. من المهم استمرار المصالحات في الداخل. كل جبهة تنتهي بالتفاهم لا بالقتال مقبولة لا بل ومطلوبة. العفو يشمل في بعض المرات اخطر المسلحين اذا ما سلموا سلاحهم. عاد الى صفوف الجيش السوري ضباط لم تذكر اسماؤهم، فتحت قنوات اتصال اخرى قد تظهر نتائجها قريباً، ثمة قناعة شبه مطلقة بأن معارضة الخارج لا تستطيع ان تضبط شارعاً واحداً وبأن المسلحين لا يعترفون أصلاً بها، فلماذا الحوار معها؟ الحوار مع المقاتلين أنجع. هذا سيتعزز مع الحكومة العتيدة. خارجياً، تبدو دمشق مرتاحة للقرار الدولي الاخير. لكنها مرتاحة أكثر للعلاقة مع موسكو وايران. القيادة الروسية ترسل قريباً اسلحة جديدة ومهمة في سياق معارك الشوارع والانفاق. إيران تعمل على سحب فتيل العراق، وتستمر بالتفاوض مع اطراف اقليمية ودولية عديدة لتغيير مجاري الرياح. ليس غريباً ان تظهر بوادر انفراج بين العراق والجار السعودي بعد فترة الاتهامات المتبادلة بين نوري المالكي والسعودية وتركيا وقطر. يجري العمل حثيثاً أيضاً لترتيب اتصال ايراني ـ سعودي. ادراج قرار مجلس الامن تحت الفصل السابع مهم لوقف تمويل التكفيريين ومنع استيراد النفط منهم عبر تركيا. اللافت في مجال النفط ان بعض خصوم سوريا في لبنان باعوها نفطاً أكثر من مرة، وبعض المسلحين الذين تناوبوا السيطرة على بعض مصافي النفط ـــ أي الجيش الحر ثم النصرة ثم داعش ـــ حاولوا اكثر من مرة استدراج وسطاء لبيع الغاز والنفط لمناطق يسيطر عليها الجيش. دخل هذا أيضاً في سياق تعزيز مصالحات داخلية. الدولة تجاوبت في بعض المرات مع الجيش الحر وتم إطلاق سراح بعض المرتبطين بضباط منشقين. مختصر القول ان القيادة السورية لاتزال عند القناعة نفسها. ما لم يتم الحسم على الارض لن يتغير شيء. من الافضل إذاً عدم انتظار مفاجآت كبيرة من الحكومة السورية باستثناء تغيير بعض الاسماء المعروفة. المشكلة ان الحسم طال، الناس تعبوا، والجيش يوزع قواته على الاراضي السورية كلها، والشتاء على الأبواب. هل ستُترك سوريا تقاتل داعش والنصرة وغيرهما لوحدها، ام ان قرار مجلس الامن مقدمة لتحولات أهم؟

المصدر : الأخبار/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة