دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا شيء حتى الآن عطّل المفاوضات الإيرانية الأميركية. لا اجتياح داعش للموصل، ولا الحرب الإسرائيلية على غزة، ولا استمرار تدفق التكفيريين الى سوريا. ثمة حاجة أميركية إيرانية واضحة لإيصال المفاوضات الى نتائجها الإيجابية. نتائج قد تغيّر تحالفات المنطقة برمّتها لو حصلت، وخصوصاً بعدما فهمت إسرائيل أن نقل الحرب الى «أرضها» ممكن إذا ما استمرت في العرقلة. فماذا عن سوريا؟
السؤال مهم بعد التخلي عن نوري المالكي. يقال إن آخر اللقاءات التي حصلت بين مسؤول إيراني رفيع والمالكي حسم خيار طهران. ما إن طرح المسؤول الإيراني على مضيفه العراقي احتمال البحث عن اسم آخر لرئاسة الحكومة، حتى انتفض المالكي مهدداً متوعداً. لم يمض وقت قصير على اللقاء، حتى خرج من عباءة حلفاء طهران في العراق اسم حيدر العبَّادي.
تحوَّل المالكي أخيراً الى عبء على إيران بعدما كان حليفاً لها. ضعفه الداخلي أثّر على الدور الإيراني وشجع داعش. تقاربت بذلك مصلحة طهران مع المصلحة الأميركية على إبعاده. ربحت واشنطن عبر تغيير المالكي بإرضاء السنَّة وحلفائها الخليجيين. وربحت طهران بأن رئيس الحكومة الجديد هو أيضاً حليف لها.
سبق تعيين العبّادي، قصف الطيران الأميركي لداعش بعدما هددت الشمال العراقي وشركات النفط الأميركية. لم يصدر أي تصريح شاجب من قبل طهران. تسربت إشارات ترحيب.
يمثّل العراق جبهة مفصلية في العلاقة الأميركية الإيرانية، وكذلك في العلاقة السعودية الإيرانية. التفاهم حوله مؤشر كبير في سياق التفاوض الأميركي الإيراني. كانت طهران تصرُّ على فصل مفاوضاتها النووية مع الغرب عن الملفات الأخرى. يبدو أن ما حصل في العراق مثّل اختراقاً نظراً إلى حساسية الوضع فيه.
ماذا عن سوريا؟
المؤشرات الأولى تفيد بأن دمشق مرتاحة لتعيين العبّادي. لعله سيكون أكثر فعالية وقرباً منها. صحيح أن المالكي لعب دوراً إيجابياً جداً في العلاقة مع إدارة الرئيس بشار الأسد ودافع عن سوريا، لكن الصحيح أيضاً أن سوريا التي قبل سنوات كادت تؤيد اختيار إياد علاوي على المالكي، وجدت ربما أن ضعف المالكي يزيد التهديد الإرهابي، وخصوصاً بعد الانسحاب المريب للجيش العراقي أمام داعش في الموصل. العبّادي قد يكون مناسباً الآن لاستعادة بعض القوة.
ثمة من سارع الى القول بأن إيران ضحَّت بالمالكي ولا شيء يمنع أن تضحي بالأسد.
المقارنة ضعيفة جداً لأساب عديدة، أبرزها:
أولاً: أن وضع الرئيس السوري الداخلي يزداد تحسناً، وخصوصاً بعدما أصبحت الكتلة الشعبية الرمادية أكثر تأييداً له وللجيش وللدولة، نظراً إلى الذعر الذي تثيره داعش في أعقاب سيطرتها على مشهد المسلحين والمعارضة.
ثانياً: أن الجيش السوري لا يزال يقاتل وبفعالية أكثر منذ 3 سنوات. وتبيّن مع الانهيار السريع للجيش العراقي في الموصل، والسيطرة السريعة لداعش والنصرة على عرسال، أن الجيش السوري لا يزال الأكثر تماسكاً وفعالية.
ثالثاً: أن بقاء الرئيس السوري في السلطة يمثّل الآن حتى بالنسبة إلى خصومه أقل الخيارات سوءاً، ذلك أن البديل سيكون داعش.
رابعاً: صار الأسد جزءاً من معادلة إقليمية ودولية تتخطى سوريا والحرب عليها لتصل الى الصراع الإقليمي ـــ الإقليمي من جهة، والروسي ـــ الأطلسي من جهة ثانية. إيران بهذا المعنى أرسلت مراراً، وترسل الآن ما يفيد بأن معركة دمشق هي معركة طهران، تماماً كما تقول موسكو، فضلاً عن أن خيار حزب الله بالقتال على الأرض السورية هو خيار استراتيجي يتعلق بكل محور المقاومة.
ثمة من يعتقد أن أطاحة المالكي لها ثمن إيجابي في سوريا. كذلك الأمر بالنسبة إلى عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان التي تمت بتفاهمات مع المحور الآخر محلياً وإقليمياً. الثمن المطلوب الآن هو عدم تجزئة الحرب على داعش. لا بد من جبهة إقليمية ودولية تضرب الدولة الإسلامية في كل مناطق تمددها من العراق الى سوريا فلبنان.
حتى الآن، ليس هناك مؤشرات لقبول سعودي أو أميركي أو تركي بهذا الأمر. على العكس تماماً، ثمة من يراهن على تكثيف التمدد في الجانب السوري. يحكى عن خطط داعشية لإحداث صدمات إعلامية. يلاحظ أن ثمة استماتة في السيطرة على فرق أو مطارات عسكرية سورية من دير الزور الى حلب.
كيف سيرد الجيش وحلفاؤه؟
ثمة خطة وضعت من شأنها أن تحدث اختراقاً عسكرياً قريباً سيكون له صدى إعلامي جيد. موسكو من جانبها، تكثف المساعدات وقد ترسل قريباً صفقة سلاح مهمة لردع المقاتلين. كثرة الأنفاق والاضطرار للقتال من بيت إلى بيت بحاجة إلى أسلحة جديدة.
وسياسياً، ففي المعلومات المسربة من موسكو في أعقاب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي، أن ثمة اتفاقاً بين الجانبين لتأييد الجيش السوري ضد الإرهاب والدفع صوب حل سياسي جدي. يقال إن الروس سمعوا من الجانب المصري كلاماً مفاده أن المعركة ضد الإرهاب واحدة من مصر الى العراق فسوريا، وإن بقاء سوريا موحدة وقوية أمر مهم للأمن القومي المصري.
لا شك أن مصر ـــ السيسي مضطرة إلى عدم إغضاب السعودية في خياراتها الخارجية. ظهر هذا في غزة، حيث يريد الجانبان القضاء على الإخوان وحماس. ظهر في الصمت المصري حيال سوريا سابقاً. وسيظهر لاحقاً مع احتمال تبرئة الرئيس حسني مبارك أو تخفيف الحكم عليه. لكن الأخطار المحدقة بمصر في الداخل ومن الجانب الليبي، تجعل القاهرة بحاجة كبيرة إلى الدعم العسكري والمعنوي الروسي. هذا بحد ذاته يصب في خانة التوافق بشأن سوريا.
كل ما تقدم مفيد للجانب السوري ولمستقبل العلاقة الأميركية الإيرانية، لكن الأكيد أن الأرض تبقى الحكم. كل المفاجآت ممكنة، وإيران قبل غيرها تدرك أن إحراجها لا يزال مطلوباً حتى في سياق التفاهمات مع أميركا. التحالف العضوي مع سوريا أساسي في مفاوضاتها ودورها...
المصدر :
الأخبار/ سامي كليب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة