لم يكن مفاجئاً أن يكون بعض قادة الفصائل الموسومة بـ«الجهادية» في سوريا من أوائل المهنئين بفوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا في الانتخابات التي جرت أمس الأول، فالعلاقة الوطيدة بين تركيا عبر أجهزة استخباراتها من جهة وبين بعض هذه الفصائل من جهة ثانية من شأنها تبرير هذه التهنئة المبكرة، إلا أن فوز أردوغان في المقابل كشف عن جانب من تناقضات المشهد «الجهادي» السوري سواء لجهة اختلاف ردود الأفعال بخصوصه، أو لجهة قفز البعض على مبادئهم ومواثيقهم في سبيل الحفاظ على مصالحهم مع الحليف التركي.

ووصف قائد «ألوية صقور الشام» أبو عيسى الشيخ، فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة بأنه «نصر الله الذي يفرح له المؤمنون» مهنئاً الشعب التركي بمن أسماه «الرئيس العادل».

وفي إشارة لا تخلو من دلالة، وجه الشيخ التهنئة كذلك إلى الشعب السوري لأنه على حد قوله فاز «بملاذ آمن وسند وظهير». ومن المعروف أن أبو عيسى الشيخ يتحدر من عائلة إخوانية وسبق لوالده أن قاتل في أحداث الثمانينيات في سوريا، لذلك لا غرابة أن يتخذ هذا الموقف برغم أنه لم يبق وفياً لإخوانيته، حيث انقلب عليها مؤخراً نحو مزيد من التشدد والتطرف عندما تبرأ من آرائه السابقة واعتنق مبادئ جديدة أقرب إلى «السلفية الجهادية»، وبدا هذا الانقلاب واضحاً من خلال انضمامه إلى «الجبهة الإسلامية» عند تشكيلها أواخر العام الماضي.

في المقابل، يأتي صمت قائد «جيش الاسلام» زهران علوش وعدم توجيهه تهنئة بفوز أردوغان، مؤشراً على طبيعة التنافس الإقليمي الذي ينعكس حتى على مواقف الحلفاء في جبهة واحدة.

وزهران علوش هو رجل السعودية الأول بين قادة الفصائل في سوريا وبالتالي من الطبيعي أن يعبر عن الفتور الذي يسود في العلاقة بين الرياض وأنقرة، وبالرغم من أن علوش يقضي الكثير من وقته في تركيا إلا أنه لا يستطيع إلا أن يضع مسافة بينه وبين جماعة «الإخوان المسلمين» المغضوب عليها سعودياً في هذه المرحلة.

ولم يصدر موقف رسمي من تنظيم «الدولة الإسلامية» حول فوز أردوغان، غير أن بعض الإعلاميين المقربين منه تولوا التعبير عن الموقف الذي يعكس توجهات قادته، حيث أكدوا أن «أردوغان مجرد طاغوت آخر» وأنه «لا يحكِّم شرع الله ولا يسعى إلى تحكيمه»، الأمر الذي لا يخرجه من دائرة التكفير التي يرسمها التنظيم المتشدد حول من يطلق عليهم اسم «الطواغيت».

ومع ذلك تبدو العلاقة بين تركيا وبين «الدولة الإسلامية» أكثر تعقيداً وتشابكاً مما تظهره بعض التصريحات العلنية، فهي من جانب تقوم على تقديم خدمات متبادلة سواء لجهة فتح الحدود أمام قوافل «المقاتلين الأجانب» أو لجهة استمرار «داعش» بحماية ضريح سليمان شاه كاستثناء وحيد من سياسة هدم الأضرحة التي تمارسها في سوريا والعراق من دون أي تردد.

ومن جانب آخر تتخذ هذه العلاقة طابع الحذر ورغبة كل طرف باتقاء شر الطرف الآخر، فلا تركيا راغبة برؤية «الدولة الإسلامية» على حدودها، ولا «الدولة الإسلامية» يرغب باستثارة غضب تركيا ضده.

ولم يسجل صدور أي موقف عن «جبهة النصرة» التي تكاد علاقتها مع تركيا أن تكون من أكثر ألغاز الأزمة السورية غموضاً، ففي العلن تساير الحكومة التركية توجهات الدول الأوروبية وتقوم بتصنيف «جبهة النصرة» على أنها إرهابية، لكنها في المقابل تصمت عن تواجدها وقيامها بأنشطة أمنية وعسكرية على حدودها ولا تمانع في تحالفها العسكري مع بعض الفصائل المحسوبة عليها.

أما أمير «حركة أحرار الشام الإسلامية» حسان عبود (أبو عبدالله الحموي) فقد رأى في تغريدة له على حسابه على «تويتر» أن فوز أردوغان «فرحت له جموع المسلمين والمستضعفين في الجهات الأربع»، وذلك بالرغم من أن «أحرار الشام» ذات التوجه «السلفي الجهادي القاعدي» تنظر إلى الديموقراطية والانتخابات على أنها أعمال كفريّة، وبالتالي كان عليها انسجاماً مع مبادئها أن ترفض ما تؤدي إليه هذه الانتخابات من نتائج، لأن «ما بني على باطل فهو باطل».

غير أن زعيم الحركة لم يجد بدّاً من القفز فوق هذه المبادئ في سبيل الحفاظ على المصالح التي تؤمنها له العلاقة مع الجانب التركي، لاسيما أن الحركة تحتكر إدارة بعض المعابر الحدودية مع تركيا مثل معبر باب الهوى الذي يعتبر أحد الطرق المفضلة لدخول شحنات الأسلحة إلى الداخل السوري.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-08-12
  • 10649
  • من الأرشيف

«الجهاديون».. أوائل المهنئين!

لم يكن مفاجئاً أن يكون بعض قادة الفصائل الموسومة بـ«الجهادية» في سوريا من أوائل المهنئين بفوز رجب طيب أردوغان برئاسة تركيا في الانتخابات التي جرت أمس الأول، فالعلاقة الوطيدة بين تركيا عبر أجهزة استخباراتها من جهة وبين بعض هذه الفصائل من جهة ثانية من شأنها تبرير هذه التهنئة المبكرة، إلا أن فوز أردوغان في المقابل كشف عن جانب من تناقضات المشهد «الجهادي» السوري سواء لجهة اختلاف ردود الأفعال بخصوصه، أو لجهة قفز البعض على مبادئهم ومواثيقهم في سبيل الحفاظ على مصالحهم مع الحليف التركي. ووصف قائد «ألوية صقور الشام» أبو عيسى الشيخ، فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة بأنه «نصر الله الذي يفرح له المؤمنون» مهنئاً الشعب التركي بمن أسماه «الرئيس العادل». وفي إشارة لا تخلو من دلالة، وجه الشيخ التهنئة كذلك إلى الشعب السوري لأنه على حد قوله فاز «بملاذ آمن وسند وظهير». ومن المعروف أن أبو عيسى الشيخ يتحدر من عائلة إخوانية وسبق لوالده أن قاتل في أحداث الثمانينيات في سوريا، لذلك لا غرابة أن يتخذ هذا الموقف برغم أنه لم يبق وفياً لإخوانيته، حيث انقلب عليها مؤخراً نحو مزيد من التشدد والتطرف عندما تبرأ من آرائه السابقة واعتنق مبادئ جديدة أقرب إلى «السلفية الجهادية»، وبدا هذا الانقلاب واضحاً من خلال انضمامه إلى «الجبهة الإسلامية» عند تشكيلها أواخر العام الماضي. في المقابل، يأتي صمت قائد «جيش الاسلام» زهران علوش وعدم توجيهه تهنئة بفوز أردوغان، مؤشراً على طبيعة التنافس الإقليمي الذي ينعكس حتى على مواقف الحلفاء في جبهة واحدة. وزهران علوش هو رجل السعودية الأول بين قادة الفصائل في سوريا وبالتالي من الطبيعي أن يعبر عن الفتور الذي يسود في العلاقة بين الرياض وأنقرة، وبالرغم من أن علوش يقضي الكثير من وقته في تركيا إلا أنه لا يستطيع إلا أن يضع مسافة بينه وبين جماعة «الإخوان المسلمين» المغضوب عليها سعودياً في هذه المرحلة. ولم يصدر موقف رسمي من تنظيم «الدولة الإسلامية» حول فوز أردوغان، غير أن بعض الإعلاميين المقربين منه تولوا التعبير عن الموقف الذي يعكس توجهات قادته، حيث أكدوا أن «أردوغان مجرد طاغوت آخر» وأنه «لا يحكِّم شرع الله ولا يسعى إلى تحكيمه»، الأمر الذي لا يخرجه من دائرة التكفير التي يرسمها التنظيم المتشدد حول من يطلق عليهم اسم «الطواغيت». ومع ذلك تبدو العلاقة بين تركيا وبين «الدولة الإسلامية» أكثر تعقيداً وتشابكاً مما تظهره بعض التصريحات العلنية، فهي من جانب تقوم على تقديم خدمات متبادلة سواء لجهة فتح الحدود أمام قوافل «المقاتلين الأجانب» أو لجهة استمرار «داعش» بحماية ضريح سليمان شاه كاستثناء وحيد من سياسة هدم الأضرحة التي تمارسها في سوريا والعراق من دون أي تردد. ومن جانب آخر تتخذ هذه العلاقة طابع الحذر ورغبة كل طرف باتقاء شر الطرف الآخر، فلا تركيا راغبة برؤية «الدولة الإسلامية» على حدودها، ولا «الدولة الإسلامية» يرغب باستثارة غضب تركيا ضده. ولم يسجل صدور أي موقف عن «جبهة النصرة» التي تكاد علاقتها مع تركيا أن تكون من أكثر ألغاز الأزمة السورية غموضاً، ففي العلن تساير الحكومة التركية توجهات الدول الأوروبية وتقوم بتصنيف «جبهة النصرة» على أنها إرهابية، لكنها في المقابل تصمت عن تواجدها وقيامها بأنشطة أمنية وعسكرية على حدودها ولا تمانع في تحالفها العسكري مع بعض الفصائل المحسوبة عليها. أما أمير «حركة أحرار الشام الإسلامية» حسان عبود (أبو عبدالله الحموي) فقد رأى في تغريدة له على حسابه على «تويتر» أن فوز أردوغان «فرحت له جموع المسلمين والمستضعفين في الجهات الأربع»، وذلك بالرغم من أن «أحرار الشام» ذات التوجه «السلفي الجهادي القاعدي» تنظر إلى الديموقراطية والانتخابات على أنها أعمال كفريّة، وبالتالي كان عليها انسجاماً مع مبادئها أن ترفض ما تؤدي إليه هذه الانتخابات من نتائج، لأن «ما بني على باطل فهو باطل». غير أن زعيم الحركة لم يجد بدّاً من القفز فوق هذه المبادئ في سبيل الحفاظ على المصالح التي تؤمنها له العلاقة مع الجانب التركي، لاسيما أن الحركة تحتكر إدارة بعض المعابر الحدودية مع تركيا مثل معبر باب الهوى الذي يعتبر أحد الطرق المفضلة لدخول شحنات الأسلحة إلى الداخل السوري.  

المصدر : السفير/ عبد الله علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة