حمل خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في الأسبوع الفائت الكثير من المضامين المهمة المتراوحة بين السياسي الداخلي والاستراتيجي الدولي، لكن الاهم برأينا كانت تلك العبارة المفتاحية التي تضمنها الخطاب «المرحلة الجديدة»

 

التي ستواجهها سورية انطلاقا من المشهد الذي آلت اليه الامور بعد 40 شهرا من مواجهة عدوان معقد مركب شنه الغرب عليها وعلى المنطقة.‏

 

فالمرحلة الجديدة التي أشار اليها الرئيس الأسد ليست كما قد يتراءى للبعض بأنها تعني الحكم والإدارة الداخلية فحسب، بل إنها تعني – وعلى أهمية الموضوع الداخلي الذي اتخذ ذريعة مزيفة كاذبة لإطلاق العدوان عليها والتسويق والتحشيد له - تعني سورية والمنطقة في علاقاتها الاقليمية والدولية في ظل إخفاق المشروع الصهيواميركي في الميدان السوري في مواجهة محور المقاومة وترنحه في ميادين ما سمي زوراً «ربيع عربي»، وأطلقنا عليه تسمية «الحريق العربي» التسمية التي أكدتها الاحداث ومجريات العدوان بشكل قاطع.‏

 

والآن وبعد افتضاح أمر العدوان وإخفاقه في تحقيق أهدافه في سورية، وانسحاب إخفاقه على ميادين أخــــــرى خارجهــــا الى الحد الذي مكن الرئيس الأسد من نعي « الربيع المزيف» كما وصفه، ما يعني انتصار سورية ومن معها في المواجهة، انتصار تحقق تراكما انطلاقا من اخفاق العدوان في تحقيق هدفه في المهلة الاصلية التي حددها بستة اشهر، وهي المهلة التي جددت اومددت اكثر من مرة، الى ان اقر اوباما مؤخرا بالفشل واتجه الى ميدان جديد لتعويضه فكان الانتقال الى العراق في الشهر الفائت، وكانت المرحلة الجديدة في المواجهة التي تحدث عنها الرئيس الأسد.‏

 

مرحلة يطبعها الانقسام الدولي العام مع تشكل محاور المواجهة الاقليمية في صراع دولي يحتدم، صراع يتخطى دول «الحريق العربي « ليدق ابواب اوروبا الشرقية ويشعل الضوء الاصفر لاكثر من دولة في الاقليم وخارجه، صراع وصل الى الهيئات الدولية التي انعكس الانقسام الدولي عليها حتى عطل بعضها اوشلها الى حد كبير اوفرض شيئا من التوزان فيها كما هوحال مجلس الامن الدولي.‏

 

مرحلة نجد فيها اميركا ومعها الغرب الاستعماري ترعى محورين متنافسين تستعملهما معا لمواجهة محور المقاومة المشكل من ايران وسورية والمقاومة في لبنان، والذي يحتضن المقاومة الفلسطينية المستمرة ممسكة بالسلاح الشريف ولا تشغلها عن فلسطين فنادق الدوحة واستنبول وغيرها ولا الحسابات المصرفية والموائد.‏

 

ترعى اميركا « المحور الاخواني» المتشكل من تركيا الاردوغانية وقطر الطامحتين الى وضع اليد على البندقية المقاومة لاسكاتها في غزة وتدجين المقاومة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الغرف السوداء، و»المحور الوهابي» الذي يرفض اصلا فكرة المقاومة ويرى فيها ضربا من «المغامرة والجنون واستدراج الضرر» على يد «المساكين اليهود « حسب الوصف السعودي ماضيا وحاضرا، وهومحور يتشكل من السعودية ومن يدور في فلكها من دول الخليج ويسعى الى ضم مصر ما بعد الاخوان كليا اليه ( اما العراق فلا زال قيد التنازع لتحديد موقعه بين المحاور الثلاثة اوتقسيمه)‏

 

ومن الواضح ان فلسطين والمقاومة لاجلها هي معيار التمييز بين المحاور الثلاثة (محور المقاومة، ومحور تدجين المقاومة، ومحور رفض المقاومة )، وهنا كان موقف الرئيس الأسد في منتهى الوضوح والرؤية الاستراتيجية بتأكيده الالتزام بالقضية الفلسطنية التزاما لا تؤثر فيه التحولات والمتغيرات، وفصله بين فلسطين - القضية والفلسطينيين - الاشخاص الذين فيهم من غدر بالحليف وباع القضية، وبهذا تكمن اهمية الموقف السوري الذي وبعد ان اثبت بالحجة القاطعة ان العدوان على سورية لم يكن الا من اجل حملها على التخلي عن فلسطين والتقوقع داخل حدود فرضها الانتداب على الامة، يؤكد التمسك بفلسطين بصرف النظر عن سلوك الفلسطينيين ذاتهم باعتبارها قضية الامة المركزية، موقف يشكل ردا استراتيجيا عالي المستوى على العدوان، وينبثق عن ادراك عميق لخريطة المواجهة واهداف العدوان ولطبيعة الصراع الذي توسع دوليا، حيث وقف الى جانب محور المقاومة من الحلفاء ما قد يوازن الدور الاميركي الغربي في احتضان محوري العدوان وادواته، وبرزت دول البريكس عامة والصين وروسيا خاصة في طليعة حلفاء محور المقاومة .‏

 

وعليه تكون السمة الرئيسية للمرحلة الجديدة التي نوه الرئيس الأسد عنها هو هذا الفرز الذي يوحي بالطمأنينة من جهة كون سورية التي صمدت وحققت الانجازات الهامة التي قادت الى الاقرار الغربي باخفاق العدوان عليها ، سورية هذه لم ولن تكون مستفردة في المواجهة، كما يلقي على عاتق المسؤولين في سورية وسواها من مكونات محور المقاومة وحلفائه الدوليين، يلقي عليهم مسؤولية حفظ الانتصار والحذر من كيد عدواني جديد يمكن ان يمارس لاجهاضه، خاصة وان انجازات محور المقاومة ادت الى رسم مشهد نقيض للحلم الاميركي المعروف.‏

 

فالاميركي سعى لجعل الشرق الاوسط بحيرة له يتحكم هوبنفطها وممراتها المائية ويقبض عبرها على الاقتصاد العالمي، لكنه وبعد ما يقارب العقدين من العمل بشتى الطرق كان «الربيع المزيف» اخرها، يرى اليوم الشرق الاوسط مقطعا بخطوط تميز منطقة الحرية والسيادة الوطنية التي يحميها محور المقاومة بكفاءة واضحة، وبين منطقة تهتز فيها الهيمنة الاميركية ويرتجف فيها حراس المصالح الغربية الذين فرضوا على شعوبهم ومنحوا لقب شيخ او امير اورئيس اوملك.‏

 

ومع هذا الفرز معطوفا على طبيعة الامور في المنطقة، سقطت نظريات الحياد والنأي بالنفس بعد ثبوت عقمها في ظل صراع تشعل اميركا ناره للسيطرة على ما ليس في يدها ، وكما كنا نسخر من هذه النظريات لعدم واقعيتها وقصر نظر اصحابها فان مجريات الامور جاءت لتؤكد على صوابية ما ذهبنا اليه ، وقد كان الرئيس الأسد بليغا في توصيفه وموضوعيته العلمية عند مقاربة هذه النظريات ورفضها لاستحالة تطبيقها اصلا.‏

 

اما العنصر الاساسي الاخر الذي يميز المرحلة الجديدة فهو طبيعة اداة العدوان الرئيسية وهو» الارهاب» الذي يعتمده اصحاب المشروع الغربي في مواجهة المقاومة التي يبديها اصحاب المشروع السيادي في المنطقة اي محور المقاومة وحلفاؤه. وهنا وبعد التمييز بين المقاومة والارهاب، وفي ظل التمسك السوري بالمقاومة تمسكا نهائيا تبنى عليه استراتيجيات المواجهة والدفاع، فان سورية في المرحلة الجديدة ستتابع حربها على الارهاب دونما توقف اوتراجع حتى يندحر المشروع عن منطقة السيادة الوطنية أولا وعن كامل المنطقة ثانيا.. مع ما للأمر من انعكاس على مسارات معالجة الامور مستقبلا، انعكاس يعلم اهميته المختصون بالشأن ولا نرى موجبا للدخول في تفاصيله الآن.‏

 

لكن يكفي ان نقول بأن سورية في رفض مهادنة الارهاب ورفض التخلي عن اي حق او أرض من اقليميها، تحزم امرها في رفض مشاريع التفتيت والتقسيم وتضع الارهابيين بين خيارين إما الفرار من الميدان او المواجهة حتى القتل او الاصابة والأسر، واذا كان خيارهم فرارا فان على الدول التي يمكنهم دخولها خلسة اوبجوازات سفر، ان تنتظر منهم ممارسة «كفاءاتهم الارهابية « على اراضيها. أما فكرة اوتصور أن يبقى الارهاب محصورا على الارض السورية فهي فكرة ساقطة على اصلها لان سورية بما تملك من قوة ذاتية وتحالفية قادرة على استعادة كل حبة تراب اختل أمنها على يد الارهابيين، وقادرة عل اسقاط مشاريع التفتيت والتقسيم.‏

 

اما اسرائيل والتي هي احد السببين لكل ما يجري من حرائق ونزف في المنطقة (النفط هوالسبب الآخر) فان وضعها في المرحلة الجديدة يبدو أنه سيتبدل حيث اننا نراها تغرق اكثر في دائرة « القوة العاجزة « الدائرة التي ادخلتها فيها المقاومة في لبنان في العام 2000 لدى طردها من الجنوب، وثبتتها فيها في العام 2006، وجاء ما يحصل في فلسطين اليوم منذ اسر الصهاينة الثلاثة وصولا الى المواجهات في غزة وحولها والتهيب الاسرائيلي من المواجهة الميدانية باجتياح غزة كليا اوجزئيا، يثبت ان اسرائيل غادرت كليا منطقة «الهيبة الرادعة « و»القوة القادرة»، واهتز الدور الوظيفي الذي اسند اليها غربيا لاخضاع المنطقة، وسيكون لهذا الامر تداعيات لن تنحصر في حدود فلسطين التاريخية، ما يمكن سورية ومحور المقاومة من استغلال المشهد الجديد والبناء عليه مستقبلا ويكفي ان يطرح السؤال التالي: اذا كانت غزة المحاصرة ذات المساحة الاقل من 400 كلم2 وضعت اسرائيل في المشهد الذي تتخبط فيه الآن فكيف سيكون حالها مع الجبهة الشمالية حيث سورية وحزب الله ؟... الخبير العاقل يعرف ان الجواب لا يريح اسرائيل.‏

 

إنها مرحلة جديدة اذن ستفرض قواعدها على المنطقة والعالم وتقدم عناصر جديدة لنظام عالمي جديد قيد التكون، نظام كما توقعنا في الاشهر الستة لبدء العدوان على سورية بانه سيولد من الرحم السوري، فإن سورية ومحورها وحلفاءها اليوم يدفعون حثيثا لاقامته على انقاض احلام اميركية باحادية قطبية ولت الى غير رجعة فاحبط اصحابها، وما الحادث المأسوي الذي حل بالطائرة الماليزية فوق اوكرنيا والذي حمل بصمات تشير الى ارهاب الدولة المرتكب لتوريط روسيا بقرار لا تبرأ منه اميركا إلا وجه يعبر عن حالة الاحباط التي يعانيها اصحاب المشروع الغربي بعد انهيار أحلامهم.‏

  • فريق ماسة
  • 2014-07-20
  • 10706
  • من الأرشيف

سورية و«المرحلة الجديدة» في ظل إنجازاتها والمتغيرات

حمل خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في الأسبوع الفائت الكثير من المضامين المهمة المتراوحة بين السياسي الداخلي والاستراتيجي الدولي، لكن الاهم برأينا كانت تلك العبارة المفتاحية التي تضمنها الخطاب «المرحلة الجديدة»   التي ستواجهها سورية انطلاقا من المشهد الذي آلت اليه الامور بعد 40 شهرا من مواجهة عدوان معقد مركب شنه الغرب عليها وعلى المنطقة.‏   فالمرحلة الجديدة التي أشار اليها الرئيس الأسد ليست كما قد يتراءى للبعض بأنها تعني الحكم والإدارة الداخلية فحسب، بل إنها تعني – وعلى أهمية الموضوع الداخلي الذي اتخذ ذريعة مزيفة كاذبة لإطلاق العدوان عليها والتسويق والتحشيد له - تعني سورية والمنطقة في علاقاتها الاقليمية والدولية في ظل إخفاق المشروع الصهيواميركي في الميدان السوري في مواجهة محور المقاومة وترنحه في ميادين ما سمي زوراً «ربيع عربي»، وأطلقنا عليه تسمية «الحريق العربي» التسمية التي أكدتها الاحداث ومجريات العدوان بشكل قاطع.‏   والآن وبعد افتضاح أمر العدوان وإخفاقه في تحقيق أهدافه في سورية، وانسحاب إخفاقه على ميادين أخــــــرى خارجهــــا الى الحد الذي مكن الرئيس الأسد من نعي « الربيع المزيف» كما وصفه، ما يعني انتصار سورية ومن معها في المواجهة، انتصار تحقق تراكما انطلاقا من اخفاق العدوان في تحقيق هدفه في المهلة الاصلية التي حددها بستة اشهر، وهي المهلة التي جددت اومددت اكثر من مرة، الى ان اقر اوباما مؤخرا بالفشل واتجه الى ميدان جديد لتعويضه فكان الانتقال الى العراق في الشهر الفائت، وكانت المرحلة الجديدة في المواجهة التي تحدث عنها الرئيس الأسد.‏   مرحلة يطبعها الانقسام الدولي العام مع تشكل محاور المواجهة الاقليمية في صراع دولي يحتدم، صراع يتخطى دول «الحريق العربي « ليدق ابواب اوروبا الشرقية ويشعل الضوء الاصفر لاكثر من دولة في الاقليم وخارجه، صراع وصل الى الهيئات الدولية التي انعكس الانقسام الدولي عليها حتى عطل بعضها اوشلها الى حد كبير اوفرض شيئا من التوزان فيها كما هوحال مجلس الامن الدولي.‏   مرحلة نجد فيها اميركا ومعها الغرب الاستعماري ترعى محورين متنافسين تستعملهما معا لمواجهة محور المقاومة المشكل من ايران وسورية والمقاومة في لبنان، والذي يحتضن المقاومة الفلسطينية المستمرة ممسكة بالسلاح الشريف ولا تشغلها عن فلسطين فنادق الدوحة واستنبول وغيرها ولا الحسابات المصرفية والموائد.‏   ترعى اميركا « المحور الاخواني» المتشكل من تركيا الاردوغانية وقطر الطامحتين الى وضع اليد على البندقية المقاومة لاسكاتها في غزة وتدجين المقاومة لتصفية القضية الفلسطينية عبر الغرف السوداء، و»المحور الوهابي» الذي يرفض اصلا فكرة المقاومة ويرى فيها ضربا من «المغامرة والجنون واستدراج الضرر» على يد «المساكين اليهود « حسب الوصف السعودي ماضيا وحاضرا، وهومحور يتشكل من السعودية ومن يدور في فلكها من دول الخليج ويسعى الى ضم مصر ما بعد الاخوان كليا اليه ( اما العراق فلا زال قيد التنازع لتحديد موقعه بين المحاور الثلاثة اوتقسيمه)‏   ومن الواضح ان فلسطين والمقاومة لاجلها هي معيار التمييز بين المحاور الثلاثة (محور المقاومة، ومحور تدجين المقاومة، ومحور رفض المقاومة )، وهنا كان موقف الرئيس الأسد في منتهى الوضوح والرؤية الاستراتيجية بتأكيده الالتزام بالقضية الفلسطنية التزاما لا تؤثر فيه التحولات والمتغيرات، وفصله بين فلسطين - القضية والفلسطينيين - الاشخاص الذين فيهم من غدر بالحليف وباع القضية، وبهذا تكمن اهمية الموقف السوري الذي وبعد ان اثبت بالحجة القاطعة ان العدوان على سورية لم يكن الا من اجل حملها على التخلي عن فلسطين والتقوقع داخل حدود فرضها الانتداب على الامة، يؤكد التمسك بفلسطين بصرف النظر عن سلوك الفلسطينيين ذاتهم باعتبارها قضية الامة المركزية، موقف يشكل ردا استراتيجيا عالي المستوى على العدوان، وينبثق عن ادراك عميق لخريطة المواجهة واهداف العدوان ولطبيعة الصراع الذي توسع دوليا، حيث وقف الى جانب محور المقاومة من الحلفاء ما قد يوازن الدور الاميركي الغربي في احتضان محوري العدوان وادواته، وبرزت دول البريكس عامة والصين وروسيا خاصة في طليعة حلفاء محور المقاومة .‏   وعليه تكون السمة الرئيسية للمرحلة الجديدة التي نوه الرئيس الأسد عنها هو هذا الفرز الذي يوحي بالطمأنينة من جهة كون سورية التي صمدت وحققت الانجازات الهامة التي قادت الى الاقرار الغربي باخفاق العدوان عليها ، سورية هذه لم ولن تكون مستفردة في المواجهة، كما يلقي على عاتق المسؤولين في سورية وسواها من مكونات محور المقاومة وحلفائه الدوليين، يلقي عليهم مسؤولية حفظ الانتصار والحذر من كيد عدواني جديد يمكن ان يمارس لاجهاضه، خاصة وان انجازات محور المقاومة ادت الى رسم مشهد نقيض للحلم الاميركي المعروف.‏   فالاميركي سعى لجعل الشرق الاوسط بحيرة له يتحكم هوبنفطها وممراتها المائية ويقبض عبرها على الاقتصاد العالمي، لكنه وبعد ما يقارب العقدين من العمل بشتى الطرق كان «الربيع المزيف» اخرها، يرى اليوم الشرق الاوسط مقطعا بخطوط تميز منطقة الحرية والسيادة الوطنية التي يحميها محور المقاومة بكفاءة واضحة، وبين منطقة تهتز فيها الهيمنة الاميركية ويرتجف فيها حراس المصالح الغربية الذين فرضوا على شعوبهم ومنحوا لقب شيخ او امير اورئيس اوملك.‏   ومع هذا الفرز معطوفا على طبيعة الامور في المنطقة، سقطت نظريات الحياد والنأي بالنفس بعد ثبوت عقمها في ظل صراع تشعل اميركا ناره للسيطرة على ما ليس في يدها ، وكما كنا نسخر من هذه النظريات لعدم واقعيتها وقصر نظر اصحابها فان مجريات الامور جاءت لتؤكد على صوابية ما ذهبنا اليه ، وقد كان الرئيس الأسد بليغا في توصيفه وموضوعيته العلمية عند مقاربة هذه النظريات ورفضها لاستحالة تطبيقها اصلا.‏   اما العنصر الاساسي الاخر الذي يميز المرحلة الجديدة فهو طبيعة اداة العدوان الرئيسية وهو» الارهاب» الذي يعتمده اصحاب المشروع الغربي في مواجهة المقاومة التي يبديها اصحاب المشروع السيادي في المنطقة اي محور المقاومة وحلفاؤه. وهنا وبعد التمييز بين المقاومة والارهاب، وفي ظل التمسك السوري بالمقاومة تمسكا نهائيا تبنى عليه استراتيجيات المواجهة والدفاع، فان سورية في المرحلة الجديدة ستتابع حربها على الارهاب دونما توقف اوتراجع حتى يندحر المشروع عن منطقة السيادة الوطنية أولا وعن كامل المنطقة ثانيا.. مع ما للأمر من انعكاس على مسارات معالجة الامور مستقبلا، انعكاس يعلم اهميته المختصون بالشأن ولا نرى موجبا للدخول في تفاصيله الآن.‏   لكن يكفي ان نقول بأن سورية في رفض مهادنة الارهاب ورفض التخلي عن اي حق او أرض من اقليميها، تحزم امرها في رفض مشاريع التفتيت والتقسيم وتضع الارهابيين بين خيارين إما الفرار من الميدان او المواجهة حتى القتل او الاصابة والأسر، واذا كان خيارهم فرارا فان على الدول التي يمكنهم دخولها خلسة اوبجوازات سفر، ان تنتظر منهم ممارسة «كفاءاتهم الارهابية « على اراضيها. أما فكرة اوتصور أن يبقى الارهاب محصورا على الارض السورية فهي فكرة ساقطة على اصلها لان سورية بما تملك من قوة ذاتية وتحالفية قادرة على استعادة كل حبة تراب اختل أمنها على يد الارهابيين، وقادرة عل اسقاط مشاريع التفتيت والتقسيم.‏   اما اسرائيل والتي هي احد السببين لكل ما يجري من حرائق ونزف في المنطقة (النفط هوالسبب الآخر) فان وضعها في المرحلة الجديدة يبدو أنه سيتبدل حيث اننا نراها تغرق اكثر في دائرة « القوة العاجزة « الدائرة التي ادخلتها فيها المقاومة في لبنان في العام 2000 لدى طردها من الجنوب، وثبتتها فيها في العام 2006، وجاء ما يحصل في فلسطين اليوم منذ اسر الصهاينة الثلاثة وصولا الى المواجهات في غزة وحولها والتهيب الاسرائيلي من المواجهة الميدانية باجتياح غزة كليا اوجزئيا، يثبت ان اسرائيل غادرت كليا منطقة «الهيبة الرادعة « و»القوة القادرة»، واهتز الدور الوظيفي الذي اسند اليها غربيا لاخضاع المنطقة، وسيكون لهذا الامر تداعيات لن تنحصر في حدود فلسطين التاريخية، ما يمكن سورية ومحور المقاومة من استغلال المشهد الجديد والبناء عليه مستقبلا ويكفي ان يطرح السؤال التالي: اذا كانت غزة المحاصرة ذات المساحة الاقل من 400 كلم2 وضعت اسرائيل في المشهد الذي تتخبط فيه الآن فكيف سيكون حالها مع الجبهة الشمالية حيث سورية وحزب الله ؟... الخبير العاقل يعرف ان الجواب لا يريح اسرائيل.‏   إنها مرحلة جديدة اذن ستفرض قواعدها على المنطقة والعالم وتقدم عناصر جديدة لنظام عالمي جديد قيد التكون، نظام كما توقعنا في الاشهر الستة لبدء العدوان على سورية بانه سيولد من الرحم السوري، فإن سورية ومحورها وحلفاءها اليوم يدفعون حثيثا لاقامته على انقاض احلام اميركية باحادية قطبية ولت الى غير رجعة فاحبط اصحابها، وما الحادث المأسوي الذي حل بالطائرة الماليزية فوق اوكرنيا والذي حمل بصمات تشير الى ارهاب الدولة المرتكب لتوريط روسيا بقرار لا تبرأ منه اميركا إلا وجه يعبر عن حالة الاحباط التي يعانيها اصحاب المشروع الغربي بعد انهيار أحلامهم.‏

المصدر : الثورة / د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة