عشر دقائق مدة الرحلة إلى مكتب "اللواء"، فلم يعد الطريق إلى ذاك المبنى المحصن مُتعبًا، من المزة مرورًا بمحاذاة حي كفرسوسة وسط العاصمة دمشق اختفت الكُتل الاسمنتية، واقتصر الأمر على جنودٍ بلباسهم الميداني الكامل يطلبون الهوية مستفسرين عن الوجهة، طالبين الإذن بتفتيش السيارة.

دخلنا البناء الذي يوحي بالحداثة وكان الضابط "ذو النسر" بانتظارنا، "سيصل سيادته خلال دقائق.. بإمكانكم الانتظار بمكتبي"، حدّثنا الضباط ونحن نتجه إلى مكتبه في الطابق الثاني من البناء المراقب بكاميرات وعيون حراسٍ يرتدون لباسًا "أزرق" و"جعب" توحي بأنهم ذاهبون إلى معركة.

أثناء انتظارنا قصّ علينا الضابط روايات من ذاكرة المكان، حدّثنا عن يوم التفجير الذي استهدف المبنى وعن تبدّل طبيعة الحياة خلال الحرب، لكنه مرّ على ما قال أنها الذكرى الأكثر تأثيرًا "كان تصاعد التهديد بالضربة الأميركية على سورية، وقتها ودعنا عائلاتنا والتزمنا مكاتبنا، اجتمع معنا اللواء على عجل وقال إنّ المبنى من ضمن بنك أهداف  العدو، إن تمت الضربة، لكننا سنبقى هنا لن نغادر - وأنا معكم - نحيا معًا أو نموت معًا".

رنين الهاتف قطع الحديث، اللواء على الخط يطلب أن ندخل. الى بابٍ خشبي كبير أوصلنا الضابط، لنعبر إلى مكتبٍ مترامٍ تتوسطه جدارية كبيرة للرئيس بشار الأسد، يقبع أمامها مكتب اللواء محمد الشعار وزير الداخلية السوري.

يصرّ الرجل أن يسلّم على الضيوف بيده المصابة إثر آخر محاولة اغتيال، ربما ليأكد لهـم أنّ القوة ما زالت حاضرة، قوة الجسد تعكس قوة المفردات التي يستخدمها الرجل. كصحفي، لا تحتاج لأسئلة كثيرة تطرحها.. هو سؤالٌ يتيمٌ عن الأوضاع كفيلٌ بأن يرسم لك به اللواء قطعًا متشابكة، عليك أن تحفظها بذاكرتك وترتّبها لتنضج كمادة صحفية، فأجهزة التسجيل ممنوعةٌ في حضرته.

بحسب اللواء محمد الشعار "قد تكون وزارة الداخلية بعيدةً نسبيًا عن التهليل الإعلامي، لكنها تمارس مهامًا جسيمةً أمنية وقتالية، فقوى الأمن الداخلي تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش السوري في جبهات كثيرة، تمتد من دير الزور شمالًا إلى جوبر في ريف العاصمة".

يخلع نظارته الطبية الصغيرة، متابعًا: "هنالك ضرورة ملحّة لتفعيل عمل أقسام الشرطة ومكافحة الجريمة والبحث عن المطلوبين لتقديمهم إلى القضاء، ومتابعة عمل فروع الهجرة والجوازات في المحافظات لتسهيل وتسريع الخدمات للمواطنين، خصوصًا خلال الأزمة، فالوزارة مسؤولة عن ضبط "ريتم" الحياة اليومية للمواطن كي تكون داعمة للجيش والقوات المسلحة في تسريع عملية الاستقرار التي بدأ يتلمّسها الشارع السوري بشكلٍ عام".

ينهض اللواء الشعار من على مكتبه مشيرًا إلى خارطة كبيرة معلّقة على أحد الجدران: "هذه النقطة لقسم الشرطة في جوبر شرق دمشق.. إلى الآن ما زال القسم صامدًا وفيه عناصر من قوى الأمن الداخلي يستبسلون في الدفاع عنه".. ينقل إصبعه نحو وسط البلاد، يشير إلى حمص قرب الساعة القديمة: "كان قسم الشرطة هو آخر نقطة للدولة السورية قاومت وصمدت بوجه التكفيريين".

يعود إلى كرسيه الفخم متابعًا: "كان لنا جولات كثيرة مع المسلحين، في كسب قواتنا هي التي امتصّت الصدمة الأولى، وفقدنا وقتها أكثر من 35 شهيد كلهم من قوى الأمن الداخلي، قواتنا منتشرة على خارطة الجغرافيا السورية، إن أردت بإمكانك الذهاب إلى دير الزور لترى عناصرنا كيف يحاربون التنظيمات الإرهابية هناك".

يشير اللواء محمد شعار في معرض حديثه إلى تضحيات وزارة الداخلية، حيث "تعرّضت وزارة الداخلية والمراكز التابعة لها لأشرس الاستهدافات، فمبنى الوزارة تعرّض لعدة عمليات تفجير كان آخرها العام الفائت بانتحاريين اثنين تسللوا إلى الوزارة، ومبنى الأمن الجنائي في دمشق تعرّض للهجوم من 4 انتحاريين، كما أنّ قسم باب النيرب بحلب قد تعرّض لاستهدافٍ بسيارتين مفخختين أيضًا". يبتسم متابعًا "كل المراكز التي ذكرتها لك ما زالت قابعة، يرفرف عليها علم البلاد".

يُعرّج الشعار على موضوع المصالحات واصفًا إياها "بنصرٍ للوطن"، منوهًا بأنّ أقسام الشرطة تبدأ عملها مباشرةً في الأيام التي تلي توقيع أية مصالحة، أو عندما يسيطر الجيش السوري على حيّ أو منطقة.

خُتم اللقاء بسؤالٍ عن اسم اللواء في الوزارة المرتقبة، ليجيب: " كما في مكتبي أيضًا، في منزلي علمٌ للبلاد وجداريةٌ لرئيسها، نحن عسكر نلتزم بقرارات قيادتنا".

وزير الداخلية السوري اللواء محمد ابراهيم الشعار من الشخصيات التي تدرّجت في المناصب العسكرية، وهو من مواليد اللاذقية غربي سورية عام 1950، التحق بالقوات المسلحة سنة 1971، وتولّى العديد من المناصب من بينها رئاسة الاستخبارات العسكرية في حلب وقيادة الشرطة العسكرية.

وتولى الشعار في نيسان من العام 2011 مسؤولية وزارة الداخلية في حكومة د. عادل سفر، التي تشكّلت عقب اندلاع الأحداث في سورية.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-19
  • 8922
  • من الأرشيف

في حضرة اللواء....

عشر دقائق مدة الرحلة إلى مكتب "اللواء"، فلم يعد الطريق إلى ذاك المبنى المحصن مُتعبًا، من المزة مرورًا بمحاذاة حي كفرسوسة وسط العاصمة دمشق اختفت الكُتل الاسمنتية، واقتصر الأمر على جنودٍ بلباسهم الميداني الكامل يطلبون الهوية مستفسرين عن الوجهة، طالبين الإذن بتفتيش السيارة. دخلنا البناء الذي يوحي بالحداثة وكان الضابط "ذو النسر" بانتظارنا، "سيصل سيادته خلال دقائق.. بإمكانكم الانتظار بمكتبي"، حدّثنا الضباط ونحن نتجه إلى مكتبه في الطابق الثاني من البناء المراقب بكاميرات وعيون حراسٍ يرتدون لباسًا "أزرق" و"جعب" توحي بأنهم ذاهبون إلى معركة. أثناء انتظارنا قصّ علينا الضابط روايات من ذاكرة المكان، حدّثنا عن يوم التفجير الذي استهدف المبنى وعن تبدّل طبيعة الحياة خلال الحرب، لكنه مرّ على ما قال أنها الذكرى الأكثر تأثيرًا "كان تصاعد التهديد بالضربة الأميركية على سورية، وقتها ودعنا عائلاتنا والتزمنا مكاتبنا، اجتمع معنا اللواء على عجل وقال إنّ المبنى من ضمن بنك أهداف  العدو، إن تمت الضربة، لكننا سنبقى هنا لن نغادر - وأنا معكم - نحيا معًا أو نموت معًا". رنين الهاتف قطع الحديث، اللواء على الخط يطلب أن ندخل. الى بابٍ خشبي كبير أوصلنا الضابط، لنعبر إلى مكتبٍ مترامٍ تتوسطه جدارية كبيرة للرئيس بشار الأسد، يقبع أمامها مكتب اللواء محمد الشعار وزير الداخلية السوري. يصرّ الرجل أن يسلّم على الضيوف بيده المصابة إثر آخر محاولة اغتيال، ربما ليأكد لهـم أنّ القوة ما زالت حاضرة، قوة الجسد تعكس قوة المفردات التي يستخدمها الرجل. كصحفي، لا تحتاج لأسئلة كثيرة تطرحها.. هو سؤالٌ يتيمٌ عن الأوضاع كفيلٌ بأن يرسم لك به اللواء قطعًا متشابكة، عليك أن تحفظها بذاكرتك وترتّبها لتنضج كمادة صحفية، فأجهزة التسجيل ممنوعةٌ في حضرته. بحسب اللواء محمد الشعار "قد تكون وزارة الداخلية بعيدةً نسبيًا عن التهليل الإعلامي، لكنها تمارس مهامًا جسيمةً أمنية وقتالية، فقوى الأمن الداخلي تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش السوري في جبهات كثيرة، تمتد من دير الزور شمالًا إلى جوبر في ريف العاصمة". يخلع نظارته الطبية الصغيرة، متابعًا: "هنالك ضرورة ملحّة لتفعيل عمل أقسام الشرطة ومكافحة الجريمة والبحث عن المطلوبين لتقديمهم إلى القضاء، ومتابعة عمل فروع الهجرة والجوازات في المحافظات لتسهيل وتسريع الخدمات للمواطنين، خصوصًا خلال الأزمة، فالوزارة مسؤولة عن ضبط "ريتم" الحياة اليومية للمواطن كي تكون داعمة للجيش والقوات المسلحة في تسريع عملية الاستقرار التي بدأ يتلمّسها الشارع السوري بشكلٍ عام". ينهض اللواء الشعار من على مكتبه مشيرًا إلى خارطة كبيرة معلّقة على أحد الجدران: "هذه النقطة لقسم الشرطة في جوبر شرق دمشق.. إلى الآن ما زال القسم صامدًا وفيه عناصر من قوى الأمن الداخلي يستبسلون في الدفاع عنه".. ينقل إصبعه نحو وسط البلاد، يشير إلى حمص قرب الساعة القديمة: "كان قسم الشرطة هو آخر نقطة للدولة السورية قاومت وصمدت بوجه التكفيريين". يعود إلى كرسيه الفخم متابعًا: "كان لنا جولات كثيرة مع المسلحين، في كسب قواتنا هي التي امتصّت الصدمة الأولى، وفقدنا وقتها أكثر من 35 شهيد كلهم من قوى الأمن الداخلي، قواتنا منتشرة على خارطة الجغرافيا السورية، إن أردت بإمكانك الذهاب إلى دير الزور لترى عناصرنا كيف يحاربون التنظيمات الإرهابية هناك". يشير اللواء محمد شعار في معرض حديثه إلى تضحيات وزارة الداخلية، حيث "تعرّضت وزارة الداخلية والمراكز التابعة لها لأشرس الاستهدافات، فمبنى الوزارة تعرّض لعدة عمليات تفجير كان آخرها العام الفائت بانتحاريين اثنين تسللوا إلى الوزارة، ومبنى الأمن الجنائي في دمشق تعرّض للهجوم من 4 انتحاريين، كما أنّ قسم باب النيرب بحلب قد تعرّض لاستهدافٍ بسيارتين مفخختين أيضًا". يبتسم متابعًا "كل المراكز التي ذكرتها لك ما زالت قابعة، يرفرف عليها علم البلاد". يُعرّج الشعار على موضوع المصالحات واصفًا إياها "بنصرٍ للوطن"، منوهًا بأنّ أقسام الشرطة تبدأ عملها مباشرةً في الأيام التي تلي توقيع أية مصالحة، أو عندما يسيطر الجيش السوري على حيّ أو منطقة. خُتم اللقاء بسؤالٍ عن اسم اللواء في الوزارة المرتقبة، ليجيب: " كما في مكتبي أيضًا، في منزلي علمٌ للبلاد وجداريةٌ لرئيسها، نحن عسكر نلتزم بقرارات قيادتنا". وزير الداخلية السوري اللواء محمد ابراهيم الشعار من الشخصيات التي تدرّجت في المناصب العسكرية، وهو من مواليد اللاذقية غربي سورية عام 1950، التحق بالقوات المسلحة سنة 1971، وتولّى العديد من المناصب من بينها رئاسة الاستخبارات العسكرية في حلب وقيادة الشرطة العسكرية. وتولى الشعار في نيسان من العام 2011 مسؤولية وزارة الداخلية في حكومة د. عادل سفر، التي تشكّلت عقب اندلاع الأحداث في سورية.

المصدر : سلاب نيوز/ ثائر العجلاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة