دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدأ الرئيس السوري بشار الأسد رسمياً، امس، ولايته الرئاسية الثالثة، التي تمتد لسبع سنوات، بتكريس خطابه السابق في اعتبار معركة سوريا ضد خصومها معركة «وجودية» تمتد ذيولها إلى تحالف غربي ـ إقليمي مرتبط جذرياً بمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وجماعة «الإخوان المسلمين» من جهة أخرى.
وركز الأسد، كما كان متوقعاً، في خطابه على مسألتي «مكافحة الإرهاب التي لا تهاون فيها»، و«ترسيخ نهج المصالحات الوطنية». وما عدا ذلك أفسح الرئيس السوري خطاب قسمه الثالث ـ خلال 14 عاماً من الحكم ـ للتركيز على أولويات المرحلة المقبلة داخليا، ومن بينها «إعادة الإعمار» و«مكافحة الفساد»، وتعميق مشروع الإصلاح الإداري.
وكان لافتاً، الطريقة التي اختارت الرئاسة السورية أن تستهل بها مرحلة الحكم المقبلة، بإخراج لا يخلو من رسائل هو الآخر.
وانضمت إلى حشد الأعضاء الــ250 في مجلس الشعب شخصيات فنية ورياضية وأعضاء الحكومة، وممثلو تحالف أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية»، والقيادتان القطرية والقومية لـ«حزب البعث»، وإعلاميون محليون، والمرشحان الرئاسيان السابقان ماهر الحجار وحسان النوري، وأمهات لشهداء وبعض جرحى الحرب، والذين اختار الأسد أن يصافح أحدهم حين دخل إلى القاعة الفسيحة لقصر الشعب الذي ينتصب على إحدى هضاب قاسيون.
وتقصدت الرئاسة كما ظهر تغيير التقليد القائم بتقديم خطاب القسم بشكله المتواضع السابق في مجلس الشعب، الذي سقطت في محيطه قذائف هاون، باعتباره لا يتسع لهذا العدد من الشخصيات، كما لا يوفر الاطمئنان الأمني اللازم. فعملت على إعداد مشهد إخراجي، اشتركت فيه كاميرات متحركة وثابتة تضمن عناية فائقة في التفاصيل.
وحمل ضابطان، أحدهما من الحرس الجمهوري (رأس الحربة في المعركة القائمة في سوريا) كلا من المصحف والدستور السوري إلى المنصة التي اعتلاها رئيس مجلس الشعب ليقدم الأسد. ونظمت المراسم دخولاً عسكرياً بروتوكولياً للضابطين إلى المنصة، وخروجاً مشابهاً من أمام الصف الأول، في خطوة هي الأولى من نوعها على مستوى المناسبات الرسمية، وفي بلد يفتقر إلى تقاليد مشابهة، كما هي الحال في لبنان وتركيا على سبيل المثال.
وبدت الصورة كأنها انعكاس للدستور الجديد، الذي يتيح نصّاً تغير الرئاسات في انتخابات تجرى كل سبع سنوات، وقدمت رئاسة الجمهورية باعتبارها أم المؤسسات في سوريا وأقواها، وهو ما ينص عليه الدستور ايضاً.
وسار الأسد عبر بوابة قصر الشعب الخمرية والعالية، حيث اجتاز 20 متراً من قاعة الاستقبال نحو القاعة التي ألقى فيها خطابه بعدما استقبل بتصفيق حاد. ولعبت الكاميرات دوراً مساندا للخطاب، وركزت على تفاصيله، منتقلة بين النص والجمهور من أهالي الشهداء عند الحديث عن التضحيات، إلى ممثلي الطوائف الدينية عند الحديث عن «العيش المشترك»، وصولا إلى نهاية الخطاب الذي استغرق ما يزيد عن الساعة، حيث اختار الأسد أن يغادر برفقة عقيلته أسماء.
وبالعودة إلى الخطاب، فقد ركز الأسد في بدايته على المعنى الذي انطوت عليه نتيجة الانتخابات الرئاسية والمشاركة الشعبية فيها. ورأى في النتائج معياراً من معايير الصمود الشعبي والحكومي على حد سواء في المواجهة الحاصلة مع سوريا.
وقال الأسد إن سوريا ليست دولة «عنتريات» تبحث عن مواجهات يائسة، كما أنها ليست دولة «بندريات» في إشارة إلى رئيس الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان. واعتبر أن «البندريات هي أن يتحول الإنسان إلى منبطح بشكل مطلق وكلي، أو أن يتحول إلى عميل، ولو لم يكن هناك من يبحث عن عملاء. إذاً نحن لا نهوى العنتريات ولا نهوى البندريات. كلاهما خطير ويؤدي بصاحبه ودولته وشعبه إلى الهاوية».
ورأى الأسد أن الانتخابات «لم تكن مجرد عملية سياسية إجرائية.. بل كانت معركة كاملة الأبعاد، سُخّرت كل المعارك الأخرى من أجل ربحها».
واعتبر الأسد أن ملامح المرحلة الحالية رسمت في وقت سابق، تمثل بغزو العراق (في العام 2003)، الذي كان «بداية لتكريس الانقسام والطائفية». وكرر أن هذا ما سبق لدمشق أن حذرت منه باعتباره «خط الزلازل الذي يمر بسوريا، والمس به سيؤثر على كل المنطقة». واعتبر أن رفض الغرب والدول الإقليمية والعربية «الإنصات والتعلم» سيقود إلى أن تدفع هذه الدول التي دعمت الإرهاب «ثمناً غالياً»، مشيراً في هذا السياق الى أن «معركة سوريا تتجاوز مساحتها للدفاع عن الشعوب الأخرى».
وكرر الأسد هجومه على «الإخوان المسلمين» ناعتا إياهم بـ«الشياطين». كما هاجم كثيرا الأنظمة الخليجية العربية من دون أن يسميها، مركزاً هجومه خاصة على السعودية، التي تعتبر حجر الزاوية في التحالف القائم ضده. وبدا الخطاب من هذه الناحية لكثيرين، شبيهاً بخطاب شهير، كثيرا ما استعيدت عباراته خلال العامين الماضيين، للرئيس الراحل حافظ الأسد في ذروة معركته ضد «الإخوان المسلمين» في ثمانينيات القرن الماضي.
واستعرض الأسد في هذا السياق سياسات السعودية في أحداث تعود للقرن الماضي، من بينها دعم حرب العام 1967 لإسقاط الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وصولا إلى دعم «فوضى الربيع العربي» بهدف «تذويب القضية الفلسطينية»، التي جدد اعتبارها «قضية مركزية بالنسبة إلى سوريا».
وحمّل الأسد تلك الأنظمة مسؤولية ما حصل في المنطقة العربية تاريخياً، معتبرا أن «دول التخلف العربي كانت وراء كل نكبة أصابت هذه الأمة، ووراء كل حرب ضدها وانحلالها الأخلاقي، وأهم إنجاز للغرب».
أما داخليا فركز الأسد على اعتبار الحلول الناجعة هي «الحلول السورية البحتة التي لا دور لغريب فيها، إلا إن كان داعما». وجدد من منصته «الدعوة لمن حمل السلاح بالتخلي عنه، لأننا لن نتوقف عن مكافحة الإرهاب». ورأى أن خروج البعض، ممن وصفهم بالعملاء والخونة، مكن البلاد من «تنظيف نفسها»، معتبرا أن «الحل السياسي، كما يسمى اصطلاحا، يبنى على المصالحات الداخلية».
ورأى الرئيس السوري أن مبدأ المصالحات لا يتعارض مع «الحوار الوطني الذي بدأته الدولة مع كل الفعاليات الاجتماعية. حوار حول مستقبل الوطن وشكل الدولة»، لكنه لا يتضمن التعاطي مع «القوى التي راهنت على موازين القوى»، أو «التي حاولت إعطاء الغطاء للإرهابيين».
كما رفض الأسد فكرة وجود «حرب أهلية»، متسائلا كيف تكون كذلك و«الجيش موحد والمؤسسات موحدة، والناس مع بعضها البعض في المطاعم». واستنتج أن المجتمع السوري «تجاوز فكرة العيش المشترك قبل الأزمة نحو الاندماج الكامل بين السوريين».
وفي تحليله لمسببات الأزمة الداخلية تطرق الأسد لما وصفه بـ«انعدام الأخلاق»، معتبرا أن هذا العامل كان من أهم عواملها، مشيرا إلى ضرورة «مكافحة الفساد باعتباره أولوية». واعتبر أن الدولة بحاجة «للسير على أكثر من محور»، مشيرا إلى «معاقبة الفاسد، والإصلاح الإداري (يتم على مراحل منذ سنوات)، وتطوير مناهج التعليم، وتطوير المؤسسات التعليمية الدينية».
وأكد أن «الضرر الأكبر الذي أصاب الاقتصاد أصاب البنية التحتية، ما يعني أن تعافيه يعني استعادة هذه البنية». وقال، مخاطبا الحضور، «أعرف أن التوقعات كبيرة والطموحات مشروعة، لكن الحروب تفرض وقائعها على الأرض، ولا بد من تحديد الأولويات» بينها دعم الجيش ورعاية الجرحى وتعويض أهالي الضحايا، كما دعم النازحين واللاجئين، مشيرا إلى ارتفاع مستويات الفقر أيضا. وأضاف أن «إعادة الإعمار هي عنوان اقتصاد المرحلة المقبلة، لكن دون انتظار انتهاء الأزمة».
وقال «ننطلق نحو مرحلة جديدة يميزها القضاء على الإرهاب واستعادة من ضل الطريق عن الوطنية». وأشار إلى مدينة الرقة التي تقع تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، مضيفا أن الجيش «سيخلصها من الإرهابيين». كما أشار إلى «حلب الصامدة» التي تجري العمليات العسكرية لاستكمال استعادتها.
وشكر المقاومة اللبنانية، متمثلة بـ«حزب الله»، وإيران وروسيا. وقال «المرحلة الجديدة بدأت ونحن مستعدون لها، وأهم ما يميزها هو الإجماع على حماية الوطن وإعادة بنائه، أخلاقياً ونفسياً ومعنوياً ومادياً».
المصدر :
السفير /زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة