فيما تعاني سورية والعراق من الحالة الداعشية، وفيما يعكر «الاخونجية» صفو كنانة العرب مصر بالتفجيرات والعراضات، وفيما الحوثيون يعبثون بأرواح اليمنيين واستقرارهم، ووسط هذه الظروف الحالكة السائدة، يستفرد الصهاينة بمن تبقى من الفلسطينيين في ما تبقى لهم من فلسطينهم في غزة والضفة...

ولا أظن أحداً يستبعد أن يكون ما يجري متعمداً، كما أن أحداً قد فاته ملاحظة ان كل «مجاهدينا» عرباً ومسلمين منشغلون ومنهمكون في معارك وجهادات في كل مدن العرب والمسلمين متناسين القدس برغم ما تعانيه من دنس ويحدق بمسجدها الحرام من مخاطر وتجاوزات وانتهاكات...

وفيما تحدق المخاطر بلبنان، تفجيرات وتهديدات وتغييباً لدولته واستهانة بكيانه، يقفز بعض اللبنانيين، وربما هرباً من مواجهة تلك المخاطر والحالات المزرية، نحو طرح موضوع «خطر النزوح السوري» على لبنان، وكأنه الخطر الأكثر تهديداً والأبعد أثراً والأشرس تعاملاً مع لبنان وأهله؟!

والمحزن المؤسف هو غياب أية جهة لبنانية أو سورية أو عربية أو إسلامية تدافع عن هؤلاء النازحين الفقراء النازفين المكومين الباحثين عن الأمن واللقمة ليس إلا. وفيما تدحض مزاعم المحرضين على النازحين الحقائق والوقائع التي ما فتئت تذكَر، بالإضافة إلى مأساتهم ومعاناتهم والظروف التي اضطرتهم للنزوح بأن الوضع الناجم عن استقبال لبنان ليس بالسوء الذي يصوّره أولئك المحرضون المتناسون عن عمد وغرض كل قيم الأخوة والنخوة والتضامن الإنساني والتعامل الحضاري بين الشعوب المتجاورة، ناهيك الشعوب الشقيقة...

 

إن ما يعانيه لبنان من آثار النزوح السوري، يعاني مثله وأكثر الأردن الذي في حجم لبنان وربما أصغر وأفقر وأقل حيلة وأضأل قدرة، وهو استطاع أن يرتب أموره وينظم أوضاعه قدر المستطاع، من دون أن يقرّع أسماع النازحين السوريين صبح مساء بالمنّة والتبرم والدعوة باستحياء ومن دونه إلى العودة إلى ديارهم «المدعوشة» وبيوتهم المهدومة ومدنهم المحرومة من الماء والكهرباء والهواء النقي.

ولعل من المفيد بعد كل ما سبق، وهو بعض البعض مما يقال في هذا الصدد، ان نذكّر المحرضين من اللبنانيين بضرورة ان «يخصموا» من الأرقام التي يرددونها عن أعداد النازحين مئات الآلاف من السوريين المقيمين في لبنان، وباستمرار، وعلى مدة عقود سابقة من السنين، عمالاً وبوّابين وحُراساً فقراء بسطاء ومعهم وربما مثلهم عدد من التجار والسماسرة والملاك والمصرفيين ورجال أعمال انتقلوا مع أموالهم ونشاطاتهم إلى لبنان.

واستطراداً للتذكير، ولعله ينفع المحرضين، فإن هؤلاء النازحين وأغلبيتهم من المكومين والفقراء قد رفعوا نسبة الاستهلاك في لبنان، كما أن الشباب منهم قد شكلوا رفداً لليد العاملة في سوق العمل، ما خفض من تكلفة إنتاجه وزاد من قدرته التنافسية.

ولعل من أشد أنواع ظلم ذوي القربى، مقارنة النزوح السوري إلى لبنان باللجوء الفلسطيني إليه بعد النكبة، ذلك ان السوري عائد لا محالة إلى بلده حين يحسم الاقتتال فيه بحل آت لا محالة، إن عسكرياً أو سياسياً، وهو ليس معرضاً بأية حال للاحتلال الأجنبي الاستيطاني كما حصل في فلسطين. أما الخشية من تأخر عودة النازحين إلى بلدهم أو عزوف بعضهم عن تلك العودة فمردها غالباً إلى تذكّر المحرضين لحقيقة ان كثيرين من اللبنانيين لم يعودوا بعد انتهاء الاقتتال، وتناسي المحرضين لحقيقة متلازمة مع سابقتها وهي ان وراء ذلك العزوف عن العودة أو تأجيلها ما أعقب انتهاء الاقتتال من غياب للدولة ومؤسساتها نتيجة قصور وتقاعس وفساد من تولوا الأمور.

وهو أمر ندعو المحرضين إلى الدعاء معنا ومساندتنا في السعي نحو دولة خالية من «الداعشية» وقادرة على إسعاد السوريين وعلى تحقيق الأمن والاستقرار لسوريا ولكل جيرانها من الأشقاء الذين حزنوا لما ألمّ بها واحتضنوا محزونيها وداووا مرضاهم ورعوا بحنو الشقيق أطفالهم وشيوخهم ونساءهم...

ويكفي السوريين النازحين دواعشهم، فلا تدعشوهم بتكرار إسماعهم برمكم منهم ومنّتكم عليهم وضيقك بهم، فلكل داعش نهاية، والصبر مفتاح الفرج.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-16
  • 13081
  • من الأرشيف

و «اندعشنا»

 فيما تعاني سورية والعراق من الحالة الداعشية، وفيما يعكر «الاخونجية» صفو كنانة العرب مصر بالتفجيرات والعراضات، وفيما الحوثيون يعبثون بأرواح اليمنيين واستقرارهم، ووسط هذه الظروف الحالكة السائدة، يستفرد الصهاينة بمن تبقى من الفلسطينيين في ما تبقى لهم من فلسطينهم في غزة والضفة... ولا أظن أحداً يستبعد أن يكون ما يجري متعمداً، كما أن أحداً قد فاته ملاحظة ان كل «مجاهدينا» عرباً ومسلمين منشغلون ومنهمكون في معارك وجهادات في كل مدن العرب والمسلمين متناسين القدس برغم ما تعانيه من دنس ويحدق بمسجدها الحرام من مخاطر وتجاوزات وانتهاكات... وفيما تحدق المخاطر بلبنان، تفجيرات وتهديدات وتغييباً لدولته واستهانة بكيانه، يقفز بعض اللبنانيين، وربما هرباً من مواجهة تلك المخاطر والحالات المزرية، نحو طرح موضوع «خطر النزوح السوري» على لبنان، وكأنه الخطر الأكثر تهديداً والأبعد أثراً والأشرس تعاملاً مع لبنان وأهله؟! والمحزن المؤسف هو غياب أية جهة لبنانية أو سورية أو عربية أو إسلامية تدافع عن هؤلاء النازحين الفقراء النازفين المكومين الباحثين عن الأمن واللقمة ليس إلا. وفيما تدحض مزاعم المحرضين على النازحين الحقائق والوقائع التي ما فتئت تذكَر، بالإضافة إلى مأساتهم ومعاناتهم والظروف التي اضطرتهم للنزوح بأن الوضع الناجم عن استقبال لبنان ليس بالسوء الذي يصوّره أولئك المحرضون المتناسون عن عمد وغرض كل قيم الأخوة والنخوة والتضامن الإنساني والتعامل الحضاري بين الشعوب المتجاورة، ناهيك الشعوب الشقيقة...   إن ما يعانيه لبنان من آثار النزوح السوري، يعاني مثله وأكثر الأردن الذي في حجم لبنان وربما أصغر وأفقر وأقل حيلة وأضأل قدرة، وهو استطاع أن يرتب أموره وينظم أوضاعه قدر المستطاع، من دون أن يقرّع أسماع النازحين السوريين صبح مساء بالمنّة والتبرم والدعوة باستحياء ومن دونه إلى العودة إلى ديارهم «المدعوشة» وبيوتهم المهدومة ومدنهم المحرومة من الماء والكهرباء والهواء النقي. ولعل من المفيد بعد كل ما سبق، وهو بعض البعض مما يقال في هذا الصدد، ان نذكّر المحرضين من اللبنانيين بضرورة ان «يخصموا» من الأرقام التي يرددونها عن أعداد النازحين مئات الآلاف من السوريين المقيمين في لبنان، وباستمرار، وعلى مدة عقود سابقة من السنين، عمالاً وبوّابين وحُراساً فقراء بسطاء ومعهم وربما مثلهم عدد من التجار والسماسرة والملاك والمصرفيين ورجال أعمال انتقلوا مع أموالهم ونشاطاتهم إلى لبنان. واستطراداً للتذكير، ولعله ينفع المحرضين، فإن هؤلاء النازحين وأغلبيتهم من المكومين والفقراء قد رفعوا نسبة الاستهلاك في لبنان، كما أن الشباب منهم قد شكلوا رفداً لليد العاملة في سوق العمل، ما خفض من تكلفة إنتاجه وزاد من قدرته التنافسية. ولعل من أشد أنواع ظلم ذوي القربى، مقارنة النزوح السوري إلى لبنان باللجوء الفلسطيني إليه بعد النكبة، ذلك ان السوري عائد لا محالة إلى بلده حين يحسم الاقتتال فيه بحل آت لا محالة، إن عسكرياً أو سياسياً، وهو ليس معرضاً بأية حال للاحتلال الأجنبي الاستيطاني كما حصل في فلسطين. أما الخشية من تأخر عودة النازحين إلى بلدهم أو عزوف بعضهم عن تلك العودة فمردها غالباً إلى تذكّر المحرضين لحقيقة ان كثيرين من اللبنانيين لم يعودوا بعد انتهاء الاقتتال، وتناسي المحرضين لحقيقة متلازمة مع سابقتها وهي ان وراء ذلك العزوف عن العودة أو تأجيلها ما أعقب انتهاء الاقتتال من غياب للدولة ومؤسساتها نتيجة قصور وتقاعس وفساد من تولوا الأمور. وهو أمر ندعو المحرضين إلى الدعاء معنا ومساندتنا في السعي نحو دولة خالية من «الداعشية» وقادرة على إسعاد السوريين وعلى تحقيق الأمن والاستقرار لسوريا ولكل جيرانها من الأشقاء الذين حزنوا لما ألمّ بها واحتضنوا محزونيها وداووا مرضاهم ورعوا بحنو الشقيق أطفالهم وشيوخهم ونساءهم... ويكفي السوريين النازحين دواعشهم، فلا تدعشوهم بتكرار إسماعهم برمكم منهم ومنّتكم عليهم وضيقك بهم، فلكل داعش نهاية، والصبر مفتاح الفرج.

المصدر : مروان المهايتي/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة