دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
للمرة الأولى منذ بداية الأزمة السورية ترتسم خطوط تماس ساخنة بين الجيش السوري من جهة وبين "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش" من جهة ثانية.
وجاء هذا التطور بعد سيطرة "الدولة الإسلامية" على أحياء مدينة دير الزور، التي انسحبت منها "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" أمس، في خطوة متوقعة بعد الانهيار الذي أصاب قواتهما في أرياف المدينة الأسبوع الماضي.
وكان "داعش" أحكم سيطرته على جميع مدن وبلدات ريف دير الزور، نتيجة بيعات سرية وتسويات مع بعض الكتائب حصل عليها تباعاً، ومكّنته من توفير الكثير من الذخائر والأسلحة التي كان يفترض أن يستهلكها لولا ذلك.
وقد تسبّبت هذه البيعات والتسويات بانهيار معنويات مسلحي الفصائل الأخرى الذين أدركوا أنه لا أفق لحربهم مع "داعش"، خصوصاً بعد فرار قادة وأمراء "جبهة النصرة" من الشحيل، التي شكل سقوطها ضربة قاصمة لتحالف زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني - "الصحوات".
وإضافة إلى انهيار المعنويات شكّل الحصار الذي فرضه "داعش" على مدينة دير الزور، وقطعه خطوط الإمداد كافة عن الكتائب المتواجدة في أحيائها، عاملاً مهماً تسبب في تسريع استسلام هذه الفصائل، لا سيما أن "الدولة الإسلامية" استغل الحصار ليرسل وفوداً إلى قادة هذه الفصائل للتفاوض معها حول شروط الاستلام والتسليم.
وبينما تواردت الأنباء عن مبايعات حصل عليها "داعش" من كتائب داخل المدينة، كانت فصائل وكتائب عدة أخرى متأثرةً بأحداث العراق وريف دير الزور، تقرر النأي بنفسها عن الصراع واعتزال القتال الذي لا ناقة لها فيه ولا جمل، ولم تكن لتخوضه لولا هيمنة "الهيئة الشرعية" التي كانت تتولى بالأمس توزيع الحصص من الغنائم وحقول النفط وأصبح قادتها اليوم بين قتيل أو هارب. وآخر هذه الكتائب كانت "كتائب محمد" التابعة إلى "جبهة الأصالة والتنمية" التي أصدرت أمس بياناً أعلنت فيه اعتزالها قتال "الدولة الإسلامية"، متبرئة من الجبهة التي كانت تنتمي إليها ومن انحرافها عن منهجها.
جميع هذه الظروف والعوامل، وضعت مَن تبقى من قادة "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" أمام حقيقة لا مفر منها، وهي أن الوقت ينفد ولا سبيل للبقاء في المدينة أكثر من ذلك، لذلك تم اتخاذ قرار إخلاء مقارهم ومراكزهم كافة في المدينة والانسحاب باتجاه أي منطقة تكون آمنة لهم.
وكان صباح أمس على ما يبدو الموعد المقرر لتنفيذ القرار، حيث باشر عناصر "أحرار الشام" و"جبهة النصرة" بإخلاء مقارهم، في الوقت الذي كان فيه رتل عسكري تابع لـ "الدولة الإسلامية" يدخل المدينة عبر جسر السياسية، كي يستلم المقار التي تخليها له الفصائل. وكان رفع راية التنظيم فوق المقر الرئيسي لـ "جبهة النصرة" إيذاناً بأن المدينة أصبحت ضمن قائمة "ولاياته"، وليسيطر بذلك على ثاني مركز محافظة بعد الرقة، كما وصف الحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، لكن مع وجود فارق هو أن الجيش السوري ما زال يسيطر على أحياء ضمن مدينة دير الزور بينما ليس له أي تواجد في مركز مدينة الرقة.
وخلافاً لكثير من وسائل الإعلام التي ذكرت أن السيطرة على دير الزور جاءت كنتيجة لمقتل "أمير جبهة النصرة" في دير الزور صفوان الحنت (أبو حازم البلد)، فإن الوقائع الميدانية تؤكد أن مقتل الحنت من عدمه لم يكن ليؤثر على مجريات الأحداث، وسقوط المدينة بين يدي "داعش". وكل ما في الأمر أن عملية الهروب التي جرى التخطيط لها لإخراج الحنت من المدينة تعرضت إلى فشل ذريع، حيث كشف عناصر "داعش" الخدعة وتمكنوا من إلقاء القبض على الحنت وهو متنكر بزيّ امرأة على مقعد متحرك للمعوقين، ليصار إلى قتله بعد ذلك. وبيّنت الصور التي نشرت له أنه كان حليق الذقن ويرتدي بالفعل ثياب امرأة.
وقد أدّى مقتل الحنت إلى إثارة موجة غضب في صفوف عناصر "جبهة النصرة" في دير الزور، الذين حملوا الجولاني وقادة "النصرة" مسؤولية مقتله، لأنهم هربوا ناجين بأنفسهم وتاركين الحنت وحيداً في مواجهة "الخوارج".
ورغم سيطرة "داعش" على معظم مدينة دير الزور، إلا أن الجيش السوري ما زال يسيطر على أجزاء من المدينة. فهو يسيطر على غالبية أحياء الصناعة والجورة والقصور (خلافاً لما ذكره "المرصد" من سيطرة "داعش" على كامل هذه الأحياء)، وكذلك حي الرشدية وبعض أحياء الحويقة والموظفين والجبيلة. وغالبية هذه الأحياء كانت تشهد اشتباكات مستمرة بين الجيش السوري وبين "جبهة النصرة" وحلفائها طوال الفترة الماضية.
ومن المتوقع أن تنتقل هذه الاشتباكات إلى "داعش" الذي حلّ مكان هذه الفصائل، الأمر الذي يفتح الحرب السورية على مشهد جديد وربما حبكة شديدة التعقيد، نتيجة الترابط بين الأحداث في شرق سوريا وفي غرب العراق، الأمر الذي يستلزم أن تكون مواجهة "داعش" فعالة على طرفي الحدود.
المصدر :
السفير /عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة