لم يستطع الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» الدكتور رمضان عبدالله شلح حبس دموعه في مداخلاته التلفزيونية الأولى تعليقا على نبأ اغتيال الشهيد الحاج عماد مغنية قبل ست سنوات ونيف.

شلح نموذج لشخصيات فلسطينية تدرك جيدا حجم تأثير إنجازات عماد مغنية في دعم المقاومة الفلسطينية من خلال نقل التجربة والعتاد والسلاح، بل وحتى إدارة اللعبة السياسية.

بعد استخلاص العبر من حرب تموز 2006، كانت إسرائيل بحاجة إلى اختبار التعديلات التي أدخلتها على عمل أذرعها العسكرية والأمنية، فكانت عملية «الرصاص المسكوب» 2008 2009 ميدان التجارب الموضعية على ثلاثة محاور مركزية:

- «تشابك الأذرع» أو قدرة مختلف وحدات الجيش (البر والبحر والجو) على التنسيق في ما بينها في دمج وتبادل المعلومات ونقلها إلى القوات على الأرض. (وهذه إحدى الثغرات التي عانى منها الجيش في حرب تموز 2006).

- تكتيكات الغزو البري؛ العنصر الأهم في حسم أي حرب مقبلة بحسب توصيات لجنة فينوغراد.

- «القبة الفولاذية» التي تأمل إسرائيل أن تصل عبرها إلى مرحلة تحييد سلاح الصواريخ القصيرة المدى، بينما تتولى بقية طبقات الدفاع الجوي أمر الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى (تلك التي بحوزة سورية وإيران وربما «حزب الله»).

نقل التجربة من لبنان إلى فلسطين

ولأن الحديث في الإمكانيات المفترضة للمقاومة برا وفي مجال الاستخبارات العسكرية يتطلب إسهابا في الشرح، يمكن الحديث عن «القبة الفولاذية» كنموذج لطريقة عمل المدرسة التي أسسها عماد مغنية منذ توليه منصب المعاون الجهادي للأمين العام لـ«حزب الله» في التسعينيات.

بعد اغتيال «الحاج رضوان»، صدر تقرير في اسرائيل عن سعي مهندسي الصواريخ في «حزب الله» وإيران لإيجاد طرق للتغلب على برامج التعقب والاعتراض في منظومة «القبة الفولاذية».

ليس الحديث عن حرب الأدمغة جديدا بين الطرفين، لكن اللافت للانتباه هو المستوى التقني الذي باتت المقاومة تؤسس عليه مرحلة ما بعد حرب تموز 2006.

أكد التقرير يومها أن «حزب الله» بصدد نقل تجربته في تطوير تقنية اجتياز الصواريخ لـ«القبة الفولاذية» إلى «حماس» و«الجهاد الإسلامي».

من هنا، يمكن فهم السياق الذي تم فيه اغتيال أحد أبرز قادة «كتائب عز الدين القسام» محمود المبحوح في الإمارات، ثم لاحقا ضباط سوريين يعملون في مشاريع تطوير ونقل الصواريخ إلى لبنان وغزة.

سرعان ما تلقفت هيئة التصنيع العسكري الإسرائيلية الخطر المحدق بقبتها الفولاذية، فحدّثت برنامج تشغيل المنظومة وبات بالإمكان تحريك البطاريات من مكان إلى آخر بوقت قياسي لحرمان المقاومة من تركيز نيرانه في قطاع ثابت ومحدد.

غير أن التجربة الحالية لصواريخ القسام وسرايا القدس تثبت نجاح تجارب المقاومة.

كانت إسرائيل قد اختبرت قبل ذلك تكتيكات عماد مغنية في غزة خلال عملية «الرصاص المسكوب»، حين استخدمت سرايا القدس راجمة صواريخ من 6 فوهات يمكن إخفاؤها تحت الأرض، وتعمل وفق نظرية Overwhelming العسكرية؛ أي إغراق المنظومات الدفاعية للعدو وإرباكها بغزارة النيران.

مكانك راوح.. إسرائيلياً

وجاءت تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المتلاحقة لتقلل من آمال الإسرائيليين في «القبة الفولاذية»:

- هناك 200 ألف صاروخ موجهة حاليا نحو إسرائيل من أربع جهات (سورية، ايران، لبنان وغزة).

- بمقدور «حزب الله»، بحسب التقديرات الإسرائيلية، إطلاق ألف صاروخ يوميا، من بينها مئة صاروخ على تل أبيب وحدها.

- تقع «غوش دان» المنطقة الحيوية وسط إسرائيل ضمن مدى 5 آلاف صاروخ نوعي بحوزة «حزب الله» زنة الواحد منها 880 كيلوغراماً.

- صاروخ «فاتح 110» الايراني الصنع والذي بات الحزب يمتلكه على الأرجح قابل لتعديل المسار أثناء التحليق.

- «القبة الفولاذية» غير قادرة على التعامل مع طائرة «أيوب» وعلى سلاح الجو الاسرائيلي ملاحقتها بطائرة «أف 16» أو إعطاء الأمر للدفاعات الجوية لإسقاطها بصاروخ «باتريوت»!

- خشية اسرائيلية من صاروخ «كورنيت» المعدل حديثا في سوريا وكذلك من صاروخ «الكاتيوشا» الذي صار مداه 200 كيلومتر وهما بحوزة «حزب الله»، علما ان أحد قادة الحرس الثوري الايراني أعلن قبل فترة انه بات بحوزة «حزب الله» صواريخ بمدى 400 كلم.

قواعد مغنية

بعد مرور ثماني سنوات على حرب تموز، يمكن القول إن القواعد التي أرساها عماد مغنية في الملف الفلسطيني قد شهدت تطورا نوعيا ملحوظا في ميداني القتال والاستخبارات (ميزة قضية «سامي شهاب» أنها قد كُشفت، فالعمل في مجالات كهذه لا يكون بالتأكيد تحت نظر الإعلام). وهو تطور يمكن اختصاره في ما نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت» قبل أربعة أيام:

«الجولة الحالية مع حماس مؤشر قلق لما ستبدو عليه الجولة المقبلة في الحرب مع لبنان».

الظهر المكشوف

لا يناقش عاقل في الفساد المستشري في سورية قبل بدء الأزمة.

لكن أولوية المقاومة واعتبارات سياسية عدة لم تكن لتضع «حزب الله» في موقع الناقد، وهو الذي يؤخذ عليه لبنانيا إهمال بديهيات المشاركة في الحكم لمصلحة مشروع المقاومة.

لم يكن «حزب الله» ولا إيران تحديدا بعيدين عن المزاج الشعبي السوري في السنوات الأخيرة لجهة الحاجة للقيام بإصلاحات منطقية وضرورية.

ولم يكن سيناريو تخريب سورية من الداخل بعيدا عن التهديدات التي يتلمسها عماد مغنية عند التخطيط للمستقبل؛ وهو سيناريو عقلاني لأي مراقب يتابع مسار المواجهة ما بين غزة ولبنان وسورية والعراق وايران.

لكن الحديث في هذا التهديد ظل محل فرضيات على كل قائد أن يأخذها في الحسبان من دون الإفصاح عنها في دائرة واسعة.

بعد حرب تموز 2006، تداولت العديد من المراكز البحثية الاسرائيلية تقارير عن تغيير في العقيدة القتالية للجيش السوري بناءً على تجربة «حزب الله».

جرى تكثيف الحشد في سلاح المدرعات السوري على الحدود مع اسرائيل وتسلحت البحرية السورية بكميات إضافية من منظومات بحرية هجومية وعززت ترسانتها من الصواريخ المضادة للدروع، كما جرى تجديد وتحسين الترسانة الصاروخية السورية بالتعاون مع ايران بعد حرب تموز.

بدا واضحا أن الجيش السوري يتجه رويدا رويدا نحو نطاق الحرب غير التقليدية. وهنا ليس المقصود السلاح الكيمائي أو البيولوجي، بل المقصود هو «حرب العصابات النوعية».

كان قرار القيادة السورية الاستثمار في وسائل قتال غير كلاسيكية وليد العبر من حرب تموز. لذا يمكن فهم تركيز اسرائيل عند حديثها عن المصلحة الاستراتيجية في الأزمة السورية على ضرورة إشغال الجيش السوري وإزالة التهديد الذي يمثله.

في كانون الأول من العام 2007، أصدر معهد الأمن القومي في تل أبيب دراسة دسمة بعنون «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟» للمحلل الاستراتيجي داني بركوفيتش. (صدرت الدراسة بعد سنتين في كتاب موسع).

بحثت الدراسة عميقا في عناصر قوة المقاومة الفلسطينية و«حزب الله». جاءت سورية في طليعة هذه العناصر.

انطلق بركوفيتش من قاعدة عقلية مفادها أن إضعاف الحزب أمر ممكن إذا تم تحويله إلى لاعب ثانوي غير فعال في المعادلة الإقليمية.

تنوعت توصيات بركوفيتش، ومن ثم لاحقا عشرات الخبراء الاسرائيليين، في رسم إجراءات إضعاف سورية.

سيناريوهات إسرائيلية لسورية

ومع بدء الأزمة في الشام، كانت التقارير ترد من تل أبيب راسمة سيناريوهات المصلحة الاسرائيلية؛ حتى أن تقريرا صدر في الأشهر الأولى للأزمة ذكر بالتحديد أن أحداث سورية ستؤدي الى «تحرك الجماعات السلفية في لبنان في هجمات مسلحة ضد حزب الله».

منذ انتهاء حرب تموز 2006، تحدثت تقارير إسرائيلية عن نقل خبرات من حزب الله إلى سورية.

أما في الميزان الاستراتيجي لحرب تموز فقد كان مقدرا أن تكون سورية في طليعة الرابحين. ولم تكن الصورة الثلاثية الشهيرة (غير المخطط لها مسبقا) للرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد والسيد نصرالله سوى تتويج لهذا التقدم لمحور المقاومة.

وبعيدا عن موقف التأييد لتدخل «حزب الله» في سورية أو الدعوة لسحب عناصره منها، فإن التفكير العقلاني يفسر بسهولة قرار المقاومة بحماية ظهرها؛ وهي التي خبرت في تموز 2006 أهمية الدعم اللوجستي والتقني السوري غير المعلن.

لاحقا، تقاطعت مخاوف الحزب مع رؤية المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد علي الخامنئي الذي اعتبر استهداف سورية مقدمة لنقل المعركة إلى شوارع طهران بالمعنى السياسي والأمني والعسكري. (بالمناسبة لم يكن هناك إجماع لدى القيادات الايرانية في بداية الأزمة السورية على تقدير الموقف، وكان الحاسم في النقاشات آنذاك رأي المرشد الذي تبين لاحقا صحة تقديره).

وتقاطع قرار الحزب مع رؤية الخامنئي في ضرورة دعم النظام السوري، وبشار الأسد تحديدا، مع البدء بمسار بعيد المدى لإعادة بناء الدولة السورية بما يضمن معالجة ثغرات الماضي. (يتحدث الإسرائيليون عن قيام إيران وحزب الله ببناء جيش شعبي سوري رديف من 50 ألف مقاتل).

وبما أن تجربة «حزب الله» غنية في الجانب العسكري، فكان من الطبيعي أن يتخذ مواقعه الحالية في المقدمة إلى جانب الجيش السوري، على الرغم من معرفة قيادة المقاومة جيدا لأثمان هذا القرار الأهم في تاريخها.

خبرات عسكرية أكبر للمقاومة

بعد مرور ثلاث سنوات ونيف على الصراع السوري، لا يبدو أن «حزب الله» قد خسر رهاناته بل هو قد خرج منها بخبرات عسكرية أكبر كانت اسرائيل في طليعة المراقبين لها.

ويمكن الحديث هنا عن عنصر واحد من هذه الخبرات المكتسبة التي تحتاج إلى الكثير من التفصيل: يُفاخر الجيش الاسرائيلي بأن معدل الخسائر في صفوفه عند تنفيذ هجوم مفترض هو بمعدل ثلاثة إلى واحد، أي أن الجيش الإسرائيلي يفترض لدى وضع الخطط وجود 3 مهاجمين من جانبه في مقابل كل مقاتل من العدو. وبالتالي، فإن حزب الله قد كسر هذه المعادلة وحقق إنجازا عسكريا حقيقيا (ويمكن لمن يود التدقيق في عدد شهداء الحزب أثناء معركة القصير وحديث الطرف الآخر عن خسائره لاحتساب النسبة).

وعاد الحزب وكرر تجربته في أكثر من منطقة في سورية مع خبرات إضافية أبعد من مجرد اقتحام بقعة جغرافية واسعة.

وكما كان عماد مغنية أحد العقول التي استوحت في بدايات العمل المقاوم تأثير الصواريخ المنحنية المسار في قتال اسرائيل، جاءت تجربة سورية لتثبت صحة رؤيته لأفق الصراع ضمن قاعدة استراتيجية ثانية عنوانها «ما غُزِيَ قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا».

  • فريق ماسة
  • 2014-07-13
  • 9360
  • من الأرشيف

صورة نادرة للشهيد عماد مغنية...دماؤه ترسم معادلات إقليمية جديدة

لم يستطع الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين» الدكتور رمضان عبدالله شلح حبس دموعه في مداخلاته التلفزيونية الأولى تعليقا على نبأ اغتيال الشهيد الحاج عماد مغنية قبل ست سنوات ونيف. شلح نموذج لشخصيات فلسطينية تدرك جيدا حجم تأثير إنجازات عماد مغنية في دعم المقاومة الفلسطينية من خلال نقل التجربة والعتاد والسلاح، بل وحتى إدارة اللعبة السياسية. بعد استخلاص العبر من حرب تموز 2006، كانت إسرائيل بحاجة إلى اختبار التعديلات التي أدخلتها على عمل أذرعها العسكرية والأمنية، فكانت عملية «الرصاص المسكوب» 2008 2009 ميدان التجارب الموضعية على ثلاثة محاور مركزية: - «تشابك الأذرع» أو قدرة مختلف وحدات الجيش (البر والبحر والجو) على التنسيق في ما بينها في دمج وتبادل المعلومات ونقلها إلى القوات على الأرض. (وهذه إحدى الثغرات التي عانى منها الجيش في حرب تموز 2006). - تكتيكات الغزو البري؛ العنصر الأهم في حسم أي حرب مقبلة بحسب توصيات لجنة فينوغراد. - «القبة الفولاذية» التي تأمل إسرائيل أن تصل عبرها إلى مرحلة تحييد سلاح الصواريخ القصيرة المدى، بينما تتولى بقية طبقات الدفاع الجوي أمر الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى (تلك التي بحوزة سورية وإيران وربما «حزب الله»). نقل التجربة من لبنان إلى فلسطين ولأن الحديث في الإمكانيات المفترضة للمقاومة برا وفي مجال الاستخبارات العسكرية يتطلب إسهابا في الشرح، يمكن الحديث عن «القبة الفولاذية» كنموذج لطريقة عمل المدرسة التي أسسها عماد مغنية منذ توليه منصب المعاون الجهادي للأمين العام لـ«حزب الله» في التسعينيات. بعد اغتيال «الحاج رضوان»، صدر تقرير في اسرائيل عن سعي مهندسي الصواريخ في «حزب الله» وإيران لإيجاد طرق للتغلب على برامج التعقب والاعتراض في منظومة «القبة الفولاذية». ليس الحديث عن حرب الأدمغة جديدا بين الطرفين، لكن اللافت للانتباه هو المستوى التقني الذي باتت المقاومة تؤسس عليه مرحلة ما بعد حرب تموز 2006. أكد التقرير يومها أن «حزب الله» بصدد نقل تجربته في تطوير تقنية اجتياز الصواريخ لـ«القبة الفولاذية» إلى «حماس» و«الجهاد الإسلامي». من هنا، يمكن فهم السياق الذي تم فيه اغتيال أحد أبرز قادة «كتائب عز الدين القسام» محمود المبحوح في الإمارات، ثم لاحقا ضباط سوريين يعملون في مشاريع تطوير ونقل الصواريخ إلى لبنان وغزة. سرعان ما تلقفت هيئة التصنيع العسكري الإسرائيلية الخطر المحدق بقبتها الفولاذية، فحدّثت برنامج تشغيل المنظومة وبات بالإمكان تحريك البطاريات من مكان إلى آخر بوقت قياسي لحرمان المقاومة من تركيز نيرانه في قطاع ثابت ومحدد. غير أن التجربة الحالية لصواريخ القسام وسرايا القدس تثبت نجاح تجارب المقاومة. كانت إسرائيل قد اختبرت قبل ذلك تكتيكات عماد مغنية في غزة خلال عملية «الرصاص المسكوب»، حين استخدمت سرايا القدس راجمة صواريخ من 6 فوهات يمكن إخفاؤها تحت الأرض، وتعمل وفق نظرية Overwhelming العسكرية؛ أي إغراق المنظومات الدفاعية للعدو وإرباكها بغزارة النيران. مكانك راوح.. إسرائيلياً وجاءت تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المتلاحقة لتقلل من آمال الإسرائيليين في «القبة الفولاذية»: - هناك 200 ألف صاروخ موجهة حاليا نحو إسرائيل من أربع جهات (سورية، ايران، لبنان وغزة). - بمقدور «حزب الله»، بحسب التقديرات الإسرائيلية، إطلاق ألف صاروخ يوميا، من بينها مئة صاروخ على تل أبيب وحدها. - تقع «غوش دان» المنطقة الحيوية وسط إسرائيل ضمن مدى 5 آلاف صاروخ نوعي بحوزة «حزب الله» زنة الواحد منها 880 كيلوغراماً. - صاروخ «فاتح 110» الايراني الصنع والذي بات الحزب يمتلكه على الأرجح قابل لتعديل المسار أثناء التحليق. - «القبة الفولاذية» غير قادرة على التعامل مع طائرة «أيوب» وعلى سلاح الجو الاسرائيلي ملاحقتها بطائرة «أف 16» أو إعطاء الأمر للدفاعات الجوية لإسقاطها بصاروخ «باتريوت»! - خشية اسرائيلية من صاروخ «كورنيت» المعدل حديثا في سوريا وكذلك من صاروخ «الكاتيوشا» الذي صار مداه 200 كيلومتر وهما بحوزة «حزب الله»، علما ان أحد قادة الحرس الثوري الايراني أعلن قبل فترة انه بات بحوزة «حزب الله» صواريخ بمدى 400 كلم. قواعد مغنية بعد مرور ثماني سنوات على حرب تموز، يمكن القول إن القواعد التي أرساها عماد مغنية في الملف الفلسطيني قد شهدت تطورا نوعيا ملحوظا في ميداني القتال والاستخبارات (ميزة قضية «سامي شهاب» أنها قد كُشفت، فالعمل في مجالات كهذه لا يكون بالتأكيد تحت نظر الإعلام). وهو تطور يمكن اختصاره في ما نشرته صحيفة «يديعوت احرونوت» قبل أربعة أيام: «الجولة الحالية مع حماس مؤشر قلق لما ستبدو عليه الجولة المقبلة في الحرب مع لبنان». الظهر المكشوف لا يناقش عاقل في الفساد المستشري في سورية قبل بدء الأزمة. لكن أولوية المقاومة واعتبارات سياسية عدة لم تكن لتضع «حزب الله» في موقع الناقد، وهو الذي يؤخذ عليه لبنانيا إهمال بديهيات المشاركة في الحكم لمصلحة مشروع المقاومة. لم يكن «حزب الله» ولا إيران تحديدا بعيدين عن المزاج الشعبي السوري في السنوات الأخيرة لجهة الحاجة للقيام بإصلاحات منطقية وضرورية. ولم يكن سيناريو تخريب سورية من الداخل بعيدا عن التهديدات التي يتلمسها عماد مغنية عند التخطيط للمستقبل؛ وهو سيناريو عقلاني لأي مراقب يتابع مسار المواجهة ما بين غزة ولبنان وسورية والعراق وايران. لكن الحديث في هذا التهديد ظل محل فرضيات على كل قائد أن يأخذها في الحسبان من دون الإفصاح عنها في دائرة واسعة. بعد حرب تموز 2006، تداولت العديد من المراكز البحثية الاسرائيلية تقارير عن تغيير في العقيدة القتالية للجيش السوري بناءً على تجربة «حزب الله». جرى تكثيف الحشد في سلاح المدرعات السوري على الحدود مع اسرائيل وتسلحت البحرية السورية بكميات إضافية من منظومات بحرية هجومية وعززت ترسانتها من الصواريخ المضادة للدروع، كما جرى تجديد وتحسين الترسانة الصاروخية السورية بالتعاون مع ايران بعد حرب تموز. بدا واضحا أن الجيش السوري يتجه رويدا رويدا نحو نطاق الحرب غير التقليدية. وهنا ليس المقصود السلاح الكيمائي أو البيولوجي، بل المقصود هو «حرب العصابات النوعية». كان قرار القيادة السورية الاستثمار في وسائل قتال غير كلاسيكية وليد العبر من حرب تموز. لذا يمكن فهم تركيز اسرائيل عند حديثها عن المصلحة الاستراتيجية في الأزمة السورية على ضرورة إشغال الجيش السوري وإزالة التهديد الذي يمثله. في كانون الأول من العام 2007، أصدر معهد الأمن القومي في تل أبيب دراسة دسمة بعنون «هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟» للمحلل الاستراتيجي داني بركوفيتش. (صدرت الدراسة بعد سنتين في كتاب موسع). بحثت الدراسة عميقا في عناصر قوة المقاومة الفلسطينية و«حزب الله». جاءت سورية في طليعة هذه العناصر. انطلق بركوفيتش من قاعدة عقلية مفادها أن إضعاف الحزب أمر ممكن إذا تم تحويله إلى لاعب ثانوي غير فعال في المعادلة الإقليمية. تنوعت توصيات بركوفيتش، ومن ثم لاحقا عشرات الخبراء الاسرائيليين، في رسم إجراءات إضعاف سورية. سيناريوهات إسرائيلية لسورية ومع بدء الأزمة في الشام، كانت التقارير ترد من تل أبيب راسمة سيناريوهات المصلحة الاسرائيلية؛ حتى أن تقريرا صدر في الأشهر الأولى للأزمة ذكر بالتحديد أن أحداث سورية ستؤدي الى «تحرك الجماعات السلفية في لبنان في هجمات مسلحة ضد حزب الله». منذ انتهاء حرب تموز 2006، تحدثت تقارير إسرائيلية عن نقل خبرات من حزب الله إلى سورية. أما في الميزان الاستراتيجي لحرب تموز فقد كان مقدرا أن تكون سورية في طليعة الرابحين. ولم تكن الصورة الثلاثية الشهيرة (غير المخطط لها مسبقا) للرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد والسيد نصرالله سوى تتويج لهذا التقدم لمحور المقاومة. وبعيدا عن موقف التأييد لتدخل «حزب الله» في سورية أو الدعوة لسحب عناصره منها، فإن التفكير العقلاني يفسر بسهولة قرار المقاومة بحماية ظهرها؛ وهي التي خبرت في تموز 2006 أهمية الدعم اللوجستي والتقني السوري غير المعلن. لاحقا، تقاطعت مخاوف الحزب مع رؤية المرشد الأعلى للثورة في إيران السيد علي الخامنئي الذي اعتبر استهداف سورية مقدمة لنقل المعركة إلى شوارع طهران بالمعنى السياسي والأمني والعسكري. (بالمناسبة لم يكن هناك إجماع لدى القيادات الايرانية في بداية الأزمة السورية على تقدير الموقف، وكان الحاسم في النقاشات آنذاك رأي المرشد الذي تبين لاحقا صحة تقديره). وتقاطع قرار الحزب مع رؤية الخامنئي في ضرورة دعم النظام السوري، وبشار الأسد تحديدا، مع البدء بمسار بعيد المدى لإعادة بناء الدولة السورية بما يضمن معالجة ثغرات الماضي. (يتحدث الإسرائيليون عن قيام إيران وحزب الله ببناء جيش شعبي سوري رديف من 50 ألف مقاتل). وبما أن تجربة «حزب الله» غنية في الجانب العسكري، فكان من الطبيعي أن يتخذ مواقعه الحالية في المقدمة إلى جانب الجيش السوري، على الرغم من معرفة قيادة المقاومة جيدا لأثمان هذا القرار الأهم في تاريخها. خبرات عسكرية أكبر للمقاومة بعد مرور ثلاث سنوات ونيف على الصراع السوري، لا يبدو أن «حزب الله» قد خسر رهاناته بل هو قد خرج منها بخبرات عسكرية أكبر كانت اسرائيل في طليعة المراقبين لها. ويمكن الحديث هنا عن عنصر واحد من هذه الخبرات المكتسبة التي تحتاج إلى الكثير من التفصيل: يُفاخر الجيش الاسرائيلي بأن معدل الخسائر في صفوفه عند تنفيذ هجوم مفترض هو بمعدل ثلاثة إلى واحد، أي أن الجيش الإسرائيلي يفترض لدى وضع الخطط وجود 3 مهاجمين من جانبه في مقابل كل مقاتل من العدو. وبالتالي، فإن حزب الله قد كسر هذه المعادلة وحقق إنجازا عسكريا حقيقيا (ويمكن لمن يود التدقيق في عدد شهداء الحزب أثناء معركة القصير وحديث الطرف الآخر عن خسائره لاحتساب النسبة). وعاد الحزب وكرر تجربته في أكثر من منطقة في سورية مع خبرات إضافية أبعد من مجرد اقتحام بقعة جغرافية واسعة. وكما كان عماد مغنية أحد العقول التي استوحت في بدايات العمل المقاوم تأثير الصواريخ المنحنية المسار في قتال اسرائيل، جاءت تجربة سورية لتثبت صحة رؤيته لأفق الصراع ضمن قاعدة استراتيجية ثانية عنوانها «ما غُزِيَ قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا».

المصدر : السفير/ علي شهاب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة