تتطرق هذه المقالة لأحداث غزة الأخيرة وتركز على دور حماس فيها في محاولة لفهم الأهداف الحقيقية فيما يحصل. تهدف الأجزاء الأولى على تقديم تاريخ حماس الحقيقي. إذا كان هذا الجزء مألوفاً لك عزيزي القارئ يمكنك القفز إلى فقرة «حماس والربيع العربي» ومابعدها.

الولادة والنشوء

تعود بدايات حركة الإخوان المسلمين في فلسطين إلى الثلاثينات من القرن العشرين ومن رحم هذه الحركة ولدت حماس، وليس في هذا أي سر. وكان مامهد لهذه الولادة هو النشاطات الدعوية ولاسيما بناء المساجد التي كان رائدها «المجمع الإسلامي» المؤسس في 1973. وكانت هذه الأنشطة تقام تحت أعين السلطات الإسرائيلية التي غضت النظر عما يحصل لأنها اعتبرت أن ولادة فصيل فلسطيني جديد، ولاسيما من خلفية إسلامية، سيسمح بتقسيم الصف الفلسطيني أكثر وتقويض نفوذ حركة فتح بقيادة ياسر عرفات. ولهذا منحت موافقة رسمية على نشاطات «المجمع الإسلامي» في عام 1979. أما الولادة الرسمية للحركة فكانت مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1987. وكان من أهم الأعضاء الحاضرين يومها الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار وكان الاسم المقترح للحركة هو «حركة المقاومة الإسلامية» وبأخذ الأحرف الأولى أصبح الاسم هو «حمس» ولكن تم الاتفاق على اسم «حماس» التي يترادف اسمها مع معاني الحماسة والاندفاع التي يعبر عنها شعار الإخوان المسلمين «حق، قوة، حرية» (يمكن الإطلاع على الكثير من التفاصيل حول الدور الذي قدمته إسرائيل في التمهيد لبروز حماس في العديد من الكتب التي تتناول تاريخ حماس ويمكن للراغب بالإطلاع على المزيد أن يراجع، على وجه الخصوص، كتاب زكي شهاب «حماس من الداخل»).

ومع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى واستمرارها لسنوات وتوقيع اتفاقية أوسلو وعودة فتح إلى فلسطين المحتلة، توسع نفوذ حركة حماس وكان للخطوة التي قام بها مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين بفصل الجناح السياسي لحماس عن الجناح العسكري، الممثل بكتائب عز الدين القسام، الدور الأهم في الحفاظ على بقاء حركة حماس حيث كان الجناح السياسي من حماس يحاجج بأنه غير مسؤول عن العمليات العسكرية التي ينفذها الجناح العسكري. وهكذا تمكنت قيادة هذا الجناح من البقاء خارج السجون الإسرائيلية وتجنب تحمل المسؤولية والمحاسبة. المفارقة أن مثل هذا السلوك، أي تقسيم الحركة إلى جناحين لتجنب تحمل المسؤولية، لم يلجأ له أي فصيل فلسطيني آخر. فحتى حركة فتح كانت تصرح بأنها هي من يصدر التعليمات إلى «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لها. أما حماس فهي الوحيدة التي قررت الالتزام بالسياسة الإخوانية المتمثلة بفصل الأداة العسكرية عن القيادة السياسية لتجنب تحمل المسائلة. والسوابق التاريخية هنا تشمل ماكانت تحاجج به حركة الإخوان المسلمين السورية في الثمانينات عندما كانت تقول أن «الطليعة المقاتلة» هي جناح عسكري لايتبع لها ولا يجوز تحميلها، أي الإخوان المسلمين، مسؤولية الأعمال الإرهابية التي كانت تنفذها الطليعة.

التطور خلال التسعينات وصولاً إلى 2004

بقي الشيخ الشهيد أحمد ياسين قائداً للحركة بأجنحتها المختلفة، ولكن مع اعتقاله آخر الثمانينات تم تأسيس مكتب سياسي للحركة في الأردن وأصبح موسى أبو مرزوق رئيسه وبقي كذلك حتى اعتقاله في العام 1995 عندما كان متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد ترحيله من الأردن. وتم اختيار خالد مشعل خليفة لموسى أبو مرزوق الذي عاد إلى الأردن في العام 1997 ليجد خالد مشعل متمسكاً بمنصبه وليقبل هو، أي أبو مرزوق بأن يصبح نائباً لمشعل. بعد خروج المكتب السياسي من عمان في العام 1999 عرضت الدوحة استقبالهم. يومها أجاب وزير الخارجية القطري الشهير، حمد بن جاسم، على سؤال الراحل الملك حسين عن دافع قطر لاستقبال حماس بالقول أن هذا الاستقبال يسمح للدوحة باستمرار علاقاتها مع تل أبيب وبنفس الوقت الحفاظ على علاقات جيدة مع بقية الدول العربية. كانت حماس تدرك ذلك بكل تأكيد ولكنها رضيت بلعب هذا الدور. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستفيد فيها حماس من التناقضات الإقليمية، ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. فعلى سبيل المثال، لعبت وسائل الإعلام المقربة من طهران دوراً كبيراً في تكبير حجم الدور الذي كانت تلعبه حماس في الانتفاضة الفلسطينية لا لشيء سوى لتقزيم دور حركة فتح وياسر عرفات والذين سخطت عليهم طهران بسبب موقفهم المؤيد لصدام حسين في حربه ضد إيران. وهكذا نمت حماس مستغلةً تلك التناقضات ومستغلةً العمليات النوعية التي كان عناصر القسام ينفذونها ولاسيما تلك التي حضر لها المهندس يحيى أبو عياش مطلع التسعينات قبل أن يتم اغتياله بعبوة ناسفة صغيرة وضعت في هاتف جوال يستخدمه بعد اختراق مخابراتي إسرائيلي. وهكذا برزت حماس كواحدة من أهم الفصائل الفلسطينية واستمرت حماس بالبقاء بالرغم من استمرار الاغتيالات التي بدت وكأنها تستهدف أشخاصاً بعينهم لإتاحة المجال لبروز أشخاص آخرين.

وفي عام 2000 انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية وانتقلت كوادر حماس إلى دمشق لتبرز الحركة أكثر مع تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصاً بعد حصول حماس على دفعات من الأسلحة مصدرها سورية وإيران. تمددت حركة حماس لتتفوق على باقي الحركات الفلسطينية حتى جاءت أحداث العام 2004 المفاجئة عندما قررت إسرائيل استهداف القيادات السياسية لحماس وذلك للمرة الأولى خلال سبعة عشر عاماً حيث قامت باغتيال الشيخ أحمد ياسين بصاروخ موجه يوم 22 آذار 2004 ثم عادت مرة أخرى واغتالت خليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعد حوالي الثلاثة أسابيع فقط، في 17 نيسان. وهكذا تم خلال شهر واحد إزاحة أهم اثنين من القادة المؤسسين لحماس ولتنتقل قيادة الجناح السياسي إلى خالد مشعل وقد كان هناك فهم عام أن سبب اختيار مشعل على الدكتور محمود صيام هو لتجنب اغتياله كون مشعل مقيماً في دمشق بينما صيام كان مقيماً في غزة. وفي كل الأحوال، فقد تم اغتيال محمود صيام في مطلع العام 2008 وبذلك تم تصفية القادة المؤسسين لحركة حماس وأصبح الميدان مفتوحاً للجيل الثاني الذي كان في الظل.

إن أبرز التغييرات التي تلت إزاحة القائدين المؤسسين لحماس في 2004 هي قرار شارون المفاجئ الانسحاب من غزة في عام 2005 بدون أي اتفاق أو تفاوض. أما ثاني المفاجآت فهو قرار المكتب السياسي لحماس المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية سنة 2006، وهي الانتخابات التي كان الجهاد الإسلامي قرر عدم المشاركة فيها على الإطلاق. ولكن حماس شاركت وفازت فيها وحققت أغلبية تسمح لها بتشكيل الحكومة لوحدها وترأس الحكومة اسماعيل هنية ووافقت حركة فتح على ذلك وسادت حالة من الهدوء الحذر بين الطرفين الذي مالبث أن تفجرفي حزيران 2007 مع رفض حماس قرار محمود عباس إقالة اسماعيل هنية والذي بقي يترأس الحكومة التي أصبح يشار إليها باسم الحكومة المقالة في غزة. وفي نهاية العام 2008 وجهت حكومة ايهود أولمرت ضربة لقطاع غزة ضمن العملية التي عرفت باسم «الرصاص المصبوب» والتي شملت ضربات جوية وعمليات توغل برية وخلفت دماراً هائلاً في البنية التحتية في قطاع غزة وأكثر من ألف شهيد مدني إضافة إلى اغتيال عدد من كوادر حماس. كان ماميز تلك العملية هو طولها النسبي من ناحية وحجم الدمار من ناحية ثانية وتوحد الفصائل الفلسطينية في مواجهة القوات الإسرائيلية من ناحية أخرى. انتهت الحرب بفشل إسرائيل في القضاء على الفصائل المقاتلة والقبول باتفاق تهدئة متبادل بقي قائماً منذ مطلع 2009 إلى اليوم ولم يعكره سوى عملية قصيرة في خريف 2012 والعملية الجارية اليوم.

حماس والربيع العربي

قبل انطلاق مايعرف بالربيع العربي كان هناك إجماع أن حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية، هي جزء من مايعرف باسم محور المقاومة الذي تمثله سورية وإيران وحزب الله. يذكر صحفيون ومتابعون لتاريخ حماس أنها في نهاية القرن الماضي لم تكن تملك سوى بضع أسلحة فردية تم الحصول عليها من السوق السوداء وكان هناك مدفع رشاش واحد من طراز «كارل غوستاف» يعود إلى أيام الحرب العالمية الثانية. ولكن هذا الحال تغير مئة وثمانين درجة عندما نقلت حماس مكاتبها إلى دمشق حيث بدأ تدفق السلاح والمال والمعارف العسكرية وكان الهدف في البداية تأمين متطلبات الصمود لهذه الحركة، وكذلك لبقية الفصائل الفلسطينية، ولكن بتأثير الأوضاع السياسية المستجدة في المنطقة تم رفع مستوى التسليح إلى مستويات غير مسبوقة. وكان هناك رأي عام مفاده أن سورية وإيران يتوليان تسليح الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حماس التي تأخذ حصة الأسد من التسليح والتمويل، وذلك لكي يكون قطاع غزة منصة لمهاجمة إسرائيل عند وقوع أي حرب إقليمية.

لم يكن من الممكن تسليح حماس، أو بقية الفصائل، للقيام بحرب تحرير ضد إسرائيل وذلك لأسباب كثيرة منها: (1) الطبيعة الجغرافية لقطاع غزة التي تغلب عليها التضاريس الصحراوية المنسبطة(2) غياب العمق الجغرافي الذي يسمح بانطلاق مثل هذه الحرب من غزة حيث لايوجد إمكانية لخوض حرب عصابات أو الانسحاب إلى الخلف إذا مادعت الضرورة لذلك (على عكس الحال في لبنان مثلاً حيث كانت القواعد الحقيقية لحزب الله في البقاع وبعلبك والضاحية الجنوبية بعيداً عن خط المواجهة في الجنوب (3) عدم وجود خطوط إمداد مستمرة تؤمن استمرار الحرب إذا ماوقعت وتحول دون القضاء على فصائل المقاومة وتؤمن تقديم المعونات اللازمة لصمود سكان غزة (4) وجود حوالي 10 فصائل مسلحة مختلفة في غزة يملك كل منها أجندة سياسية خاصة به (5) في المرحلة مابعد 2006 بدا أن حماس تميل للسيطرة على مقاليد اللعبة السياسية وإيلاء قتال إسرائيل الدرجة الثانية في أولوياتها.

وهكذا أصبح مفهوماً أن وظيفة السلاح في غزة هي مزدوجة: خلق ردع يمنع أي هجوم إسرائيلي على القطاع والمشاركة بالأعمال العسكرية ضد إسرائيل إذا ماوقعت الحرب الإقليمية التي كانت في سنة مرجحة أكثر فأكثر. واستمر التنسيق السوري الإيراني الغزاوي على هذا الأساس حتى حل الربيع العربي واندلعت الأزمة السورية، حيث فضلت حماس التعبير عن موقف ملتبس وصفته هي بالمحايد فيما تراوحت مواقف بقية الفصائل الفلسطينية بين الصمت، كما في حالة الجهاد الإسلامي، ومساندة القيادة السورية كما في حالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة. ولكن مع تطور الأوضاع في المنطقة وبروز نجم الإخوان المسلمين في مصر، استكملت حماس الاستدارة في موقفها فنقلت مكاتبها في صمت من دمشق إلى الدوحة ووضعت بيضها في سلة الرئيس الإخواني المصري محمد مرسي وأعلنت مساندة مايسمى «الثورة السورية» وظهرت مواقف مستغربة جداً لكل قيادات الحركة، سواء في الداخل أو في الخارج، ممايجري في سورية. وكل ذلك كان يحصل وسط أنباء متواترة عن مشاركة مقاتلين من حماس في صفوف مناهضي الحكومة السورية. واستبدل الفلسطينيون في الداخل صور شهدائهم الذين كانوا يرتقون في مواجهة العدو الإسرائيلي بصور متواترة للقتلى الذين قدموا من فلسطين المحتلة للقتال في سورية.

وفي وسط هذه المعمعة حصل تصعيد غير مفهوم بين حماس وإسرائيل في شهر تشرين الثاني 2012 وتم تبادل القصف بالطيران وإطلاق الصواريخ. أقول تصعيد غير مفهوم لأن حماس اختارت في شهر آذار 2012 عدم المشاركة إلى جانب الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية في رد العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم 9 آذار باغتيال زهير القيسي، الأمين العام للجان المقاومة الشعبية، حيث صرحت قيادة حماس، يوم 14 آذار، بأن "الحرب الشاملة ستكون مدمرة للشعب الفلسطيني". ولكن في خريف ذلك العام تغير موقف حماس بشكل غامض حيث حصل تصعيد جرى فيه استهداف عربة جيب إسرائيلية واشتباكات متفرقة ثم إطلاق حوالي 100 صاروخ في يوم واحد مما أدى إلى إطلاق إسرائيل للعملية التي سمتها بـ «أعمدة السحاب» وكان أول منجزاتها في 14 تشرين الثاني اغتيال أحمد الجعبري نائب القائد العسكري لكتائب القسام. لم يتسائل أحدٌ يومها لماذا لم تصرح حماس بأن المواجهة مع إسرائيل ستسبب الدمار للشعب الفلسطيني؟ لم تقف بقية الفصائل الفلسطينية يومها موقف المتفرج، كما فعلت حماس في السابق، بل انضمت إلى القتال من خلال استهداف مدن إسرائيلية مختلفة بمافيها تل أبيب. استمر التصعيد لأسبوع تقريباً انتهى بوساطة مصرية تم الاتفاق فيها على التهدئة المتبادلة بضمانة مصر وهذا ماحصل. ولكن كان الثمن الذي دفعته كتائب القسام وبقية الفصائل المقاتلة هو استهداف أكثر من 1500 موقع لها من قبل الطيران الإسرائيلي واستشهاد مئة مقاتل فلسطيني وحوالي مئة آخرين. لم يكن هناك من إنجاز سياسي مهم يمكن الحديث عنه سوى تلميع صورة الإخوان المسلمين وظهورهم بمظهر اللاعب الإقليمي والشريك في السلام. بينما قدر محللون عسكريون أن الضربات الإسرائيلية يومها أوقعت خسائر فادحة في القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية قد تحتاج لفترة طويلة لإعادة ترميمها.

2014: الصيف الغامض

بدأ صيف 2014 بموقف ملفت من حماس التي وافقت فجأة، في 2 حزيران، على قبول بحكومة تشكلها فتح، واعتبرت هذا القبول تعبيراً عن مصالحة تغلق ملف العداوة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كان الاعتقاد السائد هو أن حماس اضطرت للرضوخ والقبول بحكومة وحدة وطنية بسبب سقوط النظام الإخواني في مصر وانتشار شعور عام غير مسبوق في مصر معادي لحركة حماس. لم تلبث المشاكل طويلاً قبل أن تطفو إلى السطح بين حماس وفتح وخصوصاً بمايتعلق بالتحويلات المالية. لم يزاحم أخبار حكومة الوحدة الجديدة سوى الخبر المفاجئ عن اختطاف ثلاثة طلاب إسرائيليين من الضفة الغربية يوم الخميس 12 حزيران. سارعت إسرائيل يومها إلى مباشرة حملة بحث واسعة عن المختطفين إضافة إلى حملة اعتقالات في صفوف الفلسطينيين. وكان اللافت هو ماكانت يردده الناطقون باسم حماس حول المختطفين الثلاثة والذي فهم منه أن المختطفين بحوزتها وأنها ستكرر عمليات الاختطاف هذه. استمر التصعيد الإسرائيلي من اعتقالات ومداهمات مع تغير الرأي العام الإسرائيلي ومطالبته بعملية عقابية للفلسطينيين وخصوصاً بعد العثور على المختطفين الثلاثة مقتولين وقد أظهر التحقيق أنهم قد قتلوا منذ اليوم الأول لاختطافهم وقد دفنوا في موقع مهجور. وهكذا بدأ التصعيد العسكري بين حماس والجيش الإسرائيلي منذ يوم 5 تموز وتم إطلاق أكثر من 140 صاروخ من قطاع غزة على مدن مختلفة فقامت إسرائيل بإطلاق العملية التي سمتها «الجرف الصامد». ماتزال هذه العملية، حتى كتابة هذه السطور، مقتصرة على القصف بالطيران بالدرجة الأولى في حين تبقى احتمالات العملية البرية متأرجحة.

من الضروري، ونحن نراقب مجريات مايحصل الآن في غزة أن نسأل الأسئلة التالية:

1) لماذا قامت حركة حماس باختطاف الطلاب الإسرائيليين الثلاثة في مثل هذا التوقيت السيء بالنسبة للشعب الفلسطيني عموماً وفي غزة خصوصاً؟ ولاسيما أن هذه الحادثة قد وقعت بعد عشرة أيام فقط من اتفاق المصالحة الشهير مع حركة فتح وفي فترة وصل فيها نضال المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال إلى مراحل متقدمة بعد اضراب طويل جداً عن الطعام. حادثة الاختطاف ستقدم حجة قوية لسلطات الاحتلال لكي تؤخر إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين. باختصار، ماذا كانت المصلحة الفلسطينية؟لماذا لم يسأل أحد حماس لماذا حرصت على التلميح أن المختطفين بحوزتها بينما هم قد قتلوا منذ اليوم الأول وتركوا في مكان مهجور؟ أليست حماس مسؤولة عن التصعيد الحاصل في هذا الخصوص؟

2) الآن وقد تدهور الوضع في غزة حيث يتم استهداف القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، لماذا تناست حماس خطابها السابق في آذار 2012 عن أن المواجهة ستكون مدمرة للشعب الفلسطيني والآن كانت حماس في السبب في هذه المواجهة الغامضة؟

3) في ظل الموقف الضبابي من بقية أركان محور المقاومة – أي سورية وإيران وحزب الله –إزاء مايحصل في غزة، لماذا هذا الحرص الحمساوي على التصعيد؟ ألا يمكن القول أن حماس إنما تهدف إلى تدمير قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية؟ أليس الهدف الحالي من وجود هذه الصواريخ البعيدة المدى هو ردع العدوان الإسرائيلي وألم يكن الهدف السابق من وجود هذه الصواريخ هو استخدامها ضد إسرائيل إذا ما وقعت حرب إقليمية؟ فلماذا تسببت حماس في إحراق هذه الورقة المهمة؟

4) كيف يمكن تفسير استمرار الاغتيالات الإسرائيلية للقيادات العسكرية النوعية في كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية المقاتلة بينما لايوجد أي استهداف للقيادات السياسية لحماس؟

وهل الوصول إلى خالد مشعل أصعب من الوصول إلى فتحي الشقاقي في مالطة سنة 1995 أو عماد مغنية في دمشق2008 أو محمود المبحوح في دبي سنة 2010؟

5) في حرب 2006 وضعت إسرائيل هدفاً لنفسها وهو تدمير قدرات حزب الله، أو على الأقل في جنوب لبنان، واستعادة الجنديين المختطفين، ولكن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها فبرز حزب الله منتصراً. في عملية الرصاص المصبوب 2008-2009 كان الهدف الإسرائيلي هو القضاء على الفصائل الفلسطينية في غزة وهو مافشل، فبرزت الفصائل منتصرة. ومنذ ذلك الحين تعلمت إسرائيل أن تضع أهدافاً معقولة لعملياتها. ففي عمليتي آذار 2012 وتشرين الأول 2012 كان الهدف الإسرائيلي المعلن هو وقف إطلاق الصواريخ من غزة على المدن الإسرائيلية، وهذا ماكان يحصل في النهاية مقابل توقف القصف الإسرائيلي على غزة. ولكن في كل مرة يكون الثمن هو إضعاف القدرات العسكرية للفصائل واستهداف قياداتها وتدمير مخازنها. ويجب أن نلاحظ هنا أن الأوضاع الإقليمية في المنطقة تجعل من الصعب جداً تعويض الفاقد في ترسانة غزة، وقد يكون هذا أحد أسباب صمت محور المقاومة الذي يمكن لنا أن نفسره على أنه عدم ارتياح ممايجري في غزة. ماهي الخسائر الإسرائيلية اليوم؟ حتى الآن لم تسجل أي خسارة في الأرواح في الجانب الإسرائيلي. وستنتهي هذه العملية باتفاق متبادل على التهدئة ولكن بعد أن تم استنزاف القدرات العسكرية الفلسطينية دون أي خسارة إسرائيلية حقيقية.

بالمحصلة، وإذا ما تذكرنا السياسات المثيرة للريبة التي مارستها حماس خلال الفترة الماضية وانكشاف الوجه الإخواني لها، فإنه يمكن لنا أن نحاجج ونقول أن القيادة السياسية لحماس إنما تحاول اضعاف القوى المناوئة لسيساتها حتى لو كانت هذه القوى قد خرجت من رحم حماس نفسه. والكلام هنا عن القيادات العسكرية في كتائب القسام تحديداً والتي عبرت عن رفضها للتفاوض مع العدو الإسرائيلي ولحل الدولتين الذي كانت حكومة الوحدة الوطنية مع فتح تعبيراً عن السير باتجاه تحقيقه. إضافة إلى أن هذه الحرب تظهر كمحاولة لإخراج الفصائل المسلحة من معادلة محور المقاومة من خلال استنزاف قدراتها وكوادرها. وكان اللافت هنا تحديداً أن القيادات الفلسطينية الأخرى لم يكن لها أي موقف تصعيدي بل اكتفت بالقيام ببعض عمليات عسكرية، ربما لإدراكها أن المواجهة الحالية فيها الكثير مما يثير الريبة.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-09
  • 7790
  • من الأرشيف

حماس سعت إلى التصعيد لكشف قدرات المقاومة وحرق ورقة الصواريخ في حال اندلاع حرب اقليمية

تتطرق هذه المقالة لأحداث غزة الأخيرة وتركز على دور حماس فيها في محاولة لفهم الأهداف الحقيقية فيما يحصل. تهدف الأجزاء الأولى على تقديم تاريخ حماس الحقيقي. إذا كان هذا الجزء مألوفاً لك عزيزي القارئ يمكنك القفز إلى فقرة «حماس والربيع العربي» ومابعدها. الولادة والنشوء تعود بدايات حركة الإخوان المسلمين في فلسطين إلى الثلاثينات من القرن العشرين ومن رحم هذه الحركة ولدت حماس، وليس في هذا أي سر. وكان مامهد لهذه الولادة هو النشاطات الدعوية ولاسيما بناء المساجد التي كان رائدها «المجمع الإسلامي» المؤسس في 1973. وكانت هذه الأنشطة تقام تحت أعين السلطات الإسرائيلية التي غضت النظر عما يحصل لأنها اعتبرت أن ولادة فصيل فلسطيني جديد، ولاسيما من خلفية إسلامية، سيسمح بتقسيم الصف الفلسطيني أكثر وتقويض نفوذ حركة فتح بقيادة ياسر عرفات. ولهذا منحت موافقة رسمية على نشاطات «المجمع الإسلامي» في عام 1979. أما الولادة الرسمية للحركة فكانت مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1987. وكان من أهم الأعضاء الحاضرين يومها الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والدكتور محمود الزهار وكان الاسم المقترح للحركة هو «حركة المقاومة الإسلامية» وبأخذ الأحرف الأولى أصبح الاسم هو «حمس» ولكن تم الاتفاق على اسم «حماس» التي يترادف اسمها مع معاني الحماسة والاندفاع التي يعبر عنها شعار الإخوان المسلمين «حق، قوة، حرية» (يمكن الإطلاع على الكثير من التفاصيل حول الدور الذي قدمته إسرائيل في التمهيد لبروز حماس في العديد من الكتب التي تتناول تاريخ حماس ويمكن للراغب بالإطلاع على المزيد أن يراجع، على وجه الخصوص، كتاب زكي شهاب «حماس من الداخل»). ومع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى واستمرارها لسنوات وتوقيع اتفاقية أوسلو وعودة فتح إلى فلسطين المحتلة، توسع نفوذ حركة حماس وكان للخطوة التي قام بها مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين بفصل الجناح السياسي لحماس عن الجناح العسكري، الممثل بكتائب عز الدين القسام، الدور الأهم في الحفاظ على بقاء حركة حماس حيث كان الجناح السياسي من حماس يحاجج بأنه غير مسؤول عن العمليات العسكرية التي ينفذها الجناح العسكري. وهكذا تمكنت قيادة هذا الجناح من البقاء خارج السجون الإسرائيلية وتجنب تحمل المسؤولية والمحاسبة. المفارقة أن مثل هذا السلوك، أي تقسيم الحركة إلى جناحين لتجنب تحمل المسؤولية، لم يلجأ له أي فصيل فلسطيني آخر. فحتى حركة فتح كانت تصرح بأنها هي من يصدر التعليمات إلى «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لها. أما حماس فهي الوحيدة التي قررت الالتزام بالسياسة الإخوانية المتمثلة بفصل الأداة العسكرية عن القيادة السياسية لتجنب تحمل المسائلة. والسوابق التاريخية هنا تشمل ماكانت تحاجج به حركة الإخوان المسلمين السورية في الثمانينات عندما كانت تقول أن «الطليعة المقاتلة» هي جناح عسكري لايتبع لها ولا يجوز تحميلها، أي الإخوان المسلمين، مسؤولية الأعمال الإرهابية التي كانت تنفذها الطليعة. التطور خلال التسعينات وصولاً إلى 2004 بقي الشيخ الشهيد أحمد ياسين قائداً للحركة بأجنحتها المختلفة، ولكن مع اعتقاله آخر الثمانينات تم تأسيس مكتب سياسي للحركة في الأردن وأصبح موسى أبو مرزوق رئيسه وبقي كذلك حتى اعتقاله في العام 1995 عندما كان متوجهاً إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد ترحيله من الأردن. وتم اختيار خالد مشعل خليفة لموسى أبو مرزوق الذي عاد إلى الأردن في العام 1997 ليجد خالد مشعل متمسكاً بمنصبه وليقبل هو، أي أبو مرزوق بأن يصبح نائباً لمشعل. بعد خروج المكتب السياسي من عمان في العام 1999 عرضت الدوحة استقبالهم. يومها أجاب وزير الخارجية القطري الشهير، حمد بن جاسم، على سؤال الراحل الملك حسين عن دافع قطر لاستقبال حماس بالقول أن هذا الاستقبال يسمح للدوحة باستمرار علاقاتها مع تل أبيب وبنفس الوقت الحفاظ على علاقات جيدة مع بقية الدول العربية. كانت حماس تدرك ذلك بكل تأكيد ولكنها رضيت بلعب هذا الدور. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تستفيد فيها حماس من التناقضات الإقليمية، ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. فعلى سبيل المثال، لعبت وسائل الإعلام المقربة من طهران دوراً كبيراً في تكبير حجم الدور الذي كانت تلعبه حماس في الانتفاضة الفلسطينية لا لشيء سوى لتقزيم دور حركة فتح وياسر عرفات والذين سخطت عليهم طهران بسبب موقفهم المؤيد لصدام حسين في حربه ضد إيران. وهكذا نمت حماس مستغلةً تلك التناقضات ومستغلةً العمليات النوعية التي كان عناصر القسام ينفذونها ولاسيما تلك التي حضر لها المهندس يحيى أبو عياش مطلع التسعينات قبل أن يتم اغتياله بعبوة ناسفة صغيرة وضعت في هاتف جوال يستخدمه بعد اختراق مخابراتي إسرائيلي. وهكذا برزت حماس كواحدة من أهم الفصائل الفلسطينية واستمرت حماس بالبقاء بالرغم من استمرار الاغتيالات التي بدت وكأنها تستهدف أشخاصاً بعينهم لإتاحة المجال لبروز أشخاص آخرين. وفي عام 2000 انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية وانتقلت كوادر حماس إلى دمشق لتبرز الحركة أكثر مع تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصاً بعد حصول حماس على دفعات من الأسلحة مصدرها سورية وإيران. تمددت حركة حماس لتتفوق على باقي الحركات الفلسطينية حتى جاءت أحداث العام 2004 المفاجئة عندما قررت إسرائيل استهداف القيادات السياسية لحماس وذلك للمرة الأولى خلال سبعة عشر عاماً حيث قامت باغتيال الشيخ أحمد ياسين بصاروخ موجه يوم 22 آذار 2004 ثم عادت مرة أخرى واغتالت خليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعد حوالي الثلاثة أسابيع فقط، في 17 نيسان. وهكذا تم خلال شهر واحد إزاحة أهم اثنين من القادة المؤسسين لحماس ولتنتقل قيادة الجناح السياسي إلى خالد مشعل وقد كان هناك فهم عام أن سبب اختيار مشعل على الدكتور محمود صيام هو لتجنب اغتياله كون مشعل مقيماً في دمشق بينما صيام كان مقيماً في غزة. وفي كل الأحوال، فقد تم اغتيال محمود صيام في مطلع العام 2008 وبذلك تم تصفية القادة المؤسسين لحركة حماس وأصبح الميدان مفتوحاً للجيل الثاني الذي كان في الظل. إن أبرز التغييرات التي تلت إزاحة القائدين المؤسسين لحماس في 2004 هي قرار شارون المفاجئ الانسحاب من غزة في عام 2005 بدون أي اتفاق أو تفاوض. أما ثاني المفاجآت فهو قرار المكتب السياسي لحماس المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية سنة 2006، وهي الانتخابات التي كان الجهاد الإسلامي قرر عدم المشاركة فيها على الإطلاق. ولكن حماس شاركت وفازت فيها وحققت أغلبية تسمح لها بتشكيل الحكومة لوحدها وترأس الحكومة اسماعيل هنية ووافقت حركة فتح على ذلك وسادت حالة من الهدوء الحذر بين الطرفين الذي مالبث أن تفجرفي حزيران 2007 مع رفض حماس قرار محمود عباس إقالة اسماعيل هنية والذي بقي يترأس الحكومة التي أصبح يشار إليها باسم الحكومة المقالة في غزة. وفي نهاية العام 2008 وجهت حكومة ايهود أولمرت ضربة لقطاع غزة ضمن العملية التي عرفت باسم «الرصاص المصبوب» والتي شملت ضربات جوية وعمليات توغل برية وخلفت دماراً هائلاً في البنية التحتية في قطاع غزة وأكثر من ألف شهيد مدني إضافة إلى اغتيال عدد من كوادر حماس. كان ماميز تلك العملية هو طولها النسبي من ناحية وحجم الدمار من ناحية ثانية وتوحد الفصائل الفلسطينية في مواجهة القوات الإسرائيلية من ناحية أخرى. انتهت الحرب بفشل إسرائيل في القضاء على الفصائل المقاتلة والقبول باتفاق تهدئة متبادل بقي قائماً منذ مطلع 2009 إلى اليوم ولم يعكره سوى عملية قصيرة في خريف 2012 والعملية الجارية اليوم. حماس والربيع العربي قبل انطلاق مايعرف بالربيع العربي كان هناك إجماع أن حماس، وبقية الفصائل الفلسطينية، هي جزء من مايعرف باسم محور المقاومة الذي تمثله سورية وإيران وحزب الله. يذكر صحفيون ومتابعون لتاريخ حماس أنها في نهاية القرن الماضي لم تكن تملك سوى بضع أسلحة فردية تم الحصول عليها من السوق السوداء وكان هناك مدفع رشاش واحد من طراز «كارل غوستاف» يعود إلى أيام الحرب العالمية الثانية. ولكن هذا الحال تغير مئة وثمانين درجة عندما نقلت حماس مكاتبها إلى دمشق حيث بدأ تدفق السلاح والمال والمعارف العسكرية وكان الهدف في البداية تأمين متطلبات الصمود لهذه الحركة، وكذلك لبقية الفصائل الفلسطينية، ولكن بتأثير الأوضاع السياسية المستجدة في المنطقة تم رفع مستوى التسليح إلى مستويات غير مسبوقة. وكان هناك رأي عام مفاده أن سورية وإيران يتوليان تسليح الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حماس التي تأخذ حصة الأسد من التسليح والتمويل، وذلك لكي يكون قطاع غزة منصة لمهاجمة إسرائيل عند وقوع أي حرب إقليمية. لم يكن من الممكن تسليح حماس، أو بقية الفصائل، للقيام بحرب تحرير ضد إسرائيل وذلك لأسباب كثيرة منها: (1) الطبيعة الجغرافية لقطاع غزة التي تغلب عليها التضاريس الصحراوية المنسبطة(2) غياب العمق الجغرافي الذي يسمح بانطلاق مثل هذه الحرب من غزة حيث لايوجد إمكانية لخوض حرب عصابات أو الانسحاب إلى الخلف إذا مادعت الضرورة لذلك (على عكس الحال في لبنان مثلاً حيث كانت القواعد الحقيقية لحزب الله في البقاع وبعلبك والضاحية الجنوبية بعيداً عن خط المواجهة في الجنوب (3) عدم وجود خطوط إمداد مستمرة تؤمن استمرار الحرب إذا ماوقعت وتحول دون القضاء على فصائل المقاومة وتؤمن تقديم المعونات اللازمة لصمود سكان غزة (4) وجود حوالي 10 فصائل مسلحة مختلفة في غزة يملك كل منها أجندة سياسية خاصة به (5) في المرحلة مابعد 2006 بدا أن حماس تميل للسيطرة على مقاليد اللعبة السياسية وإيلاء قتال إسرائيل الدرجة الثانية في أولوياتها. وهكذا أصبح مفهوماً أن وظيفة السلاح في غزة هي مزدوجة: خلق ردع يمنع أي هجوم إسرائيلي على القطاع والمشاركة بالأعمال العسكرية ضد إسرائيل إذا ماوقعت الحرب الإقليمية التي كانت في سنة مرجحة أكثر فأكثر. واستمر التنسيق السوري الإيراني الغزاوي على هذا الأساس حتى حل الربيع العربي واندلعت الأزمة السورية، حيث فضلت حماس التعبير عن موقف ملتبس وصفته هي بالمحايد فيما تراوحت مواقف بقية الفصائل الفلسطينية بين الصمت، كما في حالة الجهاد الإسلامي، ومساندة القيادة السورية كما في حالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة. ولكن مع تطور الأوضاع في المنطقة وبروز نجم الإخوان المسلمين في مصر، استكملت حماس الاستدارة في موقفها فنقلت مكاتبها في صمت من دمشق إلى الدوحة ووضعت بيضها في سلة الرئيس الإخواني المصري محمد مرسي وأعلنت مساندة مايسمى «الثورة السورية» وظهرت مواقف مستغربة جداً لكل قيادات الحركة، سواء في الداخل أو في الخارج، ممايجري في سورية. وكل ذلك كان يحصل وسط أنباء متواترة عن مشاركة مقاتلين من حماس في صفوف مناهضي الحكومة السورية. واستبدل الفلسطينيون في الداخل صور شهدائهم الذين كانوا يرتقون في مواجهة العدو الإسرائيلي بصور متواترة للقتلى الذين قدموا من فلسطين المحتلة للقتال في سورية. وفي وسط هذه المعمعة حصل تصعيد غير مفهوم بين حماس وإسرائيل في شهر تشرين الثاني 2012 وتم تبادل القصف بالطيران وإطلاق الصواريخ. أقول تصعيد غير مفهوم لأن حماس اختارت في شهر آذار 2012 عدم المشاركة إلى جانب الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية في رد العدوان الإسرائيلي الذي بدأ يوم 9 آذار باغتيال زهير القيسي، الأمين العام للجان المقاومة الشعبية، حيث صرحت قيادة حماس، يوم 14 آذار، بأن "الحرب الشاملة ستكون مدمرة للشعب الفلسطيني". ولكن في خريف ذلك العام تغير موقف حماس بشكل غامض حيث حصل تصعيد جرى فيه استهداف عربة جيب إسرائيلية واشتباكات متفرقة ثم إطلاق حوالي 100 صاروخ في يوم واحد مما أدى إلى إطلاق إسرائيل للعملية التي سمتها بـ «أعمدة السحاب» وكان أول منجزاتها في 14 تشرين الثاني اغتيال أحمد الجعبري نائب القائد العسكري لكتائب القسام. لم يتسائل أحدٌ يومها لماذا لم تصرح حماس بأن المواجهة مع إسرائيل ستسبب الدمار للشعب الفلسطيني؟ لم تقف بقية الفصائل الفلسطينية يومها موقف المتفرج، كما فعلت حماس في السابق، بل انضمت إلى القتال من خلال استهداف مدن إسرائيلية مختلفة بمافيها تل أبيب. استمر التصعيد لأسبوع تقريباً انتهى بوساطة مصرية تم الاتفاق فيها على التهدئة المتبادلة بضمانة مصر وهذا ماحصل. ولكن كان الثمن الذي دفعته كتائب القسام وبقية الفصائل المقاتلة هو استهداف أكثر من 1500 موقع لها من قبل الطيران الإسرائيلي واستشهاد مئة مقاتل فلسطيني وحوالي مئة آخرين. لم يكن هناك من إنجاز سياسي مهم يمكن الحديث عنه سوى تلميع صورة الإخوان المسلمين وظهورهم بمظهر اللاعب الإقليمي والشريك في السلام. بينما قدر محللون عسكريون أن الضربات الإسرائيلية يومها أوقعت خسائر فادحة في القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية قد تحتاج لفترة طويلة لإعادة ترميمها. 2014: الصيف الغامض بدأ صيف 2014 بموقف ملفت من حماس التي وافقت فجأة، في 2 حزيران، على قبول بحكومة تشكلها فتح، واعتبرت هذا القبول تعبيراً عن مصالحة تغلق ملف العداوة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. كان الاعتقاد السائد هو أن حماس اضطرت للرضوخ والقبول بحكومة وحدة وطنية بسبب سقوط النظام الإخواني في مصر وانتشار شعور عام غير مسبوق في مصر معادي لحركة حماس. لم تلبث المشاكل طويلاً قبل أن تطفو إلى السطح بين حماس وفتح وخصوصاً بمايتعلق بالتحويلات المالية. لم يزاحم أخبار حكومة الوحدة الجديدة سوى الخبر المفاجئ عن اختطاف ثلاثة طلاب إسرائيليين من الضفة الغربية يوم الخميس 12 حزيران. سارعت إسرائيل يومها إلى مباشرة حملة بحث واسعة عن المختطفين إضافة إلى حملة اعتقالات في صفوف الفلسطينيين. وكان اللافت هو ماكانت يردده الناطقون باسم حماس حول المختطفين الثلاثة والذي فهم منه أن المختطفين بحوزتها وأنها ستكرر عمليات الاختطاف هذه. استمر التصعيد الإسرائيلي من اعتقالات ومداهمات مع تغير الرأي العام الإسرائيلي ومطالبته بعملية عقابية للفلسطينيين وخصوصاً بعد العثور على المختطفين الثلاثة مقتولين وقد أظهر التحقيق أنهم قد قتلوا منذ اليوم الأول لاختطافهم وقد دفنوا في موقع مهجور. وهكذا بدأ التصعيد العسكري بين حماس والجيش الإسرائيلي منذ يوم 5 تموز وتم إطلاق أكثر من 140 صاروخ من قطاع غزة على مدن مختلفة فقامت إسرائيل بإطلاق العملية التي سمتها «الجرف الصامد». ماتزال هذه العملية، حتى كتابة هذه السطور، مقتصرة على القصف بالطيران بالدرجة الأولى في حين تبقى احتمالات العملية البرية متأرجحة. من الضروري، ونحن نراقب مجريات مايحصل الآن في غزة أن نسأل الأسئلة التالية: 1) لماذا قامت حركة حماس باختطاف الطلاب الإسرائيليين الثلاثة في مثل هذا التوقيت السيء بالنسبة للشعب الفلسطيني عموماً وفي غزة خصوصاً؟ ولاسيما أن هذه الحادثة قد وقعت بعد عشرة أيام فقط من اتفاق المصالحة الشهير مع حركة فتح وفي فترة وصل فيها نضال المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال إلى مراحل متقدمة بعد اضراب طويل جداً عن الطعام. حادثة الاختطاف ستقدم حجة قوية لسلطات الاحتلال لكي تؤخر إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين. باختصار، ماذا كانت المصلحة الفلسطينية؟لماذا لم يسأل أحد حماس لماذا حرصت على التلميح أن المختطفين بحوزتها بينما هم قد قتلوا منذ اليوم الأول وتركوا في مكان مهجور؟ أليست حماس مسؤولة عن التصعيد الحاصل في هذا الخصوص؟ 2) الآن وقد تدهور الوضع في غزة حيث يتم استهداف القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، لماذا تناست حماس خطابها السابق في آذار 2012 عن أن المواجهة ستكون مدمرة للشعب الفلسطيني والآن كانت حماس في السبب في هذه المواجهة الغامضة؟ 3) في ظل الموقف الضبابي من بقية أركان محور المقاومة – أي سورية وإيران وحزب الله –إزاء مايحصل في غزة، لماذا هذا الحرص الحمساوي على التصعيد؟ ألا يمكن القول أن حماس إنما تهدف إلى تدمير قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية؟ أليس الهدف الحالي من وجود هذه الصواريخ البعيدة المدى هو ردع العدوان الإسرائيلي وألم يكن الهدف السابق من وجود هذه الصواريخ هو استخدامها ضد إسرائيل إذا ما وقعت حرب إقليمية؟ فلماذا تسببت حماس في إحراق هذه الورقة المهمة؟ 4) كيف يمكن تفسير استمرار الاغتيالات الإسرائيلية للقيادات العسكرية النوعية في كتائب القسام وغيرها من الفصائل الفلسطينية المقاتلة بينما لايوجد أي استهداف للقيادات السياسية لحماس؟ وهل الوصول إلى خالد مشعل أصعب من الوصول إلى فتحي الشقاقي في مالطة سنة 1995 أو عماد مغنية في دمشق2008 أو محمود المبحوح في دبي سنة 2010؟ 5) في حرب 2006 وضعت إسرائيل هدفاً لنفسها وهو تدمير قدرات حزب الله، أو على الأقل في جنوب لبنان، واستعادة الجنديين المختطفين، ولكن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها فبرز حزب الله منتصراً. في عملية الرصاص المصبوب 2008-2009 كان الهدف الإسرائيلي هو القضاء على الفصائل الفلسطينية في غزة وهو مافشل، فبرزت الفصائل منتصرة. ومنذ ذلك الحين تعلمت إسرائيل أن تضع أهدافاً معقولة لعملياتها. ففي عمليتي آذار 2012 وتشرين الأول 2012 كان الهدف الإسرائيلي المعلن هو وقف إطلاق الصواريخ من غزة على المدن الإسرائيلية، وهذا ماكان يحصل في النهاية مقابل توقف القصف الإسرائيلي على غزة. ولكن في كل مرة يكون الثمن هو إضعاف القدرات العسكرية للفصائل واستهداف قياداتها وتدمير مخازنها. ويجب أن نلاحظ هنا أن الأوضاع الإقليمية في المنطقة تجعل من الصعب جداً تعويض الفاقد في ترسانة غزة، وقد يكون هذا أحد أسباب صمت محور المقاومة الذي يمكن لنا أن نفسره على أنه عدم ارتياح ممايجري في غزة. ماهي الخسائر الإسرائيلية اليوم؟ حتى الآن لم تسجل أي خسارة في الأرواح في الجانب الإسرائيلي. وستنتهي هذه العملية باتفاق متبادل على التهدئة ولكن بعد أن تم استنزاف القدرات العسكرية الفلسطينية دون أي خسارة إسرائيلية حقيقية. بالمحصلة، وإذا ما تذكرنا السياسات المثيرة للريبة التي مارستها حماس خلال الفترة الماضية وانكشاف الوجه الإخواني لها، فإنه يمكن لنا أن نحاجج ونقول أن القيادة السياسية لحماس إنما تحاول اضعاف القوى المناوئة لسيساتها حتى لو كانت هذه القوى قد خرجت من رحم حماس نفسه. والكلام هنا عن القيادات العسكرية في كتائب القسام تحديداً والتي عبرت عن رفضها للتفاوض مع العدو الإسرائيلي ولحل الدولتين الذي كانت حكومة الوحدة الوطنية مع فتح تعبيراً عن السير باتجاه تحقيقه. إضافة إلى أن هذه الحرب تظهر كمحاولة لإخراج الفصائل المسلحة من معادلة محور المقاومة من خلال استنزاف قدراتها وكوادرها. وكان اللافت هنا تحديداً أن القيادات الفلسطينية الأخرى لم يكن لها أي موقف تصعيدي بل اكتفت بالقيام ببعض عمليات عسكرية، ربما لإدراكها أن المواجهة الحالية فيها الكثير مما يثير الريبة.

المصدر : الجمل/ محمد صالح الفتيح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة