دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ها قد دقت ساعة الزحف على بغداد..
قالها الشيخ رعد آل سليمان بلهجة مدوية باسم ثوار العشائر في العراق الذين التقوا في كردستان
(أيها العرب الأشاوس). لاحظ أن السنّة العرب والسنّة الأكراد يشكلون 60 في المئة من السكان، وليسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
لنتصور ان بغداد تسقط تحت اقدام العشائر. ما الغرابة في الأمر، أليست العشائر من تحكم المشرق العربي (وقد انضمت إلينا ليبيا العزيزة) من أدناه إلى أقصاه. إنه الموزاييك إياه الذي جعلنا هكذا دائماً ضيوف شرف على العصر الحجري..
الآن، وبعدما انقشع الكثير من الغبار، ألم يحكم نوري المالكي العراق كما شيخ العشيرة؟ إنه فقه السمع والطاعة الذي كان لحاخامات العرب، بل ولخامات المسلمين، أن يعملوا على تسويقه بالتأويل الميكانيكي، والفظ، والغبي، والميكافيلي، للنصوص المنزلة.
سوسيولوجياً يقال، لا احد يستطيع أن يتولى السلطة في العراق إلا إذا كان فيه شيء من الحجاج بن يوسف الثقفي. البعض يحكم بعمامة الحجاج، وآخر بسرواله، وثمة من يحكم بحذاء الحجاج. أين حمورابي إذاً؟ لن تترك حوافر الخيول ,خيول هولاكو التي لا يزال صهيلها بيننا، أي اثر للشرائع, مع التذكير بان أول برلمان في العراق، هو أول برلمان في الكرة الأرضية، ظهر قبل ثلاثة قرون من ميلاد السيد المسيح.
وبماذا تختلف خيول الشيخ رعد الذي يريد أن يطرد العجم من عاصمة الرشيد، وهذا له تأويله المذهبي بطبيعة الحال، عن خيول القائد المغولي؟
لنكن أكثر وضوحاً . قال شيخ مشايخ العشائر, وهو خارج العراق « تريدون بقاء بشار الأسد في دمشق؟ إذاً يعود صدام حسين إلى بغداد، سواء عبر النقشبندية التي يقودها عزت الدوري، أو عبر الداعشية التي بقيادة مولانا الخليفة».
للتوضيح أكثر، هكذا كانت الصفقة بين إحدى العواصم العربية وواشنطن: نقبل بان يزاح صدام حسين في العراق لتحكم الأكثرية على أن يزاح بشار الأسد في سورية لتحكم الأكثرية، السيناريو لم يكتمل، ولم يكن غباء جورج دبليوبوش هو السبب الوحيد.
الآن وبعد الإخفاق في تنفيذ الصفقة، لا بد من العودة بالعراق إلى ما قبل عام 2003 إذا ما أخذنا بالاعتبار من هو الشيخ رعد ومن أين تصل إليه الأموال والأعتدة ومن أين تصل إليه العباءات الموشاة بالياقوت.
لا يكفي أن يقول الإيرانيون أننا نصحنا المالكي ولم ينتصح. ربما كان هناك من جعل الرجل الصلب والنزيه يتحول إلى تمثال من الشمع على باب مغارة علي بابا تحديداً. الحاشية عاثت فساداً. أجل حكم العراق بمنطق المغارة لا بمنطق الدولة.
هذا لا يعني، في حال من الأحوال. إن القوى الإقليمية لم تتصارع في ما بينها، وعلى ضفاف دجلة، من أجل وضع اليد على العراق الذي يفترض أن يبقى هكذا داخل تلك الدوامة العبثية (الدوامة الدموية إياها) ولا تقوم به الدولة القوية والضاربة التي لا تستند فقط إلى الثروات النفطية الهائلة وإنما أيضاً إلى الثراء الاتني والمذهبي الذي كان يمكن أن يتحول إلى نموذج لولا أننا نحكم جميعاً في المشرق العربي بمنطق ما قبل التاريخ وربما بمنطق ما قبل الجغرافيا...
من يمنع الشيخ رعد من اجتياح بغداد؟ بغداد هارون الرشيد الذي أذهل حتى شارلمان بهديته الشهيرة في قبضة العشائر التي يقودها علناً ابو بكر البغدادي.
لا بل إن العشائر المؤتلفة مذهبياً مع «داعش» والتي ينهمر عليها المال قادرة على الوصول إلى أقصى الجنوب وإلى أقصى الغرب بعدما بدا جلياً كم كان القادة الشيعة على ذلك المستوى المروع من الهشاشة، والانتهازية، والازدواجية، فيما المرجعيات الدينية التي ليست، في أي حال، على مستوى المرحلة فاقمت أزمة الشيعة في العراق.
ندرك جيداً ما سيكون الرد على هذا الكلام فور أن ينشر المقال، وما هي طبيعة الأوصاف والنعوت التي تنهال علينا من أولئك الذين ساهموا في تحويل العراق إلى جثة (أو إلى مغارة). لكنها ساعة الحقيقة عندما تكون ساعة بغداد.
حرب ضد إيران. بالحرف الواحد قال الشيخ رعد ذلك. لا أحد يمكنه أن يتغاضى عن الأخطاء الإيرانية في العراق (نصحناه ولم ينتصح). هل كان من مصلحة طهران، ولها طموحاتها الجيوستراتيجية بطبيعة الحال، أن ترعى تلك الدمى في بغداد، أو بالأحرى تلك البطون الفارغة (الأرواح الفارغة) التي راحت تأكل الأخضر واليابس؟
الآن حان الوقت الذي يدفع فيه الايرانيون الثمن. ولكن من قال أن الآخرين الذين ذهبوا بعيداً في اللوثة المذهبية لن يدفعوا ذلك الثمن الباهظ وهو بقاؤهم إذا ما كان للبغدادي, خليفتنا العزيز، أن يقود الأمة. بعض المعلقين الغربيين وصفه، وهو بالعمامة السوداء وبالعباءة السوداء، فيما الذوءابتان على الكتف، بـ«راسبوتين العرب».
آخرون وصفوه بـ«هولاكو العرب». أي عاقل هنا يراهن على هولاكو؟ ثوار العشائر(في القرن الحادي والعشرين) هم الذين يقيمون النظام التعددي والديمقراطي في العراق وعبر سياسات الاجتثاث أو حتى الإبادة.
ولكن ماذا فعل القادة الشيعة لإدارة أو لحماية بلادهم؟ الكل توطأوا على العراق ليموت كما تموت سورية، وكما تموت مصر، فالمواجهة الكبرى، لا الصفقة الكبرى، آتية. دعونا نستعيد تعبير ديفيد بولوك «إنها الجثث تزغرد في الشرق الاوسط»!
المصدر :
الديار /نبيه البرجي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة