جاء إعلان «الدولة الإسلامية» من قبل الجماعات الإرهابية التي رعتها أميركا نشأة وتوجيهاً وتمويلاً، في السياق الطبيعي للعدوان الذي تشنه أميركا على المنطقة منذ نيف وربع قرن. عدوان تقلب بين الحروب بـ»القوة الصلبة» والفتن ب»القوة الناعمة» التي شاءت أميركا عبرها إشاعة «الفوضى الهدامة» أسمتها خلاّقة لإطاحة معالم المنطقة وهدم كل ما فيها، تنفيذاً للمشروع الصهيو ـ أميركي الهادف الى تثبيت «إسرائيل» واستباحة ثروات المنطقة.  

فالفوضى التي شاءتها أميركا، بإعلان صريح أطلقته يومذاك وزيرة خارجيتها رايس، هدمت أسس أكثر من دولة في الشرق الأوسط وانتجت «دولة الفوضى» التي أعلنتها «داعش» مدعية أنها «دولة إسلامية «، وهي في الحقيقة دولة إرهابية لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، فإسلامها هو الإسلام الذي صنعته لها أميركا وأجهزة الاستخبارت الغربية، إسلام التكفير والقتل والتهجير والتدمير، ولذا تكون تسميتها الصحيحة «دولة الإجرام الإرهابي»، منتج الفوضى الأميركية.

مع إعلان هذه «الدولة الطرفة « التي لا تمتلك أن تكون دولة ولا تقوى على إرساء أسس دولة قابلة للحياة، لانعدام قدرتها على الاستجابة لمقتضيات إنشاء الدول، وللانتظام دولياً والالتزام بقواعد قانونية أرسيت حتى تبلور منها القانون الدولي العام الذي بات يحكم الى حد ما العلاقات الدولية مع عجزها هذا عن أن تكون دولة حقيقية، بطرح السؤال حول خلفية الإعلان والأهداف التي رمى إليها وتداعياته، خاصة بعد تحديد خريطتها الأولية بما يتطابق مع خريطة حدود «منطقة الفوضى الأميركية « المعلنة منذ عام 2006 بعد إضافة فلسطين المحتلة إليها .

 

لكن الإجابة عن هذا السؤال تفرض أولاً العودة الى الظروف التي قادت الى «الإعلان الوهمي». هنا نجد أن أهم ما يميز المرحلة الحالية التي تشهدها المنطقة، هو إخفاق أميركي تراكمي لثلاثة عقود تقريباً وضعت أميركا خلالها أكثر من خطة واعتمدت أكثر من استراتيجية بغية وضع اليد على المنطقة وإرساء النظام العالمي الأحادي القطب، واضطرار أميركا وقبلها ربيبتها «إسرائيل» الى الخروج من مناطق الاحتلال في لبنان وغزة والعراق وأفغانستنان، ثم فشل أميركا في إطاحة الدولة السورية، وعجزها عن تحقيق الضربة القاتلة للمقاومة التي تنسب إليها معظم هزائمها وإخفاقها في تفكيك المحور الذي يعتمد ثقافة المقاومة ويرعاها وينشرها ضد المشروع الصهيو ـ أميركي.

استغلت أميركا حاجات شعوب عربية في دول لم تصل الى تحقيق ما تصبو إليه تلك الشعوب من ديمقراطية وحرية وإشباع حاجاتها العصرية رغم الثروات التي تملكها، واستغلت شجاعة فئات من تلك الشعوب في الخروج على الحاكم طلباً للإصلاح والتطوير، وسارعت الى وضع اليد على الحراك الشعبي هنا وهناك، وحوّلته من حركة احتجاج ذات بعد سياسي إصلاحي، الى حركة تمرد وفوضى ذات بعد أمني عسكري تدميري، بعدما كانت عبارة «الثورة « و»طلب الإصلاح» هي المتداولة في توصيف مجريات الحوادث في هذه االدولة أو تلك، تقدم وصف المسلحين والإرهابيين والمتطرفين على أي وصف آخر، خاصة في البلدان التي تريد أميركا الانتقام منها في سياق حربها التدميرية، وتجلت سلوكيات أميركا التدميرية تلك بأبشع صورها في سورية حيث رعت وأدارت الأعمال الإرهابية التي تفشت على أراضيها والتي تسببت بأفظع الاجرائم والارتكابات في حق البشر والشجر والحجر فيها، لكنها عجزت عن إسقاط الدولة، وأخفقت في انتزاع قرارها المستقل، فكانت الهزيمة الاستراتيجية للمشروع الأميركي على الأرض السورية، هزيمة من الحجم الذي فرض نفسه على الرئيس الأميركي وأجبره على الإقرار به.

في ظل هذا المشهد، مشهد «الفوضى العارمة» الممتدة من شمال أفريقيا الى بلاد الشام، أعلن أحد الفروع الرئيسية لتنظيم «القاعدة» التنظيم الإرهابي الأميركي إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» على جزء من سورية والعراق. إعلان أحدث ردود فعل متناقضة، بين عدم اكتراث ولا مبالاة علنية من جهة، واهتمام اتسم بالذعر نوعاً ما من جهة أخرى. فهل لمن لم يكترث أو لمن ابدى الاهتمام مبرر في اعتماد هذا السلوك أو ذاك؟

في رصد وتحليل للإعلان وردود الفعل عليه، نستطيع الوصول الى تشكيل قناعة بأنه فعل لم يأت من فراغ، بل يقع في سياق الخطة الأميركية الرامية الى نشر الفوضى التي تعوّل عليها أميركا الآن لأجل الآتي:

إشاعة حالة الخوف والذعر في كامل المنطقة، وحرمانها من أي نوع من الأمن والاستقرار بما يجهض طاقاتها ويمنع اهتمامها بمشاكلها الحقيقية والأخطار التي تتهددها وفي طليعتها الخطر الصهيوني الجاثم في فلسطين، بل يبرر الدولة اليهودية التي تريدها «إسرائيل» في مقابل وهم الدولة الإسلامية.

استفزاز من لم ينخرط من شعوب المنطقة ودولها في الحرب حتى الآن ودفعه الى الميدان ليكون جزءاً منه فيناله التدمير الذي عجزت أميركا عنه بقواتها الذاتية.

إنتاج بيئة رسم خرائط جديدة لدول المنطقة أو التهويل بها.

دفع دول المنطقة وشعوبها إلى الاستعانة أو الاستغاثة بأميركا لإنقاذها من «الخطر الداهم».

حجب الإنجاز الاستراتيجي الكبير الذي حققته سورية ومحور المقاومة في الميدان والسياسة.

دونما إسهاب في سرد ردود الفعل والسلوكيات التي أعقبت «مسرحية الموصل الداعشية» وصولاً الى اطلاق وهم «دولة الخلافية الإسلامية «، وهي سلوكيات فيها الكثير مما يستجيب للامال الأميركية المعقودة على «الغزوة المسرحية والإعلان «، يكفي أن نذكّر بـ:

السلوك الكردي الممهّد للانفصال في شمال العراق.

تعثّر العملية السياسية العراقية مع إخفاق مجلس النواب في إنجاز الاستحقاقت الدستورية.

الحديث عن عودة أميركية عسكرية «محدودة « الى المنطقة للعمل ضد «داعش» في سورية والعراق، من غير اتفاق أو تنسيق مع الدولة سورية، في ما يعتبر التفافاً على رفض مجلس الأمن الذي رفض إصدار قرار تحت الفصل السابع يجيز اللجوء الى القوة العسكرية ضد سورية.

 

عرض العضلات «الإسرائيلي» للتدخل لحماية الأردن والدفاع عن المصالح «الإسرائيلية» عبر هذا التدخّل.

تكفي الإشارة الى شيء من ذلك لأقول إن بعضاً مما أرادته أميركا عبر «داعش» وإرهابها بات في مدى النظر، وأن «داعش» تلعب حاضراً دور صدام حسين في غزو الكويت الذي استدعى أميركا الى الخليج، ودور «القاعدة الأم» التي استدعت أميركا الى أفغانستان، وبالتالي تستدعي «داعش» بإعلانها اليوم أميركا لتنشيط الفوضى التي تمكنها من حرمان المنطقة من استثمار انتصارها والتنعم بأمنها وثرواتها. فالسلوكيات التي ذكرنا شيئاً منها لا تقود الى استقرار ولا تحقق أمناً لأحد، إن لم يتم التصدي لها واجهاضها.

إذن علينا أن ندرك أن المهمة الرئيسية باتت اليوم مواجهة «الفوضى الأميركية»، ما يستوجب عدم الانزلاق الى ما تريده أميركا من نظرية «الفوضى الهدامة»، وأهم مدخل للمواجهة يكمن في التزام الموضوعية في النظر إلى الأمور والتعامل مع الحوادث والمكونات بأحجامها الحقيقية، فليست «داعش» ولا دولتها الوهمية غير القابلة للحياة ذاك الخارق الذي يملك قدرات افتراس الجميع كي يبرر الذعر، وما حققته في الميدان لم يكن بقوة تملكها بل لمؤامرات وخيانات ارتكبت، ودولة الأكراد الانفصالية في شمال العراق إذا قامت لن تكون قابلة للحياة رغم الدعم «الإسرائيلي» المطلق لها في ظل رفض إيراني وتركي وسوري، وإخفاق العراقيين اليوم في إعادة تشكيل السلطة يمكن تلافيه غداً، وهذا هو الأرجح.

بلى، لا داعي للذعر من جهات لا تملك قدرات عسكرية لاحتلال مدينة فكيف يخشى منها على ست دول تملك مليوني عسكري في جيوش منظمة؟! لكن اليقظة والحذر والاحتياط أمور واجبة والأوجب من ذلك امتلاك العزم على مواجهة المستجد من دون الاستغاثة بمن هو المحرك لتلك الأخطار والمخاوف. وهنا أذكر من لا يزال حتى اليوم خارج مسرح الفوضى بأن مساهمته في مناهضتها قبل أن تصل إليه توفر عليه خسائر اقتحامها الباب عليه.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-02
  • 10785
  • من الأرشيف

ثمرة «الفوضى الأميركية»: «وهم دولة إرهابية» لنشر الفوضى

جاء إعلان «الدولة الإسلامية» من قبل الجماعات الإرهابية التي رعتها أميركا نشأة وتوجيهاً وتمويلاً، في السياق الطبيعي للعدوان الذي تشنه أميركا على المنطقة منذ نيف وربع قرن. عدوان تقلب بين الحروب بـ»القوة الصلبة» والفتن ب»القوة الناعمة» التي شاءت أميركا عبرها إشاعة «الفوضى الهدامة» أسمتها خلاّقة لإطاحة معالم المنطقة وهدم كل ما فيها، تنفيذاً للمشروع الصهيو ـ أميركي الهادف الى تثبيت «إسرائيل» واستباحة ثروات المنطقة.   فالفوضى التي شاءتها أميركا، بإعلان صريح أطلقته يومذاك وزيرة خارجيتها رايس، هدمت أسس أكثر من دولة في الشرق الأوسط وانتجت «دولة الفوضى» التي أعلنتها «داعش» مدعية أنها «دولة إسلامية «، وهي في الحقيقة دولة إرهابية لا صلة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، فإسلامها هو الإسلام الذي صنعته لها أميركا وأجهزة الاستخبارت الغربية، إسلام التكفير والقتل والتهجير والتدمير، ولذا تكون تسميتها الصحيحة «دولة الإجرام الإرهابي»، منتج الفوضى الأميركية. مع إعلان هذه «الدولة الطرفة « التي لا تمتلك أن تكون دولة ولا تقوى على إرساء أسس دولة قابلة للحياة، لانعدام قدرتها على الاستجابة لمقتضيات إنشاء الدول، وللانتظام دولياً والالتزام بقواعد قانونية أرسيت حتى تبلور منها القانون الدولي العام الذي بات يحكم الى حد ما العلاقات الدولية مع عجزها هذا عن أن تكون دولة حقيقية، بطرح السؤال حول خلفية الإعلان والأهداف التي رمى إليها وتداعياته، خاصة بعد تحديد خريطتها الأولية بما يتطابق مع خريطة حدود «منطقة الفوضى الأميركية « المعلنة منذ عام 2006 بعد إضافة فلسطين المحتلة إليها .   لكن الإجابة عن هذا السؤال تفرض أولاً العودة الى الظروف التي قادت الى «الإعلان الوهمي». هنا نجد أن أهم ما يميز المرحلة الحالية التي تشهدها المنطقة، هو إخفاق أميركي تراكمي لثلاثة عقود تقريباً وضعت أميركا خلالها أكثر من خطة واعتمدت أكثر من استراتيجية بغية وضع اليد على المنطقة وإرساء النظام العالمي الأحادي القطب، واضطرار أميركا وقبلها ربيبتها «إسرائيل» الى الخروج من مناطق الاحتلال في لبنان وغزة والعراق وأفغانستنان، ثم فشل أميركا في إطاحة الدولة السورية، وعجزها عن تحقيق الضربة القاتلة للمقاومة التي تنسب إليها معظم هزائمها وإخفاقها في تفكيك المحور الذي يعتمد ثقافة المقاومة ويرعاها وينشرها ضد المشروع الصهيو ـ أميركي. استغلت أميركا حاجات شعوب عربية في دول لم تصل الى تحقيق ما تصبو إليه تلك الشعوب من ديمقراطية وحرية وإشباع حاجاتها العصرية رغم الثروات التي تملكها، واستغلت شجاعة فئات من تلك الشعوب في الخروج على الحاكم طلباً للإصلاح والتطوير، وسارعت الى وضع اليد على الحراك الشعبي هنا وهناك، وحوّلته من حركة احتجاج ذات بعد سياسي إصلاحي، الى حركة تمرد وفوضى ذات بعد أمني عسكري تدميري، بعدما كانت عبارة «الثورة « و»طلب الإصلاح» هي المتداولة في توصيف مجريات الحوادث في هذه االدولة أو تلك، تقدم وصف المسلحين والإرهابيين والمتطرفين على أي وصف آخر، خاصة في البلدان التي تريد أميركا الانتقام منها في سياق حربها التدميرية، وتجلت سلوكيات أميركا التدميرية تلك بأبشع صورها في سورية حيث رعت وأدارت الأعمال الإرهابية التي تفشت على أراضيها والتي تسببت بأفظع الاجرائم والارتكابات في حق البشر والشجر والحجر فيها، لكنها عجزت عن إسقاط الدولة، وأخفقت في انتزاع قرارها المستقل، فكانت الهزيمة الاستراتيجية للمشروع الأميركي على الأرض السورية، هزيمة من الحجم الذي فرض نفسه على الرئيس الأميركي وأجبره على الإقرار به. في ظل هذا المشهد، مشهد «الفوضى العارمة» الممتدة من شمال أفريقيا الى بلاد الشام، أعلن أحد الفروع الرئيسية لتنظيم «القاعدة» التنظيم الإرهابي الأميركي إقامة «دولة الخلافة الإسلامية» على جزء من سورية والعراق. إعلان أحدث ردود فعل متناقضة، بين عدم اكتراث ولا مبالاة علنية من جهة، واهتمام اتسم بالذعر نوعاً ما من جهة أخرى. فهل لمن لم يكترث أو لمن ابدى الاهتمام مبرر في اعتماد هذا السلوك أو ذاك؟ في رصد وتحليل للإعلان وردود الفعل عليه، نستطيع الوصول الى تشكيل قناعة بأنه فعل لم يأت من فراغ، بل يقع في سياق الخطة الأميركية الرامية الى نشر الفوضى التي تعوّل عليها أميركا الآن لأجل الآتي: إشاعة حالة الخوف والذعر في كامل المنطقة، وحرمانها من أي نوع من الأمن والاستقرار بما يجهض طاقاتها ويمنع اهتمامها بمشاكلها الحقيقية والأخطار التي تتهددها وفي طليعتها الخطر الصهيوني الجاثم في فلسطين، بل يبرر الدولة اليهودية التي تريدها «إسرائيل» في مقابل وهم الدولة الإسلامية. استفزاز من لم ينخرط من شعوب المنطقة ودولها في الحرب حتى الآن ودفعه الى الميدان ليكون جزءاً منه فيناله التدمير الذي عجزت أميركا عنه بقواتها الذاتية. إنتاج بيئة رسم خرائط جديدة لدول المنطقة أو التهويل بها. دفع دول المنطقة وشعوبها إلى الاستعانة أو الاستغاثة بأميركا لإنقاذها من «الخطر الداهم». حجب الإنجاز الاستراتيجي الكبير الذي حققته سورية ومحور المقاومة في الميدان والسياسة. دونما إسهاب في سرد ردود الفعل والسلوكيات التي أعقبت «مسرحية الموصل الداعشية» وصولاً الى اطلاق وهم «دولة الخلافية الإسلامية «، وهي سلوكيات فيها الكثير مما يستجيب للامال الأميركية المعقودة على «الغزوة المسرحية والإعلان «، يكفي أن نذكّر بـ: السلوك الكردي الممهّد للانفصال في شمال العراق. تعثّر العملية السياسية العراقية مع إخفاق مجلس النواب في إنجاز الاستحقاقت الدستورية. الحديث عن عودة أميركية عسكرية «محدودة « الى المنطقة للعمل ضد «داعش» في سورية والعراق، من غير اتفاق أو تنسيق مع الدولة سورية، في ما يعتبر التفافاً على رفض مجلس الأمن الذي رفض إصدار قرار تحت الفصل السابع يجيز اللجوء الى القوة العسكرية ضد سورية.   عرض العضلات «الإسرائيلي» للتدخل لحماية الأردن والدفاع عن المصالح «الإسرائيلية» عبر هذا التدخّل. تكفي الإشارة الى شيء من ذلك لأقول إن بعضاً مما أرادته أميركا عبر «داعش» وإرهابها بات في مدى النظر، وأن «داعش» تلعب حاضراً دور صدام حسين في غزو الكويت الذي استدعى أميركا الى الخليج، ودور «القاعدة الأم» التي استدعت أميركا الى أفغانستان، وبالتالي تستدعي «داعش» بإعلانها اليوم أميركا لتنشيط الفوضى التي تمكنها من حرمان المنطقة من استثمار انتصارها والتنعم بأمنها وثرواتها. فالسلوكيات التي ذكرنا شيئاً منها لا تقود الى استقرار ولا تحقق أمناً لأحد، إن لم يتم التصدي لها واجهاضها. إذن علينا أن ندرك أن المهمة الرئيسية باتت اليوم مواجهة «الفوضى الأميركية»، ما يستوجب عدم الانزلاق الى ما تريده أميركا من نظرية «الفوضى الهدامة»، وأهم مدخل للمواجهة يكمن في التزام الموضوعية في النظر إلى الأمور والتعامل مع الحوادث والمكونات بأحجامها الحقيقية، فليست «داعش» ولا دولتها الوهمية غير القابلة للحياة ذاك الخارق الذي يملك قدرات افتراس الجميع كي يبرر الذعر، وما حققته في الميدان لم يكن بقوة تملكها بل لمؤامرات وخيانات ارتكبت، ودولة الأكراد الانفصالية في شمال العراق إذا قامت لن تكون قابلة للحياة رغم الدعم «الإسرائيلي» المطلق لها في ظل رفض إيراني وتركي وسوري، وإخفاق العراقيين اليوم في إعادة تشكيل السلطة يمكن تلافيه غداً، وهذا هو الأرجح. بلى، لا داعي للذعر من جهات لا تملك قدرات عسكرية لاحتلال مدينة فكيف يخشى منها على ست دول تملك مليوني عسكري في جيوش منظمة؟! لكن اليقظة والحذر والاحتياط أمور واجبة والأوجب من ذلك امتلاك العزم على مواجهة المستجد من دون الاستغاثة بمن هو المحرك لتلك الأخطار والمخاوف. وهنا أذكر من لا يزال حتى اليوم خارج مسرح الفوضى بأن مساهمته في مناهضتها قبل أن تصل إليه توفر عليه خسائر اقتحامها الباب عليه.

المصدر : د. أمين محمد حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة