دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كم كان مثيراً للضحك إعلان سفير المملكة العربية السعودية في بيروت علي عواض العسيري؛ الخبير في الأمن الدبلوماسي، وسفير الرياض في باكستان في زمن فورة "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، و"طالبان" بقيادة الملا عمر في تسعينات القرن الماضي، عن احتمال أن يكون الإرهابي السعودي الذي فجّر نفسه في فندق "دو روي" في الروشة يحمل جوازاً أو هوية سعودية مزوّرة.
كما ذهب به الخيال إلى حد اعتبار أن سفارته، وهي تقع على بعد مئات الأمتار من مكان الانفجار في فندق "دو روي"، ربما قد تكون مستهدَفة، رغم أن التحقيقات الأمنية اللبنانية كشفت أهداف هذه الخلية الإرهابية.
مهما يكن، فإن حديث "خبير الأمن الدبلوماسي" في البداية عن احتمال أن يكون الانتحاري يحمل جوازاً مزوراً، يثير السخرية فعلاً، لأنه من المعروف أن الرياض تعتمد تجهيزات إلكترونية فائقة النوعية، يجعل أي عملية تزوير صعبة للغاية، بل بشكل أدق، عصية على أي تزوير.
وللتذكير، فإن "الثبات" كانت قد أشارت قبل نحو 18 شهراً، إلى إفراج ممكلة الرمال عن المسجونين الخطيرين، وبعضهم محكوم بالإعدام بقطع الرقاب بالسيف، مقابل توجُّهه للقتال في سورية، وقد تأكّد هذا الواقع بمذكرة – وثيقة صدرت عن وزارة داخلية المملكة في 16 نيسان عام 2012، أي قبل 14 شهراً ونصف الشهر، أشارت إلى اتفاق مع المجرمين في السجون السعودية، وهم من عدة جنسيات (سعودية وصومالية وسورية وأردنية، وباكتسانية وفلسطينية وعراقية وغيرها)، بإعفائهم من إقامة الحد الشرعي عليهم، وصرف معاشات ورواتب ومكافآت لعائلاتهم وأسرهم، لقاء تدريبهم وإرسالهم إلى "الجهاد" في سورية.. ولهذه الأسباب تشير معظم المعلومات المتوافرة عن الجماعات التكفيرية التي تشارك في الحرب على سورية، أن عدد السعوديين هو الأعلى بين عدد المسلحين الأجانب، الذي وصل في بعض الفترات إلى أكثر من 248 ألف مسلح، حيث بلغ عدد السعوديين منهم أكثر من 15 ألفاً.
يبدو أن مقولة "طابخ السم آكله" بدأت تهزّ أوصال الدول التي دعمت وموّلت وغطّت حلقات الجنون الإجرامية على مدى 39 شهراً في سورية، فالغول "الداعشي" بدأ ينمو على خطوط تماس السعودية والأردن وتركيا، وعلى "حدود" دول العالم التي انطلق منها تتار العصر الحديث، وصارت حكومات أوروبية مسكونة بالخوف من عودة مواطنيها الداعشيين، خصوصاً أن المعارضات السورية المتنوعة والمتعددة أخذت تسقط في أحضان "داعش"، الذي بدأ يبتلع كل هذه المعارضات الكرتونية، سواء كانت "جبهة النصرة"، أو "الجبهة الإسلامية"، أو "الجيش الحر"..
بيد أن السؤال الحقيقي: هل حركة "داعش" وتمدّدها هما خارج "التغطية الأميركية"؟ لنلاحظ أن أمير داعش أبو بكر البغدادي كان معتقَلاً في السجون الأميركية في العراق، وخرج منها عام 2006 بصورة مفاجئة، حيث التقى بأبي مصعب الزرقاوي، وبعد نحو شهر من هذا اللقاء قُتل الزرقاوي، وتشير المعلومات إلى أن البغدادي أنفق أكثر من 40 مليون دولار لإنشاء تنظيمه وزُمَره المسلّحة وخلاياه النائمة، وتوسيع نشاطه إلى أوسع مدى ممكن.
"داعش" مع "النصرة" و"الجيش الحر" وغيرها من زمر العصابات المسلحة كانت انطلاقاتها الأولى من تركيا، وهي خرجت إليها من العراق في البداية، وجاءت من بلدان الخليج بأوامر أميركية، وبإشراف وتدريب أميركييْن، وتمويل قطري بلغ مليارات الدولارات، وقد أوضح ذلك القيادي الجهادي نبيل نعيم؛ أحد أوائل المقاتلين العرب في أفغانستان، ويمكن اعتباره أبرز مؤسسي "القاعدة"، خلال حديث إذاعي، حينما اعتبر أن "تنظيم داعش مولود مخابراتي صنعه الأميركيون بالمال القطري بداية".
ووفقاً للمعلومات، فإن الأوامر الأميركية صدرت في البداية إلى كل المجموعات المسلحة للتوجُّه إلى الحرب في سورية، في محاولة أميركية لتأديب الدولة الوطنية السورية ورئيسها بشار الأسد لسماحه بمرور المقاتلين عبر سورية إبان احتلال العراق.
وهنا كأن التجربة تكرر نفسها، فبعد أن استطاعت سورية طوال الفترة الماضية أن تواجه الهجوم العدواني الواسع، كان نوع من العودة إلى مطلع القرن الحالي، أي ما يشبه احتلال العراق، فكانت الطفرة الداعشية الجديدة وتوسُّعها في عدد من محافظات بلاد الرافدين بما يشكل الفضيحة، ويطرح علامات استفهام حول صرف مليارات الدولارات على جيش انهار بسرعة في الموصل، ومن أجل استعادة بعض الروح في سورية، التي حقق فيها جيشها انتصارات نوعية على الزمر المسلحة.
ثمة تواطؤ حصل؛ البشمركة تدخل كركوك، و"داعش" لم تقترب بتاتاً من حدود الدويلة الكردية ولا كركوك!
رجب طيب أردوغان الذي يعتبر كركوك مدينة للتركمان، لم يحرّك ساكناً.
في مبايعة أبو بكر البغدادي زعيماً لدولة "داعش"، لم يأت على كلمة واحدة ضد العدو الصهيوني..
الأعراب الخائفون والمرتجفون يستمرون من كبيرهم في مملكة الرمال إلى صغيريهم في الدوحة والمنامة يمدّون اليد للأميركي والصهيوني للإنقاذ..
ثمة حقيقة واحدة تبقى، هي أن سورية كما كانت عبر التاريخ بيضة الزمن، واجهت وقاومت هي الآن كذلك.. وستبقى.
المصدر :
الثبات / أحمد زين الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة