يوم السبت الماضي في 14 حزيران، دخل شخصان سعوديّان آتيان إلى بيروت عبر اسطنبول مع حقائبهما إلى فندق «دو روي» في الروشة. تحدّث الشخصان إلى عاملة الاستقبال وطلبا حجز غرفة لمدّة أسبوع كامل (ثم مددا إقامتهما بعد أسبوع لأسبوع آخر). أخذت العاملة منهما صورة عن جوازي سفرهما والأوراق المطلوبة، وأعطتهما مفتاحي الغرفة رقم 307. حمل علي بن ابراهيم بن علي الثويني وعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الرحمن الشنيفي حقائبهما وصعدا إلى الغرفة.

«307» لم تكن غرفةً عاديةً، بل هي «ذات مطلّ استراتيجي»، إذ أنها تقع في الجهة المشرفة على التقاطع في زاوية الفندق. فشرفة الغرفة وشبّاكها يكشفان كلّ الأماكن المحيطة: الشرفة تطلّ على شارع أوستراليا يميناً ويساراً (أي المؤدي إلى فندق «رامادا» يساراً وقناة «المستقبل» يميناً) وحتى الطريق المؤدية إلى الروشة نزولاً، في حين أن شبّاك الغرفة يطلّ على مقرّ السفارة السعوديّة و«الطلعة» المؤدية إليه.

حتى الساعة، لا أحد يعرف تفاصيل حجز «الغرفة 307». هل كانت صدفةً أن تقع يدا عاملة الاستقبال على أوّل مفتاح لغرفة خالية؟ أم أن الإرهابيين تمنّيا على الأخيرة إعطاءهما غرفة محدّدة؟

«يرجى عدم الإزعاج»

ومهما يكن من أمر، فإن السعوديين دخلا الغرفة لليوم الأوّل، من دون أن تسجّل لهما حركة دخول وخروج مذكورة. وعلى مدى يومين متتاليين، أبقيا على إشارة «يرجى عدم الإزعاج» معلّقة على مقبض الباب. هذا ما أثار حفيظة عمّال النظافة الذين أصروا بعد أيام عديدة على طرق باب الشقة «307»، ظناً منهم أن النزيلين نسيا إزالة الإشارة.

وبعد محاولات عديدة، فتح أحد النزيلين الباب لعاملة التنظيف، مؤكداً «أننا لا نحتاج إلى تنظيف الغرفة، فهي نظيفة والأمر لا يعنينا». حينها، شكا العمّال الأمر لإدارة الفندق بعدما توجّسوا أن منع السعوديين دخولهم إلى الغرفة مردّه إلى تخريب داخلها، لا سيّما أن النزيلين صغيران بالعمر نسبياً، حتى طلبت الإدارة من مسؤولة التنظيف في الفندق تفقّد الـ«307» (بعد حوالي الأسبوع على حجزها من قبل الشنيفي والثويني).

وبعد طرق الباب لأكثر من دقيقتين من دون أن تسمع الموظفة أي ردّ، أبلغت من هم في الداخل أنها مضطرة إلى استخدام المفتاح الثالث الخاص بالفندق لتفقّد الغرفة. وبعد أن فتحت الباب، وجدت السعوديين نائمين والغرفة في وضع جيّد.

الثويني إلى «نابليون»

هذه الحادثة، أبعدت أنظار العمال عن النزيلين غريبي الأطوار اللذين يقيمان في الطبقة الثالثة من «دو روي»، من دون أن يخرجا فيها معاً، وهما أصلاً قليلا الدخول والخروج. شوهد الثويني (الذي رمى الحزام الناسف) مرّات قليلة يتناول إفطاره في المطعم التابع للفندق. في حين أن الشنيفي (الموقوف حالياً لدى الأمن العام) كان أقلّ حركة، أو هكذا ظنّ عاملو الفندق.

فالشنيفي خرج بعد أيّام قليلة من وصوله إلى الفندق باتجاه منطقة الحمرا، ودخل إلى فندق «نابليون» طالباً مقابلة أحد النزلاء، إلا أنّ عامل الاستقبال أعلمه أنه لا يوجد أي نزيل بهذا الاسم.

مَن يكون هذا النزيل؟ هو نفسه الفرنسي المتحدّر من جزر القمر الذي أوقف في فندق «نابوليون» الجمعة الماضي. السعودي كان عليه تسليم الفرنسي ألف دولار أميركي فور وصوله إلى لبنان، إلا أنّ مشغّليه أعطوه «الاسم الجهادي» للفرنسي، في حين أنّ الأخير حجز في نابليون باسمه الحقيقي، ما حال دون تواصل الرجلين في هذا اللقاء.

رصد فمداهمة

بعدها عاد الشنيفي إلى الفندق من دون أن يلحظ أحد تحرّكاته. وكاد العاملون في فندق الروشة أن يظنّوا أن الغرفة رقم 307 خالية من النزلاء، إلا أنه تمّ التواصل معهم (قبل حوالي الأربعة أيام على تنفيذ عملية المداهمة) من قبل عناصر من المديريّة العامّة للأمن العام الذين أكّدوا أن النزيلين مشتبه فيهما بإمكان تنفيذ عمليّات إرهابيّة، وطلبوا رفدهم بالمعلومات عنهما والأوراق الثبوتية التي تركاها عند استعلامات الفندق، للتأكد من هويتيهما وما إذا كانت مزوّرة.

حينها، روى المسؤولون عن «دو روي» تفاصيل منع العمّال من تنظيف الغرفة. فطلبت القوى الأمنية من مسؤولي الفندق أن تبقى العيون مفتوحة على النزيلين السعوديين وأن يحاولا طرق الباب عليهما أو الاتصال بهما بشكل دائم عبر رقمهما الداخلي متحججين بما إذا كانا بحاجة أي شيء.

وهذا ما قام به عمّال الفندق على مدى أربعة أيّام، ولكن الشنيفي والثويني لم يردّا على هاتفهما الداخلي ولم يفتحا الباب، ولم يخرجا من الغرفة، حتى ظنّ إداريوّ «دو روي» أن النزيلين غادرا الفندق، إلا أنّ عناصر الأمن العام أكدوا لهم أن السعوديين في الغرفة وهما تحت المراقبة والرصد الدقيق.

وفي اليوم الرابع من التنسيق بين الفندق والقوى الأمنية واليوم الـ12 من إقامة السعوديين داخل «دو روي»، حدّدت المديرية العامة لقوى الأمن العام ساعة الصفر بعد أن تلقى الإرهابيان أمراً بتنفيذ عمليّة انتحارية مزدوجة داخل مطعم «الساحة» على طريق المطار، وذلك مساء الجمعة (العملية كانت مقررة أن تنفذ مساء اليوم) في الوقت الذي كان مقرراً أن تقام فيه مناسبة داخل المطعم.

عندها سارعت «قوات النخبة» في المديريّة إلى مداهمة «دو روي» بالتنسيق مع إدارة الفندق. عند الساعة السابعة من مساء أمس الأوّل، وصل ضبّاط وعناصر الأمن العام إلى المكان، وعملوا على إقفال الطرق المؤديّة إلى الروشة بطريقة مموّهة.

وبالطريق إلى الطبقة الرابعة، رافق أحد العمال «قوة الاستقصاء» (التابعة للأمن العام) بثيابهم المدنيّة إلى الغرفة 307، حيث طرقا الباب، وعندما لم يسمعا أي جواب، سلّم موظّف «دو روي» المفتاح الالكتروني الثالث إلى عناصر الأمن العام، وقام بطرق الباب على النزيلين، حينها ردّ أحدهما قائلاً: «مين»، وأجاب الموظّف: «من الإدارة»، فقال النزيل السعودي: «هل معك أحد»، ليردّ الموظّف بحسب الأصول المتّبعة في الفنادق: «نعم الأمن».

وقبل أن يكمل الأخير جملته كان الثويني قد سارع إلى رمي الحزام الناسف باتجاه الباب المغلق، فأصيب عناصر «قوة الاستقصاء» والموظّف. فهرع الجميع إلى الطبقة الثالثة حيث تمدّد الحريق، وتدخّلت «قوات النخبة» (التي كانت تقف خلف عناصر قوة الاستقصاء) وألقت القبض على الشنيفي، الذي كان يهمّ بالفرار عبر رمي نفسه من الشرفة.

وفي الوقت نفسه، سادت حالة الهلع في صفوف مرتادي مطعم الفندق، حيث كانت تقام فيه حفلة عيد ميلاد. في حين قام نزلاء الفندق بالهروب سريعاً بعد وقوع الانفجار، فاشتبهت «قوات الإسناد» التي كانت تقف عند باب الفندق بشخصين من الجنسيّة السودانيّة، أحدهما يضع قبّعة على رأسه فيما الثاني غطّى وجهه بمنديل لعدم تنشّق رائحة الحريق.

وسريعاً، اقتيدا إلى التحقيقات قبل أن يطلق سراحهما بعدما تبيّن أنّهما عاملان داخل الفندق، وكانا يستريحان في الغرفة رقم 311 المخصصة للعمّال الأجانب الذين يبيتون داخل الفندق.

لم تنهِ القوى الأمنيّة مسحها لمكان الجريمة، إلا أنّ عناصر «قوات النخبة» في الأمن العام سرعان ما عادت أدراجها إلى الفندق، مستفسرةً عن الغرفة رقم 606 (في الطبقة السادسة من الفندق) بعد أن اعترف الشنيفي أن هناك فرداً آخر من الخليّة الإرهابية كان نزيلاً في هذه الغرفة. وبعد جمع المعلومات، علم أن نزلاء الغرفة المذكورة هم ثلاثة سوريين: رجل وزوجته وابنه الصغير (الذي لا يتعدّى عمره الثلاث سنوات)، وحجزوا الغرفة في صباح اليوم نفسه الذي تمّت فيه عملية المداهمة.

أدرك عناصر الأمن العام سريعاً أنّ الموقوف السعودي يحاول تضليلهم وكسب الوقت وأن لا صلة بين الغرفة 303 والغرفة 606، ولكنهم أكملوا سير التحقيقات وعمليات المسح بعد تأكّدهم أن هناك مشتبهاً فيه ثالثاً هو لبناني الجنسيّة، من دون علمهم ما إذا كان داخل الفندق أو لم يأت أصلاً إليه. ومع ذلك، طلبوا من موظفي الفندق الاتصال بالنزيل السوري والطلب منه الحضور إلى «دو روي» لاستلام حقائبه بعد وقوع انفجار داخل الفندق.

أبلغ نزيل الغرفة 606 عمّال الفندق أنه آتٍ بعد ساعة، ولكنه لم يأتِ. وخلال اتصالهم الثاني به، أبلغهم أنه لن يستطيع المجيء إلى الروشة لأن والدته مريضة وبحالة خطرة قائلاً: «والدتي أهم من أغراضي».

حتى الساعة، لم يُعرف أي شيء عن هذا النزيل، في حين يشير شهود عيان كانوا متواجدين في محيط الفندق بعد ساعة من وقوع الانفجار، عن رؤية رجل وزوجته وابنه في المكان، سائلين عن سبب هذه الزحمة ولافتين الانتباه إلى أنهم أتوا اليوم إلى لبنان وتركوا أمتعتهم داخل الغرفة في «دو روي» وخرجا منذ الصباح. وبعد أن علما بالذي حصل، قرر الرجل وزوجته الابتعاد عن المكان خوفاً على سلامة طفلهم.

من هو المطلوب اللبناني؟

المنذر خلدون الحسن، والدته حلبية، مواليد 1990 بزبينا - عكار هو من عمّم الأمن العام صورته بناء لإشارة القضاء المختص، أمس، وأشار إلى أن الحسن «يحمل الجنسية السويدية باسم منذر الحسن، ومشتبه بقيامه بتأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات للشبكة التي تمت مداهمتها في فندق «دوروي».

وأفاد بيان الأمن العام أن المشتبه به يتجول بسيارتين، الأولى من نوع نيسان لون بيج قديمة الطراز، والثانية مرسيدس لون رمادي موديل 2005، ويحتمل أن تكون هاتان السيارتان مفخختين.

ولمنذر الحسن قصّة طويلة. إذ يصحّ القول إنه ينتمي إلى عائلة غالبيّة أفرادها مطلوبون بمذكرات توقيف، وله: شقيق موقوف في قضيّة تفجير قطارات في إحدى الدول الأوروبية، وشقيقان موقوفان في رومية، وشقيقان نفّذا عملية انتحاريّة مشتركة ضدّ موقع سوري في قلعة الحصن، وشقيق نفّذ عملية انتحارية في شارع المئتين مع بدء اندلاع شرارة المعارك بين الجيش وعناصر «فتح الإسلام»، وابن شقيقة قبض عليه في مطار بيروت وبحوزته مناظير ليلية قبل أن يعمل أحد مشايخ الشمال إلى الضغط للإفراج عنه.

كما تردّد أن الحسن كان يضع صورة لمطعم «الساحة» على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» قبل إلقاء القبض على «خليّة الروشة».

يمنيان بريئان.. وفتائل في عهدة «قوى الأمن»

نفّذ الجيش، أمس، عمليات دهم في مخيم اللاجئين الفسطينيين في الضبية، باحثا عن جيب «شيروكي» أسود رقم لوحته 157699 وعن امرأة سوريّة.

وقالت مصادر أمنية لـ«السفير» إنها «لم توقف أي مطلوب ولم تعثر على سيارات مفخخة»، مشددةً على أنّ «ما نقوم به في كلّ المناطق هو إجراءات وقائيّة».

وبالتوازي مع عملية الضبية، كانت قوى الأمن الداخلي تداهم فندق «رامادا» الروشة، حيث تمّ توقيف نزيلين من الجنسيّة اليمنيّة. وتؤكّد المصادر الأمنيّة أن «اليمنيين أوقفا على ذمّة التحقيق ولكن لم يثبت عليهما أي ارتباط بجماعات إرهابية حتى الآن»، دون أن تستبعد إطلاق سراحهما في الساعات المقبلة.

وتكشف المصادر نفسها أنها عثرت في مكبّ النفايات التابع للفندق على فتائل بدائيّة يمكن استخدامها في تجهيز أحزمة ناسفة، غير أنّها لم تحسم أمر استخدامها، مشيرةً إلى أنه يمكن أن تكون قد رميت بغية التخلّص منها بعد القبض على «خلية الروشة».

وفي هذا الإطار، يشدّد مدير العلاقات العامة في «رامادا» حبيب سعد على أن «المداهمات حصلت بلا تنسيق مع الإدارة»، نافياً ما تردّد عن العثور على أجسام متفجّرة داخل الفندق أو ما يمتّ للمتفجرات بصلة».

  • فريق ماسة
  • 2014-06-26
  • 10514
  • من الأرشيف

أشقاء منذر الحسن: ملفات من أوروبا.. إلى لبنان ..كيف أمضى انتحاريّا «دو روي» 12 يوماً في الغرفة 307؟

يوم السبت الماضي في 14 حزيران، دخل شخصان سعوديّان آتيان إلى بيروت عبر اسطنبول مع حقائبهما إلى فندق «دو روي» في الروشة. تحدّث الشخصان إلى عاملة الاستقبال وطلبا حجز غرفة لمدّة أسبوع كامل (ثم مددا إقامتهما بعد أسبوع لأسبوع آخر). أخذت العاملة منهما صورة عن جوازي سفرهما والأوراق المطلوبة، وأعطتهما مفتاحي الغرفة رقم 307. حمل علي بن ابراهيم بن علي الثويني وعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الرحمن الشنيفي حقائبهما وصعدا إلى الغرفة. «307» لم تكن غرفةً عاديةً، بل هي «ذات مطلّ استراتيجي»، إذ أنها تقع في الجهة المشرفة على التقاطع في زاوية الفندق. فشرفة الغرفة وشبّاكها يكشفان كلّ الأماكن المحيطة: الشرفة تطلّ على شارع أوستراليا يميناً ويساراً (أي المؤدي إلى فندق «رامادا» يساراً وقناة «المستقبل» يميناً) وحتى الطريق المؤدية إلى الروشة نزولاً، في حين أن شبّاك الغرفة يطلّ على مقرّ السفارة السعوديّة و«الطلعة» المؤدية إليه. حتى الساعة، لا أحد يعرف تفاصيل حجز «الغرفة 307». هل كانت صدفةً أن تقع يدا عاملة الاستقبال على أوّل مفتاح لغرفة خالية؟ أم أن الإرهابيين تمنّيا على الأخيرة إعطاءهما غرفة محدّدة؟ «يرجى عدم الإزعاج» ومهما يكن من أمر، فإن السعوديين دخلا الغرفة لليوم الأوّل، من دون أن تسجّل لهما حركة دخول وخروج مذكورة. وعلى مدى يومين متتاليين، أبقيا على إشارة «يرجى عدم الإزعاج» معلّقة على مقبض الباب. هذا ما أثار حفيظة عمّال النظافة الذين أصروا بعد أيام عديدة على طرق باب الشقة «307»، ظناً منهم أن النزيلين نسيا إزالة الإشارة. وبعد محاولات عديدة، فتح أحد النزيلين الباب لعاملة التنظيف، مؤكداً «أننا لا نحتاج إلى تنظيف الغرفة، فهي نظيفة والأمر لا يعنينا». حينها، شكا العمّال الأمر لإدارة الفندق بعدما توجّسوا أن منع السعوديين دخولهم إلى الغرفة مردّه إلى تخريب داخلها، لا سيّما أن النزيلين صغيران بالعمر نسبياً، حتى طلبت الإدارة من مسؤولة التنظيف في الفندق تفقّد الـ«307» (بعد حوالي الأسبوع على حجزها من قبل الشنيفي والثويني). وبعد طرق الباب لأكثر من دقيقتين من دون أن تسمع الموظفة أي ردّ، أبلغت من هم في الداخل أنها مضطرة إلى استخدام المفتاح الثالث الخاص بالفندق لتفقّد الغرفة. وبعد أن فتحت الباب، وجدت السعوديين نائمين والغرفة في وضع جيّد. الثويني إلى «نابليون» هذه الحادثة، أبعدت أنظار العمال عن النزيلين غريبي الأطوار اللذين يقيمان في الطبقة الثالثة من «دو روي»، من دون أن يخرجا فيها معاً، وهما أصلاً قليلا الدخول والخروج. شوهد الثويني (الذي رمى الحزام الناسف) مرّات قليلة يتناول إفطاره في المطعم التابع للفندق. في حين أن الشنيفي (الموقوف حالياً لدى الأمن العام) كان أقلّ حركة، أو هكذا ظنّ عاملو الفندق. فالشنيفي خرج بعد أيّام قليلة من وصوله إلى الفندق باتجاه منطقة الحمرا، ودخل إلى فندق «نابليون» طالباً مقابلة أحد النزلاء، إلا أنّ عامل الاستقبال أعلمه أنه لا يوجد أي نزيل بهذا الاسم. مَن يكون هذا النزيل؟ هو نفسه الفرنسي المتحدّر من جزر القمر الذي أوقف في فندق «نابوليون» الجمعة الماضي. السعودي كان عليه تسليم الفرنسي ألف دولار أميركي فور وصوله إلى لبنان، إلا أنّ مشغّليه أعطوه «الاسم الجهادي» للفرنسي، في حين أنّ الأخير حجز في نابليون باسمه الحقيقي، ما حال دون تواصل الرجلين في هذا اللقاء. رصد فمداهمة بعدها عاد الشنيفي إلى الفندق من دون أن يلحظ أحد تحرّكاته. وكاد العاملون في فندق الروشة أن يظنّوا أن الغرفة رقم 307 خالية من النزلاء، إلا أنه تمّ التواصل معهم (قبل حوالي الأربعة أيام على تنفيذ عملية المداهمة) من قبل عناصر من المديريّة العامّة للأمن العام الذين أكّدوا أن النزيلين مشتبه فيهما بإمكان تنفيذ عمليّات إرهابيّة، وطلبوا رفدهم بالمعلومات عنهما والأوراق الثبوتية التي تركاها عند استعلامات الفندق، للتأكد من هويتيهما وما إذا كانت مزوّرة. حينها، روى المسؤولون عن «دو روي» تفاصيل منع العمّال من تنظيف الغرفة. فطلبت القوى الأمنية من مسؤولي الفندق أن تبقى العيون مفتوحة على النزيلين السعوديين وأن يحاولا طرق الباب عليهما أو الاتصال بهما بشكل دائم عبر رقمهما الداخلي متحججين بما إذا كانا بحاجة أي شيء. وهذا ما قام به عمّال الفندق على مدى أربعة أيّام، ولكن الشنيفي والثويني لم يردّا على هاتفهما الداخلي ولم يفتحا الباب، ولم يخرجا من الغرفة، حتى ظنّ إداريوّ «دو روي» أن النزيلين غادرا الفندق، إلا أنّ عناصر الأمن العام أكدوا لهم أن السعوديين في الغرفة وهما تحت المراقبة والرصد الدقيق. وفي اليوم الرابع من التنسيق بين الفندق والقوى الأمنية واليوم الـ12 من إقامة السعوديين داخل «دو روي»، حدّدت المديرية العامة لقوى الأمن العام ساعة الصفر بعد أن تلقى الإرهابيان أمراً بتنفيذ عمليّة انتحارية مزدوجة داخل مطعم «الساحة» على طريق المطار، وذلك مساء الجمعة (العملية كانت مقررة أن تنفذ مساء اليوم) في الوقت الذي كان مقرراً أن تقام فيه مناسبة داخل المطعم. عندها سارعت «قوات النخبة» في المديريّة إلى مداهمة «دو روي» بالتنسيق مع إدارة الفندق. عند الساعة السابعة من مساء أمس الأوّل، وصل ضبّاط وعناصر الأمن العام إلى المكان، وعملوا على إقفال الطرق المؤديّة إلى الروشة بطريقة مموّهة. وبالطريق إلى الطبقة الرابعة، رافق أحد العمال «قوة الاستقصاء» (التابعة للأمن العام) بثيابهم المدنيّة إلى الغرفة 307، حيث طرقا الباب، وعندما لم يسمعا أي جواب، سلّم موظّف «دو روي» المفتاح الالكتروني الثالث إلى عناصر الأمن العام، وقام بطرق الباب على النزيلين، حينها ردّ أحدهما قائلاً: «مين»، وأجاب الموظّف: «من الإدارة»، فقال النزيل السعودي: «هل معك أحد»، ليردّ الموظّف بحسب الأصول المتّبعة في الفنادق: «نعم الأمن». وقبل أن يكمل الأخير جملته كان الثويني قد سارع إلى رمي الحزام الناسف باتجاه الباب المغلق، فأصيب عناصر «قوة الاستقصاء» والموظّف. فهرع الجميع إلى الطبقة الثالثة حيث تمدّد الحريق، وتدخّلت «قوات النخبة» (التي كانت تقف خلف عناصر قوة الاستقصاء) وألقت القبض على الشنيفي، الذي كان يهمّ بالفرار عبر رمي نفسه من الشرفة. وفي الوقت نفسه، سادت حالة الهلع في صفوف مرتادي مطعم الفندق، حيث كانت تقام فيه حفلة عيد ميلاد. في حين قام نزلاء الفندق بالهروب سريعاً بعد وقوع الانفجار، فاشتبهت «قوات الإسناد» التي كانت تقف عند باب الفندق بشخصين من الجنسيّة السودانيّة، أحدهما يضع قبّعة على رأسه فيما الثاني غطّى وجهه بمنديل لعدم تنشّق رائحة الحريق. وسريعاً، اقتيدا إلى التحقيقات قبل أن يطلق سراحهما بعدما تبيّن أنّهما عاملان داخل الفندق، وكانا يستريحان في الغرفة رقم 311 المخصصة للعمّال الأجانب الذين يبيتون داخل الفندق. لم تنهِ القوى الأمنيّة مسحها لمكان الجريمة، إلا أنّ عناصر «قوات النخبة» في الأمن العام سرعان ما عادت أدراجها إلى الفندق، مستفسرةً عن الغرفة رقم 606 (في الطبقة السادسة من الفندق) بعد أن اعترف الشنيفي أن هناك فرداً آخر من الخليّة الإرهابية كان نزيلاً في هذه الغرفة. وبعد جمع المعلومات، علم أن نزلاء الغرفة المذكورة هم ثلاثة سوريين: رجل وزوجته وابنه الصغير (الذي لا يتعدّى عمره الثلاث سنوات)، وحجزوا الغرفة في صباح اليوم نفسه الذي تمّت فيه عملية المداهمة. أدرك عناصر الأمن العام سريعاً أنّ الموقوف السعودي يحاول تضليلهم وكسب الوقت وأن لا صلة بين الغرفة 303 والغرفة 606، ولكنهم أكملوا سير التحقيقات وعمليات المسح بعد تأكّدهم أن هناك مشتبهاً فيه ثالثاً هو لبناني الجنسيّة، من دون علمهم ما إذا كان داخل الفندق أو لم يأت أصلاً إليه. ومع ذلك، طلبوا من موظفي الفندق الاتصال بالنزيل السوري والطلب منه الحضور إلى «دو روي» لاستلام حقائبه بعد وقوع انفجار داخل الفندق. أبلغ نزيل الغرفة 606 عمّال الفندق أنه آتٍ بعد ساعة، ولكنه لم يأتِ. وخلال اتصالهم الثاني به، أبلغهم أنه لن يستطيع المجيء إلى الروشة لأن والدته مريضة وبحالة خطرة قائلاً: «والدتي أهم من أغراضي». حتى الساعة، لم يُعرف أي شيء عن هذا النزيل، في حين يشير شهود عيان كانوا متواجدين في محيط الفندق بعد ساعة من وقوع الانفجار، عن رؤية رجل وزوجته وابنه في المكان، سائلين عن سبب هذه الزحمة ولافتين الانتباه إلى أنهم أتوا اليوم إلى لبنان وتركوا أمتعتهم داخل الغرفة في «دو روي» وخرجا منذ الصباح. وبعد أن علما بالذي حصل، قرر الرجل وزوجته الابتعاد عن المكان خوفاً على سلامة طفلهم. من هو المطلوب اللبناني؟ المنذر خلدون الحسن، والدته حلبية، مواليد 1990 بزبينا - عكار هو من عمّم الأمن العام صورته بناء لإشارة القضاء المختص، أمس، وأشار إلى أن الحسن «يحمل الجنسية السويدية باسم منذر الحسن، ومشتبه بقيامه بتأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات للشبكة التي تمت مداهمتها في فندق «دوروي». وأفاد بيان الأمن العام أن المشتبه به يتجول بسيارتين، الأولى من نوع نيسان لون بيج قديمة الطراز، والثانية مرسيدس لون رمادي موديل 2005، ويحتمل أن تكون هاتان السيارتان مفخختين. ولمنذر الحسن قصّة طويلة. إذ يصحّ القول إنه ينتمي إلى عائلة غالبيّة أفرادها مطلوبون بمذكرات توقيف، وله: شقيق موقوف في قضيّة تفجير قطارات في إحدى الدول الأوروبية، وشقيقان موقوفان في رومية، وشقيقان نفّذا عملية انتحاريّة مشتركة ضدّ موقع سوري في قلعة الحصن، وشقيق نفّذ عملية انتحارية في شارع المئتين مع بدء اندلاع شرارة المعارك بين الجيش وعناصر «فتح الإسلام»، وابن شقيقة قبض عليه في مطار بيروت وبحوزته مناظير ليلية قبل أن يعمل أحد مشايخ الشمال إلى الضغط للإفراج عنه. كما تردّد أن الحسن كان يضع صورة لمطعم «الساحة» على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» قبل إلقاء القبض على «خليّة الروشة». يمنيان بريئان.. وفتائل في عهدة «قوى الأمن» نفّذ الجيش، أمس، عمليات دهم في مخيم اللاجئين الفسطينيين في الضبية، باحثا عن جيب «شيروكي» أسود رقم لوحته 157699 وعن امرأة سوريّة. وقالت مصادر أمنية لـ«السفير» إنها «لم توقف أي مطلوب ولم تعثر على سيارات مفخخة»، مشددةً على أنّ «ما نقوم به في كلّ المناطق هو إجراءات وقائيّة». وبالتوازي مع عملية الضبية، كانت قوى الأمن الداخلي تداهم فندق «رامادا» الروشة، حيث تمّ توقيف نزيلين من الجنسيّة اليمنيّة. وتؤكّد المصادر الأمنيّة أن «اليمنيين أوقفا على ذمّة التحقيق ولكن لم يثبت عليهما أي ارتباط بجماعات إرهابية حتى الآن»، دون أن تستبعد إطلاق سراحهما في الساعات المقبلة. وتكشف المصادر نفسها أنها عثرت في مكبّ النفايات التابع للفندق على فتائل بدائيّة يمكن استخدامها في تجهيز أحزمة ناسفة، غير أنّها لم تحسم أمر استخدامها، مشيرةً إلى أنه يمكن أن تكون قد رميت بغية التخلّص منها بعد القبض على «خلية الروشة». وفي هذا الإطار، يشدّد مدير العلاقات العامة في «رامادا» حبيب سعد على أن «المداهمات حصلت بلا تنسيق مع الإدارة»، نافياً ما تردّد عن العثور على أجسام متفجّرة داخل الفندق أو ما يمتّ للمتفجرات بصلة».

المصدر : السفير/ لينا فخر الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة