جاء رد وزارة الخارجية السورية قاسياً على قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على 12 وزيراً سورياً، واتهمت بروكسل بأنها «شريك كامل في الحرب القذرة التي تشن على سوريا» و«مصدر دعم للإرهابيين أصحاب الفكر الظلامي».

الرد لا يخلو من خيبة أمل، ولا سيما أن مؤشرات إيجابية كانت بدأت تبدو في الأفق، تساهم في بناء تصور لفك العزلة الدولية عن دمشق. من بين تلك المؤشرات «المشاركة» الفكرية التي قامت بها المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان في «منتدى أوسلو» الأسبوع الماضي، والتي تضمنت لقاءً مع خصم سياسي بارز لدمشق هو جيفري فيلتمان، لكن بردائه الأممي هذه المرة، باعتباره معاون الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

والتقت شعبان كمؤشر آخر بوزير خارجية النروج بورغا برانده، وفقاً لما ذكرته صحيفة «الوطن» السورية، وذلك بعد فترة قصيرة على لقاء الأخير بوفد من «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض في تركيا، بالتزامن مع دعوة الخارجية النروجية لشعبان لحضور المؤتمر.

يضاف إلى المؤشر الأخير، إشارات استخبارية، لزيادة وتيرة التعاون الأمني مع دمشق، وهو «تعاون لم يتوقف بشكل كامل»، بسبب حاجة الطرفين إلى تبادل المعلومات الحرجة بين وقت وآخر، تحت غطاء ديبلوماسي تؤمنه الملاحق العسكرية في السفارات التي لا زالت عاملة في دمشق، وبالتنسيق مع بروكسل أحياناً، وأحياناً أخرى مع عواصم محددة، مثل برلين وفيينا ومدريد وبراغ.

لكن قرار الاتحاد الأوربي بفرض عقوبات سنوية على الوزراء السوريين، أعاد خلط تصورات ايجابية بالمجمل، عن إمكانية اجتماع الأطراف المتنافسة في الملف السوري على عنوان عريض يتمثل بـ«مكافحة الإرهاب»، الذي لم يعد تلميحاً في تقرير صادر عن الخارجية السورية إلى مجلس الأمن، بل قوة بعشرات آلاف المقاتلين، تحتل مساحة جغرافية تعادل ضعفي مساحة بعض البلدان العربية، وتمتلك مئات ملايين الدولارات.

وتأمل الحكومة السورية في بناء «تحالف إقليمي ضد الإرهاب»، رغم معرفتها بصعوبة تحقيق هذا الأمر في الوقت الراهن، إلا إذا تم الرهان على تعقيدات الضفة الأخرى من هذه الجبهة. وتتضمن تلك الضفة مواجهات متناقضة بين عوامل عديدة، وصولا إلى نتيجة مفادها أن على الجانب الأميركي أن يتعاطى في سبل استعادته «للأمن في العراق»، مع أطراف أخرى، وذلك في حال لم يرغب في إرسال طيرانه الحربي يتيماً من دون شريك.

الطرف الأول هو حكومتا السعودية وتركيا. والأولى أيدت اندفاعة تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» ووصفتها وسائل إعلامها بأنها «ثورة سنية»، وهو توصيف لم يعجب الأميركيين. والثانية كانت وما زالت متهمة بأنها الشريان الرئيسي الذي سمح لـ«داعش» بالنمو، وهي تنسجم بتوصيفها إلى حد كبير لما يجري في العراق مع التوصيف السعودي.

أما الثنائي البديل فهو سوريا وإيران. والأولى ما زالت تمتلك سلاح جوي قوياً، ينفذ ما يزيد عن 200 طلعة جوية يومياً، تتوزع على مساحة البلاد، مع العلم أن أنباء ترددت عن قصف مواقع خارج الحدود السورية، وهو ما نفته وزارة الإعلام السورية بشدة. وأغار الطيران السوري أمس، على سبعة مراكز تابعة لـ«داعش» في قاعدتها الرئيسية في الرقة، مسبباً، وفقاً لناشطين، بمقتل 70 شخصاً وجرح ما يزيد عن مئة.

وكان مصدر سوري رفيع المستوى قال، لـ«السفير»، تعليقاً على الغارات أن الطيران لا يستطيع تنفيذ مهمات دائمة في الرقة بسبب كثافة المدنيين فيها من جهة، وعدم قدرة القوات البرية على ملء أي فراغ أمني لاحق. لكن مدفعية الجيش، من معسكر «الفرقة 17» ساهمت أمس بعمليات قصف مقرات «داعش»، وبينها مباني المركبات ومبنى المحافظة، ومواقع أخرى في المنطقة الصناعية بينها مستودعات سلاح.

من جهتها، تمتلك إيران مصلحة كبرى في إعاقة تقدم «داعش» ومساندة حكومة نوري المالكي، إلا أن ثمة مشكلة في مشاركتها في معركة صريحة العناوين المذهبية.

وتضع هذه الزوايا واشنطن أمام خيارات ضيقة، تقلص الحلفاء في معركة العراق المصيرية، إلى سلاح الجو الأردني تقريباً، إن تم استثناء الخيارات الأخرى. هذا الخيار الأخير سيضع النظام الملكي في مواجهة، يسعى منذ عقود لتجنبها، مع التيار السلفي الأردني، والمتعاطف بقوة مع تنظيم «القاعدة».

هذه القراءة الأخيرة في دمشق، تنسجم إلى حد كبير مع البوح المفاجئ للرئيس باراك أوباما منذ يومين بقناعته أن «وجود معارضة معتدلة في سوريا» قادرة على إطاحة الرئيس الأسد كانت أقرب إلى «الخيال السياسي».

وتقود التطورات الأخيرة الآن إلى تصورات هي الأخرى، كانت أقرب للخيال السياسي منذ عامين، متمثلة بإمكانية إقلاع طائرات السلاح الحربي السوري، بالتوافق مع الطائرات الأميركية لقصف عدو واحد، في مكانين متجاورين، باعتباره «العدو رقم واحد» في العالم.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-25
  • 12306
  • من الأرشيف

التقاء متوقع لسلاحي الجو الأميركي والسوري؟ الطيران السوري يستهدف «داعش» في الرقة

جاء رد وزارة الخارجية السورية قاسياً على قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على 12 وزيراً سورياً، واتهمت بروكسل بأنها «شريك كامل في الحرب القذرة التي تشن على سوريا» و«مصدر دعم للإرهابيين أصحاب الفكر الظلامي». الرد لا يخلو من خيبة أمل، ولا سيما أن مؤشرات إيجابية كانت بدأت تبدو في الأفق، تساهم في بناء تصور لفك العزلة الدولية عن دمشق. من بين تلك المؤشرات «المشاركة» الفكرية التي قامت بها المستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان في «منتدى أوسلو» الأسبوع الماضي، والتي تضمنت لقاءً مع خصم سياسي بارز لدمشق هو جيفري فيلتمان، لكن بردائه الأممي هذه المرة، باعتباره معاون الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. والتقت شعبان كمؤشر آخر بوزير خارجية النروج بورغا برانده، وفقاً لما ذكرته صحيفة «الوطن» السورية، وذلك بعد فترة قصيرة على لقاء الأخير بوفد من «الحكومة المؤقتة» التابعة لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض في تركيا، بالتزامن مع دعوة الخارجية النروجية لشعبان لحضور المؤتمر. يضاف إلى المؤشر الأخير، إشارات استخبارية، لزيادة وتيرة التعاون الأمني مع دمشق، وهو «تعاون لم يتوقف بشكل كامل»، بسبب حاجة الطرفين إلى تبادل المعلومات الحرجة بين وقت وآخر، تحت غطاء ديبلوماسي تؤمنه الملاحق العسكرية في السفارات التي لا زالت عاملة في دمشق، وبالتنسيق مع بروكسل أحياناً، وأحياناً أخرى مع عواصم محددة، مثل برلين وفيينا ومدريد وبراغ. لكن قرار الاتحاد الأوربي بفرض عقوبات سنوية على الوزراء السوريين، أعاد خلط تصورات ايجابية بالمجمل، عن إمكانية اجتماع الأطراف المتنافسة في الملف السوري على عنوان عريض يتمثل بـ«مكافحة الإرهاب»، الذي لم يعد تلميحاً في تقرير صادر عن الخارجية السورية إلى مجلس الأمن، بل قوة بعشرات آلاف المقاتلين، تحتل مساحة جغرافية تعادل ضعفي مساحة بعض البلدان العربية، وتمتلك مئات ملايين الدولارات. وتأمل الحكومة السورية في بناء «تحالف إقليمي ضد الإرهاب»، رغم معرفتها بصعوبة تحقيق هذا الأمر في الوقت الراهن، إلا إذا تم الرهان على تعقيدات الضفة الأخرى من هذه الجبهة. وتتضمن تلك الضفة مواجهات متناقضة بين عوامل عديدة، وصولا إلى نتيجة مفادها أن على الجانب الأميركي أن يتعاطى في سبل استعادته «للأمن في العراق»، مع أطراف أخرى، وذلك في حال لم يرغب في إرسال طيرانه الحربي يتيماً من دون شريك. الطرف الأول هو حكومتا السعودية وتركيا. والأولى أيدت اندفاعة تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» ووصفتها وسائل إعلامها بأنها «ثورة سنية»، وهو توصيف لم يعجب الأميركيين. والثانية كانت وما زالت متهمة بأنها الشريان الرئيسي الذي سمح لـ«داعش» بالنمو، وهي تنسجم بتوصيفها إلى حد كبير لما يجري في العراق مع التوصيف السعودي. أما الثنائي البديل فهو سوريا وإيران. والأولى ما زالت تمتلك سلاح جوي قوياً، ينفذ ما يزيد عن 200 طلعة جوية يومياً، تتوزع على مساحة البلاد، مع العلم أن أنباء ترددت عن قصف مواقع خارج الحدود السورية، وهو ما نفته وزارة الإعلام السورية بشدة. وأغار الطيران السوري أمس، على سبعة مراكز تابعة لـ«داعش» في قاعدتها الرئيسية في الرقة، مسبباً، وفقاً لناشطين، بمقتل 70 شخصاً وجرح ما يزيد عن مئة. وكان مصدر سوري رفيع المستوى قال، لـ«السفير»، تعليقاً على الغارات أن الطيران لا يستطيع تنفيذ مهمات دائمة في الرقة بسبب كثافة المدنيين فيها من جهة، وعدم قدرة القوات البرية على ملء أي فراغ أمني لاحق. لكن مدفعية الجيش، من معسكر «الفرقة 17» ساهمت أمس بعمليات قصف مقرات «داعش»، وبينها مباني المركبات ومبنى المحافظة، ومواقع أخرى في المنطقة الصناعية بينها مستودعات سلاح. من جهتها، تمتلك إيران مصلحة كبرى في إعاقة تقدم «داعش» ومساندة حكومة نوري المالكي، إلا أن ثمة مشكلة في مشاركتها في معركة صريحة العناوين المذهبية. وتضع هذه الزوايا واشنطن أمام خيارات ضيقة، تقلص الحلفاء في معركة العراق المصيرية، إلى سلاح الجو الأردني تقريباً، إن تم استثناء الخيارات الأخرى. هذا الخيار الأخير سيضع النظام الملكي في مواجهة، يسعى منذ عقود لتجنبها، مع التيار السلفي الأردني، والمتعاطف بقوة مع تنظيم «القاعدة». هذه القراءة الأخيرة في دمشق، تنسجم إلى حد كبير مع البوح المفاجئ للرئيس باراك أوباما منذ يومين بقناعته أن «وجود معارضة معتدلة في سوريا» قادرة على إطاحة الرئيس الأسد كانت أقرب إلى «الخيال السياسي». وتقود التطورات الأخيرة الآن إلى تصورات هي الأخرى، كانت أقرب للخيال السياسي منذ عامين، متمثلة بإمكانية إقلاع طائرات السلاح الحربي السوري، بالتوافق مع الطائرات الأميركية لقصف عدو واحد، في مكانين متجاورين، باعتباره «العدو رقم واحد» في العالم.

المصدر : السفير /زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة