دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في تطور مثير غير متوقع سلّم أمراء «جبهة النصرة» مفاتيح مدينة البوكمال بريف دير الزور، إلى خصمهم اللدود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بعد أن قدّموا البيعة لأميره أبي بكر البغدادي.
وإذا كانت أبواب المدينة الحدودية بين العراق وسوريا قد فتحت على مصراعيها أمام «داعش» ليدخلها من دون قتال مع «النصرة»، إلا أن ذلك لا يعني السيطرة الفعلية عليها، لأن موقف باقي الفصائل ما زال غير واضح، فهل سترضخ للأمر الواقع أم ستلجأ إلى القتال وحدها.
في هذا الوقت، شهد محيط مدينة الشحيل، معقل «النصرة» الرئيسي في دير الزور، أول اشتباكات من نوعها مع عناصر «داعش»، الأمر الذي يرشح المنطقة لتصعيد دموي جديد.
وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنه أيّاً كان موقف الفصائل الأخرى في البوكمال، بما فيها الفصائل الإسلامية، من بيعة أمراء «النصرة»، فلن يكون بإمكانها سوى تأخير سيطرة «داعش» على المدينة لبعض الوقت فقط، لاسيما وأن بوادر الخلاف بين هذه الفصائل بدأت بالظهور مباشرة بعد شيوع نبأ المبايعات. وحتى «جبهة الأصالة والتنمية»، التي تعتبر من أقوى الفصائل في المدينة، سارعت في موقف يعكس إدراكها لحقيقة عدم إمكانية دفاعها عن المدينة، إلى الاتصال ببعض قيادات الفصائل المتحالفة مع «داعش» في الجانب العراقي من الحدود، للتوسط وإقناع «داعش» بعدم دخول المدينة. وهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً هو أن البوكمال تعتبر ساقطة بين يدي «داعش»، وأنه سيطر عليها من دون أن يرسل عنصراً واحداً من عناصره، أما السيطرة بوضع اليد على مقاليد الأمور في المدينة فهي مسألة وقت وقد تحتاج إلى ترتيبات أمنية معينة، لاسيما في ظل مخاوف من أن يكون بعض عناصر «جبهة النصرة» قد بايعوا بهدف الغدر والخيانة وبالتالي افتعال أحداث أمنية ضد قيادات «الدولة الإسلامية» التي تدخل المدينة.
وتتيح السيطرة على البوكمال تحقيق حلم طالما راود قيادة «داعش»، وهو الربط بين الأراضي التي يسيطر عليها بين العراق وسوريا، والتحكم بالمعابر في ما بينها، الأمر الذي يمنحه إمكانيات واسعة لاستخدام خطوط الإمداد بين البلدين جيئة وذهاباً، لاسيما في ظل المعارك التي يخوضها حالياً على طرفي الحدود. يشار إلى أن «داعش» يسيطر على بلدة القائم في العراق المقابلة لدير الزور.
وكانت سرت أنباء خلال الأيام الماضية، تبين أنها صحيحة، عن قيام عدد من قياديي الصف الثاني في «جبهة النصرة»، منهم أبو الزهراء الأردني وأبو حمزة المهاجر وأبو جعفر الشرعي وأبو حمزة الأنصاري، بمبايعة «داعش»، لكن ما أحدث الصدمة الكبرى، التي لم يكن أحد يتوقعها، هو صدور «البيعة» عن قادة الصف الأول، وخصوصاً من أعلى «أميرين» في مدينة البوكمال، وهما «أمير النصرة» أبو أحمد السلمان و«الأمير العسكري» أبو يوسف المصري، حيث نشر حساب «ولاية حمص»، التابع لـ«داعش»، صباح أمس صوراً لـ«الأميرين» وهما يقدمان «البيعة» إلى البغدادي بواسطة قائده العسكري عمر الشيشاني، الأمر الذي وقع على الجميع، وخصوصاً على القيادة العامة لـ «جبهة النصرة»، وقع الصاعقة، من جهة لأنه لم يعد بإمكانهم أن يلوذوا بالإنكار بعد نشر الصور، ومن جهة ثانية لأن سقوط البوكمال بهذا الأسلوب يعني أن مناطق أخرى قد تحذو حذوها وقيادة «النصرة» آخر من يعلم.
والغريب أن المصري كان يعتبر من صقور «جبهة النصرة» في التعاطي مع «داعش»، وحسابه على موقع «تويتر» يشهد على ذلك، فهو ممتلئٌ بالتغريدات التي تطعن بقادة التنظيم وتنعتهم بأسوأ النعوت، وفيها من التهديد والوعيد ما فيها، إضافة إلى أن المصري كان يدّعي أن لديه ثأراً شخصياً لدى «داعش» بسبب مقتل ابن أخيه الفتى طاهر المصري في الهجوم السابق على البوكمال قبل حوالي شهرين، لذلك تطرح مبايعته من دون وجود ضرورات ملحة، العديد من التساؤلات حول مدى ولاء «أمراء جبهة النصرة» لقيادتهم العامة، وهل تحولت «النصرة» إلى مجموعات متشرذمة تتبع كل منها مصالحها الخاصة عندما يقتضي الأمر ذلك؟.
وقال المتحدث باسم «القوى الثورية» التابعة إلى «الجيش السوري الحر» في دير الزور عمر أبو ليلى إن «البوكمال خط احمر»، مضيفا إن «الجيش السوري الحر سيقاتل داعش إذا اجتاز الحدود من العراق». وبث ناشطون على الانترنت شريط فيديو يظهر فيه عرض عسكري لمقاتلين في «الجيش الحر» داخل البوكمال.
من جهة أخرى، شهدت مدينة الشحيل، معقل «النصرة» الرئيسي في المنطقة، أول هجوم من نوعه عليها. وأفادت المعلومات أن عناصر من «داعش» هاجموا عدة قرى مجاورة للشحيل بالتزامن مع إعلان «البيعات» التي حصل عليها البغدادي من البوكمال، الأمر الذي أثار التساؤلات هل المقصود من الهجوم هو اقتحام المدينة والسيطرة عليها، أم مجرد محاولة لمنع «جبهة النصرة» من إرسال إمدادات إلى البوكمال، ومنع «داعش» من السيطرة عليها.
وبحسب آخر المعلومات، فقد تمكن «داعش» من السيطرة على قرية الطكيحي الملاصقة للمدينة تقريباً، في ظل أنباء عن سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين، على رأسهم القيادي في «جيش الإسلام» محمد عايش الحسن.
المصدر :
السفير /عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة