دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من سيطرة «داعش» و«النصرة» على حقول النفط ودخولهما «نادي المصدرين» بتسهيلات غربية إلى لاكتشافات المأمولة في المياه الإقليمية...
تطورات جعلت من ملف النفط حاضراً بقوة في الأزمة السورية، وإن كان من خلف الستار
يتكئ عالم الفيزياء السوري البروفيسور عدنان مصطفى، على السنوات التي قضاها في فترة السبعينيات وزيراً للنفط والثروة المعدنية، ولاحقاً أميناً عاماً مساعداً لمنظمة الدول العربية المصدرة للنفط «أوابك»، ليحسم حقيقة محورية مسائل الطاقة في ما تشهده سوريا من حرب إقليمية ودولية تجري على أرضها. مصطفى يؤكد لـ«الأخبار» أن محدودية الإنتاج السوري من النفط والغاز لم يكن ليغيّر من نظرة ما يسميها إمبراطورية الظلام البترولية، التي خلصت إلى أن سوريا «باتت تشكل، من دون أدنى شك، عائقاً مؤثراً في تقدم خطتها الرامية إلى تشكيل نظام عالمي جديد، ولهذا يجب استئصال وجودها من الشرق الأوسط الجديد...».
يحضر ملف النفط والغاز في الأزمة التي تشهدها سوريا من جوانب عدة هي: موقع البلاد ممراً استراتيجياً لأنابيب النفط والغاز التي يمكنها أن تربط مناطق الإنتاج في الخليج والعراق بأوروبا وشواطئ البحر المتوسط، والاكتشافات النفطية والغازية الكبيرة المتوقعة في المياه الإقليمية للدول المطلة على البحر المتوسط، وسيطرة المجموعات المسلحة كـ«داعش» و«النصرة» على حقول الإنتاج النفطي في المنطقة الشرقية لسوريا، وقيامها بالإنتاج وبيعه لسماسرة وتجار أتراك، والتأثيرات المختلفة لهذا الواقع الجديد المتشكل.
الخطر القادم
ومع أن الملفات الثلاثة حظيت خلال الفترة الماضية بنقاشات واسعة، إلا أن ثمة تطورات مهمة بقيت بعيداً عن الضوء، رغم خطورتها. فالحديث المتزايد عن العائدات المالية الكبيرة، التي تجنيها تنظيمات مسلحة وبعض عشائر المنطقة الشرقية، جراء استخراجها يومياً ما بين 50 إلى 60 ألف برميل، وبيع بعضها خاماً لتجار وسماسرة أتراك أو تكرير بعضها الآخر بطرق بدائية، يتجاهل خطراً متزايداً يتهدد مستقبل الإنتاج في تلك الحقول، وتالياً إمكانية خسارة سوريا جزئياً أو كلياً لنفط الحقول الخاضعة لسيطرة التنظيمات المسلحة، التي تشير التقديرات إلى أن إنتاجها قبل الأزمة وصل إلى عتبة الـ350 ألف برميل يومياً، سواء نتيجة هروب كميات النفط الكامنة بين الطبقات أو تخريب وهدم الأبار القائمة. ولا يستبعد مصطفى هذا الاحتمال رغم اقتناعه بأن الإنتاج في هذه الحقول دخل قبل الأزمة في مراحله النهائية، لكن تبقى هناك كميات يمكنها أن تشكل مصدراً كبيراً لدخل التنظيمات والعشائر المسيطرة حالياً على الحقول، فيما يشرح خبير نفطي آخر ذلك بقوله إنّ هذه الحقول دخلت قبل الأزمة في مرحلة تكثيف الإنتاج، الذي يفترض ضغطاً معيناً لاستخراج السائل النفطي من الصخور ومن ثم سحبه إلى الأعلى، ومع سيطرة بعض المجموعات المسلحة على هذه الحقول وتدميرها لكثير من التجهيزات والآلات وغياب الكوادر التقنية، فإن عمليات الإنتاج القائمة حالياً تجري دون أي رقابة عملية علمية وفنية، وهذا ما يزيد من فرص خسارة الحقول لاحتياطاتها من النفط، أو على الأقل ستكون سوريا مضطرة إلى دفع تكاليف باهظة لإعادة استخراج النفط الباقي في هذه الحقول مستقبلاً.
قد يكون للمعلومات المتداولة عن وجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية أثر ما في تبديد المخاوف من إمكانية خسارة نفط المنطقة الشرقية، أو الاطمئنان إلى استمرار سوريا دولةً منتجة للثروة البترولية، لكن ذلك يجب ألا يكون له مبالغات كما يشير مصطفى، الذي يكشف أنه خلال توليه لمنصب وزير النفط عام 1975 تمكنت الوزارة من تأكيد حقيقة وجود البترول والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية السورية، والوثائق الموجودة في الوزارة تؤكد «وجود مصادر مؤملة حقاً»، وهي كميات كافية لتعوض عما خسرته سوريا سابقاً، إنما يعتقد أنها ليست بتلك المبالغات والكميات الهائلة التي يجري الحديث عنها.
الممر الإقليمي
وأياً يكن وضع الإنتاج السوري من النفط والغاز في مرحلة ما بعد الأزمة، فإن مكانة سوريا على الخريطة الطاقية الإقليمية والدولية تأخذ أبعاداً جديدة مع كل تطور سياسي أو اقتصادي تعيشه المنطقة. ويحدد الخبير في شؤون الطاقة، زياد أيوب عربش، أربعة تحولات في مراكز الثقل تؤثر في المنطقة وسوريا، هي:
ـــ ارتقاء قوى اقتصادية وبزوغ أخرى تعزز من مكانتها بفعل نموها المرتفع والمستمر.
ــ تحول مركز ثقل العالم من الغرب والشمال إلى الجنوب والشرق.
ــ تحوّل الاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق.
ــ تحوّل تركيا نحو دول القوقاز والدول العربية.
وتبعاً لتلك التحولات، تجمع سوريا بموقعها الجغرافي بين ميزتين يحتاجهما منتج النفط ومستهلكه، موقعها كبوابة برية نحو تركيا فدول الاتحاد الأوروبي من جهة ونحو لبنان فالبحر المتوسط من جهة ثانية، والميزة الثانية أنها تمثل نافذة واسعة للعراق وإيران والأردن ودول الخليج على البحر المتوسط فأسواق دول الاتحاد الأوروبي.
ومع أن الاهتمام ذهب بداية إلى دور مشروع أنابيب الغاز القطري المقترح إيصاله إلى أوروبا في قيادة قطر لجهود لإطاحة النظام في سوريا، إلا أنّ هناك جهات أخرى حاولت استغلال الحرب السورية لتطرح نفسها بديلاً مستقبلياً، كالتسريبات الإعلامية التي تحدثت عن وجود مشروع يلوح بالأفق، ويهدف إلى إقامة خط حديدي مشترك يربط الأردن بـ«إسرائيل»، ويتولى تلبية الاحتياجات العراقية ومن ثم الخليجية في الاستيراد والتصدير، وهو مشروع برأي الخبراء يجد من يؤيد تطويره ليتحول إلى مشروع لنقل الغاز وتصديره، فقطر مثلاً كانت قد أعلنت سابقاً استعدادها لتصدير الغاز إلى «إسرائيل»، ومن شأن مثل هذا المشروع - كما ترى الدوحة - توجيه ضربة إلى الطموحات الإيرانية الراغبة بتصدير حصتها من الغاز المكتشف في حقل فارس الجنوبي، الذي تتشارك باحتياطياته مع قطر، عبر المرافئ السورية واللبنانية.
وحسب ما أفادت مصادر «الأخبار»، فإن الحكومة السورية سارعت فور سماعها بتلك الأنباء إلى إيفاد وفد رسمي للعراق أخيراً لبيان دقة ما يروّج له وصدقيته، ودراسة سبل التعاون بين البلدين في مجال النقل، وكانت النتيجة نفي بغداد ما يسرب، وأنها على موقفها من «إسرائيل» الرافض للتطبيع معها، وتكليف الجهات المعنية في البلدين دراسة تنفيذ مشروع ربط سككي مشترك لنقل البضائع والترانزيت والركاب بتكلفة تتجاوز مليار ليرة سورية داخل الأراضي السورية، ويمكن أن يطور هذا المشروع مستقبلاً ليشمل كذلك مد أنبوب جديد لنقل النفط العراقي باتجاه المرافئ السورية لتصديره، وهذا ما سيجعل من أي إجراءات تتخذ لحماية الخط الحديدي وأنبوب نقل النفط مجدية أكثر.
ولا يتوقع مستقبلاً، في ضوء الموقف القطري التركي من الأزمة السورية والاتهامات الموجهة إلى الدولتين بدعم التنظيمات المسلحة، أن تسمح دمشق بمد أي أنابيب لنقل النفط والغاز الخليجي عبر أراضيها لتصديره عبر موانئ المتوسط السورية واللبنانية أو برياً باتجاه تركيا فالدول الأوروبية. فيما سيكون انفراج الأزمة مؤشراً على تنفيذ الاتفاق الذي وُقِّع في عام 2011 بين دمشق وبغداد وطهران، والهادف إلى إنشاء أنبوب بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، ويربط مرفأ عسلويه الإيراني بمرفأ طرطوس السوري عبر الأراضي العراقية، فضلاً عن إمكانية عودة دمشق وبغداد لنفض الغبار عن الاتفاق القديم القاضي بإنشاء أنبوب لتصدير النفط العراقي عبر الموانئ السورية ويكون بديلاً من الأنبوب القديم، ولا سيّما أن علاقة العراق اليوم متأزمة مع دول الخليج من جهة ومع تركيا وإن كانت تبدو في العلن تميل نحو الانفراج من جهة ثانية. وهذا كفيل لحث الحكومة العراقية على البحث عن منفذ آمن لتصدير نفطها، وعدم التوسع اقتصادياً في علاقاتها مع الدول المتهمة بالتدخل بشؤون العراق الداخلية.
المصدر :
الأخبار - زياد غصن
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة