قد يظن البعض ان «غزوة الموصل الداعشية» التي آلت الى سيطرة التنظيم التكفيري الإرهابي على محافظة نينوى العراقية وما اعقبها من تمدد في محافظتي صلاح الدين وديالى، قد يُرى في هذا الامر إنجازاً عسكرياً يستوجب ادراجه في «سجل الاعمال العسكرية الخارقة»،

خاصة ان المجموعة المسلحة التي وصفت بانها مهاجمة كانت صغيرة العدد جدا بحيث لا تتجاوز الـ 500 عنصر تحركت في مقابل 25 الف جندي ورجل امن وشرطي عراقي كانوا ينتشرون في المنطقة المستهدفة. كما ان الظن ذاك قد يتطور الى القول بان هناك مرحلة جديدة فتحت ابوابها في المنطقة لاعادة رسم خرائط دولها خاصة وان التنظيم الإرهابي ذاك سارع الى نشر خريطة احلامه في دولته المستقبلية مظهرا بانها ستقوم على اراض ست دول عربية (لبنان – سورية – العراق – الكويت – الاردن – فلسطين) خريطة جاءت بمثابة انذار الى هذه الدول بان الإرهاب يتحضر لطرق ابوابها مستفيداً مما يدعي انه حققه من انجازات في سورية والعراق.. فاين الحقيقة من ذلك؟ وهل ان داعش تملك تلك القدرات؟ ومن يقف وراء غزوتها الموصلية وما هو افق تلك الغزوة وتداعياتها على المنطقة؟.‏

 

تؤكد الوقائع انه لم يجر في الموصل معركة او مواجهة فالامر برمته خطط له محليا واقليميا ودوليا بشكل تآمري محكم ونفذته عناصر رسمية عراقية مدنية وعسكرية خانت قسمها وسلمت مواقعها ومراكزها لبضعة مئات من المسلحين يعملون تحت عنوان «داعش» اندفعوا الى المنطقة فاستلموها وفقا لخطة اعدها ضباط عراقيون من جيش صدام حسـين الســـابق، وباشراف تركــي‏

مباشر وتمويل سعودي سخي وعلم لا بل ضوء اخضر اميركي مقنع.‏

فالموصل سلمت تسليما ولم يكن فيها ميدان للمواجهة ليحكم عبره على قدرات هذا الطرف او ذاك من الوجهة العسكرية سواء في التخطيط او التنفيذ، وكانت المنطقة مسرحا لابشع مسرحية تآمرية استعراضية انقلابية شاءها اصحابها لتكون ردا على محور المقاومة في منطقة الوصل بين قطبيه الايراني والسوري، لكبح اندفاعه الصاعد وحصاده لمكاسب في السياسة والميدان،و قد رأووا في عملية الموصل ضربة ملائمة لقطع الطريق على تنامي انجازات ذاك المحور في حربه الدفاعية التي يخوضها في مواجهة المشروع الصهيواميركي الذي يستهدف المنطقة برمتها. وبالتالي ينبغي ان نسقط فكرة القوة والقدرة غير العادية لتنظيم داعش الإرهابي، وننظر للامر بمنظور واقعي دون ان ننسى ما حل بـ «داعش» في الميدان السوري على يد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة وتساقط مواقعها امامه، وعجزها ايضا عن الصمود في كثير من المواجهات التي دارت رحاها على الارض السورية بين فصائل المجموعات الإرهابية ذاتها.‏

بعد هذا التأكيد، نعود الى الاهم في الموضوع ونبحث في الاهداف التي رمت اليها الاطراف المشاركة في هذه العملية. فنجد وخلافا لظاهر الامور ان اميركا هي القائد الرئيسي في العملية، قادتها ومارست النفاق المعهود في سلوكها متظاهرة بعدم علمها بها واستنكارها لها . ويخطأ من يظن بان اميركا كانت بعيدة عن المسألة خاصة وان اثنين من حلفائها هم من اداروها ومولولها، فتركيا خططت ووجهت بحضور مباشر في الموصل لمدير مخابراتها، والسعودية شجعت ومولت ونفذت الحرب النفسية اعلاميا خدمة للعملية. وبالتالي ان المثلث المذكور بالقيادة الاميركية اتكأ على الداعشيين والضباط الصداميين لتوجيه ضربة في العراق تتردد تداعياتها في ايران فتجبرها على اعادة الانتشار الدفاعي على حدودها وتمنعها من الاستمرار في تعهد وتوسيع الفضاء الاستراتيجي لمحور المقاومة،كما تمنعها من استثمار نجاحها في ادارة الملف النووي الذي بات يقترب من نهايات تناسبها..‏

اما الهدف الثاني من العملية (يعني خاصة السعودية وتركيا)، فهو يستهدف العملية السياسية العراقية التي كانت ادت في الانتخابات الاخيرة الى تأكيد قدرة السيد نوري المالكي والمكون السياسي الذي ينتمي اليه، قدرتهم على تشكيل حكومة قادرة على الحكم وتخرج من حالة التعطيل والشلل الذي عرفته العراق طيلة ولاية المجلس النيابي الاخير. وترى السعودية وتركيا في قيام حكومة الاغلبية السياسية الوطنية التي يسعى اليها المالكي والتحالف الوطني الذي تشكل بعد الانتخابات الاخيرة من شأنه ان يقطع الطريق على اي نفوذ لهما في العراق وخروج العراق كليا من الفضاء الاستراتيجي الحيوي لاي منهما خاصة وان هذا التحالف يلتزم بعلاقة مميزة مع محور المقاومة بدولتيه المجاورتين للعراق سورية وايران، نظرا للروابط المتعددة الاشكال بين الدول الثلاث. وتعول السعودية وتركيا على العملية لقطع الطريق على حكومة جديدة للمالكي والحؤول دون اعتماد سياسة تجعل العراق امتداد منطقيا لمحور المقاومة، وقد سارعت السعودية دعما لهذا التصور الى الدعوة لعقد مجلس الجامعة العربية وفي مفكرتها عنوان واحد «تشكيل حكومة عراقية» تقفز فوق نتائج الانتخابات وتعيد المشهد العراقي الى ما كان عليه قبل الانتخابات في سلوك يذكرنا بما كان من دور للجامعة ذاتها في سورية، عندما حاولت فرض حكومة على سورية لا تكون خياراً شعبياً.‏

والهدف الثالث يتعلق مباشرة باستراتيجية اميركا وإسرائيل في نشر الفوضى وتسعير الاقتتال العرقي الطائفي المذهبي خاصة بين السنة والشيعة ونلاحظ كيف ان التنظيم التكفيري الداعشي سارع الى اصدار بيان استفزازي يهدد بهدم المقامات والعتبات المقدسة في العراق والتهديد بقتل وسبي من يخالفه في المذهب والانتماء وهو يعني الشيعة بشكل صريح.‏

اما الهدف الرابع فيتصل بسورية التي انزلت بالجماعات الإرهابية اشد الهزائم والخسائر فشاءت الجماعة الإرهابية الداعشية ان تحجب بمسرحيتها تلك مشهدها الكئيب وتصنع لنفسها جرعة ترفع معنويات إرهابييها بعد ان تهاوت نتيجة الانجازات البالغة الاهمية التي حققتها سورية في الوجوه السياسية والعسكرية والامنية، الى الحد الذي بات مسلماً به القول بان العدوان عليها اخفق وان قتال واجرام الجماعات المسلحة تلك بات من غير افق ولن يغير من نتائج المواجهة مهما طال على حد ما ذكر مؤخرا الرئيس بشار الأسد، واكد عليه السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير. وقد جاء نشر الخريطة الشاملة لما يسمى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» مباشرة بعد عملية الموصل تلك في سياق الحرب النفسية الهادفة الى رفع معنويات الإرهابيين من جهة وترهيب الدول التي شملتها الخريطة من جهة اخرى (لم تشمل الخريطة اي جزء من السعودية وتركيا حتى انها لم تشمل لواء الاسكندرون السوري المغتصب باليد التركية، استبعاد جاء ليشكل دليلا آخرا على الرعاية التركية السعودية لهذه العملية وهذا التنظيم).‏

بعد هذا التشريح لنوايا المخطط والمنفذ واهدافهما، نعود الى النتائج والتداعيات التي سببتها العملية ونتوقف عند الاهم منها كالتالي.‏

 

1)يقظة عراقية وطنية وردة فعل شبه جامعة، اتسمت بالوطنية التي تجاوزت الخطوط الطائفية والمذهبية، وكان مهما جدا ان تتلاقى المرجعية الدينية للمسلمين الشيعة مع جماعة العلماء المسلمين السنة في موقف واحد رافض للفكر الإرهابي، ويدعو العراقيين الى حمل السلاح والتطوع لمواجهة هذا الفكر التدميري وقتال الإرهابيين.‏

2)دفع السلطة العراقية الى تجاوز عوائق مزمنة كانت تعترض طريقها في بناء القوة العسكرية الدفاعية التي تحمي الدولة والحكم في صيغة ما بعد الاحتلال العراقي، والسير في اتجاه تشكيل الجيش الرديف واللجان الشعبية على غرار ما اعتمدت سورية ونجحت ايما نجاح في مواجهتها للإرهاب وحماية المواطنيين.‏

3)ايقاظ الوعي لدى بعد المخدوعين او المغرر بهم من العراقيين الذين كانوا ضحية الاعلام الخارجي المحرض على الانقسام الطائفي والمذهبي في العراق، حيث تبين لهؤلاء ان الإرهاب لا يميز بين مذهب واخر ولا يراعي في احد الاّ ولا ذمة وان القتل والاغتصاب والنهب يطال الجميع على يد هؤلاء التكفيرين دونما تمييز.‏

4)انشاء ميدان عراقي سوري تكاملي لمحاربة الإرهاب، ما سيقود بشكل او باخر وبتشجيع ودعم ايراني الى تنامي التنسيق بين البلدين في حربهما تلك الامر الذي سيخفف من اعباء سورية ويسرع انجاز المهمة والخروج من الازمة .‏

5)تنمية مخاوف دول المنطقة التي شملتها الخريطة الداعشية من الإرهاب القادم اليها ووضع هذه الدول امام مسؤولياتها في الدفاع عن امنها ومواطنيها خاصة في الكويت والاردن.‏

6)تشكل دعم علني دولي عارم للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب الداعشي، وغياب اي صوت علني داعم لتلك الجماعات بما في ذلك من شاركها العملية مثل السعودية وتركيا (باستثناء البحرين التي كانت النشاز الوحيد دوليا والتي جاء تأييدها ليكون بديلا عن الصوت السعودي المختنق). نقول هذا دون ان نغفل الرياء الاميركي في الامر، ودون ان نعول على التحركات العسكرية الاميركية الاستعراضية في الخليج، ودون ان نتوقع اي تدخل عسكري اميركي مباشر على الارض العراقية رغم وجود بضعة آلاف من الجنود الاميركيين هناك.‏

7)وأخيراً لا بد من التوقف عند العامل الكردي الذي يتوزع الادوار من اجل جمع المكاسب لدويلته في كردستان العراق، ولكنني اعتقد بان الاكراد الذين سيربحون في بداية العملية كما حصل بعد سيطرتهم على كركوك وتمددهم في مناطق المادة 140 المتنازع عليها سيجدون انفسهم في وضع حرج بعد انقشاع الغبار ووقوفهم وجها لوجه امام الإرهابيين ما سيضطرهم للعودة الى السلطة المركزية العراقية طلبا للمساعدة.‏

قد تكون «مسرحية الموصل الداعشية» احدثت صدمة اخافت البعض للوهلة الاولى، لكنها في منتهى الامر كانت صدمة تحولت الى فرصة تتيح للمستهدفين منها سد الثغرات في بنيتهم ومكوناتهم، دون ان يكون لدى الفاعلين والمشاركين فرصا حقيقية لتحقيق اهدافهم من العملية، لا بل قد يحصل عكس ما رموا اليه، اما ما يقال عن خرائط وتقسيم هنا او هناك فانه يبقى أمراً غير قابل للتنفيذ في ظل موازين القوى الدولية القائمة حيث اثبت المحور العامل من اجل استقرار المنطقة وامنها – محور المقاومة – قدرته على منعه وقدرته على استعادة الامن والاستقرار رغم حجم التضحيات التي فرضها الحريق العربي باليد الاجنبية.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-15
  • 7542
  • من الأرشيف

مسرحية «الموصل الداعشية».. أهداف وارتدادات

قد يظن البعض ان «غزوة الموصل الداعشية» التي آلت الى سيطرة التنظيم التكفيري الإرهابي على محافظة نينوى العراقية وما اعقبها من تمدد في محافظتي صلاح الدين وديالى، قد يُرى في هذا الامر إنجازاً عسكرياً يستوجب ادراجه في «سجل الاعمال العسكرية الخارقة»، خاصة ان المجموعة المسلحة التي وصفت بانها مهاجمة كانت صغيرة العدد جدا بحيث لا تتجاوز الـ 500 عنصر تحركت في مقابل 25 الف جندي ورجل امن وشرطي عراقي كانوا ينتشرون في المنطقة المستهدفة. كما ان الظن ذاك قد يتطور الى القول بان هناك مرحلة جديدة فتحت ابوابها في المنطقة لاعادة رسم خرائط دولها خاصة وان التنظيم الإرهابي ذاك سارع الى نشر خريطة احلامه في دولته المستقبلية مظهرا بانها ستقوم على اراض ست دول عربية (لبنان – سورية – العراق – الكويت – الاردن – فلسطين) خريطة جاءت بمثابة انذار الى هذه الدول بان الإرهاب يتحضر لطرق ابوابها مستفيداً مما يدعي انه حققه من انجازات في سورية والعراق.. فاين الحقيقة من ذلك؟ وهل ان داعش تملك تلك القدرات؟ ومن يقف وراء غزوتها الموصلية وما هو افق تلك الغزوة وتداعياتها على المنطقة؟.‏   تؤكد الوقائع انه لم يجر في الموصل معركة او مواجهة فالامر برمته خطط له محليا واقليميا ودوليا بشكل تآمري محكم ونفذته عناصر رسمية عراقية مدنية وعسكرية خانت قسمها وسلمت مواقعها ومراكزها لبضعة مئات من المسلحين يعملون تحت عنوان «داعش» اندفعوا الى المنطقة فاستلموها وفقا لخطة اعدها ضباط عراقيون من جيش صدام حسـين الســـابق، وباشراف تركــي‏ مباشر وتمويل سعودي سخي وعلم لا بل ضوء اخضر اميركي مقنع.‏ فالموصل سلمت تسليما ولم يكن فيها ميدان للمواجهة ليحكم عبره على قدرات هذا الطرف او ذاك من الوجهة العسكرية سواء في التخطيط او التنفيذ، وكانت المنطقة مسرحا لابشع مسرحية تآمرية استعراضية انقلابية شاءها اصحابها لتكون ردا على محور المقاومة في منطقة الوصل بين قطبيه الايراني والسوري، لكبح اندفاعه الصاعد وحصاده لمكاسب في السياسة والميدان،و قد رأووا في عملية الموصل ضربة ملائمة لقطع الطريق على تنامي انجازات ذاك المحور في حربه الدفاعية التي يخوضها في مواجهة المشروع الصهيواميركي الذي يستهدف المنطقة برمتها. وبالتالي ينبغي ان نسقط فكرة القوة والقدرة غير العادية لتنظيم داعش الإرهابي، وننظر للامر بمنظور واقعي دون ان ننسى ما حل بـ «داعش» في الميدان السوري على يد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة وتساقط مواقعها امامه، وعجزها ايضا عن الصمود في كثير من المواجهات التي دارت رحاها على الارض السورية بين فصائل المجموعات الإرهابية ذاتها.‏ بعد هذا التأكيد، نعود الى الاهم في الموضوع ونبحث في الاهداف التي رمت اليها الاطراف المشاركة في هذه العملية. فنجد وخلافا لظاهر الامور ان اميركا هي القائد الرئيسي في العملية، قادتها ومارست النفاق المعهود في سلوكها متظاهرة بعدم علمها بها واستنكارها لها . ويخطأ من يظن بان اميركا كانت بعيدة عن المسألة خاصة وان اثنين من حلفائها هم من اداروها ومولولها، فتركيا خططت ووجهت بحضور مباشر في الموصل لمدير مخابراتها، والسعودية شجعت ومولت ونفذت الحرب النفسية اعلاميا خدمة للعملية. وبالتالي ان المثلث المذكور بالقيادة الاميركية اتكأ على الداعشيين والضباط الصداميين لتوجيه ضربة في العراق تتردد تداعياتها في ايران فتجبرها على اعادة الانتشار الدفاعي على حدودها وتمنعها من الاستمرار في تعهد وتوسيع الفضاء الاستراتيجي لمحور المقاومة،كما تمنعها من استثمار نجاحها في ادارة الملف النووي الذي بات يقترب من نهايات تناسبها..‏ اما الهدف الثاني من العملية (يعني خاصة السعودية وتركيا)، فهو يستهدف العملية السياسية العراقية التي كانت ادت في الانتخابات الاخيرة الى تأكيد قدرة السيد نوري المالكي والمكون السياسي الذي ينتمي اليه، قدرتهم على تشكيل حكومة قادرة على الحكم وتخرج من حالة التعطيل والشلل الذي عرفته العراق طيلة ولاية المجلس النيابي الاخير. وترى السعودية وتركيا في قيام حكومة الاغلبية السياسية الوطنية التي يسعى اليها المالكي والتحالف الوطني الذي تشكل بعد الانتخابات الاخيرة من شأنه ان يقطع الطريق على اي نفوذ لهما في العراق وخروج العراق كليا من الفضاء الاستراتيجي الحيوي لاي منهما خاصة وان هذا التحالف يلتزم بعلاقة مميزة مع محور المقاومة بدولتيه المجاورتين للعراق سورية وايران، نظرا للروابط المتعددة الاشكال بين الدول الثلاث. وتعول السعودية وتركيا على العملية لقطع الطريق على حكومة جديدة للمالكي والحؤول دون اعتماد سياسة تجعل العراق امتداد منطقيا لمحور المقاومة، وقد سارعت السعودية دعما لهذا التصور الى الدعوة لعقد مجلس الجامعة العربية وفي مفكرتها عنوان واحد «تشكيل حكومة عراقية» تقفز فوق نتائج الانتخابات وتعيد المشهد العراقي الى ما كان عليه قبل الانتخابات في سلوك يذكرنا بما كان من دور للجامعة ذاتها في سورية، عندما حاولت فرض حكومة على سورية لا تكون خياراً شعبياً.‏ والهدف الثالث يتعلق مباشرة باستراتيجية اميركا وإسرائيل في نشر الفوضى وتسعير الاقتتال العرقي الطائفي المذهبي خاصة بين السنة والشيعة ونلاحظ كيف ان التنظيم التكفيري الداعشي سارع الى اصدار بيان استفزازي يهدد بهدم المقامات والعتبات المقدسة في العراق والتهديد بقتل وسبي من يخالفه في المذهب والانتماء وهو يعني الشيعة بشكل صريح.‏ اما الهدف الرابع فيتصل بسورية التي انزلت بالجماعات الإرهابية اشد الهزائم والخسائر فشاءت الجماعة الإرهابية الداعشية ان تحجب بمسرحيتها تلك مشهدها الكئيب وتصنع لنفسها جرعة ترفع معنويات إرهابييها بعد ان تهاوت نتيجة الانجازات البالغة الاهمية التي حققتها سورية في الوجوه السياسية والعسكرية والامنية، الى الحد الذي بات مسلماً به القول بان العدوان عليها اخفق وان قتال واجرام الجماعات المسلحة تلك بات من غير افق ولن يغير من نتائج المواجهة مهما طال على حد ما ذكر مؤخرا الرئيس بشار الأسد، واكد عليه السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير. وقد جاء نشر الخريطة الشاملة لما يسمى «الدولة الاسلامية في العراق والشام» مباشرة بعد عملية الموصل تلك في سياق الحرب النفسية الهادفة الى رفع معنويات الإرهابيين من جهة وترهيب الدول التي شملتها الخريطة من جهة اخرى (لم تشمل الخريطة اي جزء من السعودية وتركيا حتى انها لم تشمل لواء الاسكندرون السوري المغتصب باليد التركية، استبعاد جاء ليشكل دليلا آخرا على الرعاية التركية السعودية لهذه العملية وهذا التنظيم).‏ بعد هذا التشريح لنوايا المخطط والمنفذ واهدافهما، نعود الى النتائج والتداعيات التي سببتها العملية ونتوقف عند الاهم منها كالتالي.‏   1)يقظة عراقية وطنية وردة فعل شبه جامعة، اتسمت بالوطنية التي تجاوزت الخطوط الطائفية والمذهبية، وكان مهما جدا ان تتلاقى المرجعية الدينية للمسلمين الشيعة مع جماعة العلماء المسلمين السنة في موقف واحد رافض للفكر الإرهابي، ويدعو العراقيين الى حمل السلاح والتطوع لمواجهة هذا الفكر التدميري وقتال الإرهابيين.‏ 2)دفع السلطة العراقية الى تجاوز عوائق مزمنة كانت تعترض طريقها في بناء القوة العسكرية الدفاعية التي تحمي الدولة والحكم في صيغة ما بعد الاحتلال العراقي، والسير في اتجاه تشكيل الجيش الرديف واللجان الشعبية على غرار ما اعتمدت سورية ونجحت ايما نجاح في مواجهتها للإرهاب وحماية المواطنيين.‏ 3)ايقاظ الوعي لدى بعد المخدوعين او المغرر بهم من العراقيين الذين كانوا ضحية الاعلام الخارجي المحرض على الانقسام الطائفي والمذهبي في العراق، حيث تبين لهؤلاء ان الإرهاب لا يميز بين مذهب واخر ولا يراعي في احد الاّ ولا ذمة وان القتل والاغتصاب والنهب يطال الجميع على يد هؤلاء التكفيرين دونما تمييز.‏ 4)انشاء ميدان عراقي سوري تكاملي لمحاربة الإرهاب، ما سيقود بشكل او باخر وبتشجيع ودعم ايراني الى تنامي التنسيق بين البلدين في حربهما تلك الامر الذي سيخفف من اعباء سورية ويسرع انجاز المهمة والخروج من الازمة .‏ 5)تنمية مخاوف دول المنطقة التي شملتها الخريطة الداعشية من الإرهاب القادم اليها ووضع هذه الدول امام مسؤولياتها في الدفاع عن امنها ومواطنيها خاصة في الكويت والاردن.‏ 6)تشكل دعم علني دولي عارم للحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب الداعشي، وغياب اي صوت علني داعم لتلك الجماعات بما في ذلك من شاركها العملية مثل السعودية وتركيا (باستثناء البحرين التي كانت النشاز الوحيد دوليا والتي جاء تأييدها ليكون بديلا عن الصوت السعودي المختنق). نقول هذا دون ان نغفل الرياء الاميركي في الامر، ودون ان نعول على التحركات العسكرية الاميركية الاستعراضية في الخليج، ودون ان نتوقع اي تدخل عسكري اميركي مباشر على الارض العراقية رغم وجود بضعة آلاف من الجنود الاميركيين هناك.‏ 7)وأخيراً لا بد من التوقف عند العامل الكردي الذي يتوزع الادوار من اجل جمع المكاسب لدويلته في كردستان العراق، ولكنني اعتقد بان الاكراد الذين سيربحون في بداية العملية كما حصل بعد سيطرتهم على كركوك وتمددهم في مناطق المادة 140 المتنازع عليها سيجدون انفسهم في وضع حرج بعد انقشاع الغبار ووقوفهم وجها لوجه امام الإرهابيين ما سيضطرهم للعودة الى السلطة المركزية العراقية طلبا للمساعدة.‏ قد تكون «مسرحية الموصل الداعشية» احدثت صدمة اخافت البعض للوهلة الاولى، لكنها في منتهى الامر كانت صدمة تحولت الى فرصة تتيح للمستهدفين منها سد الثغرات في بنيتهم ومكوناتهم، دون ان يكون لدى الفاعلين والمشاركين فرصا حقيقية لتحقيق اهدافهم من العملية، لا بل قد يحصل عكس ما رموا اليه، اما ما يقال عن خرائط وتقسيم هنا او هناك فانه يبقى أمراً غير قابل للتنفيذ في ظل موازين القوى الدولية القائمة حيث اثبت المحور العامل من اجل استقرار المنطقة وامنها – محور المقاومة – قدرته على منعه وقدرته على استعادة الامن والاستقرار رغم حجم التضحيات التي فرضها الحريق العربي باليد الاجنبية.

المصدر : الثورة /د. أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة