دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يعيش العالم حالة من القلق والذهول، إزاء التطورات التي حصلت في العراق خلال الأسبوع المنصرم، وسيطرة الارهابيين على مناطق واسعة من العراق، وتهديد بغداد، وإطلاق تهديدات طائفية ومذهبية للمكونات العراقية الأخرى. وإن كان القلق الذي ساد العالم، مختلف عن دواعي القلق والألم الذي يسود في العراق، إلا أن الدول المجاورة للعراق، تتباين في نظرتها لتطور الأحداث العراقية، إنطلاقًا من مصالح وهواجس تحكم كل منها. وبكل الأحوال، لا ينفصل ما يحصل في العراق اليوم، عن الاشتباك السعودي الايراني في المنطقة، والمرشح الى مزيد من التفاقم.
- بالنسبة لايران:
واقعيًا، لقد أتى احتلال العراق من قبل الاميركيين عام 2003 لمصلحة ايران الاستراتيجية، فقد قضى الأميركيون على حكم صدام حسين المناوئ للسياسة الايرانية والذي أقام معها حربًا امتدت ثماني سنوات، وشكّل حاجزًا أمام امتداد النفوذ الايراني في المنطقة. ثم ما لبث أن ساد تفاهم "غير معلن" بين الأميركيين والايرانيين خلال فترة الاحتلال الأميركي للعراق، على دعم العملية السياسية ومحاولة الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار.
أما اليوم، فيسود القلق في ايران من تمدد "داعش" في المحافظات السنية العراقية، لما في ذلك تأثير على نفوذ الحكومة العراقية، وتهديد للمكونات العراقية الأخرى، لذا لن تسمح ايران باختلال موازين القوى في العراق بشكل يؤدي الى اقتطاع أجزاء عراقية لإقامة دولة "داعش". علمًا أن ما حصل في العراق، يبدو بشكل كبير، ردّ على التقدم الذي تحرزه المفاوضات الايرانية مع الدول الست بخصوص الملف النووي الايراني، كما ردّ على التقدم الذي يحرزه محور المقاومة الدعوم ايرانيًا في الداخل السوري.
- أما بالنسبة للسعودية:
كانت السعودية أول المتحمسين للغزو الاميركي للعراق، لكنها سرعان ما وجدت أن ايران تمتلك النفوذ الأكبر فيه، وتدريجيًا بدأت الرياض تشعر بالاستياء من حرمانها من قوة تأثير هامة داخل هذا البلد.
تعتبر السعودية العراق ساحة من ساحات التنافس في الصراع الإقليمي الاكبر مع ايران، ولطالما اتهم المسؤولون السعوديون الولايات المتحدة صراحة ب “تسليم العراق إلى إيران” وزيادة نفوذها في المنطقة، وأعربوا عن استيائهم من أن قدوم حليفتهم الولايات المتحدة الى المنطقة جعل ايران دولة اقليمية هامة وفاعلة. أما اليوم، فقد يكون الموقف السعودي مشابه للتصريح العلني الذي عبّر عنه رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، الذي حمّل حكومة المالكي المسؤولية عن تمدد داعش، والأهم قوله صراحة: "من السخريات المحتملة التي قد تقع هو أن نرى الحرس الثوري الإيراني يقاتل جنبًا إلى جنب مع الطائرات الأميركية بدون طيار لقتل العراقيين.. هذا شيء يفقد المرء صوابه ويجعله يتساءل.. إلى أين نتجه؟"
هذا الموقف العلني، والسكوت الرسمي، والتقارير التي أشارت الى عبور مئات المقاتلين السعوديين الحدود التركية - السورية للانضمام الى داعش قبل أيام من الهجوم، بالاضافة الى تركيز الاعلام السعودي على أن ما حصل هو "ثورة شعبية" قام بها العراقيون وبعثيو صدام، قد يشي بدور سعودي ما في التشجيع إن لم يكن في التمويل والتحشيد.
وفي تحليل الموقف السعودي، يمكن التكهن بأن ما جرى في العراق قد يكون مرده الى أسباب عدّة أهمها:
- كسب المزيد من أوراق التفاوض الإقليمي، فالقتال على أبواب بغداد يعوّض الخسارة التي منيت بها المجموعات المسلحة المدعومة من السعودية على أبواب دمشق.
- رسالة الى الحليف الأميركي بأن تخطي السعودية في التفاهمات الاقليمية التي يحاول عقدها، هو أمر صعب ومكلف جدًا، وأن السعودية تملك الكثير من الأوراق الإقليمية التي تستطيع أن تلعبها في الوقت المناسب وتقوّض من خلالها كل التفاهمات التي تقام بدون الأخذ بمصالحها بعين الاعتبار.
- كسب نقاط إضافية في الصراع مع ايران، وتوجيه رسالة قاسية لها، خاصة بعدما ظهر أن ايران لها تفضيلاتها بما خصّ حركات الاسلام السياسي السنّي، إذ تبين أنها تفضل التحالف مع الاخوان المسلمين - تركيا- على حساب التيار الوهابي السياسي في المنطقة.
- لطالما خشي النظام السعودي عودة الارهاب الى ضرب السعودية كما حصل في السنوات الممتدة بين 2003 – 2007. لذا، يرى بعض المتشددين في القيادة السعودية، أنه في حال تجدد الصراع الطائفي في العراق، وبالرغم من خشية السعودية من تأثير الفوضى في العراق على أمنها الإقليمي، فان تدفق الجهاديين من السعودية الى العراق قد يخفف الضغط عن العائلة المالكة، وبالتالي قد يكون من المفيد تحمّل بعض التداعيات.
في المحصلة، يبدو أن المحور المدعوم سعوديًا، قد حقق نقاط هامة لصالحه على الساحة العراقية، ولكن الأسئلة التي تتبادر الى الذهن، هي ما يلي:
- ماذا لو أدّى الوضع الى تقسيم العراق، وتأسيس دولة لداعش على الحدود السعودية، هل سيكون الداخل السعودي بمأمن من التمدد الارهابي؟
- ولنفرض، أن تقسيم العراق أدى الى دويلة سنية غير داعشية، كما يشير بعض الاعلام الخليجي، ألا يخشى السعوديون على وحدة السعودية، بأن يكون تقسيم العراق ملهم لمطالبات مماثلة لتقسيم السعودية التي تتكون من محافظات مختلفة التقاليد والعادات والثقافات والتاريخ، والتي يعاني بعضها من درجات كبيرة من التهميش والفقر؟ هل نسي السعوديون السيناريوهات التي وضعها الاميركيون بعد 11 أيلول لتقسيم السعودية بعدما اتهموها برعاية الارهاب وتوليده من خلال تشكيل ثقافة ملاءمة لنموه وبيئة حاضنة له؟.
- ألا تخشى السعودية من توسع ظاهرة سيطرة القبائل المحلية في العراق وتقويتها ما قد يؤدي الى تحريك القبائل في السعودية، فتقوم بعض القبائل السعودية العريقة التي لديها فروع مشتركة وامتدادات في العراق بتحدي سلطة آل سعود ومطالبتهم بمزيد من الامتيازات السياسية والحقوق الاقتصادية في البلد؟.
لا شكّ، إن ما يحصل في المنطقة ككل، والعراق بالذات، يشي بتطورات خطيرة على جميع الدول في منطقتي الشرق الأوسط والخليج، والمستقبل بات مجهولاً، وعلى الجميع الوعي وإدراك أخطار الجنون الارهابي المتنقل بين سوريا والعراق، والذي يهدد بالامتداد الى اوروبا والعالم.
المصدر :
الماسة السورية/ليلى نقولا الرحباني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة