تغيّرت قواعد اللعبة في سوريا بعدما تغيّرت قواعد الإشتباك فيها. لكن موازين القوى في المنطقة ما زالت تشهد كراً وفراً، ولم ترسُ على مفاجآت رغم دينامية المشهد، من سوريا الى مصر مروراً بالعراق، والمفاوضات العلنية للمرة الأولى بين واشنطن وطهران.

أولاً: على المستوى السوري: «الصفر» الذي وصف به وزير الخارجية الاميركي جون كيري نتائج انتخابات الرئاسة السورية، هو صفر أيضاً للسياسة الأميركية المنكفئة في الشرق الأوسط، وصفر ثالث لمفاوضات جنيف وتفاهماتها والجهود الدولية القاصرة عن مواجهة حمّامات الدم في سوريا. ما كان قبل الإنتخابات السورية لن يكون بعده.

أ- على صعيد إيران، ستعتبرها نقطة تحوّل استراتيجية في مسار الأزمة، تأتي نتيجة المكتسبات العسكرية والأمنية للنظام السوري وحلفائه في أرض المعركة، وبالتالي لا بد من التعامل معها كأمر واقع يعكس موازين القوى، وكل حديث عن تغيير النظام أو رحيل الرئيس بشار الأسد أصبح من الماضي ولم يعد قابلاً للنقاش.

ب- على الصعيد الأميركي، تخلّت واشنطن عن إسقاط الأسد. لكنها لم تتخلَّ عن حماية مصالحها، ولو في الحد الأدنى، وهي في عزّ مفاوضاتها مع طهران. لا تريد أن تسلّم بنفوذ إيراني مطلق في سوريا، وإنما تريد المشاركة وحجز حصة لها لا تقل عن الحصة الروسية.

وما زالت الإدارة الاميركية تُمسك بورقة إعادة تنشيط القوى المعارضة المسلحة في سوريا تدريباً وتسليحاً، لمنع انتصار النظام عسكرياً وليس بهدف قلب الأمور رأساً على عقب،(أساساً لم يعد يملك المسلحون القدرة على ذلك) بحجة أنها تخشى أن يؤدي إسقاط الأسد الى انهيار الدولة السورية وانتشار الفوضى كما حصل في العراق. تريد واشنطن الضغط والمناورة لإقناع روسيا وايران بأن الحل العسكري مستحيل، ولا بد من سلوك الحل السياسي بالتعاون معها.

هكذا انتقلت سوريا من مرحلة مطالبتها بتغيير شامل وتسليم السلطة الى حكومة انتقالية بموجب جنيف1، الى مطالبتها بتغيير جزئي وتقاسم السلطة مع معارضيها.

ثانياً: على مستوى المفاوضات الأميركية - الإيرانية، لن تقف أي عثرات مهما بلغ حجمها عائقاً أمام الرغبة الجامحة بين الطرفين لبلوغ اتفاق تاريخي بينهما قريباً. وما يجري ميدانياً، ليس أكثر من محاولات تحسين مواقع لاستخدامها على طاولة المفاوضات التي ستمتد من النووي الى رسم الشرق الأوسط الجديد سياسياً، ومن ضمنه سوريا ولبنان

وإذا كانت دمشق اجتازت التجديد لرئيسها بسياسة الأمر الواقع، فإن لبنان سقط في إنجاز استحقاقه الرئاسي في واقع الأمر. إلّا أن البلدين سيسقطان في النهاية في سلة المبادرات الدبلوماسية، حسب دوائر أميركية.

ثالثاً: على المستوى الإقليمي، تحاول طهران الإنتقال من عزلتها الى عزل السعودية. ترسل الرسائل بانفتاح دول خليجية وتركيا عليها. تريد ان تدخل في مفاوضات مع المملكة بمفردها لاحقاً.

تشعر أن من حقّها فرض شروطها بعد ما انجزته في سوريا والعراق، وبعد استعدادها لدخول العصر الذهبي مع الأميركيين. لكن المسألة ليست بهذه البساطة، لأن للرياض كلاماً آخر، خصوصاً بعد فوز السيسي برئاسة مصر وتشكيل قوة ثنائية إقليمية في مواجهة طهران.

يبقى لبنان الحلقة الأضعف في كل هذا المشهد، خصوصاً بعدما وضع بعض قادته رأسه على طاولة المفاوضات والمساومات.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-09
  • 12606
  • من الأرشيف

أسرار التغيّرات من سورية الى لبنان

تغيّرت قواعد اللعبة في سوريا بعدما تغيّرت قواعد الإشتباك فيها. لكن موازين القوى في المنطقة ما زالت تشهد كراً وفراً، ولم ترسُ على مفاجآت رغم دينامية المشهد، من سوريا الى مصر مروراً بالعراق، والمفاوضات العلنية للمرة الأولى بين واشنطن وطهران. أولاً: على المستوى السوري: «الصفر» الذي وصف به وزير الخارجية الاميركي جون كيري نتائج انتخابات الرئاسة السورية، هو صفر أيضاً للسياسة الأميركية المنكفئة في الشرق الأوسط، وصفر ثالث لمفاوضات جنيف وتفاهماتها والجهود الدولية القاصرة عن مواجهة حمّامات الدم في سوريا. ما كان قبل الإنتخابات السورية لن يكون بعده. أ- على صعيد إيران، ستعتبرها نقطة تحوّل استراتيجية في مسار الأزمة، تأتي نتيجة المكتسبات العسكرية والأمنية للنظام السوري وحلفائه في أرض المعركة، وبالتالي لا بد من التعامل معها كأمر واقع يعكس موازين القوى، وكل حديث عن تغيير النظام أو رحيل الرئيس بشار الأسد أصبح من الماضي ولم يعد قابلاً للنقاش. ب- على الصعيد الأميركي، تخلّت واشنطن عن إسقاط الأسد. لكنها لم تتخلَّ عن حماية مصالحها، ولو في الحد الأدنى، وهي في عزّ مفاوضاتها مع طهران. لا تريد أن تسلّم بنفوذ إيراني مطلق في سوريا، وإنما تريد المشاركة وحجز حصة لها لا تقل عن الحصة الروسية. وما زالت الإدارة الاميركية تُمسك بورقة إعادة تنشيط القوى المعارضة المسلحة في سوريا تدريباً وتسليحاً، لمنع انتصار النظام عسكرياً وليس بهدف قلب الأمور رأساً على عقب،(أساساً لم يعد يملك المسلحون القدرة على ذلك) بحجة أنها تخشى أن يؤدي إسقاط الأسد الى انهيار الدولة السورية وانتشار الفوضى كما حصل في العراق. تريد واشنطن الضغط والمناورة لإقناع روسيا وايران بأن الحل العسكري مستحيل، ولا بد من سلوك الحل السياسي بالتعاون معها. هكذا انتقلت سوريا من مرحلة مطالبتها بتغيير شامل وتسليم السلطة الى حكومة انتقالية بموجب جنيف1، الى مطالبتها بتغيير جزئي وتقاسم السلطة مع معارضيها. ثانياً: على مستوى المفاوضات الأميركية - الإيرانية، لن تقف أي عثرات مهما بلغ حجمها عائقاً أمام الرغبة الجامحة بين الطرفين لبلوغ اتفاق تاريخي بينهما قريباً. وما يجري ميدانياً، ليس أكثر من محاولات تحسين مواقع لاستخدامها على طاولة المفاوضات التي ستمتد من النووي الى رسم الشرق الأوسط الجديد سياسياً، ومن ضمنه سوريا ولبنان وإذا كانت دمشق اجتازت التجديد لرئيسها بسياسة الأمر الواقع، فإن لبنان سقط في إنجاز استحقاقه الرئاسي في واقع الأمر. إلّا أن البلدين سيسقطان في النهاية في سلة المبادرات الدبلوماسية، حسب دوائر أميركية. ثالثاً: على المستوى الإقليمي، تحاول طهران الإنتقال من عزلتها الى عزل السعودية. ترسل الرسائل بانفتاح دول خليجية وتركيا عليها. تريد ان تدخل في مفاوضات مع المملكة بمفردها لاحقاً. تشعر أن من حقّها فرض شروطها بعد ما انجزته في سوريا والعراق، وبعد استعدادها لدخول العصر الذهبي مع الأميركيين. لكن المسألة ليست بهذه البساطة، لأن للرياض كلاماً آخر، خصوصاً بعد فوز السيسي برئاسة مصر وتشكيل قوة ثنائية إقليمية في مواجهة طهران. يبقى لبنان الحلقة الأضعف في كل هذا المشهد، خصوصاً بعدما وضع بعض قادته رأسه على طاولة المفاوضات والمساومات.

المصدر : الجمهورية /جورج سولانج


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة