دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
من الواضح لأي متابع لتطورات الوضع في الدول العربية، منذ تفجر ثورات الربيع العربي في تونس ثم مصر، وبعدها ليبيا، أن الهدف الأساسي الأميركي من الربيع، كان لتحقيق أمرين:
الأول: تجديد شباب الأنظمة العربية الموالية لواشنطن التي أصبحت في مرحلة شيخوخة ولم تعد قادرة على خدمة السياسة الأميركية. لا سيما أنها باتت مهددة بالسقوط عبر الشارع، بالتالي هناك خطر من أن يؤدي استمرارها إلى حصول ثورة حقيقية راديكالية تقلب الأوضاع في هذه الدول العربية، لا سيما مصر، رأساً على عقب.
وفي هذا السياق، جاء الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية والإخوان المسلمين وبرعاية تركية، ليشكّلوا هم البديل القادر على تجديد هذه الأنظمة وامتصاص نقمة الجماهير ضدها، وبالتالي الحفاظ على استمرار السياسات الأميركية المتمثلة بحماية أمن «إسرائيل» وإمدادات النفط.
والثاني: استخدام الربيع العربي، غطاءً لإسقاط الدولة الوطنية السورية تحت عناوين الديمقراطية والحرية. لكن الأهداف الأساسية هي نقل سورية من محور المقاومة إلى محور مجلس التعاون الخليجي المرتبط بأميركا، وفك عرى تحالفها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإنهاء ارتباطها بقضية فلسطين، وتوفير المناخ المؤاتي لتعميم الهيمنة الأميركية على كامل المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية وجعل الكيان «الإسرائيلي» كياناً شرعياً تدور في فلكه الأنظمة العربية لتحقيق الحلم الغربي ـ «الإسرائيلي» بتحويل «إسرائيل» إلى محطة لجذب اليد العاملة العربية الرخيصة والمواد الأولية وتصدير النفط العربي.
والسؤال، هل تحقق هذان الهدفان، أم فشلا، بالتالي انهار الربيع العربي الأميركي، وبتنا أمام بداية نهوض ربيع عربي حقيقي؟
من يدقق في المشهد، يلاحظ أن الربيع الأميركي بدأ يتهاوى لمصلحة ربيع عربي حقيقي. فما جرى في مصر من سقوط حكم الإخوان المسلمين بعد سنة على تسلّمهم السلطة، كان مؤشراً على بداية فشل الربيع الأميركي، وخروج الأمور عن المسار الذي رسمته الولايات المتحدة لمصر. وعلى رغم أن الضبابية هي التي تسيطر حتى الآن على اتجاهات السياسة التي سيسير فيها الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي، إلا أن ما هو محسوم أن هناك صعوبة في إعادة إنتاج سياسات نظام حسني مبارك، أو حكم الإخوان، وأن الشعب المصري لم يعد بالإمكان دفعه إلى الاستكانة من جديد، من دون تحقيق مطالبه في التغيير، والتي تتمثل في تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وهما مطلبان لا يمكن تحقيقهما من دون امتلاك مصر استقلالية قرارها الاقتصادي واستطراداً السياسي، الأمر الذي يستدعي خروجها من دائرة التبعية للولايات المتحدة التي ترفض التسليم بأنظمة مستقلة وتريد أن تبقى مصر دولة تابعة تدور في فلك سياساتها.
أما في ليبيا، فإن الربيع الأميركي انهار والفوضى باتت مستفحلة والأمور خرجت عن السيطرة، وبات تنظيم القاعدة الذي ينشط تحت اسم أنصار الشريعة يحوز على نفوذ واسع ويملك قدرات عسكرية ومالية وبشرية كبيرة، ويدرّب في معسكراته مقاتلين يتوزعون على كامل المنطقة، الأمر الذي بات يهدد بالخطر المصالح الأميركية الغربية، ويضع أميركا أمام مأزق حقيقي:
إما تقدم على تدخل عسكري بري يقود إلى تورّطها في حرب استنزاف على غرار حربي العراق وأفغانستان، وهذا ما قررت تجنّبه ويرفض الشعب الأميركي العودة إليه. أو تمتنع عن ذلك وتخسر ليبيا وتصبح مصالحها مهددة في كل المنطقة، وبالتالي يتعرض نفوذها إلى مزيد من الانحسار والتراجع.
أما تونس فإنها في حالة عدم استقرار مستمر لعجز القوى الموالية للغرب عن إرساء نظام حكم مستقر.
وإذا كان الربيع الأميركي ينهار في بلدان الربيع العربي الأساسية، إلا أنه سقط سقوطاً مدوياً في سورية التي أريد لها أن تسقط في أحضان مشروع الهيمنة الأميركي، فإذا بها اليوم، بفضل صمود جيشها وشعبها وقياداتها، تؤسس لربيع عربي حقيقي بدأ بالانتخابات التي شهدت مشاركة شعبية منقطعة النظير، بكثافتها وحماستها، وبفوز الرئيس الأسد بولاية ثالثة، والتي أسست لمرحلة جديدة في سورية سمتها التعددية القائمة على تعزيز ثوابت سورية الوطنية العروبية المقاومة، ومحاربة الفساد وإعادة النظر بسياسات الانفتاح الاقتصادي التي أحدثت ثغرات تسلل منها أعداء سورية، لمحاولة إسقاطها من الداخل.
على أن الشعب السوري الذي انتفض لكرامته الوطنية وحرية قراره في وجه التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، أطلق ربيعاً عربياً حقيقياً بدأ في سورية، وستكون له تداعياته في كل المنطقة العربية، لا سيما في مصر التي لا بد من أن جماهيرها وحكامها الجدد سيتأثرون بما صنعه الشعب السوري من انتصار ضد أعداء سورية، والذي سيتحول نموذجاً لكل دولة عربية تتوق إلى صناعة ربيعها الحقيقي المتمثل بتحررها من التبعية لأميركا والغرب وتحقيق استقلالها الحقيقي والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، ودعم قضية العرب الأولى فلسطين.
لا شك في أن ربيع سورية الحقيقي سيؤسس لنهوض قومي عربي ويعزز من موازين القوى لمصلحة قوى المقاومة والتحرر في عموم المنطقة، فسورية بصمودها اليوم باتت تغيّر وتصنع المعادلات في المنطقة والعالم، ولهذا فإن الحصاد الأميركي من الربيع العربي، الذي أرادته أميركا وخططت له، جاء مخيباً لصناع القرار في واشنطن.
المصدر :
البناء/ حسن حردان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة