دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
دخلت «حرب الإلغاء» التي تخوضها الفصائل «الجهادية» ضد بعضها البعض شهرها السادس. وإذا كانت تداعيات هذه الحرب على الفصائل نفسها معروفة، يبقى السؤال عن سلبيات وإيجابيات هذه الحرب على الجيش السوري وخياراته؟
وتحولت مناطق شمال وشرق سورية إلى ميدان حرب مركبة شديدة التعقيد، لدرجة أن بعض الأطراف فيها لم تعد تميز بين الصديق والعدو، وبين الحليف والخصم.
واستغلت الفصائل هذه الضبابية في المشهد لتوجيه اتهامات ضد بعضها البعض بالعمالة، سواء للجيش السوري أو لبعض أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية. ورغم أن انشغال «الجهاديين» في قتال بعضهم يفترض به أن يخدم الجيش السوري، الذي كأي جيش آخر سيعتبر اقتتال أعدائه بين بعضهم هدية لا تقدر بثمن، إلا أن بعض المعطيات تشير إلى أن هذا القتال قد يجرّ بعض السلبيات، من دون أن يؤثر ذلك على حقيقة رجحان الايجابيات لمصلحته.
وقد تكون «التسويات» التي اكتسحت بعض المناطق في الريف الدمشقي وأحياء حمص القديمة، من أهم الثمار التي يجنيها الجيش السوري بسبب ذلك. إذ يلاحظ أن وتيرة المصالحات تسارعت بالتزامن مع احتدام «حرب الإلغاء الجهادية»، التي كان من أهم نتائجها أنها أدخلت تغييراً على مفهوم «العدو» في عقلية الفصائل. فلم يعد الجيش السوري لدى العديد من الفصائل هو العدو الواضح كما أريد ترسيخه في بداية الأزمة السورية، بل أصبحت الكثير من الفصائل تنظر إلى فصائل أخرى على أنها هي العدو الأول الذي ينبغي محاربته، لذلك أصبحت فكرة التسوية والمصالحة مع الجيش السوري مقبولة أكثر، لاسيما على خلفية استبسال الجيش في قتال عدوه الأول، وبالتالي ما المانع أن يكون عدو عدوي... صديقي.
أما الفصائل، التي لم يؤثر الاقتتال على وعيها وفهمها للعدو، واستمرت في القتال على أكثر من جبهة، فإن الجيش السوري يحصد فوائد عديدة من استمرار اقتتالها في ما بينها، سواء لجهة تشتت جهودها القتالية وعدم قدرتها على توحيد قواها ضد جبهاته، أو لجهة الخسائر التي تتكبدها في ما بينها على صعيد العدد والعتاد، فهي كلها قدرات قتالية تزاح عن طريق الجيش السوري ويتخلص منها، من دون أن يخسر طلقة واحدة. ناهيك عن تأثير ذلك على الروح المعنوية لمقاتلي الجيش وهم يرون أعداءهم يبيدون بعضهم البعض، الأمر الذي يعطيهم أملاً متجدداً بإمكانية الحسم والخلاص من كلا الطرفين.
لكن جني هذه الثمار ليس مجانياً، خصوصاً أن الكثير من الدول الداعمة للفصائل المسلحة لا تريد أن ترى الجيش السوري يتمتع بقطاف خيبتها وعجزها عن توحيد الفصائل، من دون أن يدفع ثمناً يخفف من طعم المرارة لديها. وقد ساعد العدد الكبير من الفصائل المسلحة التي تنتشر على الأراضي، هذه الدول في تحقيق بعض أهدافها. ففي ظل هذه الكثرة الكثيرة من الفصائل فإنه مهما بلغ التشرذم والتشتت بينها، تظل هناك إمكانية لتوحيد مجموعة منها للقيام بعملية ضخمة، كما حدث في مدينة كسب بريف اللاذقية وفي جمعية الزهراء بحلب، علاوة على الجهود المستمرة من بعض الدول لتعويم فصيل أو آخر، بحسب الظروف، وإمداده بأسلحة نوعية من شأنها كبح جماح التراجع الميداني الذي يفرضه التشرذم على باقي الفصائل، كما هو الحال في دعم «حركة حزم» أو «جبهة ثوار سوريا» أو غيرها. ورغم أن هذه المحاولات لا تؤثر على سير الأحداث، الذي يتحكم الجيش السوري بإدارة دفته منذ السيطرة على مدينة القصير في مثل هذه الأيام من العام الماضي، إلا أنها من دون شك تؤثر على سرعة جريان الأحداث من خلال وضع مطبات في طريقها.
من جهة أخرى، فإن اقتتال الفصائل مع بعضها البعض فوق منطقة معينة، قد يشكل عائقاً أمام الجيش للتدخل في هذه المنطقة عبر أي عملية عسكرية، ليس من باب أنه لا يريد إعطاء ذريعة تمكن خصومه من احتسابه على هذا الفصيل أو ذاك، ولكن لأن تدخله في لحظة الاقتتال قد يترك أثراً عكسياً، ويجعل الفصائل المتقاتلة تتحد من جديد ضده. لذلك فإن من سلبيات الاقتتال أحياناً هي أن الجيش يفقد بعض خياراته العملانية، إلا أن استمرار الاقتتال واستنزاف الفصائل لبعضها يشكل تعويضاً عادلاً عن الخيارات المفقودة.
وإذا كانت الحرب المركبة فرضت نوعاً من الضبابية في الرؤية لدرجة أن بعض الأطراف لم تعد تعرف عدوها من صديقها، إلا أن بعض الجهات وأجهزة الاستخبارات ووسائل الإعلام تعمدت عن قصد استغلال هذه الضبابية، كي تبث دعايتها المضادة للجيش السوري وتشن حملة عليه، برزت خلال الأشهر الماضية تحت عنوان العلاقة بين الجيش السوري وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والحديث عن أكثر من تحالف بينهما، بل محاولة ترسيخ أن «داعش» صنيعة الجيش السوري وأجهزة مخابراته.
ولا شك أنه لولا الاقتتال الدائر بين «داعش» من طرف وبعض الفصائل من طرف آخر، لما كان لهذه الحملة أن ترى النور، لذلك يمكن اعتبارها من سلبيات هذا الاقتتال.
ومن اللافت أن الجيش السوري يتعمد السكوت على مثل هذه الحملات وعدم الرد عليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، محاولاً امتصاص تأثيراتها الإعلامية في مقابل الاستفادة منها على الصعيد الميداني، عبر تشتيت أفكار الفصائل وخلق المزيد من الأوهام لديها في هذا الخصوص، للتوصل إلى حالة لا تعود فيها هذه الفصائل، التي تساهم في الحملة الإعلامية، قادرة على التمييز ما إذا كان الكلام الذي تختلقه صحيحاً أم لا.
وقد برع الجيش في اللعب على هذا الوتر الحسّاس، مستفيداً ربما من خبرة أجهزة الاستخبارات السورية التي خزّنتها من مراقبة تجارب سابقة، سواء الحرب الأهلية اللبنانية أو الحرب العراقية، إلا أن ذلك لا يعني أن الحملة المضادة لم تترك بعض التشوهات في وعي مناصري الجيش الذين وقع البعض منهم في حالة عدم التمييز أيضاً.
المصدر :
الماسة السورية/ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة