دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ضعف الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية جاء بمثابة الصدمة بالنسبة إلى المشير عبد الفتاح السيسي، ولكن الصدمة الأكبر في رأينا ستكون في انخفاض مستوى المشاركة في حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية الذي سيقام صباح الأحد حيث سيؤدي القسم في المحكمة الدستورية العليا أمام الرئيس المؤقت عدلي منصور.
فباستثناء قادة الدول الخليجية الأربع الرئيسية أي المملكة العربية السعودية (الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد) ومملكة البحرين (الملك حمد بن عيس آل خليفة) ودولة الإمارات (الشيخ محمد بن زايد ولي العهد) ودولة الكويت (الأمير صباح الأحمد)، جاء مستوى التمثيل في الحفل، وحتى كتابة هذه السطور، أقل بكثير من المتوقع حيث غاب معظم الزعماء.
الدعوات جرى توجيهها إلى 22 دولة، من بينها الولايات المتحدة وروسيا وفلسطين والأردن وإثيوبيا والصومال والمغرب، باستثناء العاهل الأردني والرئيسين الصومالي والفلسطيني، فضلت أغلبية الدول تمثيلها بمبعوثين شخصيين أو سفراء أو مستشارين.
استثناء تركيا وقطر وإسرائيل من توجيه الدعوات للمشاركة في هذه المناسبة كان متوقعا، ولكن المفاجأة غير المتوقعة تمثلت في توجيه الدعوة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بصفته رئيسا لإيران، وبصفته رئيسا لدول عدم الانحياز، ولكن حتى كتابة هذه السطور أيضا، لم نسمع، أو نقرأ عن أي رد إيراني بقبول الدعوة، أو الاعتذار عن قبولها، خاصة أن معظم الوفود المشاركة وصلت إلى القاهرة، ولم يكن من بينها أي وفد إيراني.
***
قبول الرئيس روحاني للدعوة، والمشاركة في حفل التنصيب بالتالي، سيكون الحدث الأهم والأبرز في هذه المناسبة الذي قد يطغى على صاحب الدعوة نفسه، أما رفضها بالمطلق، سيكون حدثا أكبر لما قد ينطوي عليه من تبعات سياسية على درجة كبيرة من الأهمية أيضا.
فمن المفترض أن يطير الرئيس الروحاني إلى أنقرة يوم الاثنين في زيارة رسمية هي الأولى له منذ انتخابه رئيسا للجمهورية وكرد على زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، فهل رأت المؤسسة الايرانية الحاكمة انه بات من الصعب عليها الجمع بين حلفين ومعسكرين متناقضين وربما متحاربين في المستقبل، أي تركيا من ناحية والحلف المصري الخليجي الجديد من الناحية الأخرى بات في طور التبلور في الأشهر الستة الأخيرة، وبعد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في انقلاب عسكري بقيادة المشير السيسي.
الإيرانيون دهاة في السياسة واللعب على التناقضات الإقليمية والدولية ويملكون رصيدا كبيرا في الصبر، وتوجيه الدعوة من قبل المشير السيسي للمشاركة في الحفل محاولة لتحييدهم، أي الإيرانيين، وإبعادهم عن المعسكر التركي القطري الإخواني، ومحاولة جذبهم إلى الائتلاف أو الحلف المصري السعودي الجديد، ولكنهم فضلوا فيما يبدو التريث، والانتظار وعدم التسرع في اتخاذ أي قرار بالانحياز إلى هذا الحلف أو ذاك والبقاء على الحياد ولو مؤقتا حتى يذوب الثلج ويظهر ما تحته.
إرسال الولايات المتحدة شخصية غير رفيعة للمشاركة في حفل التنصيب، واكتفاء الاتحاد الاوروبي، بإرسال سفرائه لحضور الحفل وغياب السيدة كاثي اشتون وزيرة الخارجية الأوروبية، يعكس تحفظات عديدة عنوانها الرئيسي هو القلق على تدهور الحريات وحقوق الإنسان في مصر، ولكن هناك أسباب أكثر عمقا في رأينا لا بد أنها ستظهر في الأشهر المقبلة، ومن بينها محاولة الاطمئنان على مدى قدرة الحكم الجديد على البقاء والصمود، ومعالجة التحديات الصعبة التي تقف في طريقه، وكذلك التعرف على موقفه من مسألتين مهمتين أولهما الصراع في سورية، وثانيهما اتفاقات كامب ديفيد.
فالرد المصري الذي صدر صباح اليوم على هذه التحفظات الأوروبية العلنية بإرسال ملفات عشرة محكومين بالإعدام إلى المفتي للتصديق على هذه العقوبة جاء أكثر سرعة من المتوقع، مما يؤكد مجددا أن سياسة القبضة الحديدة التي يتبعها الرئيس السيسي منذ وصوله إلى الحكم يوم الثالث من تموز (يوليو) الماضي ستستمر وربما تزداد شراسة، وهذا غير مستغرب من رجل تعهد باجتثاث حركة الإخوان المسلمين، واعتقل معظم قياداتها، وأكثر من عشرين ألفا من أنصارها، وبسبب هذا التعهد، وهذا العداء، حقق الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
الملوك والأمراء وأولياء العهود الخليجيون لم يأتوا إلى القاهرة للمشاركة في حفل التنصيب وإنما لتدشين الحلف الجديد الذي سيتمحور حول مصر وجيشها ويضم الأردن أيضا إلى جانب الدول الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة (السعودية الإمارات البحرين) مع تزايد المؤشرات التي تفيد بان الكويت باتت على وشك الانضمام.
***
رسالة التهنئة الطويلة، وغير المألوفة، التي بعث بها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، كانت تحمل تهديدات واضحة لكل من يتدخل في الشأن المصري الداخلي، وتعتبره تدخلا في “شؤون الإسلام” و”المملكة” نفسها، وتتبرأ من أي دولة تملك المال (إشارة إلى قطر) لا تلبي دعوته (العاهل السعودي) لمشروع مارشال اقتصادي لإنقاذ الاقتصاد المصري وتعزيز قوة مصر المالية، فهذه أكبر “مبايعة” للرئيس المصري الجديد، و”خريطة طريق” تحدد الأعداء والأصدقاء وإعادة إحياء “محور الاعتدال العربي” الذي وأدته ثورات ما يسمى بالربيع العربي، مثلما قلنا في مقال سابق.
فإذا كانت الدول الخليجية ستتكفل بمواجهة التحدي الاقتصادي الأكبر الذي يواجه الرئيس السيسي، وتزيل أعباءه عن كاهله، فان هذا يعني تفرغه للملفات الأمنية وعلى رأسها إكمال مهمته التي بدأها في مصر بمطاردة الاخوان والتصدي لـ”الإرهاب” في المنطقة، حسب وصفه.
عندما يصرح العقيد محمد حجازي المتحدث باسم اللواء الليبي المتمرد خليفة حفتر بأن الأخير ينتظر قيام الجيش المصري بعملية عسكرية داخل ليبيا للقضاء على “الإرهاب”، فان هذا التصريح قد يكون مؤشرا على أولويات الجيش المصري المقبلة، خاصة أن المشير السيسي وقبل انتخابه عبر في مقابلة مع محطة “العربية” عن قلقه من جراء تدهور الأوضاع في ليبيا وقال إن استمرار الوضع الراهن قد يعني سقوط الدولة وهذا “أمر لا يليق أن نتفرج عليه”.
مهام الرئيس السيسي القادمة ودوره يذكرنا بدور الرئيس العراقي صدام حسين في إعلان الحرب على إيران لحماية العراق ودول الخليج معا، من أخطار وصول ثورتها “الخمينية” إلى شواطئها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وهي الحرب التي استمرت ثماني سنوات وتحملت السعودية والكويت معظم نفقاتها.. فهل نقول أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بلاعبين آخرين مثلما جرت العادة؟!
المصدر :
رأي اليوم/ عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة