كرّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من بيروت موقف بلاده من الانتخابات الرئاسية السورية، لكن تصريحه لم يكن حاداً نسبة الى تعاطي واشنطن المستمر منذ ثلاث سنوات إزاء الأزمة السورية.

قال رأس الدبلوماسية الأميركية إن تلك الانتخابات هي "عبارة عن صفر" لكنه رمى الكرة في ملعب الشعب السوري، "هو الذي يقرر ما يريد حول النظام لا نحن"، ما يعني الرضوخ الأميركي للواقع السوري.

الأبرز في كلام كيري دعوته روسيا وإيران و"حزب الله" للخوض في جهود حلّ الأزمة السوريّة. هنا يبدو التحول أو الاعتراف الأميركي بدور حلفاء دمشق في إمساك زمام المبادرة. تغيرت اللهجة الأميركية تجاه سورية منذ أشهر بإتجاهات عدة.

غاب الحديث كلياً عن توقيت "سقوط النظام"، لم تعد التطورات الميدانية لصالح المعارضة السورية. الأولوية بالنسبة إلى الغرب عملياً هي محاربة الإرهاب. المشهد بات اشمل يمتد من مفاوضات الأميركيين مع طهران مروراً بالعلاقات المرتقبة بين السعوديين والإيرانيين وصولا إلى صلابة التماسك الروسي - الصيني حول الملف السوري.

جاء كيري إلى لبنان ليقول إننا لا زلنا هنا، ندعم الخيار السياسي حول سورية، نتمسك بإستقرار لبنان، لن نتخلى عن حكومة جامعة تدير الفراغ بغياب الرئيس. أتى رئيس الدبلوماسية الأميركية في مرحلة إنتظار ما سيحدث على خطوط التسوية الإقليمية- الدولية. في نفس الوقت كان يُصاغ اتفاق تفصيلي بين الإدارة الأميركية و الإيرانيين يضم رفع الحظر عن منتجات نفطية إيرانية للتصدير مقابل طمأنة لواشنطن في تفاصيل نووية.

وزير الخارجية الأميركي طمأن تل أبيب من بيروت بأن أمن الإسرائيليين والحلف معهم خط احمر. لم يطرح كل ما قاله في المؤتمر الصحافي في السرايا الحكومي بإجتماعاته في بيروت. هو تلا بياناً مكتوباً، وردّ على أسئلة وفد إعلامي يرافقه. لم يسمح كثيراً للصحافيين اللبنانيين بالأسئلة. حتى أن الوفد الدبلوماسي  الأميركي سأل عن الصحافيين اللبنانيين الحاضرين في أماكن زياراته تحسباً لأي سؤال محرج لا يريد كيري التطرق إليه.

سمع كيري في لبنان وتحديدا من رئيس المجلس النيابي نبيه بري التشديد على ضرورة الحل السياسي في سورية. كان يوافق الوزير الأميركي على هذا المبدأ. سقطت كل السيناريوهات الأخرى التي طرحها الأميركيون سابقاً ضد دمشق. لقد جربت العواصم الغربية كل الوسائل. صار الرئيس السوري بشار الأسد أساسياً في تحديد قواعد اللعبة. في الأشهر الماضية كان المطروح إزاحته عن المشهد. عرضت يومها واشنطن عدم ترشح الأسد وطرح حل سياسي فوري. لم ترض دمشق وحلفاؤها. "المسألة ليست شخص رئيس، بل نهج ومسار ورمزية" بالنسبة للسوريين وحلفائهم.

أتت المشاركة السورية الواسعة في الانتخابات لتحدد قواعد المرحلة الجديدة. لم يعد مسموحاً تكرار الكلام عن إسقاط الأسد. هو يخوض على رأس جيش أعنف معارك ضد مسلحين مصنفين في الغرب وتركيا في خانة الإرهابيين. انجازات هذا الجيش وحلفائه في الميدان تتسع. المسلحون في حالة تراجع سريع على كل الجبهات. المعادلة تغيرت وغابت البيئة الحاضنة في مناطق التوتر. بات كل الحديث عن تسليح معارضين "معتدلين" وهماً او ثرثرة إعلامية لتقطيع الوقت.

عملياً تقرأ العواصم الغربية والعربية في مشهد الانتخاب في حلب ودرعا وديرالزور وغيرها، ما يعني سقوط الفتنة المذهبية التي كانت تسوّق لسورية. الطائفة السنية شاركت بأكثريتها. على الحدود اللبنانية  أيضاً كما أمام السفارتين في بيروت وعمان كان الناخبون ينتمون إلى محافظات تضم المسلمين السنة لا الأقليات.

صار الأسد اليوم بالنسبة إليهم بطلاً يخوض معركة إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية، ومعركة المجتمع ضد الجهل والتطرف. يقولون أن الأسد يخوض بطولة المواجهة ضد إرهابيين عابرين للقارات حطوا في سورية، "مهما كان حجم المساندة لأصدقاء دمشق في الحرب والدبلوماسية، فإن ثبات الأسد في أصعب الظروف التي مرت على سورية هو الذي صنع الصمود وصولا إلى إنتصار المحور الذي يضم طهران وموسكو وما بينهما". التاريخ يثبت أن الزعامات تصنعها الحروب. هكذا حصل مع جمال عبد الناصر وحافظ الأسد.

لكن ماذا سيفعل الأسد في رسم معالم المرحلة الجديدة؟

يقول معارض معتدل "إن تغيير رأس النظام لم يعد مطلوباً، بل صار الهم إيجاد خطة سياسية للمشاركة الائتلافية في حكومة ذات صلاحيات قادرة". يعترف هذا المعارض بتجاوز الأسد للازمة، لكنه يقول أن لا انتصار له إلا بإعلان حكومة تضم معارضين معروفين. يردد بعضهم أن الأسد سيعلن في أول خطاب تحديد عناوين المرحلة المقبلة المستندة إلى : توسيع المصالحات، حكومة تشاركية قادرة على رعاية حوار وطني، الاستعداد لتسوية أوضاع مسلحين سوريين وضمهم إلى الجيش، متابعة الحرب ضد الإرهابيين.

من هنا رُصد في كلام كيري في بيروت تبرير لقوله أن الانتخابات السورية صفر، بسؤاله : ما الذي تغير؟ وإشارته إلى الإرهابيين. معلومات دبلوماسية تتحدث عن انتظار واشنطن خطوات جدية في دمشق تتعلق بالمشاركة الأوسع  في الحكومة، وتحقيق انجازات في الحرب على الإرهابيين ( داعش والنصرة ومتطرفين متفرعين عنهم). عندها تكون التسوية مع إيران نضجت.

الاحتشاد الشعبي خلف الأسد في انتخابات الرئاسة ستشرع المرحلة المقبلة، ليفاوض الرئيس السوري من موقع القوي الممسك بزمام اللعبة. فاز الأسد بأصوات الشعب و انحياز السوريين للدولة. التسوية الإقليمية - الدولية تتقدم. المرحلة الجدية تُصنع الآن، كل من لا يشارك فيها لا مكان له في مستقبل المنطقة.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-05
  • 12641
  • من الأرشيف

انتصر الأسد.. ماذا يريد منه الأميركيون؟

كرّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري من بيروت موقف بلاده من الانتخابات الرئاسية السورية، لكن تصريحه لم يكن حاداً نسبة الى تعاطي واشنطن المستمر منذ ثلاث سنوات إزاء الأزمة السورية. قال رأس الدبلوماسية الأميركية إن تلك الانتخابات هي "عبارة عن صفر" لكنه رمى الكرة في ملعب الشعب السوري، "هو الذي يقرر ما يريد حول النظام لا نحن"، ما يعني الرضوخ الأميركي للواقع السوري. الأبرز في كلام كيري دعوته روسيا وإيران و"حزب الله" للخوض في جهود حلّ الأزمة السوريّة. هنا يبدو التحول أو الاعتراف الأميركي بدور حلفاء دمشق في إمساك زمام المبادرة. تغيرت اللهجة الأميركية تجاه سورية منذ أشهر بإتجاهات عدة. غاب الحديث كلياً عن توقيت "سقوط النظام"، لم تعد التطورات الميدانية لصالح المعارضة السورية. الأولوية بالنسبة إلى الغرب عملياً هي محاربة الإرهاب. المشهد بات اشمل يمتد من مفاوضات الأميركيين مع طهران مروراً بالعلاقات المرتقبة بين السعوديين والإيرانيين وصولا إلى صلابة التماسك الروسي - الصيني حول الملف السوري. جاء كيري إلى لبنان ليقول إننا لا زلنا هنا، ندعم الخيار السياسي حول سورية، نتمسك بإستقرار لبنان، لن نتخلى عن حكومة جامعة تدير الفراغ بغياب الرئيس. أتى رئيس الدبلوماسية الأميركية في مرحلة إنتظار ما سيحدث على خطوط التسوية الإقليمية- الدولية. في نفس الوقت كان يُصاغ اتفاق تفصيلي بين الإدارة الأميركية و الإيرانيين يضم رفع الحظر عن منتجات نفطية إيرانية للتصدير مقابل طمأنة لواشنطن في تفاصيل نووية. وزير الخارجية الأميركي طمأن تل أبيب من بيروت بأن أمن الإسرائيليين والحلف معهم خط احمر. لم يطرح كل ما قاله في المؤتمر الصحافي في السرايا الحكومي بإجتماعاته في بيروت. هو تلا بياناً مكتوباً، وردّ على أسئلة وفد إعلامي يرافقه. لم يسمح كثيراً للصحافيين اللبنانيين بالأسئلة. حتى أن الوفد الدبلوماسي  الأميركي سأل عن الصحافيين اللبنانيين الحاضرين في أماكن زياراته تحسباً لأي سؤال محرج لا يريد كيري التطرق إليه. سمع كيري في لبنان وتحديدا من رئيس المجلس النيابي نبيه بري التشديد على ضرورة الحل السياسي في سورية. كان يوافق الوزير الأميركي على هذا المبدأ. سقطت كل السيناريوهات الأخرى التي طرحها الأميركيون سابقاً ضد دمشق. لقد جربت العواصم الغربية كل الوسائل. صار الرئيس السوري بشار الأسد أساسياً في تحديد قواعد اللعبة. في الأشهر الماضية كان المطروح إزاحته عن المشهد. عرضت يومها واشنطن عدم ترشح الأسد وطرح حل سياسي فوري. لم ترض دمشق وحلفاؤها. "المسألة ليست شخص رئيس، بل نهج ومسار ورمزية" بالنسبة للسوريين وحلفائهم. أتت المشاركة السورية الواسعة في الانتخابات لتحدد قواعد المرحلة الجديدة. لم يعد مسموحاً تكرار الكلام عن إسقاط الأسد. هو يخوض على رأس جيش أعنف معارك ضد مسلحين مصنفين في الغرب وتركيا في خانة الإرهابيين. انجازات هذا الجيش وحلفائه في الميدان تتسع. المسلحون في حالة تراجع سريع على كل الجبهات. المعادلة تغيرت وغابت البيئة الحاضنة في مناطق التوتر. بات كل الحديث عن تسليح معارضين "معتدلين" وهماً او ثرثرة إعلامية لتقطيع الوقت. عملياً تقرأ العواصم الغربية والعربية في مشهد الانتخاب في حلب ودرعا وديرالزور وغيرها، ما يعني سقوط الفتنة المذهبية التي كانت تسوّق لسورية. الطائفة السنية شاركت بأكثريتها. على الحدود اللبنانية  أيضاً كما أمام السفارتين في بيروت وعمان كان الناخبون ينتمون إلى محافظات تضم المسلمين السنة لا الأقليات. صار الأسد اليوم بالنسبة إليهم بطلاً يخوض معركة إعادة الأمن والاستقرار إلى سورية، ومعركة المجتمع ضد الجهل والتطرف. يقولون أن الأسد يخوض بطولة المواجهة ضد إرهابيين عابرين للقارات حطوا في سورية، "مهما كان حجم المساندة لأصدقاء دمشق في الحرب والدبلوماسية، فإن ثبات الأسد في أصعب الظروف التي مرت على سورية هو الذي صنع الصمود وصولا إلى إنتصار المحور الذي يضم طهران وموسكو وما بينهما". التاريخ يثبت أن الزعامات تصنعها الحروب. هكذا حصل مع جمال عبد الناصر وحافظ الأسد. لكن ماذا سيفعل الأسد في رسم معالم المرحلة الجديدة؟ يقول معارض معتدل "إن تغيير رأس النظام لم يعد مطلوباً، بل صار الهم إيجاد خطة سياسية للمشاركة الائتلافية في حكومة ذات صلاحيات قادرة". يعترف هذا المعارض بتجاوز الأسد للازمة، لكنه يقول أن لا انتصار له إلا بإعلان حكومة تضم معارضين معروفين. يردد بعضهم أن الأسد سيعلن في أول خطاب تحديد عناوين المرحلة المقبلة المستندة إلى : توسيع المصالحات، حكومة تشاركية قادرة على رعاية حوار وطني، الاستعداد لتسوية أوضاع مسلحين سوريين وضمهم إلى الجيش، متابعة الحرب ضد الإرهابيين. من هنا رُصد في كلام كيري في بيروت تبرير لقوله أن الانتخابات السورية صفر، بسؤاله : ما الذي تغير؟ وإشارته إلى الإرهابيين. معلومات دبلوماسية تتحدث عن انتظار واشنطن خطوات جدية في دمشق تتعلق بالمشاركة الأوسع  في الحكومة، وتحقيق انجازات في الحرب على الإرهابيين ( داعش والنصرة ومتطرفين متفرعين عنهم). عندها تكون التسوية مع إيران نضجت. الاحتشاد الشعبي خلف الأسد في انتخابات الرئاسة ستشرع المرحلة المقبلة، ليفاوض الرئيس السوري من موقع القوي الممسك بزمام اللعبة. فاز الأسد بأصوات الشعب و انحياز السوريين للدولة. التسوية الإقليمية - الدولية تتقدم. المرحلة الجدية تُصنع الآن، كل من لا يشارك فيها لا مكان له في مستقبل المنطقة.

المصدر : النشرة/ عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة