كشف د. هيلل كوهين، وهو باحث كبير في معهد ترومان، في القدس الغربيّة، النقاب عن أنّ قادة الدولة العبريّة الذين قرروا منع المهجرين، الذي بقوا في فلسطين بعد النكبة، من العودة إلى قراهم ثلاثة اعتبارات أساسية:

الأول: حاجة الدولة لأراضي المهجرين من أجل بناء التجمعات السكانية لاستيعاب القادمين اليهود الجدد من أوروبا والدول العربيّة، الذين كان من المتوقّع قدومهم إلى الدولة الفتية.

الثاني: أنّ بعض القرى كانت تقع في مواقع إستراتيجيّة، وخوفًا من حرب ثانية مع الدول العربيّة (بمساعدة فلسطينيّة) تقرر أنّه من غير الممكن ترك السيطرة عليها بأيدي العرب.

أمّا للاعتبار الثالث، قال د. كوهين، فقد كان بعد انتقامي وتأديبي: العرب هم من رفضوا قرار التقسيم وهم الذين أشعلوا الحرب، لذا كان عليهم أن يتحملوا نتائج أفعالهم لكي لا يكرروا ما قاموا به في المستقبل، على حدّ قوله. يُشار إلى أنّ الباحث المذكور قام بتأليف الكتب التي تسرد الوضع بعد النكبة، معتمدًا على أرشيف جيش الاحتلال الإسرائيليّ.

وتابع: في سنة 1952 تغيرّت السياسة، فقد قررت إسرائيل حل قضية اللاجئين داخلها، طبعًا ليس المقصود هنا السماح للمهجرين بالعودة إلى قراهم، الأمر الذي يتناقض مع الروح الصهيونيّة والسياسة الإسرائيلية.، فقد ابتدعت إسرائيل حلاً يقوم على دفع المهجرين إلى الاندماج في المجتمع العربيّ في إسرائيل ومحو المميزات الخاصة بهم.

وبهذا أملت إسرائيل في الحؤول دون مطالبتهم بالعودة إلى قراهم. هكذا عملت إسرائيل، على العكس من معظم الدول العربية والفلسطينيين أنفسهم، الذين كانوا يريدون الإبقاء على قضية اللاجئين قائمةً، لهذا الهدف قامت إسرائيل برسم سياسة من ثلاث مركبات: منح اللاجئين فرصة لتحصيل العيش بكرامة، قطع العلاقة بينهم وبين أرضهم في القرى التي هجروا منها وإلغاء وضعهم الرسمي كلاجئين.

وزاد د. كوهين قائلاً: اتخذت إسرائيل خطوات أخرى لقطع العلاقة بين اللاجئين وأراضيهم، مثل الإعلان عن القرى المهجرة كمناطق عسكرية مغلقة. هذه الخطوة هدفت لمنع المهجرين من زيارة أنقاض قراهم واخذ أولادهم للقرى وتربيتهم على المطالبة بالعودة، مشدّدًا على أنّ إسرائيل، ومنذ سنوات الخمسين، امتنعت عن إجراء أي حوار مع لجان المهجرين حول أي  قضيةٍ كانت، وأجرت أي حوار مع الأفراد كأفراد، وذلك من أجل الحؤول دون نشوء قيادة للمهجرين، أو استمرار (مجموعة الذاكرة) للمهجرين كذلك للتعبير عن عدم الاعتراف بأي تنظيم للاجئين في البلاد. وأشار أيضًا إلى أنّه عند الحديث عن عودة المهجرين داخل إسرائيل إلى قراهم، لا يوجد هنالك أي خوف من الإخلال بالتوازن الديموغرافي داخل إسرائيل، إذ إنّ المهجرين في الداخل هم على أيّ حال مواطنين إسرائيليين، لكن هنالك تهديد من نوع آخر، التهديد الجغرافي: فالسلطات الإسرائيليّة تخشى من التغيير في توزيع القرى والتجمعات العربية، الذي من شأنه جعل الوجود العربي ملموسًا أكثر.

وتابع: سبب آخر ربمّا أكثر أهمية هو أنّ إعطاء حق بالعودة للمهجرين قد يتّم اعتباره كاعتراف إسرائيليّ بمسؤوليتها عن نشوء قضية اللجوء وعن مسؤوليتها في حلها، ومثل هذا الوضع مناقض للموقف الإسرائيليّ القائل إنّ الفلسطينيين والدول العربيّة هم المسؤولين عن نشوء قضية اللجوء لأنهم هم من ابتدئوا الحرب عام 1948.

وخلُص إلى القول إنّ انبعاث قضية طرح العودة للمهجرين من جديد يرجع إلى حدٍ ما للعملية السياسية التي انطلقت في مدريد واستمرت في أوسلو، والتي لم تقم خلالها منظمة التحرير الفلسطينية بطرح قضية المهجرين، فوصل هؤلاء إلى قناعة أنّه يجب عليهم أن يمثلوا أنفسهم بأنفسهم، على حدّ تعبيره.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-05-31
  • 11007
  • من الأرشيف

باحث اسرائيلي: إسرائيل منعت اللاجئين الذين بقوا بفلسطين بعد النكبة من العودة لقراهم للانتقام منهم وتأديبهم وعدم تحمّل مسؤوليتها عن قضيتهم

كشف د. هيلل كوهين، وهو باحث كبير في معهد ترومان، في القدس الغربيّة، النقاب عن أنّ قادة الدولة العبريّة الذين قرروا منع المهجرين، الذي بقوا في فلسطين بعد النكبة، من العودة إلى قراهم ثلاثة اعتبارات أساسية: الأول: حاجة الدولة لأراضي المهجرين من أجل بناء التجمعات السكانية لاستيعاب القادمين اليهود الجدد من أوروبا والدول العربيّة، الذين كان من المتوقّع قدومهم إلى الدولة الفتية. الثاني: أنّ بعض القرى كانت تقع في مواقع إستراتيجيّة، وخوفًا من حرب ثانية مع الدول العربيّة (بمساعدة فلسطينيّة) تقرر أنّه من غير الممكن ترك السيطرة عليها بأيدي العرب. أمّا للاعتبار الثالث، قال د. كوهين، فقد كان بعد انتقامي وتأديبي: العرب هم من رفضوا قرار التقسيم وهم الذين أشعلوا الحرب، لذا كان عليهم أن يتحملوا نتائج أفعالهم لكي لا يكرروا ما قاموا به في المستقبل، على حدّ قوله. يُشار إلى أنّ الباحث المذكور قام بتأليف الكتب التي تسرد الوضع بعد النكبة، معتمدًا على أرشيف جيش الاحتلال الإسرائيليّ. وتابع: في سنة 1952 تغيرّت السياسة، فقد قررت إسرائيل حل قضية اللاجئين داخلها، طبعًا ليس المقصود هنا السماح للمهجرين بالعودة إلى قراهم، الأمر الذي يتناقض مع الروح الصهيونيّة والسياسة الإسرائيلية.، فقد ابتدعت إسرائيل حلاً يقوم على دفع المهجرين إلى الاندماج في المجتمع العربيّ في إسرائيل ومحو المميزات الخاصة بهم. وبهذا أملت إسرائيل في الحؤول دون مطالبتهم بالعودة إلى قراهم. هكذا عملت إسرائيل، على العكس من معظم الدول العربية والفلسطينيين أنفسهم، الذين كانوا يريدون الإبقاء على قضية اللاجئين قائمةً، لهذا الهدف قامت إسرائيل برسم سياسة من ثلاث مركبات: منح اللاجئين فرصة لتحصيل العيش بكرامة، قطع العلاقة بينهم وبين أرضهم في القرى التي هجروا منها وإلغاء وضعهم الرسمي كلاجئين. وزاد د. كوهين قائلاً: اتخذت إسرائيل خطوات أخرى لقطع العلاقة بين اللاجئين وأراضيهم، مثل الإعلان عن القرى المهجرة كمناطق عسكرية مغلقة. هذه الخطوة هدفت لمنع المهجرين من زيارة أنقاض قراهم واخذ أولادهم للقرى وتربيتهم على المطالبة بالعودة، مشدّدًا على أنّ إسرائيل، ومنذ سنوات الخمسين، امتنعت عن إجراء أي حوار مع لجان المهجرين حول أي  قضيةٍ كانت، وأجرت أي حوار مع الأفراد كأفراد، وذلك من أجل الحؤول دون نشوء قيادة للمهجرين، أو استمرار (مجموعة الذاكرة) للمهجرين كذلك للتعبير عن عدم الاعتراف بأي تنظيم للاجئين في البلاد. وأشار أيضًا إلى أنّه عند الحديث عن عودة المهجرين داخل إسرائيل إلى قراهم، لا يوجد هنالك أي خوف من الإخلال بالتوازن الديموغرافي داخل إسرائيل، إذ إنّ المهجرين في الداخل هم على أيّ حال مواطنين إسرائيليين، لكن هنالك تهديد من نوع آخر، التهديد الجغرافي: فالسلطات الإسرائيليّة تخشى من التغيير في توزيع القرى والتجمعات العربية، الذي من شأنه جعل الوجود العربي ملموسًا أكثر. وتابع: سبب آخر ربمّا أكثر أهمية هو أنّ إعطاء حق بالعودة للمهجرين قد يتّم اعتباره كاعتراف إسرائيليّ بمسؤوليتها عن نشوء قضية اللجوء وعن مسؤوليتها في حلها، ومثل هذا الوضع مناقض للموقف الإسرائيليّ القائل إنّ الفلسطينيين والدول العربيّة هم المسؤولين عن نشوء قضية اللجوء لأنهم هم من ابتدئوا الحرب عام 1948. وخلُص إلى القول إنّ انبعاث قضية طرح العودة للمهجرين من جديد يرجع إلى حدٍ ما للعملية السياسية التي انطلقت في مدريد واستمرت في أوسلو، والتي لم تقم خلالها منظمة التحرير الفلسطينية بطرح قضية المهجرين، فوصل هؤلاء إلى قناعة أنّه يجب عليهم أن يمثلوا أنفسهم بأنفسهم، على حدّ تعبيره.  

المصدر : “رأي اليوم”- زهير أندراوس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة