تجسد زيارة امير الكويت صباح الاحمد الجابر الى طهران التي تبدأ الاحد رغبة خليجية حثيثة للمصالحة مع الجار الايراني تقود الى انهاء حالة العداء التي تصاعدت وبلغت ذروتها طوال الاعوام الثلاثة الماضية ..

وانعكست في تحشيد الجيوش وانفاق حوالي 130 مليار دولار على شراء صفقات اسلحة امريكية واوروبية  حديثة استعدادا ودعم للخيار الامريكي العسكري الوشيك (في حينها) لتدمير المنشآت النووية الايرانية.

تراجع الولايات المتحدة الامريكية عن هذا الخيار العسكري فجأة، وبعد مفاوضات سرية استغرقت ستة اشهر في احد منتجعات العاصمة العمانية مسقط، تمخضت عن الاتفاق النووي المعروف اربك الدول الخليجية، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ووضعها في موقف حرج للغاية، لانها وجدت نفسها وحيدة ظهرها الى الحائط في مواجهة قوة ايرانية اقليمية عظمى مدعومة بمؤسسة عسكرية قوية، وتحالف روسي هندي برازيلي قوي للغاية.

وحدة الصف الخليجي التي تجسدت بقوة خلف الخيار العسكري الامريكي انفرط عقدها بمجرد الاعلان عن الاتفاق النووي، وكان الشيخ عبد الله بن زايد اول زوار العاصمة الايرانية طهران للتهنئة بهذا الاتفاق، وتلا ذلك جولة للسيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني الى عدة عواصم خليجية مثل الكويت وابو ظبي ومسقط والدوحة.

المملكة العربية السعودية وجدت نفسها تقف وحيدة ومطعونة في الظهر من قبل حليفها الامريكي الذي تخلى عنها بصورة مهينة وقاسية، ولذلك قررت التراجع عن سياسة المقاطعة والعداء الى سياسة اكثر تصالحية عندما وجهت دعوة الى السيد ظريف للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الاسلامي في جدة وعلى هامشه من المتوقع لقاء مع نظيره السعودي الامير سعود الفيصل لبحث العلاقات الثنائية.

الدول الخليجية تريد ثمنا من ايران مقابل هذا التقارب معها، ولكنها تنسى انها تذهب الى ايران من موقف الضعيف، والمنطق يقول ان الطرف الضعيف لا يستطيع ان يملي شروطه على الطرف القوي، ولكنه يستطيع ان يقدم حوافز اقتصادية وسياسية للوصول الى ما يريد في نهاية المطاف بعيدا عن اساليب الغطرسة المتبعة.

الخلاف الايراني الخليجي ينحصر في ثلاث قضايا اساسية: الاولى الدعم الايراني السياسي والعسكري والمالي للنظام السوري، والثانية التدخل المباشر في الشؤون العراقية ودعم ايران لحكومة نوري المالكي والتحالف  الذي يدعمها، والثالثة الدعم الايراني القوي لحركة الحوثيين الشيعة في منطقة صعدة في شمال اليمن.

المملكة العربية السعودية تريد من ايران ان تتخلى عن النظام السوري، وتوافق على مشروعها العسكري الرامي الى اطاحته، وهذا طلب يصعب على ايران التخلي عنه بعد ان استثمرت المليارات وخسرت الكثير من ابنائها وابناء حلفائها (حزب الله) على مدى السنوات الثلاث الماضية من عمر الازمة، ولكن لايران مصلحة في الوصول الى حل سياسي يوقف نزيف الدماء والاموال في سورية، ولا يمكن التوصل الى هذا الحل المرضى للطرفين الا بالجلوس الى مائدة الحوار، وهذه هي احد ابرز مهام الشيخ صباح الاحمد امير الكويت في زيارته المقبلة.

الايرانيون الذين كشفوا عن دهاء سياسي لافت للنظر سيقدمون ثمنا للخليجيين حتما مقابل المصالحة معهم، وربما يكون هذا الثمن من خلال ابداء مرونة في القضايا السهلة مثل تهدئة حلفائهم في البحرين، واعادة احياء الحوار بين الحكومة والمعارضة، وتخفيف دعمهم للحوثيين، والسماح بتشكيل حكومة عراقية برئاسة شخصية غير نوري المالكي تكون مقبولة للطائفة السنية المدعومة سعوديا، وتسهيل انتخاب رئيس لبناني جديد من خلال رفع “فيتو” حزب الله.

الملف السوري الاكثر تعقيدا سيتم تركة الى المرحلة الاخيرة، مع اتفاق على تجنب التصعيد العسكري وتجميد الاوضاع الحالية على الارض ريثما تبدأ المفاوضات الجدية بين الجانبين.

ايران تحتاج دول الخليج والمصالحة معها لان هذا يخدم مشروعها السياسي والعسكري في المنطقة، ويخفف من ازمتها الاقتصادية، ولن نستبعد بذلها محاولات حثيثة لطمأنة حكومات هذه الدول من خلال التأكيد على نواياها السلمية ورغبتها في التعاون، ولكن من الصعب على دول الخليج الركون الى هذه التطمينات، وان كانت ستتظاهر بعكس ذلك لانه ليس امامها اي خيار آخر في الوقت الراهن.

الخطأ الاكبر الذي ارتكبته دول خليجية، والسعودية على وجه الخصوص، هو التحريض الطائفي، حتى لو جرى تبرير ذلك بانه جاء ردا على الطرف الآخر، فتعبئة الشعوب الخليجية طائفيا ضد ايران من خلال تصوير الصراع معها في العراق وسورية ولبنان على انه صراع بين السنة والشيعة، وتوظيف الآلات الاعلامية الجبارة في هذا المضمار وضع هذه الدول في مأزق حقيقي ستبدأ آثاره في الظهور اثناء وبعد محادثات المصالحة.

فالتحريض الطائفي سيف ذو حدين خاصة في دول خليجية توجد فيها اقليات شيعية قوية موحدة، مثل الكويت والبحرين (الشيعة اكثرية فيها) والامارات، وقطر وبدأت قلاقل واضطرابات، خاصة في ظل المد الاسلامي الاصولي السني في الوقت نفسه المتمثل في تيار الاخوان المسلمين من ناحية والفكر الجهادي الذي يجسده تنظيم “القاعدة”.

الحكومات الخليجية يجب ان تعالج هذا الخلل خلال التركيز على ترسيخ الهوية الوطنية غير الطائفية والجامعة التي تعمق الولاء للبلد وليس للطائفة من خلال اصلاحات سياسية حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع منصف للثروة.

ايران الصديقة افضل مئة مرة من ايران العدوة، والحوار معها اسلم من المواجهة العسكرية، خاصة ان هذه المواجهة جاءت لصالحها، اي ايران، في سورية والعراق ولبنان بسبب سوء التقدير العربي، والاعتماد الكلي على امريكا التي خذلت حلفاءها وانحازت لمصالحها، وقررت عدم التضحية بنقطة دم واحدة من دماء ابنائها تلبية للتحريض والقلق الخليجيين، وهي تحارب حاليا في سورية بدماء العرب واموالهم ولتمزيق بلادهم لمصلحة اسرائيل.

نأمل ان يعيد عرب الخليج دراسة التجربة الايرانية من ناحية، واسباب فشل التجربة العربية، وانهيار المشروع العربي، واستخلاص العبر والدروس والتصرف على اساسها بوضع خطة مستقبلية وتنفيذ علمي وعملي مدروس، فهل يفعلون؟ نأمل ذلك وان كان لدينا الكثير من الشكوك، وعلى هؤلاء ان يتذكروا دائما ان الثمن الذي يريدون من ايران ان تدفعه لهم مقابل المصالحة معها، اي التخلي عن النظام السوري هو ثمن باهظ جدا من المستحيل ان تقبله، اي اسقاط النظام السوري في دمشق لسبب بسيط ان هذا النظام يواجه هذه الحرب وكل ما يترتب عليها من دمار وخراب وسفك دماء لانه رفض كل العروض والمغريات العربية للتخلي عن تحالفه مع طهران!

  • فريق ماسة
  • 2014-05-30
  • 12151
  • من الأرشيف

دول الخليج تطلب من ايران تغيير سياستها والتخلي عن النظام السوري مقابل الانفتاح عليها

تجسد زيارة امير الكويت صباح الاحمد الجابر الى طهران التي تبدأ الاحد رغبة خليجية حثيثة للمصالحة مع الجار الايراني تقود الى انهاء حالة العداء التي تصاعدت وبلغت ذروتها طوال الاعوام الثلاثة الماضية .. وانعكست في تحشيد الجيوش وانفاق حوالي 130 مليار دولار على شراء صفقات اسلحة امريكية واوروبية  حديثة استعدادا ودعم للخيار الامريكي العسكري الوشيك (في حينها) لتدمير المنشآت النووية الايرانية. تراجع الولايات المتحدة الامريكية عن هذا الخيار العسكري فجأة، وبعد مفاوضات سرية استغرقت ستة اشهر في احد منتجعات العاصمة العمانية مسقط، تمخضت عن الاتفاق النووي المعروف اربك الدول الخليجية، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، ووضعها في موقف حرج للغاية، لانها وجدت نفسها وحيدة ظهرها الى الحائط في مواجهة قوة ايرانية اقليمية عظمى مدعومة بمؤسسة عسكرية قوية، وتحالف روسي هندي برازيلي قوي للغاية. وحدة الصف الخليجي التي تجسدت بقوة خلف الخيار العسكري الامريكي انفرط عقدها بمجرد الاعلان عن الاتفاق النووي، وكان الشيخ عبد الله بن زايد اول زوار العاصمة الايرانية طهران للتهنئة بهذا الاتفاق، وتلا ذلك جولة للسيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني الى عدة عواصم خليجية مثل الكويت وابو ظبي ومسقط والدوحة. المملكة العربية السعودية وجدت نفسها تقف وحيدة ومطعونة في الظهر من قبل حليفها الامريكي الذي تخلى عنها بصورة مهينة وقاسية، ولذلك قررت التراجع عن سياسة المقاطعة والعداء الى سياسة اكثر تصالحية عندما وجهت دعوة الى السيد ظريف للمشاركة في مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الاسلامي في جدة وعلى هامشه من المتوقع لقاء مع نظيره السعودي الامير سعود الفيصل لبحث العلاقات الثنائية. الدول الخليجية تريد ثمنا من ايران مقابل هذا التقارب معها، ولكنها تنسى انها تذهب الى ايران من موقف الضعيف، والمنطق يقول ان الطرف الضعيف لا يستطيع ان يملي شروطه على الطرف القوي، ولكنه يستطيع ان يقدم حوافز اقتصادية وسياسية للوصول الى ما يريد في نهاية المطاف بعيدا عن اساليب الغطرسة المتبعة. الخلاف الايراني الخليجي ينحصر في ثلاث قضايا اساسية: الاولى الدعم الايراني السياسي والعسكري والمالي للنظام السوري، والثانية التدخل المباشر في الشؤون العراقية ودعم ايران لحكومة نوري المالكي والتحالف  الذي يدعمها، والثالثة الدعم الايراني القوي لحركة الحوثيين الشيعة في منطقة صعدة في شمال اليمن. المملكة العربية السعودية تريد من ايران ان تتخلى عن النظام السوري، وتوافق على مشروعها العسكري الرامي الى اطاحته، وهذا طلب يصعب على ايران التخلي عنه بعد ان استثمرت المليارات وخسرت الكثير من ابنائها وابناء حلفائها (حزب الله) على مدى السنوات الثلاث الماضية من عمر الازمة، ولكن لايران مصلحة في الوصول الى حل سياسي يوقف نزيف الدماء والاموال في سورية، ولا يمكن التوصل الى هذا الحل المرضى للطرفين الا بالجلوس الى مائدة الحوار، وهذه هي احد ابرز مهام الشيخ صباح الاحمد امير الكويت في زيارته المقبلة. الايرانيون الذين كشفوا عن دهاء سياسي لافت للنظر سيقدمون ثمنا للخليجيين حتما مقابل المصالحة معهم، وربما يكون هذا الثمن من خلال ابداء مرونة في القضايا السهلة مثل تهدئة حلفائهم في البحرين، واعادة احياء الحوار بين الحكومة والمعارضة، وتخفيف دعمهم للحوثيين، والسماح بتشكيل حكومة عراقية برئاسة شخصية غير نوري المالكي تكون مقبولة للطائفة السنية المدعومة سعوديا، وتسهيل انتخاب رئيس لبناني جديد من خلال رفع “فيتو” حزب الله. الملف السوري الاكثر تعقيدا سيتم تركة الى المرحلة الاخيرة، مع اتفاق على تجنب التصعيد العسكري وتجميد الاوضاع الحالية على الارض ريثما تبدأ المفاوضات الجدية بين الجانبين. ايران تحتاج دول الخليج والمصالحة معها لان هذا يخدم مشروعها السياسي والعسكري في المنطقة، ويخفف من ازمتها الاقتصادية، ولن نستبعد بذلها محاولات حثيثة لطمأنة حكومات هذه الدول من خلال التأكيد على نواياها السلمية ورغبتها في التعاون، ولكن من الصعب على دول الخليج الركون الى هذه التطمينات، وان كانت ستتظاهر بعكس ذلك لانه ليس امامها اي خيار آخر في الوقت الراهن. الخطأ الاكبر الذي ارتكبته دول خليجية، والسعودية على وجه الخصوص، هو التحريض الطائفي، حتى لو جرى تبرير ذلك بانه جاء ردا على الطرف الآخر، فتعبئة الشعوب الخليجية طائفيا ضد ايران من خلال تصوير الصراع معها في العراق وسورية ولبنان على انه صراع بين السنة والشيعة، وتوظيف الآلات الاعلامية الجبارة في هذا المضمار وضع هذه الدول في مأزق حقيقي ستبدأ آثاره في الظهور اثناء وبعد محادثات المصالحة. فالتحريض الطائفي سيف ذو حدين خاصة في دول خليجية توجد فيها اقليات شيعية قوية موحدة، مثل الكويت والبحرين (الشيعة اكثرية فيها) والامارات، وقطر وبدأت قلاقل واضطرابات، خاصة في ظل المد الاسلامي الاصولي السني في الوقت نفسه المتمثل في تيار الاخوان المسلمين من ناحية والفكر الجهادي الذي يجسده تنظيم “القاعدة”. الحكومات الخليجية يجب ان تعالج هذا الخلل خلال التركيز على ترسيخ الهوية الوطنية غير الطائفية والجامعة التي تعمق الولاء للبلد وليس للطائفة من خلال اصلاحات سياسية حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع منصف للثروة. ايران الصديقة افضل مئة مرة من ايران العدوة، والحوار معها اسلم من المواجهة العسكرية، خاصة ان هذه المواجهة جاءت لصالحها، اي ايران، في سورية والعراق ولبنان بسبب سوء التقدير العربي، والاعتماد الكلي على امريكا التي خذلت حلفاءها وانحازت لمصالحها، وقررت عدم التضحية بنقطة دم واحدة من دماء ابنائها تلبية للتحريض والقلق الخليجيين، وهي تحارب حاليا في سورية بدماء العرب واموالهم ولتمزيق بلادهم لمصلحة اسرائيل. نأمل ان يعيد عرب الخليج دراسة التجربة الايرانية من ناحية، واسباب فشل التجربة العربية، وانهيار المشروع العربي، واستخلاص العبر والدروس والتصرف على اساسها بوضع خطة مستقبلية وتنفيذ علمي وعملي مدروس، فهل يفعلون؟ نأمل ذلك وان كان لدينا الكثير من الشكوك، وعلى هؤلاء ان يتذكروا دائما ان الثمن الذي يريدون من ايران ان تدفعه لهم مقابل المصالحة معها، اي التخلي عن النظام السوري هو ثمن باهظ جدا من المستحيل ان تقبله، اي اسقاط النظام السوري في دمشق لسبب بسيط ان هذا النظام يواجه هذه الحرب وكل ما يترتب عليها من دمار وخراب وسفك دماء لانه رفض كل العروض والمغريات العربية للتخلي عن تحالفه مع طهران!

المصدر : رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة