دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كما كان متوقعًا ومنتظرًا، أطل السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار، ليعيد للانتصار اللبناني على الاسرائيليين زخمه وقيمته، ويعطي صورة عن المقاومة ضمن رسائل وجهها إلى الداخل والخارج، ولعل أبرزها إعادة تكريس صورة فائض القوة المتحصلة لدى المقاومة منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان وبعدها انتصار تموز في العام 2006، وتأكيد على قوة الردع التي تحصّلت للبنان من خلال حديثه عن التحرشات الاسرائيلية التي ازدادت وتيرتها في الاشهر الاخيرة، مؤكدًا أن هذه التحرشات ليست دليل قوة كما يخيل للبعض بل انها دليل خوف عند الاسرائيلي، امتد من الساسة الى الجنود والجبهة الداخلية، داعيًا الجنوبيين الى "البناء وعدم الخوف، فاسرائيل الاسطورة أضحت حكاية من الماضي يتسلى بها الأطفال، ولا نريد إستعجال الامور إنما إذا وصلت الامور الى نقطة تستدعي تدخل المقاومة، فالمقاومة لن تسكت على أي تجاوز أو إعتداء على أي من أهلها على طول الحدود".
هكذا إذًا، وبحسب خطاب السيد نصرالله، ولأول مرة منذ انتصار تموز، يبدو أن معادلة "اسرائيل- المقاومة اللبنانية" انتقلت من حالة التفوق الهجومي الاسرائيلي، مرورًا بالتوازن الردعي بين الاثنين، الى الخوف الاسرائيلي من المقاومة.
إن هذا التحوّل في المعادلات، ليس أمرًا بسيطًا، فقبل عام 2006، أي في المرحلة الاولى، كانت إسرائيل تملك قرارين أساسيين: قرار الدخول في الحرب وقرار الخروج منها وإنهائها ساعة تشاء، وبالشكل الذي تريد. لقد شكّل التفوق العسكري الاسرائيلي عاملاً مساندًا لها في الهيمنة في المنطقة، حيث استمرت اسرائيل في الاقتناع بأنه يكفي قرار اسرائيلي بالنزهة الى لبنان، حتى تصل قوات الجيش الاسرائيلي الى حدود الليطاني. وفي تلك المرحلة بالذات، كانت إسرائيل، وبمجرد التهويل بالحرب، تتدخل في قرارات عربية كبرى وتصيغها لصالحها وتخلق في ذهن العرب أن كلفة الاستسلام أخفّ من كلفة الحرب، فتدفعهم الى الانهيار الادراكي الذي يسبق الانهيار العسكري الفعلي، فتحقق بالتهويل ما تريد تحقيقه بالحرب وبكلفة أقل.
أما في المرحلة الثانية، أي مرحلة التوازن الردعي بين الاثنين، التي فرضها الانتصار في حرب تموز، فقد أثبتت النتائج أن قراراً واحداً فقط كان بيد إسرائيل، وهو قرار الدخول في الحرب، لكن قرار الخروج منها وبأي ثمن وبأي خسائر فقد فقدته إسرائيل لأول مرة في تاريخها، ولم تستعده لغاية الآن. كما فقدت اسرائيل، في هذه المرحلة، القدرة على أخذ "الحرب إلى أرض العدو"، وأن يعيش الشعب الاسرائيلي بمأمن بينما تئن الشعوب العربية تحت ضربات الجيش الاسرائيلي القاتلة. لكن التجربة التي فرضتها حرب تموز، وقدرة المقاومة على قصف العمق الإسرائيلي خلال الحرب، وبعدها فرض معادلة ردعية دقيقة جدًا أي عاصمة مقابل عاصمة، ومدينة مقابل مدينة.. جعل إسرائيل تفقد معياراً أساسياً من معايير القوة والنفوذ المعتمدة في العلاقات الدولية، وهي القدرة على التأثير على قرارات الغير، من خلال التهديد والتهويل بالحرب، التي تعني أن يقوم العدو بما تريده أن يقوم به، أو يمتنع عن القيام بما لا تريده أن يفعله، وذلك من دون أن تضطر إلى الحرب. وهكذا باتت اسرائيل تتمنى الحرب وتخشاها في نفس الوقت.
أما المرحلة الثالثة والتي أعلن عنها السيد نصرالله في خطابه الأخير، فهي انقلاب موازين الردع لأول مرة، بما يعني أن ميزان الردع المتوازي بات مختلاً لصالح المقاومة في لبنان، التي امتلكت من الخبرة القتالية ما يجعل الاسرائيلي يخاف من "حفيف الشجر، وضربات المعاول..." على الجزء اللبناني من الحدود كما قال الأمين العام لحزب الله. وهكذا، قد يكون هذا الخوف الاسرائيلي، مردّه الى أمور عدّة منها ما يلي:
- تجربة المقاومة في قتال التكفيريين في سوريا، وقد اعلنت التقارير الاسرائيلية في وقت سابق أن هذه التجربة تدرّب حزب الله على احتلال الجليل، بل أكثر من ذلك.
- تجارب اسرائيل خلال الأشهر المنصرمة في اختراق الحدود اللبنانية، وتصدّي المقاومة لها بطريقة احترافية جدًا فاجئت الاسرائيليين وأشعرتهم بأن عدوهم خلف الحدود، بات عدوًا محترفًا جدًا.
- وقد يكون لا هذا ولا ذاك، إنما هناك أمور عسكرية استخبارية غير معلنة، يعرف معها الاسرائيلي أن حزب الله قد تحوّل الى "قوة مخيفة" في المنطقة.
وبكل الأحوال، وبغض النظر عن الأسباب، فإن تحوّل المقاومة الى "قوة مخيفة" لاسرائيل، يريح اللبنانيين المتوجهين الى معارك لحفظ حقهم في نفطهم وحدودهم البحرية التي تحاول اسرائيل الاستيلاء عليها، بعد طمعها التاريخي في حدودهم البرية ومياههم.
المصدر :
الماسة السورية/ ليلى نقولا الرحباني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة