لا مصلحة إسرائيلية في التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية. لا يعود ذلك، فقط، إلى أن ثمن التدخل باهظ، أو إلى أنها قاصرة عن صوغ واقع ميداني آخر يصب في مصلحتها، بل أيضاً لأن الاختيار بين «الأسوأ والأكثر سوءاً»، ليس استحقاقاً داهماً، طالما أن الحرب مستمرة، لكن ماذا عن موقف تل أبيب في حال اقتراب النظام أو المعارضة من الحسم والانتصار؟ الإجابة تستلزم توضيح موقف إسرائيل الفعلي من المتحاربين، والمفترض أن يبنى على نوع التهديدين ومستوياتهما.

منذ بدء الأزمة في سوريا، هلّلت إسرائيل لفكرة سقوط النظام بوصفه نصراً استراتيجياً على أعدائها، ومن شأنه أن يحول سوريا إلى دولة شبيهة بـ«دول الاعتدال العربي» غير المعادية فعلياً لإسرائيل، ويسلخ دمشق عن محورها التقليدي إلى جانب طهران وحزب الله، إلا أن فشل مشروع قلب النظام وتشظّي المعارضة إلى معارضات، مع غلبة تنظيمات «القاعدة» عليها، دفعت جميعها تل أبيب إلى مقاربة جديدة، تستند أساساً إلى تمتين الموقف الدفاعي على الحدود الشمالية في الجولان، في حال انتصار المعارضة أو قربها من الحدود، وفي الوقت نفسه التطلع إلى اسقاط النظام، نظراً الى فوائده الاستراتيجية بالنسبة إليها.

وبرغم التصريحات والمواقف الإسرائيلية المتعارضة شكلاً، إلّا أن السقوط المؤمل للرئيس بشار الأسد، يعني لتل ابيب خلو الساحة العربية من أي دولة معادية فعلياً للصهاينة، وكسراً لمحور الأعداء مع الأمل بإضعاف قدرة حزب الله العسكرية جراء ذلك، وهو الجهة الوحيدة التي ستبقى عملياً في مواجهة إسرائيل، إضافة الى منع إيران من التواصل الجغرافي مع هذا المحور، بما يحدّ من تهديدها الاستراتيجي المبني على معان وجودية، علماً أن تل أبيب تقدّر بأن الرئيس الأسد، في مرحلة ما بعد انتصاره، سيكون أكثر التصاقاً بحلفائه وخياراتهم، وهو في حد ذاته تهديد لا يمكن تحمله.

في مقابل ذلك، تنظر تل أبيب إلى التهديد المتشكل من انتصار «القاعدة» وفروعه، كتهديد موضعي ــــ تكتيكي يمكن احتواؤه وصده، إذ إن خطر العمليات على الشريط الشائك ومحاولات التوغل ما وراء الحدود، أو إطلاق صواريخ على المستوطنات، تبقى في متناول القدرات الدفاعية الإسرائيلية، كما أن هذه الجهات، برغم خطابها الإعلامي، لا تضع إسرائيل في سلم أولوياتها، بل إن سيناريو انتصار «القاعدة» أو شبيهاتها في سوريا، لا يعني بالضرورة أن إسرائيل هي الجهة المعنية فقط بمعالجة هذا التهديد. فالحرب ضد هذه القوى لن تكون إسرائيلية بالضرورة، وسيكون الغرب والعرب معنيين أكثر منها بمحاصرة هذا التهديد وضربه.

تصدى لشرح هذه المسألة عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، أحدهم رئيس أركان الجيش السابق غابي اشكنازي، في مقابلة خاصة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» (25/ 02/ 2014)، أكد فيها أن «النتائج الاستراتيجية في حال اطاحة الأسد أكبر بكثير من التهديد الناتج عن مجموعة جهادية أو غيرها. وحتى لو تحولت سوريا دولة تابعة للقاعدة، فإسرائيل تعرف جيداً كيف تتعامل مع المشاكل».

وكان لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الحالي، اللواء عاموس يدلين، شرح تفصيلي لـ «التهديدين»، إذ أكد في مقابلة أجرتها معه القناة الثانية العبرية (19/ 03/ 2014) أنه «بحسب الرؤية لحكومة إسرائيل، فان سوريا من دون الأسد ونظامه أفضل لإسرائيل، سواء حكم هذا البلد من بعده المتمردون العلمانيون السنة، أو حتى جماعات القاعدة. المهم هو قطع الصلة بين إيران وحزب الله، الأمر الذي يعد تغييراً استراتيجياً مهماً جداً في ميزان القوى في الجبهة الشمالية».

وعلى خلفية هذه الشروحات، يمكن فهم التحذير التي أطلقه وزير الحرب، موشيه يعلون، أمام رئيس أركان الجيوش الأميركية، مارتن ديمبسي، (هآرتس 15/ 08/2013)، بأن «من غير المسموح به أن ينتصر محور الشر في هذه المواجهة».

إلى ذلك، من الضروري إيضاح لغط متداول لدى المحللين، عن قصد أو غير قصد، إذ إن إسرائيل تفرّق بالفعل بين المعارضات السورية، ولا تضعها في سلة واحدة، وأي حديث تفضيلي أو مقارنة تجريها بين التهديدات السورية وسيناريوهاتها لا يشمل «المعارضة المعتدلة».

وكما هو الموقف المعلن والفعلي من قبل بعض الدول العربية والغرب، تفرّق تل أبيب بين المعارضة المسلحة التي تسميها«المعتدلة»، والمعارضة المتطرفة المتشكلة من فروع «القاعدة» وأشكالها وتعبيراتها المختلفة. والتهديد الموصّف إسرائيلياً بالتكتيكي والموضعي الذي قد يمثل خطراً ما على الحدود في الجولان، يرتبط بصورة شبه حصرية بانتصار معارضة القاعدة وفروعها.

أما المعارضة الأخرى، التي تتكوّن من «الجيش الحر» ومعارضات شبيهة، إضافة إلى المجالس والائتلافات الموجودة في الخارج، فهي لا تمثل تهديداً، بل على النقيض، تعد فرصة إسرائيلية تعمل تل أبيب على تنميتها وتعاظمها. وهي لا تخفي تأييدها لها، بل وتعلن صراحة عن وجود اتصالات ولقاءات معها، تشمل التنسيق والتشاور والدعم. كان آخرها لقاء رئيس المعارضة في الكنيست، حاييم هرتسوغ، (يديعوت احرونوت 08/05/2014)، وفدا من «مسؤولي المعارضة المعتدلة» في برلين، «من أجل التنسيق والتشاور في أعقاب انسحاب المقاتلين من مدينة حمص»، مع تأكيد الصحيفة أن هذه اللقاءات تجري دورياً في السنوات الأخيرة.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-21
  • 14417
  • من الأرشيف

لهذه الأسباب تخشى إسرائيل انتصار الأسد

لا مصلحة إسرائيلية في التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية. لا يعود ذلك، فقط، إلى أن ثمن التدخل باهظ، أو إلى أنها قاصرة عن صوغ واقع ميداني آخر يصب في مصلحتها، بل أيضاً لأن الاختيار بين «الأسوأ والأكثر سوءاً»، ليس استحقاقاً داهماً، طالما أن الحرب مستمرة، لكن ماذا عن موقف تل أبيب في حال اقتراب النظام أو المعارضة من الحسم والانتصار؟ الإجابة تستلزم توضيح موقف إسرائيل الفعلي من المتحاربين، والمفترض أن يبنى على نوع التهديدين ومستوياتهما. منذ بدء الأزمة في سوريا، هلّلت إسرائيل لفكرة سقوط النظام بوصفه نصراً استراتيجياً على أعدائها، ومن شأنه أن يحول سوريا إلى دولة شبيهة بـ«دول الاعتدال العربي» غير المعادية فعلياً لإسرائيل، ويسلخ دمشق عن محورها التقليدي إلى جانب طهران وحزب الله، إلا أن فشل مشروع قلب النظام وتشظّي المعارضة إلى معارضات، مع غلبة تنظيمات «القاعدة» عليها، دفعت جميعها تل أبيب إلى مقاربة جديدة، تستند أساساً إلى تمتين الموقف الدفاعي على الحدود الشمالية في الجولان، في حال انتصار المعارضة أو قربها من الحدود، وفي الوقت نفسه التطلع إلى اسقاط النظام، نظراً الى فوائده الاستراتيجية بالنسبة إليها. وبرغم التصريحات والمواقف الإسرائيلية المتعارضة شكلاً، إلّا أن السقوط المؤمل للرئيس بشار الأسد، يعني لتل ابيب خلو الساحة العربية من أي دولة معادية فعلياً للصهاينة، وكسراً لمحور الأعداء مع الأمل بإضعاف قدرة حزب الله العسكرية جراء ذلك، وهو الجهة الوحيدة التي ستبقى عملياً في مواجهة إسرائيل، إضافة الى منع إيران من التواصل الجغرافي مع هذا المحور، بما يحدّ من تهديدها الاستراتيجي المبني على معان وجودية، علماً أن تل أبيب تقدّر بأن الرئيس الأسد، في مرحلة ما بعد انتصاره، سيكون أكثر التصاقاً بحلفائه وخياراتهم، وهو في حد ذاته تهديد لا يمكن تحمله. في مقابل ذلك، تنظر تل أبيب إلى التهديد المتشكل من انتصار «القاعدة» وفروعه، كتهديد موضعي ــــ تكتيكي يمكن احتواؤه وصده، إذ إن خطر العمليات على الشريط الشائك ومحاولات التوغل ما وراء الحدود، أو إطلاق صواريخ على المستوطنات، تبقى في متناول القدرات الدفاعية الإسرائيلية، كما أن هذه الجهات، برغم خطابها الإعلامي، لا تضع إسرائيل في سلم أولوياتها، بل إن سيناريو انتصار «القاعدة» أو شبيهاتها في سوريا، لا يعني بالضرورة أن إسرائيل هي الجهة المعنية فقط بمعالجة هذا التهديد. فالحرب ضد هذه القوى لن تكون إسرائيلية بالضرورة، وسيكون الغرب والعرب معنيين أكثر منها بمحاصرة هذا التهديد وضربه. تصدى لشرح هذه المسألة عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، أحدهم رئيس أركان الجيش السابق غابي اشكنازي، في مقابلة خاصة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» (25/ 02/ 2014)، أكد فيها أن «النتائج الاستراتيجية في حال اطاحة الأسد أكبر بكثير من التهديد الناتج عن مجموعة جهادية أو غيرها. وحتى لو تحولت سوريا دولة تابعة للقاعدة، فإسرائيل تعرف جيداً كيف تتعامل مع المشاكل». وكان لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الحالي، اللواء عاموس يدلين، شرح تفصيلي لـ «التهديدين»، إذ أكد في مقابلة أجرتها معه القناة الثانية العبرية (19/ 03/ 2014) أنه «بحسب الرؤية لحكومة إسرائيل، فان سوريا من دون الأسد ونظامه أفضل لإسرائيل، سواء حكم هذا البلد من بعده المتمردون العلمانيون السنة، أو حتى جماعات القاعدة. المهم هو قطع الصلة بين إيران وحزب الله، الأمر الذي يعد تغييراً استراتيجياً مهماً جداً في ميزان القوى في الجبهة الشمالية». وعلى خلفية هذه الشروحات، يمكن فهم التحذير التي أطلقه وزير الحرب، موشيه يعلون، أمام رئيس أركان الجيوش الأميركية، مارتن ديمبسي، (هآرتس 15/ 08/2013)، بأن «من غير المسموح به أن ينتصر محور الشر في هذه المواجهة». إلى ذلك، من الضروري إيضاح لغط متداول لدى المحللين، عن قصد أو غير قصد، إذ إن إسرائيل تفرّق بالفعل بين المعارضات السورية، ولا تضعها في سلة واحدة، وأي حديث تفضيلي أو مقارنة تجريها بين التهديدات السورية وسيناريوهاتها لا يشمل «المعارضة المعتدلة». وكما هو الموقف المعلن والفعلي من قبل بعض الدول العربية والغرب، تفرّق تل أبيب بين المعارضة المسلحة التي تسميها«المعتدلة»، والمعارضة المتطرفة المتشكلة من فروع «القاعدة» وأشكالها وتعبيراتها المختلفة. والتهديد الموصّف إسرائيلياً بالتكتيكي والموضعي الذي قد يمثل خطراً ما على الحدود في الجولان، يرتبط بصورة شبه حصرية بانتصار معارضة القاعدة وفروعها. أما المعارضة الأخرى، التي تتكوّن من «الجيش الحر» ومعارضات شبيهة، إضافة إلى المجالس والائتلافات الموجودة في الخارج، فهي لا تمثل تهديداً، بل على النقيض، تعد فرصة إسرائيلية تعمل تل أبيب على تنميتها وتعاظمها. وهي لا تخفي تأييدها لها، بل وتعلن صراحة عن وجود اتصالات ولقاءات معها، تشمل التنسيق والتشاور والدعم. كان آخرها لقاء رئيس المعارضة في الكنيست، حاييم هرتسوغ، (يديعوت احرونوت 08/05/2014)، وفدا من «مسؤولي المعارضة المعتدلة» في برلين، «من أجل التنسيق والتشاور في أعقاب انسحاب المقاتلين من مدينة حمص»، مع تأكيد الصحيفة أن هذه اللقاءات تجري دورياً في السنوات الأخيرة.

المصدر : الأخبار /يحيى دبوق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة