دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في مشهد يعكس المواجهة بين جبهة العدوان على سورية وسلوكياتها، والرد السوري على هذا العدوان على اكثر من صعيد يستطيع المراقب المتتبع لمسار الحرب الكونية التي شنت على سورية باعتبارها القلعة الوسطى في محور المقاومة، يستطيع المراقب تبين المراحل التي وصلت اليها العمليات الدفاعية في وجه العدوان، وتداعيات فشل المهاجم وعجزه عن تحقيق اهداف عدوانه.
ففي اسبوع واحد سجلت على جبهة العدوان جملة من المواقف تعكس خيبة اصحابها وغيظهم من تلك الخيبة واعترافهم العلني او الضمني قولا او سلوكا بهذه النتائج السلبية لاعمالهم العدوانية.
نبدأ مع اخراج الاخضر الابراهيمي من الحلبة اخراجا بعنوان «قبول استقالة»، وهو في الحقيقة استغناء عن خدمات لعجز في تحقيق المهمة. وهنا نذكر باننا من الايام الاولى لتعيين الابراهيمي خلفا لكوفي انان في ادارة الملف السوري باسم الامم المتحدة، كنا على يقين بأن الشخص لم يأت من اجل سلم وأمن لسورية ولم يأت من اجل المحافظة على الدماء والاموال والسيادة السورية مطلقا، بل ان دوره الحقيقي كان استثمار ســـفك الدم والتدمير الذي يمارسه ارهابيــــــو جبهــــة العـــدوان
من اجل تحقيق الاهداف الاميركية او بكلمة اكثر دقة، جاء الابراهيمي لصرف الجرائم الارهابية في الميدان السوري.
على طاولة التفاوض تحت علم الامم المتحدة الذي يستظل به ايضا علم «جامعة النعاج العربية»، صرفا يؤدي الى نقل سورية من موقعها الاستراتيجي القائمة فيه الى موقع معاكس تكون ملحقة فيه بالسياسة الاميركية، في عملية سياسية تفرض فيها على سورية طبقة من العملاء والجواسيس باسم حكام سورية او سلطة سورية الجديدة.
لكن سورية خيبت امال المخطط المعتدي وثبتت على حقوقها واجهضت المناورات الاحتيالية التي كان اخر فصولها في جنيف 2، وتفلتت من الالغام الاميركية التي زرعت لها وفضحت الابراهيمي في مهمته، الى الحد الذي جعله يدرك بأن السير الموضوعي والمهني في العملية السلمية التفاوضية سيقود الى عكس ما ارادته الجهة التي جاءت به، فسارع الى وقف التفاوض وتعطيل العملية السلمية الدولية، ثم خرج من المشهد ليعلن الفشل والاخفاق في المهمة ويؤكد ثبات سورية ونجاحها في المواجهة.
ونأتي بعده الى الموقف السعودي، الذي نشهد فيه تداعيات وتغييرات دراماتيكية شكل الميدان السوري السبب الرئيسي في احداثها، فمنذ اكثر من عام ونيف استلمت السعودية ملف العدوان على سورية من اليد القطرية التركية باشراف اميركي مباشر، وعهدت بالملف الثلاثي سعود الفيصل – بندربن سلطان – سلمان بن سلطان، الذين توزعوا الادوار السياسية والامنية والعسكرية، وتعهدوا لأميركا بأن يحققوا اهدافها في سورية في بضعة اشهر ليقدموا للإبراهيمي ميداناً سورياً ذي ارجحية ارهابية تمكنه من صرفها في السياسة والتفاوض.
ومرت الايام والاسابيع والشهور حتى استهلك العام بكامله، واستهلكت معه قدرات المسلحين والارهابيين ولم تنفع صرخات سعود الفيصل الخارجية ولا جولات بندر بن سلطان المخابراتية ولا ادارة سلمان بن سلطان لغرفة عمليات الاردن، كلها لم تنجح في وقف تقدم الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة، تقدم بدأ في القصير وبخط تصاعدي تراكمت عليه الانجازات السورية المنفذة وفقاً لاستراتيجية وخطط محكمة حققت الانتصارات الباهرة واستعادت الى حضن الدولة اهم المناطق ثقلاً استراتيجياً، ورسمت مشهداً للميدان لا يحتمل الالتباس في التفسير ويؤكد ان العدوان على سورية فشل استراتيجياً، ويترنح عملانياً، ويبقى ان يتابع امنيا وعسكريا خاصة بعد ان انقلب العدوان من حرب التغيير الى حرب الاستنزاف معترفا بفشله في الاولى.
هذه النتائج استدعت تطاير رؤوس المسؤولين عن الفشل اذ بعد اخراج الحمدين القطريين، اخرج الاخوين السعوديين (بندر وسلمان )ويترنح الان سعود الفيصل الذي يستعد للاستغناء عن خدماته في عملية اعادة تركيب وتوزيع السلطة في السعودية يقصى بموجبها كل من كان من فريق التخطيط وتنفيذ العدوان على سورية ليؤتى بمن هو اكثر قدرة على تنفيذ استراتيجية الانفتاح وتحديد الخسائر وانقاذ ما تبقى من جزئيات الفضاء السعودي الاستراتيجي الحيوي فيه المنطقة، في عملية انفتاح على ايران وتشارك في لبنان ومحاولة تلمس فتات في العراق وحلم محدود في سورية.
اما الجامعة التي كانت مسماة عربية قبل خروج سورية منها، ورغم انها لا تستحق منا الذكر او البحث في مواقفها لانعدام وزنها اصلا، فاننا لا نجد ضيراً في الالتفات السريع الى امينها العام الذي قاد حملة الهجوم على سورية من موقعه ذاك واستمات في استصدار قرار من مجلس الامن تحت الفصل السابع ليجيز للناتو التدخل العسكري في سورية لتدميرها كما دمرت ليبيا بطلب من تلك الجامعة نفسها، نلتفت اليه وهو يعترف صراحة اليوم بأن جامعته فشلت في خططها وفشلت في مهمتها وفشلت في تحقيق التغيير الذي يريده الاستعمار الذي يتخذها اداة لتحقيق اغراضه في دنيا العرب.و ان اعترافه اليوم جاء ليتكامل مع مشهد من ذكرنا وهم يتخبطون في خيباتهم وتتدحرج رؤوسهم والمناصب وتثبت سورية في مواقع عزتها وكرامتها واستقلالها.
اما الاهم في المشهد فهو ما ظهر من مواقف في اروقة الغرب من اوروبا الى اميركا حيث كانت جولات ولقاءات ومؤتمرات للتآمر على سورية، تمخض عنها ما يفيد بان الغرب بات مذعورا من الانجازات السورية المتعددة الطبائع والاتجاهات والتي تؤدي الى القول انها افشلت العدوان وانها ماضية في طريقها لا يثنيها تهديد او وعيد. وان اغلاق مكاتبها القنصلية في اميركا واعطاء الصفة الدبلوماسية لمكاتب الارهابيين ممن يسمون ائتلافاً سورياً للمعارضة، امر لن تهتز له سورية اذ لا قيمة قانونية له ولن يصرف في اي مجال، كماً ان التلويح بزيادة تسليح الارهابيين او تطويره نوعاً وكماً ليس بالامرالجديد وهو لم يحقق في الماضي اهدافه وظروفه اليوم اصعب، وان منع السوريين من الانتخاب في اوروبا لن يوقف الانتخابات الرئاسية ولن يغير شيئا في المشهد بل انه شهادة ضمنية اضافية على خشية الغرب من صناديق الاقتراع السورية حتى ولو فتحت في اوروبا نفسها، وان التهديد برفض نتائج العملية الانتخابية لن يقدم او يؤخر والكل يعلم ان الغرب ومنذ بداية الازمة اعتدى على سورية مدعيا سقوط شرعية رئيسها ولكن اعلانه لم يؤثر في سورية التي استمر رئيسها في موقعه يقود الدولة ويتابع تساقط من اعتدى على بلاده.
لقد ردت سورية على تلك المواقف والمناورات العدوانية المتعددة الاشكال، بالطريقة التي تحقق اهداف حربها الدفاعية، وعلى اتجاهين رئيسيين:
- الاول ميداني: حيث تتراكم الانجازات السورية المهمة التي بدأت منذ سنة وغيرت اتجاه المشهد، فبعد القلمون وحمص والغوطة، كانت في الساعات الاخيرة المواجهات في جبهة الجنوب بين درعا والقنيطرة مواجهات ادت الى استعادة السيطرة على اكثر من موقع وقاعدة واسقطت الحلم الاسرائيلي باقامة الحزام الامني في الجولان، وتشكيل جيش العملاء فيه، كما انها منعت الارهابيين من تحقيق اتصال بين درعا والقنيطرة وجعلت الجبهة الجنوبية محكومة بالقرار والسيطرة السورية بما يخرج هذه الجبهة من دائرة الخطر والتهديد ويلحقها بما سبقها من جبهات باتت مرتكزا للأمن السوري، انجاز يعززه تناحر الارهابيين واقتتالهم واهدار بعضهم دم البعض الاخر كما حصل بالامس بين ما يسمى جبهة النصرة وداعش وجيش الارهاب الحر.
- الثاني سياسي- قانوني: ويعمل به حثيثا عبر استراتيجية مزدوجة المسارات، مسار لمصالحات تطفئ النار وتقلص مساحات المواجهة والخسارة في حرب الاستنزاف وتستعيد الى حضن الوطن من ضل عن سبيله واقتنع بان عليه العودة، ومسار اخر وهو الاهم الان ويتمثل في الاعداد للانتخابات الرئاسية التي يستعد الشعب السوري وفي كل اماكن وجوده في الداخل والخارج (باستثناء من منعه الارهابيون في الرقة والمستعمرون في الغرب) للمشاركة فيها، انطلاقا من كونها انتخابات لحرية البلاد واستقلالها وكرامتها وقرارها المستقل قبل ان تكون انتخابات لاختيار رئيس الدولة.
ان انتخابات الرئاسة القادمة هي بحق ضرب من ضروب الدفاع عن سورية حيث يتاح للشعب السوري عبرها ان يقول للغرب الاستعماري « نحن السوريون الاحرار نختار رئيسنا ونؤكد هويتنا وفقا لما نريد ولا يمكن لأي قوة في العالم ان تفرض علينا غير ما نريد او تصادر منا القرار». قول يؤكد ان الشعب السوري يمنح الشرعية لمن يختار، ولا شرعية تأتي او تسقط من خارج الحدود.
المصدر :
الثورة /د. أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة