لعب كلّ من الأردن والسعودية دوراً خطيراً في تصدير الجماعات التكفيرية المتطرفة إلى سورية وتشجيعها على القتال هناك. الأردن فتح حدوده لتلك الجماعات، سواء الأردنية أو العربية أو الأجنبية. والسعودية لعبت دوراً مماثلاً ولم تقم بأي جهد لعرقلة تدفق هؤلاء إلى سورية، إلاّ منذ أسابيع قليلة عندما اتخذت قرارات تجرّم العمل داخل سورية، واتخذت سلسلة من العقوبات ضد الذين قاتلوا في سورية وعادوا إلى بلادهم.

وكانت هناك حسابات دفعت هذين البلدين إلى إرسال الإرهابيين إلى سورية، غير تلك المرتبطة بعلاقات هذين البلدين بالولايات المتحدة والدول الغربية، وتشجيع واشنطن لهما على المساعدة في تجنيد الإرهابيين وإرسالهم إلى سورية أو تسهيل وصولهم إليها سعياً إلى زعزعة الاستقرار واستنـزاف الدولة السورية والعمل على إسقاطها، ومن أبرز تلك الحسابات الرغبة في التخلص من الجماعات المتطرّفة، أو العمل على استرضائها، وفي هذا السياق يقول توماس هيغ هامر مؤلف كتاب «الجهاد في السعودية… قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» إن الحكومة السعودية رأت في تشجيع بعض الشباب السعودي للقتال في دول أخرى أنه «لصرف بعض التذمر المحلي بعيداً عنها». بل إن أسامة بن لادن نفسه تحدث عن هذا الدافع لدى حكام السعودية في تشجيع الشباب السعودي للقتال في مناطق محددة في العالم، ففي بيان صدر عنه عام 1995 قال حرفياً: «الملك يقصد الملك السعودي يسعى إلى الهرب من الحقائق الداخلية بصرف الانتباه بعيداً عن مشاكله وتركيزه على المشاكل الدائرة في الخارج. إنه يصرف الانتباه، ويدغدغ مشاعر الأمة برفع شعار دعم البوسنة والهرسك».

السياسة عينها اتبعها الأردن الذي سهل تدفق مئات المتطرفين الأردنيين إلى سورية للقتال ضد الجيش العربي السوري، وكان يتنصل من مسؤولية ضبط الحدود بالقول إنها حدود طويلة يصعب ضبطها، علماً أن الحدود المشتركة بين سورية والأردن لا تمثل سوى 20 في المئة بالمقارنة بالحدود بين الأردن والضفة الغربية حيث ينتشر جيش الاحتلال «الإسرائيلي». وتمكن الأردن من ضبط تسلل الفدائيين الفلسطينيين لمقاتلة الاحتلال. وأكثر من ذلك، عندما بدأ الإرهابيون مرحلة الإياب إلى الأردنيون تمكن الأردن من اكتشاف جميع محاولات التسلل والتصدّي لها، إلى حد استخدام الطيران الحربي، الأمر وهذا يؤكد قدرته على ضبط الحدود، إذا شاء، لكنه كان في السابق يسهل تدفق المتطرفين الأردنيين إلى سورية محاولاً استرضائهم أو التخلص منهم، مراهناً على مقتلهم في سورية.

برهنت الأيام عن قصر نظر هذه السياسة المعتمدة من قبل الحكومتين السعودية والأردنية، فالخطر الإرهابي اليوم يتهدد هاتين الدولتين، ولم يكن في ذلك مفاجأة في ضوء تجارب سابقة، خاصة تجربتي العراق وأفغانستان، ومنها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي إف بي آي جيمس كومي يتوقع «خروج المقاتلين في مرحلة ما من سورية» ليعودوا ويكرروا تجربة الأفغان العرب، ويقارن «النـزاع في سورية بالحرب في أفغانستان في ثمانينات القرن الفائت وتسعيناته عندما شكل المجاهدون بعد ذلك تنظيم القاعدة وأعلنوا الحرب على الولايات المتحدة، ما أدى لاحقاً إلى اعتداءات 11 أيلول 2001 »، يقول كومي: «نتذكر جميعاً الخط الذي سارت عليه الأمور في أفغانستان في الثمانينات والتسعينات إلى 11 أيلول ونلاحظ النمط ذاته في سورية لكنّه أسوأ بكثير» وهذا «الأسوأ بكثير» هو الذي يرتد اليوم ليس على الأمريكيين الذين كرروا خطأ أفغانستان في سورية فحسب، بل على السعودية والأردن اللذين لم تدفعهما هجمات التسعينات ومرحلة ما بعد احتلال العراق إلى استخلاص العبر والدروس وسارا في ركب الولايات المتحدة مراهنين على أنهما سوف يتخلصان من خطر الجماعات المتطرفة عندما بتسهيل خروجها إلى سورية، ونسيا أو تناسيا أن هذه المجموعات ستكون أكثر تطرفاً وستحصل على التدريب اللازم والمال الكافي والأسلحة الفتاكة لتعود فتستخدمها، آجلاً أو عاجلاً، ضد نظامي بلاديهما، وبدت ملامح هذا التطور تلوح في الأفق في ضوء التهديدات التي توعّد بها مقاتلون سعوديون في سورية الأسرة السعودية الحاكمة، وعودة مقاتلين أردنيين إلى بلادهم وتمركزهم في بعض المناطق، وبينها مدينة معان على سبيل المثال، واستعدادهم لخوض صراع مسلح ضد حكومتهم.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-17
  • 13400
  • من الأرشيف

السعودية والأردن… سياسة قصر النظر في سورية

لعب كلّ من الأردن والسعودية دوراً خطيراً في تصدير الجماعات التكفيرية المتطرفة إلى سورية وتشجيعها على القتال هناك. الأردن فتح حدوده لتلك الجماعات، سواء الأردنية أو العربية أو الأجنبية. والسعودية لعبت دوراً مماثلاً ولم تقم بأي جهد لعرقلة تدفق هؤلاء إلى سورية، إلاّ منذ أسابيع قليلة عندما اتخذت قرارات تجرّم العمل داخل سورية، واتخذت سلسلة من العقوبات ضد الذين قاتلوا في سورية وعادوا إلى بلادهم. وكانت هناك حسابات دفعت هذين البلدين إلى إرسال الإرهابيين إلى سورية، غير تلك المرتبطة بعلاقات هذين البلدين بالولايات المتحدة والدول الغربية، وتشجيع واشنطن لهما على المساعدة في تجنيد الإرهابيين وإرسالهم إلى سورية أو تسهيل وصولهم إليها سعياً إلى زعزعة الاستقرار واستنـزاف الدولة السورية والعمل على إسقاطها، ومن أبرز تلك الحسابات الرغبة في التخلص من الجماعات المتطرّفة، أو العمل على استرضائها، وفي هذا السياق يقول توماس هيغ هامر مؤلف كتاب «الجهاد في السعودية… قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» إن الحكومة السعودية رأت في تشجيع بعض الشباب السعودي للقتال في دول أخرى أنه «لصرف بعض التذمر المحلي بعيداً عنها». بل إن أسامة بن لادن نفسه تحدث عن هذا الدافع لدى حكام السعودية في تشجيع الشباب السعودي للقتال في مناطق محددة في العالم، ففي بيان صدر عنه عام 1995 قال حرفياً: «الملك يقصد الملك السعودي يسعى إلى الهرب من الحقائق الداخلية بصرف الانتباه بعيداً عن مشاكله وتركيزه على المشاكل الدائرة في الخارج. إنه يصرف الانتباه، ويدغدغ مشاعر الأمة برفع شعار دعم البوسنة والهرسك». السياسة عينها اتبعها الأردن الذي سهل تدفق مئات المتطرفين الأردنيين إلى سورية للقتال ضد الجيش العربي السوري، وكان يتنصل من مسؤولية ضبط الحدود بالقول إنها حدود طويلة يصعب ضبطها، علماً أن الحدود المشتركة بين سورية والأردن لا تمثل سوى 20 في المئة بالمقارنة بالحدود بين الأردن والضفة الغربية حيث ينتشر جيش الاحتلال «الإسرائيلي». وتمكن الأردن من ضبط تسلل الفدائيين الفلسطينيين لمقاتلة الاحتلال. وأكثر من ذلك، عندما بدأ الإرهابيون مرحلة الإياب إلى الأردنيون تمكن الأردن من اكتشاف جميع محاولات التسلل والتصدّي لها، إلى حد استخدام الطيران الحربي، الأمر وهذا يؤكد قدرته على ضبط الحدود، إذا شاء، لكنه كان في السابق يسهل تدفق المتطرفين الأردنيين إلى سورية محاولاً استرضائهم أو التخلص منهم، مراهناً على مقتلهم في سورية. برهنت الأيام عن قصر نظر هذه السياسة المعتمدة من قبل الحكومتين السعودية والأردنية، فالخطر الإرهابي اليوم يتهدد هاتين الدولتين، ولم يكن في ذلك مفاجأة في ضوء تجارب سابقة، خاصة تجربتي العراق وأفغانستان، ومنها مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي إف بي آي جيمس كومي يتوقع «خروج المقاتلين في مرحلة ما من سورية» ليعودوا ويكرروا تجربة الأفغان العرب، ويقارن «النـزاع في سورية بالحرب في أفغانستان في ثمانينات القرن الفائت وتسعيناته عندما شكل المجاهدون بعد ذلك تنظيم القاعدة وأعلنوا الحرب على الولايات المتحدة، ما أدى لاحقاً إلى اعتداءات 11 أيلول 2001 »، يقول كومي: «نتذكر جميعاً الخط الذي سارت عليه الأمور في أفغانستان في الثمانينات والتسعينات إلى 11 أيلول ونلاحظ النمط ذاته في سورية لكنّه أسوأ بكثير» وهذا «الأسوأ بكثير» هو الذي يرتد اليوم ليس على الأمريكيين الذين كرروا خطأ أفغانستان في سورية فحسب، بل على السعودية والأردن اللذين لم تدفعهما هجمات التسعينات ومرحلة ما بعد احتلال العراق إلى استخلاص العبر والدروس وسارا في ركب الولايات المتحدة مراهنين على أنهما سوف يتخلصان من خطر الجماعات المتطرفة عندما بتسهيل خروجها إلى سورية، ونسيا أو تناسيا أن هذه المجموعات ستكون أكثر تطرفاً وستحصل على التدريب اللازم والمال الكافي والأسلحة الفتاكة لتعود فتستخدمها، آجلاً أو عاجلاً، ضد نظامي بلاديهما، وبدت ملامح هذا التطور تلوح في الأفق في ضوء التهديدات التي توعّد بها مقاتلون سعوديون في سورية الأسرة السعودية الحاكمة، وعودة مقاتلين أردنيين إلى بلادهم وتمركزهم في بعض المناطق، وبينها مدينة معان على سبيل المثال، واستعدادهم لخوض صراع مسلح ضد حكومتهم.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة