دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في ضوء سلسلة هزائم المعارضة السورية المسلحة في مواطن قوتها المركزية،يبدو أن ثمة توجه لدى داعميها لتنشيط الجبهة الجنوبية لسوريا بعد استكمال الاستعدادات اللوجستية والتدريبات التي جرت على الأراضي الاردنية بإشراف القوات الخاصة الأميركية وحلفائها الغربيين.
تردد على ألسنة بعض “قادة” المعارضة السورية قولهم “ليوقف الرئيس بشار الأسد عملية الانتخابات (الرئاسية)، وستتوقف الهجمات من الشمال إلى الجنوب”، في أقوى إشارة إلى أن قرار إدارة المعارك المتواصلة في حلب وكسب في الشمال إلى بعض مناطق غوطة دمشق يرتبط مباشرة بقوى اقليمية ودولية، عززها لقاء لندن نهاية الأسبوع الجاري “لأصدقاء سوريا” الذي “دان عقد الانتخابات الرئاسية” خشية على ما يبدو لما ستفرزه عملية حرية اختيار المواطن العربي في سوريا من نتائج “تزعج” الداعمين الدوليين والإقليميين لمسلحي المعارضة، خاصة بعد سلسلة هزائم تكبدوها على أيدي القوات المسلحة والقوى الشعبية في حمص، التي أعدوها لتصبح “عاصمة الثورة،” ولفظتهم بقوة. وإصرار أهلها الذين عادوا إلى أطلال منازلهم المدمرة بتصميم على إعادة البناء.
تجدر الإشارة إلى تراكم مستويات الغضب من قبل الداعمين والممولين الإقليميين والدوليين للمعارضة المسلحة بعد نجاح سلسلة المصالحات الوطنية وتسليم المسلحين أسلحتهم للدولة السورية، ليس في حمص وريف دمشق فحسب، بل في “بلدة جاسم” المطلة جنوباً على تلال مدينة درعا مما أدى إلى خروج “حوالى 2000 عنصر مسلح يتبعون جبهة النصرة والجيش الحر .. وتسوية وضع كل من يسلم نفسه خلال 48 ساعة، إلا إذا كان مطلوباً بجرم أو جناية” للدولة السورية.
الممولون الخليجيون سبق وأن أصدروا تهديدات لمقاتلي المعارضة، نيسان/ أبريل الماضي، تتوعد بمعاقبة قادة المعارضة العسكريين بالقتل والاغتيال إن لجأوا الى عقد تسوية مع الجيش العربي السوري.
تردد منذ مطلع العام الجاري أن “وزارة الخارجية الأميركية أبلغت معارضين سوريين في باريس أن قراراً سعودياً – أميركياً مشتركاً قد اتخذ بفتح الجبهة الجنوبية مجدداً بتنسيق سعودي – أردني – أميركي بعد زيارة العاهل الأردني لواشنطن وقبيل توجه الرئيس أوباما إلى الرياض في 22 آذار الماضي، وصفت بأنها “المعركة الأخيرة للسعودية للسيطرة على دمشق”.
سبق الإعلان المذكور توفير “إسرائيل” تسهيلات لوجستية وقتالية من مرابضها ومحطاتها المقامة على جبل الشيخ لقوات المعارضة لا سيما بالتشويش الإلكتروني على اتصالات وحدات الجيش السوري. ومذاك تتالت “التسهيلات العسكرية والميدانية الإسرائيلية” لاحتضان وتوجيه ودعم تسليحي ومعالجة المصابين من مسلحي المعارضة في مشافي فلسطين المحتلة برفقة حملة دعائية واسعة.
طبيعة المخطط “الإسرائيلي” أوجزه الباحث في “معهد واشنطن،” معقل اللوبي ليهود أميركا، إيهود يعاري، بالقول “اعتقدت دوماً أن مفتاح الحل للأزمة سيكون في القطاع الجنوبي (من سوريا) ويبدو أنه يميل بذلك الاتجاه. النظر إلى طبيعة انتشار تشكيلات الجيش السوري وحلفائه مثل حزب الله
(في المنطقة) يقودنا للقول إن جبهة قد انفتحت على مصراعيها في الجنوب”. الجبهة المقصودة تمتد على طول الحدود السورية مع الأردن وفلسطين المحتلة، ولعلها أبلغ أهمية من الجبهات الأخرى، بعد استنزاف مجاميع المسلحين الدوليين وهزيمتهم وتكبدهم خسائر بشرية كبيرة في غوطة دمشق والقصير وحمص وكسب وحلب.
أهمية الجبهة الجنوبية لسوريا نابعة أيضاً من عدة اعتبارات، أبرزها أنها طريق الإمداد الرئيس الآمن لكافة سبل الدعم العسكرية والتمويلية والتسليحية وممر عبور للمقاتلين بالنسبة للمملكة السعودية ودول الخليج الأخرى المنخرطة في مؤامرة تدمير الدولة السورية. ثانياً، أنها تشكل قاعدة لمعسكرات تدريب تشرف عليها القوات الخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية، إنطلاقاً من الأراضي الأردنية.
أيضاً، أهميتها لتباين السيطرة والنفوذ للحكومة الأردنية على الشريط الحدودي مقارنة مع الجبهة الشمالية المسيطرة عليها من تركيا “الحرية والعدالة” والتي تعتبرها منطقة امتداد لعمقها وسيطرتها الاستراتيجية على الإقليم. العامل الأبرز هو الدور “الإسرائيلي” الطامح في عزل جبهة الجولان وإبقائها تحت السيطرة التامة للكيان الصهيوني، عبر توسيع نطاق شريط حدودي آمن على غرار جنوب لبنان قبل تحريره في 25 أيار 2000.
لبلوغ الهدف المعلن، كثفت القوى الداعمة من جهودها بغية شن قوى المعارضة المسلحة هجمات متعددة مصدرها هضبة الجولان وتدمير مرابض الجيش السوري، وإنشاء شريط عبور آمن يمتد من أراضي الهضبة المحتلة إلى منطقة مدينة القنيطرة المحررة وطرق مواصلاتها التي لا تزال في قبضة الجيش السوري.
الهجوم المدعوم “إسرائيلياً” استهدف اللوائين المدرعين 61 و91 التابعين للفرقة العاشرة السورية، المرابضين على هضبة الجولان، إذ لا تنسى “إسرائيل” الهزيمة الماحقة التي تعرضت لها فرقتها 90 المدرعة في 10 حزيران 1982 على أيدي اللواء السوري 91 المدرع في معركة السلطان يعقوب الشهيرة التي دامت ساعات ستة تكبدت “اسرائيل” خسارة 8 دبابات وحوالى 30 قتيلاً “وفشلت في تدمير دباباتها المعطلة في أرض المعركة، من طراز أم-48 ايه 3،” والتي لا تزال تعرض إحداها في متحف بانوراما حرب تشرين في دمشق. اللافت أيضاً أن “إسرائيل” فقدت 3 جنود لم يعرف مصيرهم لليوم، أحدهم “إسرائيلي-أميركي” زخاري بوميل، ويهودا كاتس وتسفي فيلدمان، والذين أسرتهم القوات السورية وطافت بهم في شوارع دمشق محمولين على ظهر دباباتهم التي تم الاستيلاء عليها.
لعل هذا ما يفسر شراسة الإشراف والدعم “الاسرائيلي” للهجوم على القوات السورية المذكورة، في تل الجابية والتل الأحمر، التي تراجعت قدرتها القتالية بشكل ملحوظ حسبما أفادت الانباء الصحافية؛ بينما حافظت الفرقة السورية الثالثة على تماسكها وسيطرتها على الجزء الشمالي من مدينة درعا، ويسيطر المسلحون على مناطق أخرى من المدينة.
البعد الأردني في معركة درعا
القوى الغربية المشرفة والمسيرة للقتال لأجل تدمير الدولة السورية، الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأدواتها الإقليمية من المملكتين السعودية والأردنية وتركيا وقطر، رعت منذ زمن فلول المنشقين عن الجيش السوري وفتحت لهم معسكرات تأهيل وتدريب في الأراضي الأردنية بإدارة وإشراف القوات الخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية. واتساقاً مع خصخصة الحكومة الأميركية لبعض مهام التدخل العسكري، تم رصد عدد من قوات المرتزقة الأميركية المنخرطة تحت لواء “شركة بلاكووتر – أو “أكاديمي” التعريف الذي اختارته بعد انفضاح دورها في العراق والإمارات المتحدة إمعاناً في تضليل حقيقة دورها – في مراكز ومعسكرات التدريب الأردنية.
برامج التدريب “استثنت” للحظة الصواريخ المضادة للطيران المتطورة، من طراز ستينغر، وشملت أسلحة رشاشة روسية: كلاشنيكوف بطبعتيه “ايه كي 47 والاحدث 74″، وقذائف صاروخية “آر بي جيه”، والرشاشات الروسية المضادة للدروع من “عيار 14.5 ملم”، وكذلك قذائف مضادة للطيران من “عيار 23 ملم”. اختيار الأسلحة روسية الصنع تم نظراً لتوفرها بوفرة في مخازن الجيش الليبي بعد اغتيال الزعيم معمر القذافي واحتلال ليبيا، وكذلك طمعاً في الاستيلاء على بعضها من مخازن الجيش السوري، إضافة لتلك التي تسيطر عليها وكالة الاستخبارات المركزية وقامت بالإشراف على شحنها من ليبيا إلى سوريا مروراً بالأراضي التركية والأردنية سوياً.
تمتد فترة التدريب نحو أسبوعين من الزمن لعناصر لا يتعدى تعدادها 40 فرداً لكل دورة.
من المرجح أن القوى الداعمة للعناصر المسلحة أقدمت على تزويدها ببعض القذائف الصاروخية المحمولة روسية الصنع، من طراز “ستريلا-2 أو سام-7″، والتي تمثل الجيل الأول من الصواريخ الروسية المحمولة المضادة للطائرات إذ دخلت الخدمة الميدانية عام 1968؛ واستخدمت بكثافة من قبل الجيش السوري في لبنان ضد الاجتياحات “الإسرائيلية” المتعددة، ويعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية سيطرت على مخزون كبير منها من الترسانة الليبية. بينما أحجمت تلك القوى الداعمة عن توفير أسلحة متطورة أميركية الصنع يطالب بها المسلحون السوريون للشروط الأميركية المقيدة على تسليمها لطرف ثالث.
كثفت وكالة الاستخبارات المركزية جهودها لعقود عدة للاحتفاظ بترسانة أسلحة سوفياتية وروسية الصنع بغية توفيرها للقوى المضادة للثورة والمؤيدة للمشاريع الأميركية في بلادها. الأمر الذي وفر لها “ذريعة” لنفي دورها في الصراعات الدموية التي أشرفت عليها، لا سيما في تسليحها للقوى الأفغانية ضد الإتحاد السوفياتي في عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ ودعم قوى الانفصال في جنوب السودان ومناطق أخرى من الوطن العربي وأميركا الوسطى العالم.
العدوان الغربي واحتلاله لليبيا وفر مخزوناً هائلاً من الأسلحة السوفياتية الروسية للوكالة بشكل رئيس، فضلاً عما سيطرت عليه من ترسانة بحوزة دول أوروبا الشرقية المنضوية في حلف وارسو سابقاً. يمكننا القول إن الاستراتيجية الأميركية ارتكزت على تجنيد الآخرين لخوض حروبها بأسلحة غير أميركية، بغية الحفاظ على عدم وقوعها بأيدي قوى قد تنقلب عليها كما واجهته في القوى الأفغانية بعد خروج الإتحاد السوفياتي من أفغانستان.
وربما فرضت التطورات الميدانية على الولايات المتحدة إعادة النظر في عدة ساحات بتلك الاستراتيجية يدل عليها مشاهدة موثقة لصواريخ أميركية مضادة للدروع، من طراز “تاو-71″، في أيدي قوى المعارضة المسلحة السورية. معروف أن القوات “السعودية” اشترت عدداً كبيراً من تلك الصواريخ، بقاذفاتها ورؤوسها المتفجرة، من الولايات المتحدة كجزء من مشترياتها التسليحية الدورية، ومن المرجح أنها وفرتها لقوى المعارضة السورية – بمعرفة الولايات المتحدة، كما تشترط اتفاقية شراء الأسلحة. أيضاً، قوات الاحتلال “الإسرائيلية” تمتلك عدداً لا بأس به من تلك القواذف والرؤوس استخدمتها بكثافة خلال عدوانها على لبنان عام 1982 في معركة استهدفت 11 مدرعة سورية دمرتها يوم 11 تموز 1982؛ كما رصد استخدام السلاح المذكور في العدوان الأميركي والغربي على العراق عام 2003.
أفادت المصادر الأميركية أن قواذف وصواريخ “تاو” سالفة الذكر شوهد استخدامها من قبل “حركة حزم” المرتبطة بالجيش الحر في سوريا تحت إمرة الضابط المنشق سليم إدريس، والمشكلة من الناجين من “كتائب الفاروق” المنحلة. وتجهد المصادر الإعلامية الأميركية إلى التمييز بين تلك المجموعة “المعتدلة” والقوى الأخرى “المتشددة” للدلالة على التزام الإدارة الأميركية بتوفير الدعم للقوى المعتدلة حصراً.
وأوضحت التقارير الميدانية والإعلامية المتابعة للمعارك في الجزء الجنوبي من سوريا أن تلك الأسلحة استخدمت بكثافة ضد المدرعات السورية وحققت إصابات مباشرة أفقدتها بعض الاتزان وحرية الحركة لشن هجمات مضادة.
وأوضحت شبكة “فوكس نيوز” أن تلك الاسلحة سلمت “لحركة حزم” منذ شهر آذار الماضي بعد إضافة أجهزة تتبع ومراقبة متطورة تعمل باستشعار بصمة الأصابع للتعرف على هوية المستخدم قبل توجيه القذيفة. ومن المرجح أن تدخل تلك التقنية في قواذف وصواريخ “ستينغر” للتحقق من هوية مستخدميها والتيقن من عدم وقوعها في أيدي قوى غير مرغوب بها.
الثابت في هذا الصدد أن القرار الاستراتيجي الأميركي اتخذ سلفاً لتصعيد الموقف الميداني واستنزاف الجيش السوري عبر أسلحة أميركية متطورة، وتراجع المراهنة على عقد جولة جديدة لمؤتمر جنيف بغية التوصل لحل سياسي.
يشار أيضاً إلى أن الاستراتيجية الأميركية “المعدلة” إلتزمت تحشيد قوى المعارضة المدربة حديثاً ضمن تشكيلات كبيرة من كتائب وألوية وإدخالها الأراضي السورية خروجاً عن الطور التقليدي بإدخال مجموعات صغيرة مقاتلة. الأمر الذي يؤشر إلى بلورة أهداف أكبر للمعارضة، التي يعتقد أن قوتها تبلغ نحو 20 ألف عنصر، وتمكينها من الاشتباك طويلاً مع وحدات الجيش السوري.
وقد رصد اشتباك تشكيلات كبيرة من هذه القوى مؤخراً في مواجهات على الجبهة الجنوبية لسورية، بانخراط لوجستي وتسليحي “إسرائيلي” مباشر، أسهم في إعاقة سيطرة اللوائين السوريين المدرعين، 61 و91 على هضبة الجولان، بيد أن القوى المعارضة، على الرغم من تراكم الدعم الدولي والإقليمي وتعدده، لا تملك القوى البشرية الكافية المطلوبة لإزاحة سيطرة الجيش السوري عن مدينة القنيطرة ومحيطها.
موضوعياً، تعدد مهام المواجهة والتصدي المفروضة على الدولة السورية أدت إلى نشر قواتها المسلحة على رقعة جغرافية أوسع، فضلاً عن الخسائر البشرية في قواتها، مما ضاعف من بلورة مهام ومستويات مواجهة دفعتها لانخراط قوات الدفاع المدني لمديات أعلى مما ترغب به، وهي الأدنى تدريباً وتسليحاً من القوات النظامية، وبالتالي تنامي اعتمادها على الفرقة المدرعة التاسعة، لحماية المداخل الجنوبية للعاصمة دمشق، والمرابطة في الكسوة وقطنة وكناكر.
العامل “الإسرائيلي”
الأسلحة “الإسرائيلية غير الفتاكة” المتطورة تصل “سراً” وبالعلن إلى أيدي القوى المعارضة بشقيها “السياسي والعسكري”، ليس أدل على ذلك من تصريحات متتالية “لقادة” المعارضة للتبرع بالتخلي عن كامل هضبة الجولان للكيان الصهيوني مقابل مساعدته لهم تسلم السلطة في دمشق – بسذاجة متناهية – لم يدركوا بعد فشل مراهناتهم ومموليهم وداعميهم النيل من الدولة السورية رغم إثخان الوطن بجراح وتشريد وانقسام ودمار، وهو كل ما استطاعوا “إنجازه”.
تبعد القنيطرة نحو كيلو متر واحد من “خط وقف إطلاق النار” الذي تم التوصل إليه بعد حرب تشرين 1973. نظراً لهذه الأهمية الاستثنائية ومرابطة القوات المسلحة السورية فيها وحولها فإن أي جهد لإبعاد شبح السيطرة السورية المركزية تبقى على رأس سلم أولويات حلم الكيان الصهيوني لتحييد الجيش السوري واستبداله بعناصر طيعة لا تطمح سوى لتحقيق مكاسب ذاتية مقابل تسليم الوطن لأعدائه.
“إسرائيل” لم تكن غائبة يوماً عن تصعيد الصراع المسلح في سوريا، بصرف النظر عن التصريحات المعلنة بغير ذلك وتلميح الإدارة الأميركية بخطورة دخولها المباشر على الخط. وينبغي استحضار تصريح أدلى به “ايهود يعاري،” سالف الذكر، بالقول “لن يكون خطأً الإفتراض بوجود بعض الإتصالات بين الجيش الإسرائيلي وبعض المجموعات” الإرهابية.
يشار أيضاً إلى غياب أي تعليق ينفي ما جاء بهذا التصريح، سواء من تلك القوى المدعومة إقليمياً ودولياً، أو من مراكز القوى الفاعلة الساعية إلى تفتيت كيان الدولة السورية.
بل لم يشأ يعاري أن يعرض تصريحه للتأويل، وقال موضحاً “تسعى تلك القوى للمحافظة على عدم إثارة واستفزاز الإسرائيليين على الطرف المقابل من الحدود – كجزء من تطمينات أخرى – مع العلم أن اشتباكها مع الجيش السوري يتم على بعد بضعة أمتار فقط من الخط الفاصل” في الجولان المتفق عليه عام 1974.
ويعتقد المراقبون العسكريون أن “الجيش السوري النظامي يعاني من نقص في عدد القوات النظامية المطلوبة للحفاظ على مواقعه في الجزء الجنوبي للجولان الذي بات يشكل “الخاصرة الرخوة للنظام”. كما أن الأخير، كما يقال، غير راض عن جهوده لحشد مزيد من القوات المجندة حديثاً لصد الهجوم الذي وعد به قادة المعارضة المسلحة، الذين يدركون جيداً أن ظهرهم الميداني مسنود بقوة من “إسرائيل”.
وتشير التقارير الإعلامية من المنطقة إلى “تسهيلات عدة يقدمها الجيش الإسرائيلي لهجمات المعارضة على مواقع ومرابض وتحصينات الجيش السوري في منطقة القنيطرة”، وليس أدل على ذلك الوضع من إعلان “إسرائيل .. منطقة الحدود المشتركة على الجولان منطقة عسكرية مغلقة ..” والتي شهدت نشاطاً استخبارياً وأمنياً مكثفاً بالتوازي مع الإعلان المذكور.
كما تفيد أحدث التقارير الإعلامية إلى تلقي نحو 1600 مقاتل من المعارضة السورية علاجاً طبياً في مشافي فلسطين المحتلة، ورصد تقديم “إسرائيل” بعض “المساعدات الإنسانية” لقوات المعارضة المتواجدة في قرى المنطقة الحدودية.
يشار إلى أن صحيفة “الوطن” الإماراتية أفادت مؤخراً قيام “عملاء إسرائيليين بتوزيع معونات مالية كبيرة على فصائل المعارضة السورية” إستناداً إلى معلومات زودها مصدر من داخل أحد فصائل المعارضة في جنوبي سوريا مؤكداً بدوره تسلم ثلاثة فصائل معارضة على الأقل مبالغ كبيرة بلغت عدة مئات الآلاف من الدولارات قدمها عملاء إسرائيليون بحثاً عن معلومات لتحديد هوية كافة المقاتلين الإسلاميين الذين أنشأوا قواعد إنطلاق خاصة بهم بالقرب من الحدود السورية مع فلسطين المحتلة.
المرء ليس بحاجة إلى دلائل مادية لتورط “إسرائيل” وانخراطها في تأجيج الصراع المسلح داخل سوريا، سيما وأنها تقر بأن دورها يقتصر على توفير “مساعدات إنسانية”، بيد أن المراقبين يؤكدون وجود تعاون وطيد بين “إسرائيل” والأردن خاصة في مجالي الاستخبارات والمساعدات التقنية التي توفرها الأولى للأردن.
ماذا يخبئ المستقبل لسوريا؟
لم يفاجأ أحد بالتفاتة الولايات المتحدة إلى الحلّ العسكري في سوريا مرة أخرى والذي جاء في أعقاب سلسلة إخفاقات سياسية وعسكرية تكبدتها في الإقليم، وهزائم حلفائها ميدانياً هناك مما سيترجم سلباً في معادلتها السياسية؛ والتحولات الإقليمية بعد تراجع بيَّن لتركيا وقطر والمملكة السعودية، والدولية التي قامت واشنطن بإشعال فتيل انفجارها في أوكرانيا وعدم تمكنها من السيطرة على تداعياتها وبلوغ مراميها لمحاصرة روسيا في حديقتها الخلفية كما أرادت. بل هي لم تتخلّ يوماً عن خيار التصعيد العسكري في سوريا إلا للانتقال من معركة إلى أخرى بذرائع متجددة.
الغائب الوحيد ربما في لهجة الخطاب الرسمي الأميركي هو القفز عن المطالبة السابقة بتنحي الرئيس الأسد، بعد اتضاح عقم المطلب، وحماية لما تبقى لها من مصالح إقليمية بحاجة إلى بعض الاهتمام المباشر كي لا تضطر لحرف بوصلتها المتجهة شرقاً نحو آسيا لمحاصرة روسيا والصين في المياه الإقليمية هناك.
ولجأت مرة أخرى في تحشيد دعم الدول التقليدية، أوروبياً وعربياً وإقليمياً، ولم يتجاوز عددها 11 دولة صنفت نفسها من “أصدقاء سورية،” هوى العدد من 70 دولة عند التئامها في اسطنبول بتاريخ الأول من نيسان/ أبريل 2012. ولم يتمخض عن هذا الحشد سوى بيان مقتضب بنقطتين “لإدانة قرار الحكومة السورية المضي بعقد الانتخابات الرئاسية” في موعدها المقرر؛ مقارنة بما كان يصدر عنها سابقاً من تهديد ووعيد بأن الرئيس الأسد “لن يكون له موقع في صيغة الحل” المقبلة.
وسعت لحفظ ماء وجهها ووجه قوى المعارضة السورية باستضافة رئاسة الائتلاف الوطني في واشنطن ومنحه مساحة إعلامية واسعة تخللتها ترتيب لقاءات متعددة مع مسؤولين في الحكومة الأميركية ومجلس الأمن القومي وعدد من قادة الكونغرس من الحزبين وبعض مراكز الأبحاث، وإطلاق العنان لتصريحات إعلامية بأنها ستضاعف من دعمها “غير الفتاك” لقوى المعارضة.
الترجمة الحقيقية للتصريحات الرسمية الأميركية جاءت على لسان “قائد المجلس العسكري الأعلى المعَيّن عبد الإله البشير النعيمي” إذ زعم أن الولايات المتحدة أوفت بوعودها في مضاعفة توريد أسلحة متطورة لبعض أركان الجيش الحر، مشيراً إلى توفر صواريخ مضادة للطائرات من طراز “تاو” للتشكيلات التابعة لإمرته. زعم البشير (كما يشار إليه) أن “الهدف الرئيس لزيارة واشنطن يتمحور حول الحصول على أسلحة مضادة للطيران .. ويحدونا الأمل أن تستجيب الولايات المتحدة لطلب مساعدتنا وتحييد سلاح الجو” السوري.
وتصدر وزير الخارجية الأميركي جون كيري التصريحات الإعلامية لتوزيع اللوم على “المجتمع الدولي والذي أهدر سنة كاملة” وفشل في اتخاذ تدابير من شأنها الإطاحة بالرئيس الأسد.
وقال كيري موجهاً كلامه لرئيس الائتلاف الزائر، أحمد الجربا، في مؤتمر صحفي مشترك في وزارة الخارجية، إن دولاً متعددة فشلت في تنسيق جهودها بفعالية لزمن طويل؛ مؤكداً أن “غياب التنسيق بينها أفضى إلى تراجع الزخم الدافع باتجاه تنحية الرئيس الأسد” و”مكافحة تنامي تهديد الإرهاب في سوريا”.
إستطاع الجربا لقاء مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، إذ وصف اللقاء بلغة ديبلوماسية معهودة بأنه كان “بناءاً ومفيداً” أي بعبارة أخرى لم ينطو عليه مضمون جدي.
نقل عدد من الأوساط الإعلامية مدى الإحباط الذي ينتاب وزير الخارجية كيري نتيجة إخفاقات السياسة الأميركية في سوريا، وتحول موقفه إلى التأييد الثابت والهادئ لتوريد أسلحة فتاكة لقوى المعارضة السورية، خاصة بعد انهيار مفاوضات جنيف 2؛ وتدخل البيت الأبيض مباشرة لإحباط ذلك المسعى بدعم وتأييد المؤسسة العسكرية.
بيان “أصدقاء سوريا” سالف الذكر، الصادر من لندن، ينطوي على جملة من الدلالات تحدد معالم المرحلة المقبلة من المستقبل المنظور. أمام عزم سوريا التمسك باستحقاقات الدستور المحلي والمضي بعقد الانتخابات الرئاسية في موعدها، ستقابله الولايات المتحدة بالعزوف عن الحل السياسي من ناحية، وتصعيد حدة المعارك واستخدام الأسلحة “الجديدة” التي سلمتها لقوى المعارضة للتأثير على سلاسة العملية الانتخابية، من ناحية أخرى. إذ لا تملك واشنطن وحلفاؤها الإقليميون والدوليون أي خيار متماسك من شأنه أن يشكل أرضية للبناء عليه لعقد جولة متقدمة من الحوار على غرار مؤتمر جنيف 2، وليس أمامها سوى التعطيل والمزيد من الدمار وإراقة الدماء، وهي تدرك جيداً أن هزيمة حلفائها في حمص تعد “خطوة تراجعية كبرى” في مخططاتها نحو سوريا، وهزيمة للمخطط “السعودي” بعد إقصاء بندر بن سلطان عن إدارة المسلحين في سوريا.
يضاف إلى ذلك ما فرضته التطورات الميدانية لصالح الدولة السورية من تداعيات تجسدت في استقالة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بعد انتفاء الحاجة له ولدوره، بل لمهمته بأكملها، خاصة وأن استقالته جاءت قبل انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تقريره، وعدم تسمية المجلس خليفة له.
أيضاً تسارع التطورات في أوكرانيا عزز من اتساع الهوة في الموقف بين روسيا والولايات المتحدة، مما يضعف احتمالات توصل الطرفين إلى تفاهم مشترك “لإنهاء” الصراع المسلح. وفي هذا الصدد، تبرز أهمية المراهنة على الدور “الإسرائيلي” في إشعال جبهة الجولان، وإن جزئياً، لحرمان الدولة السورية ومواطنيها من الشعور بالأمن والاطمئنان، وتصدر حربة الاستراتيجية الأميركية باستنزاف سوريا لفترة أطول، إن استطاعت بلوغ ذلك.
المصدر :
الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة