لم يعد لاكتشاف المجهول لذة المغامرة ونشوة الفتح بل صار الاقتراب من الثوار تسكعا .. وفقد البحر اتساعه وهيبته بعد أن أبحرنا فيه بأشرعتنا ووصلنا إلى شفاه المحيط التي تقبّل حواف العالم وشفاه القارات .. وصار المحيط العميق الذي غرقت فيه أساطيل الدهشة ضحلا كبركة ماء لايغمر ماؤها الركبتين ولايدهش أحدا فينا .. ولم يعد لعناق الأسرار الكبيرة إلا مذاق عناق الجميلات ومراقصة الفاتنات اللاتي نكتشف أنهن مجرد غانيات وبائعات هوى ومومسات لايعنيهن الحب ولا الأسرار..

هل هناك بعد اليوم من تدهشه رائحة فم الجاسوس عزمي بشارة النتنة ولا تثير فيه الغثيان والقيء وهو يسفسط للعرب ويتفلسف للمسلمين فيما هو يأكل لحم أبي العلاء المعري ويفصفص لحم ابن سينا ويلعق عظم ابن رشد في مدفنه؟؟ .. هل هناك من سيضرب بعد اليوم كفا بكف وهو يكتشف أن مافي صدور بعض رجال الدين إنما قلوب الثعابين و قلوب التماسيح وذوات الدم البارد؟ .. فلقد رأينا قلب القرضاوي وإخوانه عندما شققنا صدورهم وعرفنا أن قلوب الثعابين السوداء تخفق في تلك الصدور ويملؤها الدم البارد المثلج ..

وهل هناك من سيصفر بشفتيه مندهشا وهو يفتح رأس فيصل القاسم ليجد أن أمعاءه الغليظة تصب هناك وليس في أسفل حوضه؟؟ !!! انه الاتجاه المعاكس للأمعاء الغليظة والتشوه المعوي الذي سيطلق عليه الأطباء منذ اليوم “متلازمة فيصل القاسم” .. أي انصباب الأمعاء الغليظة في الرأس بدل الحوض وانتهاؤها بالفم !!..

وهل هناك من سيقف اليوم ليضرب رأسه بالجدار حتى يدمى غير مصدق وهو يرى علم إسرائيل يرفرف على شفاه المعارضين السوريين طلاب الكرامة والحرية؟؟ فلقد رأينا العلم الإسرائيلي في أحداق الثوار ومرسوما في سجاجيد صلواتهم ورأيناهم يغتسلون في ايلات وفي مياه حيفا .. ولولا حرج نتنياهو لعلقوا صوره في شوارع الثورة السورية ورشحوه لانتخابات الرئاسة السورية عبر وكيله اللبواني وبإجماع الائتلاف السوري من رأسه حتى أخمص قدميه ..

هل سيتوقف ابن امرأة فاغرا فاه وهو يرى صورة نتنياهو في اللوحة التي تصور أردوغان وحمد وخالد مشعل والتي رفعتها غزة وكتبت عليها “ان غزة تنتظر الأبطال” ؟؟.. فلم تنقص صورة الأبطال الذين تنتظرهم غزة سوى وجه البطل الحقيقي للثورة السورية والربيع العربي .. نتنياهو .. أبو الثورات العربية .. وأبو الثوار ..انه الملاك الأبيض الذي شوهد يؤازر الثوار في حمص .. وبالطبع الصورة التي تنتظرها غزة ستكتمل بالبطل ملاك حمص الأبيض الذي شاهده العريفي .. نتنياهو ..

بل من سيصفرّ لون وجهه ويمتقع بعد اليوم أن رأى رياض الشقفة ورجب طيب اردوغان يرتديان القلنسوة اليهودية ويقفان مطأطئين  أمام حائط المبكى مع جموع الإخوان المسلمين وجماهير رابعة؟؟ .. لأن هذا مارأيناه .. فمن يريد هدم جدار محور المقاومة الصلد من دمشق إلى بيروت إنما يريد أن يبقى في الشرق فقط حائط واحد .. هو حائط المبكى .. فالشرق لايحتمل إلا حائطا واحدا يبقى .. إما حائط دمشق أو حائط البراق .. ومن لايقف معنا على حائط دمشق يقاتل فانه لاشك يقف على حائط المبكى مع نتنياهو مطأطئا رأسه ذليلا ..

وهل يوجد غبي واحد في هذا الشرق لم يعد يرى قبة المسجد الأقصى الذهبية وهي ترتدي قلنسوة يهودية وتقف خلف شيوخ السعودية تبكي في متحف الهولوكوست مع زواره فيما كل أشاوس الإسلاميين والإخوان المسلمين ورابعة وحماس ورائد صلاح وجيش محمد وكتائب الثوار والصحابة وجيوش داعش والنصرة تقاتل في كسب وحلب والفلوجة وتتمرغ في حقول النفط في دير الزور كما تتمرغ الخنازير وتتصارع في برك الطين؟؟..

هل سينتحر احدنا بعد اليوم وهو يرى أن الثوار سيحملون الكعبة يوما إلى تركيا أو تل أبيب كما حملوا منبر الجامع الأموي التاريخي في حلب وأهدوه للعثمانيين الجدد في أحطّ صورة للسرقة؟؟  .. وربما وصلت إلى متاحف إسرائيل التي تجمع تحف الشرق وتاريخه من مدن بابل وآشور والعراق ومتاحف سورية وآرام وكنعان ..وقد يصل إليها يوما “البيت العتيق” زائرا مثلما يرحل قناع توت عنخ آمون من مقابر الفراعنة إلى متاحف العالم ..أو يوضع في وسط تل أبيب كرمز على نهاية العرب .. فمن يبع المسجد الأقصى من أجل كرسي الحكم في دمشق سيفكك البيت العتيق ويسرقه ليبيعه يوما .. بفتوى .. كما سرق الثوار السوريون رفاة الصحابي حجر بن عدي ونثروها رغم أن صوت رسول الله لايزال عالقا بتلك الرفاة ويده طالما ربتت على كتف صاحبها وصافحت يدها .. ومن يبع شرف المرأة وسترها وعرضها في جهاد النكاح سيبيع أستار الكعبة لشبابيك تسيبي ليفني ولفراشها ..

  كنا في بداية الربيع العربي نتبادل الدهشة والذهول والصراخ بلا تصديق ونحن نمد أيدينا إلى جيوبنا ومطموراتنا وتلدغنا منها العقارب السوداء وتلسعنا الأفاعي .. وكنا نصاب بالجلطات وانهيار الأعصاب ونحن نستفيق صباحا لنجد أن اللحى التي كانت تشاركنا وسائدنا وفراشنا كانت وجوها لدببة ولكلاب برية .. ولكننا اليوم ندوس العقارب ولانبالي ونسحق الأفاعي كما لو كانت ديدانا .. ونركب ظهور الدببة ونسابق بها أمراء النفط في سباق الهجن .. ونفوز ..

هل هناك عاقل واحد في هذا الكوكب لايرى أن المسلحين السوريين يندحرون وأن ماسمي ثورة سورية لم يبق لها إلا الأمنيات؟؟ .. وأن جل ماتقدر عليه هو التسلي بقتل المدنيين بالهاون وقطع المياه عن مدينة حلب؟؟ .. أو التلذذ بلعبة الأنفاق ودور الجرذان وجيرة ابليس التي لن تغير وجه الأرض بعد اليوم الذي ارتدى العلم الوطني السوري؟؟ ..

هل هناك من لم يعد يرى أن الانسحاب التكتيكي الأخير من حمص بالباصات هو شكل آخر للانسحابات التكتيكية التي اشتهرت بها المعارضة .. وماهو إلا نبأ من أنباء النهايات للثورات؟؟ .. فمهما حاولت المعارضة المسلحة والحديث عن صفقات وانجازات اتفاقيات ومهما دهنت وسائل الإعلام الغربية على جسد الثورة بالمراهم للتخفيف من وقع عملية تطهير حمص من المسلحين وطرد “الثورة” منها وتحميلها في باصات فإن الحقيقة التي لالبس فيها هي أن موت المقاتلين وإخراجهم في توابيت أسهل ألف مرة من خروجهم محملين في باصات كما تنقل القمامة .. وكل واحد يحمل صرته وكأنه يحمل مابقي من ثورته .. فما بقي في تلك الصرر هو كل ما بقي من ثورة وشعارات كانت منفوخة كالجبال وانتهت إلى صرة على ظهر بعير ..

معركة حمص تدل على أن نفس الدولة السورية طويل جدا وأن إتقانها لعبة الزمن لا يضاهى .. انجاز الخروج المذل هو الذي سيكون سم الثورة ومن حمص القديمة سيسري السم في جسد الثورة التي تتحول تدريجيا إلى ممثليات ومكاتب سياحة في العواصم .. فماذا يعني أن يمتلئ العالم بسفارات أو ممثليات الائتلاف فيما أن الثورة تخرج تدريجيا من سورية؟؟ إن هزيمة حمص ترافقت ببعض جوائز الترضية باعتبار الائتلاف ممثلا للشعب السوري عند البعض ولكن تبلور مرحلة الثورة التي ترتدي الياقات البيضاء وربطات العنق في المنافي هو مايعني انتحار الثورات .. وتعني أن الثورة المسلحة بدأت تفقد أهم سلاح وهو سلاح الأرض الذي جاءت لتنهض عليه .. فماذا يبقى من الثورة بلا أرض ولو أعطيت الدنيا كلها .. لقد فعل الجيش خيرا بحصار القتلة وتجويعهم حتى ركعوا لأن قتلهم سيكون مجرد إضافة جديدة لأرقام الموت العبثي للمقاتلين ودحرهم متوقع من قبل قوات الجيش في الحرب الذي صار يحقق ذلك في كل مكان يتجه إليه دون تردد ..

القبول بإخراج المقاتلين بهذه الطريقة المذلة أذكى عملية قتل للثورة العثمانية والوهابية .. رمزية الخروج المذل هو رسالة أوصلتها الثورة للجميع وهي أنها متعبة جدا ومنهكة جدا ومحبطة ويائسة جدا وصارت تقبل بالفتات لأن لا أمل بالانتظار الذي طال ..وانتظارها للأبطال اوباما وأردوغان ونتنياهو وحمد وعبد الله هو عينه انتظار غزة لنفس الأبطال .. وخروج مسلحي حمص مهزومين يحملون ثورتهم في باصات وبقجات بعد أن جاءت الثورة لتأخذ كل حمص وتشطر سورية من قلب حمص معنى لايدركه إلا من يعرف سيكولوجية الحروب .. فخروج المقاتلين في أية معركة باتفاق أو بانسحاب تكتيكي وتسليمهم لمواقعهم يعني قناعتهم بأن الموت لم يعد ثمنا يستحق أن يدفع من أجل هدف صار مستحيلا وهو الهدف الذي أطلق الحرب .. وهذا يعني سقوط الهدف وتحول الاتجاه .. وسريان الوهن ..وخروجهم إلى مكان آخر داخل سورية هو توطئة لخطوة أخرى هي الاستسلام وتسوية الأوضاع وكل ينفذ بجلده ..والخروج من تحصينات المدن إلى مناطق أقل تحصينا يعني أن الاستسلام الكامل هو ماسيلي ذلك .. فالقتال في المناطق الجديدة ليس في صالح مقاتلي المدن الكبيرة ..

العسكريون في أي مدرسة عسكرية يعرفون أن حمص القديمة لايمكن أن تكون عصية على جيش نظامي يحاصرها منذ أشهر طويلة .. لكن لجأ الجيش إلى عدم اقتحام المدن والأحياء المحتلة من قبل العصابات المسلحة ومقاتلي القاعدة لأن عمليات الاقتحام للأحياء الواسعة المكتظة بالأبنية لن تنضج قبل حصار خانق .. وخيارات الجيش بعد الحصار إما أن تكون باجتياحها بآلاف الجنود مع غطاء عنيف من القصف .. أو بتسويتها بالأرض بسلاح الجو .. في الخيار الأول سيكون المسلحون متمترسين في أنفاقهم التي يعرف الجيش معظم مداخلها عبر معلومات متقاطعة يقينية ولن تكون عملية الاقتحام أصعب من اقتحام بابا عمرو والخالدية ..  ولكن لم يجد القادة العسكريون سببا لدفع أي عنصر من الجيش إلى الموت من أجل استئصال ورم ميت .. وفي الخيار الثاني فإن من المهم أن لا نتحول تجاه مدننا إلى غزاة بلا قلب .. فالخراب البادي على وجوه المدن والأبنية كالجراح سيبقى كالندوب والجروح في الاسمنت ..ونحن مهما بلغت قسوة القتلة وحقدهم علينا فسنحارب بالرصاص والأظافر وقد نجرح أجساد المدن ولكن لا تقوى قلوبنا على تسوية مدننا بالأرض وسحقها .. كما يفعل الغزاة ..

  كل المقاتلين عبر التاريخ الذين خرجوا خروجا مذلا من المدن المحاصرة .. خرجوا ولم يعودوا .. وكان خروجهم نهائيا وإيذانا بموت زمن ما وميلاد زمن ليس زمنهم .. ورحلت معهم مراحل كاملة ..والباصات التي حملتهم تشبه نقالات وتوابيت للثورات .. فيوما خرج مسلحو الصليبيين من القدس بسلاحهم وعبر ممر آمن .. وكان ذلك بداية نهاية الحروب الصليبية تقريبا

 

.. ونهاية الحملات الصليبية .. ويوما خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بسلاح المقاتلين الفردي وكانت نهاية منظمة التحرير التي خرجت من بيروت فوصلت بها دروب الضياع إلى أوسلو وما أدراك ما أوسلو .. بالطبع لاسبيل لمقارنة منظمة التحرير الفلسطينية أيام بيروت بمقاتلي القاعدة المجرمين المجانين في حمص أو مقارنة الجيش السوري بالجيش الإسرائيلي الغازي .. ولكن الدرس واحد بالتأكيد والعظة هي ذاتها .. وهي : أن من خرج فقد خرج نهائيا ولن يعود .. الملفت للنظر أن الأمريكيين يطرحون في تذكير غريب وللمصادفة الغريبة فكرة إنشاء “منظمة التحرير السورية” بعد بدء سيناريو الانسحاب من حمص ..في تناقض حاد وشقلبة للتاريخ .. فالولايات المتحدة أنهت منظمة التحرير الفلسطينية عمليا في حصار بيروت وخروج مقاتلي المنظمة نهائيا من بيروت بالسفن .. أما في سورية فإن الولايات المتحدة أطلقت مشروع منظمة التحرير السورية عند بدء سيناريوهات خروج المقاتلين المسلحين من حمص ..بالباصات

  وكما قلت فانه حسب تاريخ اقتحامات المدن لاتوجد مدينة عصية على جيوش نظامية تريد اجتياحها عندما تقع تلك المدن تحت الحصار الذي يمنع عنها المدد ويقطع شرايينها .. وهذا مافعله الجيش السوري حتى الآن فقد قام بتقطيع الشرايين عن الأورام “الدينية” في المدن الرئيسية أما الأرياف فلم يبال بها لأن الأرياف لم تحسم يوما صراعا ولا معركة .. والموجة الدينية في الأرياف ستتراجع بانتعاش المدن مدنيا .. ففي حمص قام الجيش بقطع الشريان الرئيسي لحمص في القصير وحدود لبنان وانتظر كل هذه الفترة محاصرا أحياء حمص القديمة التي كان يعرف أنها ستسقط كثمرة ناضجة دون الحاجة للدفع بمقاتلي الجيش لاقتحامها ودفع ثمن لا داعي له .. وفي معارك القلمون قام بقطع الشرايين عن محيط دمشق وبقي مسلحو الغوطة كجراء الذئاب التي قطعت أثداء أمهاتها .. والغوطة تنتظر الآن بلا أمل أثداء الجربا وسليم ادريس وميشيل كيلو وأثداء الأتاسي والحرائر .. وباستئصال جيوب الغوطة لاتبدو الغوطة بعيدة جدا عن سيناريو تحميل ثوارها بالباصات أيضا وشحنهم كما تفعل حاويات القمامة في البلديات .. وكم كان هنري كيسنجر على حق عندما قال: ان ماتستطيع تقطيعه بالملعقة لا تقطعه بالسكين !! ..ملعقة الحصار أفضل من سكين الاقتحام في أحيان كثيرة ..

وهذا السيناريو (التحميل والشحن للثوار) قد يصل إلى حلب وإدلب لكن البعض يستبعد ذلك في هاتين المدينتين لأنها عمليات جبهة متطاولة متماهية مع الحدود التركية وليست محاصرة تماما .. رغم أن الطوق حول عنق حلب يكاد يكتمل .. لكن استعادة حلب سيكون في الغالب على شكل موجة عسكرية هائلة يقدر أنها ستحتاج قرابة 300 دبابة ومدرعة وسيشترك فيها سرب طائرات ميغ 29 تندفع القوات بها شمالا كتيار جارف لتدفع المسلحين عنوة وتلقي من يبقى منهم داخل الحدود التركية ..والعملية لن تستغرق طويلا كما حدث عند اقتحام بيروت الشرقية في عام 1990 ..

الجيش السوري تاريخيا لم يضع في خططه دخول مدينة وفشل في ذلك بما فيها بيروت الشرقية ولن تكون معركة حلب أصعب من تلك المعركة .. وفي ذاكرة الجيش السوري فان حمص القديمة بتعقيداتها وحلب باتساعها وتراميها تشبه بيروت الشرقية الكبيرة التي تمترس وتحصن فيها الجنرال عون وهو العسكري البارع الشجاع (أيام خصومته مع الرئيس الراحل حافظ الأسد) مع آلاف من المقاتلين المدربين جدا والذين قاتلوا ببسالة شديدة معه .. لكن عملية اقتحام بيروت الشرقية التي قامت بها الوحدات الخاصة السورية مع قصف مدفعي عنيف وباشتراك طائرتي ميغ 25 فقط أنهت الوجود المسلح في بيروت الشرقية خلال يومين رغم أن قوات الجنرال عون كانت فيها فترة أطول مما كانت فيها المعارضة السورية في حلب .. وكانت مجهزة أفضل وولاءها له أعمى ولديها عمق اجتماعي مدني واسع .. ثمن بيروت الشرقية كان 527 شهيدا من الوحدات الخاصة السورية لأنه كان قتال شوارع ومن باب إلى باب .. يومها كان لابد من اقتحام بيروت بأي ثمن للتمهيد لاتفاق الطائف وإنهاء الحرب اللبنانية ..

اقتحام حمص القديمة ليس ضروريا وملحا كما كان اقتحام بيروت الشرقية .. لأن لا طائف ينتظر .. وليست هناك حاجة لتقديم أي ثمن من قواتنا الخاصة طالما أنه يمكن إسقاطها مجانا خاصة أن عملية اقتحام حلب والرقة وأحياء دير الزور قد تتطلب سيناريو بيروت الشرقية والتقطيع بالسكين والساطور بسبب وجود مسلحي القاعدة الذين يهاجرون بلا أهل وبلا جذور من كل العالم .. بيروت الشرقية بالنسخة السورية هي في الشمال حيث حلب رغم أن الخصم في حلب ينقصه جنرال محارب وقائد شجاع نبيل مثل الجنرال ميشيل عون ..

في تحرير حمص عرفنا أنه إن كان كريستوفر كولومبوس قد اكتشف قارة جديدة في أميريكا .. وتوماس كوك قد اكتشف قارة استراليا فإننا اكتشفنا ماهو أهم من أية قارة أو كوكب .. لقد اكتشفنا وطننا وثقافتنا ومواطننا الذي صار محاربا .. واكتشفنا أجسادنا وأورامنا وملامح وجوهنا وخطوط وجه بلدنا .. ورست مراكبنا وصوارينا على موانئ الوطن الذي كاد يضيع منا في العاصفة الهوجاء .. وكان أول رسو على موانئ حمص القديمة .. ولا أدري من الذي كان يبحث عن الآخر عند الموانئ .. نحن أم وطننا؟؟

وطننا القادم من الماضي وذكرياته أم من المستقبل وطموحاته ؟؟ سورية التي عرفناها أم التي لانعرفها ؟؟

ولا أجد خاتمة أختم بها مثل التذكير بما قاله وليد بك جنبلاط نقلا -على ذمته الواسعة – عن العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان السوري الأسبق الذي قال له بأن سورية التي عرفناها لن تعود كما كانت .. لأن العماد إن قالها فعلا فإنه يعرف ماذا يعني .. ولكن وليد بك لا يريد أن يستوعب العظات ..

 إننا بالفعل لا نريد سورية كما كانت .. تستقبل وتؤوي المنافقين والمتملقين والطائفيين .. وتحمي السفلة من قادة حماس الذين يقبلون يد الذئب في قطر ويعضون يد الأسد في دمشق .. من يقبل أن يعض يد الأسد ويقبّل يد الذئب إلا الذئب ابن الذئب؟؟ ولن تسمح بأن يصل الناؤون بأنفسهم بعد اليوم إلى جوارها في قصر بعبدا .. ولن تسامح قاتلا محكوما بحكم محكمة ليقفز إلى حلبات السياسة ويحلم أن يكون رئيسا .. وسورية لن تعود لتستقبل العثمانيين بقلب كبير متسامح وسيعامل ابن القاتل وحفيده مثل أبيه وجده وجد جده .. وسورية لن تعفو عن رزايا أنصاف الرجال ولن تتفهم بعد اليوم عنانتهم الوطنية والإسلامية .. وسورية لن تغفر للأشقياء والصبية من أمثال سعدو الحريري كما تغفر لأطفالها العاقين .. ولن تغض الطرف عن عنتريات أبي تيمور .. سيشتاق العالم كله إلى سورية وسيتمنى العالم كله أن تعود سورية التي عرفها .. ولكن سورية فعلا لن تعود كما كانت .. وانتظروا الثالث من حزيران .. موعد وصول سورية التي ستدهشكم .. وستتمنون يومها عودة سورية التي عضضتم قلبها ويدها يوما وسرقتم أساورها وأقراطها بعد أن شربتم من كأسها وأكلتم من بيادرها ووصلتم إلى الله من معابدها .. أيها الأوغاد ..

  • فريق ماسة
  • 2014-05-10
  • 7381
  • من الأرشيف

إما حائط دمشق وإما حائط المبكى .. الاندحار من حمص .. والأمنية المستحيلة/ نارام سرجون

لم يعد لاكتشاف المجهول لذة المغامرة ونشوة الفتح بل صار الاقتراب من الثوار تسكعا .. وفقد البحر اتساعه وهيبته بعد أن أبحرنا فيه بأشرعتنا ووصلنا إلى شفاه المحيط التي تقبّل حواف العالم وشفاه القارات .. وصار المحيط العميق الذي غرقت فيه أساطيل الدهشة ضحلا كبركة ماء لايغمر ماؤها الركبتين ولايدهش أحدا فينا .. ولم يعد لعناق الأسرار الكبيرة إلا مذاق عناق الجميلات ومراقصة الفاتنات اللاتي نكتشف أنهن مجرد غانيات وبائعات هوى ومومسات لايعنيهن الحب ولا الأسرار.. هل هناك بعد اليوم من تدهشه رائحة فم الجاسوس عزمي بشارة النتنة ولا تثير فيه الغثيان والقيء وهو يسفسط للعرب ويتفلسف للمسلمين فيما هو يأكل لحم أبي العلاء المعري ويفصفص لحم ابن سينا ويلعق عظم ابن رشد في مدفنه؟؟ .. هل هناك من سيضرب بعد اليوم كفا بكف وهو يكتشف أن مافي صدور بعض رجال الدين إنما قلوب الثعابين و قلوب التماسيح وذوات الدم البارد؟ .. فلقد رأينا قلب القرضاوي وإخوانه عندما شققنا صدورهم وعرفنا أن قلوب الثعابين السوداء تخفق في تلك الصدور ويملؤها الدم البارد المثلج .. وهل هناك من سيصفر بشفتيه مندهشا وهو يفتح رأس فيصل القاسم ليجد أن أمعاءه الغليظة تصب هناك وليس في أسفل حوضه؟؟ !!! انه الاتجاه المعاكس للأمعاء الغليظة والتشوه المعوي الذي سيطلق عليه الأطباء منذ اليوم “متلازمة فيصل القاسم” .. أي انصباب الأمعاء الغليظة في الرأس بدل الحوض وانتهاؤها بالفم !!.. وهل هناك من سيقف اليوم ليضرب رأسه بالجدار حتى يدمى غير مصدق وهو يرى علم إسرائيل يرفرف على شفاه المعارضين السوريين طلاب الكرامة والحرية؟؟ فلقد رأينا العلم الإسرائيلي في أحداق الثوار ومرسوما في سجاجيد صلواتهم ورأيناهم يغتسلون في ايلات وفي مياه حيفا .. ولولا حرج نتنياهو لعلقوا صوره في شوارع الثورة السورية ورشحوه لانتخابات الرئاسة السورية عبر وكيله اللبواني وبإجماع الائتلاف السوري من رأسه حتى أخمص قدميه .. هل سيتوقف ابن امرأة فاغرا فاه وهو يرى صورة نتنياهو في اللوحة التي تصور أردوغان وحمد وخالد مشعل والتي رفعتها غزة وكتبت عليها “ان غزة تنتظر الأبطال” ؟؟.. فلم تنقص صورة الأبطال الذين تنتظرهم غزة سوى وجه البطل الحقيقي للثورة السورية والربيع العربي .. نتنياهو .. أبو الثورات العربية .. وأبو الثوار ..انه الملاك الأبيض الذي شوهد يؤازر الثوار في حمص .. وبالطبع الصورة التي تنتظرها غزة ستكتمل بالبطل ملاك حمص الأبيض الذي شاهده العريفي .. نتنياهو .. بل من سيصفرّ لون وجهه ويمتقع بعد اليوم أن رأى رياض الشقفة ورجب طيب اردوغان يرتديان القلنسوة اليهودية ويقفان مطأطئين  أمام حائط المبكى مع جموع الإخوان المسلمين وجماهير رابعة؟؟ .. لأن هذا مارأيناه .. فمن يريد هدم جدار محور المقاومة الصلد من دمشق إلى بيروت إنما يريد أن يبقى في الشرق فقط حائط واحد .. هو حائط المبكى .. فالشرق لايحتمل إلا حائطا واحدا يبقى .. إما حائط دمشق أو حائط البراق .. ومن لايقف معنا على حائط دمشق يقاتل فانه لاشك يقف على حائط المبكى مع نتنياهو مطأطئا رأسه ذليلا .. وهل يوجد غبي واحد في هذا الشرق لم يعد يرى قبة المسجد الأقصى الذهبية وهي ترتدي قلنسوة يهودية وتقف خلف شيوخ السعودية تبكي في متحف الهولوكوست مع زواره فيما كل أشاوس الإسلاميين والإخوان المسلمين ورابعة وحماس ورائد صلاح وجيش محمد وكتائب الثوار والصحابة وجيوش داعش والنصرة تقاتل في كسب وحلب والفلوجة وتتمرغ في حقول النفط في دير الزور كما تتمرغ الخنازير وتتصارع في برك الطين؟؟.. هل سينتحر احدنا بعد اليوم وهو يرى أن الثوار سيحملون الكعبة يوما إلى تركيا أو تل أبيب كما حملوا منبر الجامع الأموي التاريخي في حلب وأهدوه للعثمانيين الجدد في أحطّ صورة للسرقة؟؟  .. وربما وصلت إلى متاحف إسرائيل التي تجمع تحف الشرق وتاريخه من مدن بابل وآشور والعراق ومتاحف سورية وآرام وكنعان ..وقد يصل إليها يوما “البيت العتيق” زائرا مثلما يرحل قناع توت عنخ آمون من مقابر الفراعنة إلى متاحف العالم ..أو يوضع في وسط تل أبيب كرمز على نهاية العرب .. فمن يبع المسجد الأقصى من أجل كرسي الحكم في دمشق سيفكك البيت العتيق ويسرقه ليبيعه يوما .. بفتوى .. كما سرق الثوار السوريون رفاة الصحابي حجر بن عدي ونثروها رغم أن صوت رسول الله لايزال عالقا بتلك الرفاة ويده طالما ربتت على كتف صاحبها وصافحت يدها .. ومن يبع شرف المرأة وسترها وعرضها في جهاد النكاح سيبيع أستار الكعبة لشبابيك تسيبي ليفني ولفراشها ..   كنا في بداية الربيع العربي نتبادل الدهشة والذهول والصراخ بلا تصديق ونحن نمد أيدينا إلى جيوبنا ومطموراتنا وتلدغنا منها العقارب السوداء وتلسعنا الأفاعي .. وكنا نصاب بالجلطات وانهيار الأعصاب ونحن نستفيق صباحا لنجد أن اللحى التي كانت تشاركنا وسائدنا وفراشنا كانت وجوها لدببة ولكلاب برية .. ولكننا اليوم ندوس العقارب ولانبالي ونسحق الأفاعي كما لو كانت ديدانا .. ونركب ظهور الدببة ونسابق بها أمراء النفط في سباق الهجن .. ونفوز .. هل هناك عاقل واحد في هذا الكوكب لايرى أن المسلحين السوريين يندحرون وأن ماسمي ثورة سورية لم يبق لها إلا الأمنيات؟؟ .. وأن جل ماتقدر عليه هو التسلي بقتل المدنيين بالهاون وقطع المياه عن مدينة حلب؟؟ .. أو التلذذ بلعبة الأنفاق ودور الجرذان وجيرة ابليس التي لن تغير وجه الأرض بعد اليوم الذي ارتدى العلم الوطني السوري؟؟ .. هل هناك من لم يعد يرى أن الانسحاب التكتيكي الأخير من حمص بالباصات هو شكل آخر للانسحابات التكتيكية التي اشتهرت بها المعارضة .. وماهو إلا نبأ من أنباء النهايات للثورات؟؟ .. فمهما حاولت المعارضة المسلحة والحديث عن صفقات وانجازات اتفاقيات ومهما دهنت وسائل الإعلام الغربية على جسد الثورة بالمراهم للتخفيف من وقع عملية تطهير حمص من المسلحين وطرد “الثورة” منها وتحميلها في باصات فإن الحقيقة التي لالبس فيها هي أن موت المقاتلين وإخراجهم في توابيت أسهل ألف مرة من خروجهم محملين في باصات كما تنقل القمامة .. وكل واحد يحمل صرته وكأنه يحمل مابقي من ثورته .. فما بقي في تلك الصرر هو كل ما بقي من ثورة وشعارات كانت منفوخة كالجبال وانتهت إلى صرة على ظهر بعير .. معركة حمص تدل على أن نفس الدولة السورية طويل جدا وأن إتقانها لعبة الزمن لا يضاهى .. انجاز الخروج المذل هو الذي سيكون سم الثورة ومن حمص القديمة سيسري السم في جسد الثورة التي تتحول تدريجيا إلى ممثليات ومكاتب سياحة في العواصم .. فماذا يعني أن يمتلئ العالم بسفارات أو ممثليات الائتلاف فيما أن الثورة تخرج تدريجيا من سورية؟؟ إن هزيمة حمص ترافقت ببعض جوائز الترضية باعتبار الائتلاف ممثلا للشعب السوري عند البعض ولكن تبلور مرحلة الثورة التي ترتدي الياقات البيضاء وربطات العنق في المنافي هو مايعني انتحار الثورات .. وتعني أن الثورة المسلحة بدأت تفقد أهم سلاح وهو سلاح الأرض الذي جاءت لتنهض عليه .. فماذا يبقى من الثورة بلا أرض ولو أعطيت الدنيا كلها .. لقد فعل الجيش خيرا بحصار القتلة وتجويعهم حتى ركعوا لأن قتلهم سيكون مجرد إضافة جديدة لأرقام الموت العبثي للمقاتلين ودحرهم متوقع من قبل قوات الجيش في الحرب الذي صار يحقق ذلك في كل مكان يتجه إليه دون تردد .. القبول بإخراج المقاتلين بهذه الطريقة المذلة أذكى عملية قتل للثورة العثمانية والوهابية .. رمزية الخروج المذل هو رسالة أوصلتها الثورة للجميع وهي أنها متعبة جدا ومنهكة جدا ومحبطة ويائسة جدا وصارت تقبل بالفتات لأن لا أمل بالانتظار الذي طال ..وانتظارها للأبطال اوباما وأردوغان ونتنياهو وحمد وعبد الله هو عينه انتظار غزة لنفس الأبطال .. وخروج مسلحي حمص مهزومين يحملون ثورتهم في باصات وبقجات بعد أن جاءت الثورة لتأخذ كل حمص وتشطر سورية من قلب حمص معنى لايدركه إلا من يعرف سيكولوجية الحروب .. فخروج المقاتلين في أية معركة باتفاق أو بانسحاب تكتيكي وتسليمهم لمواقعهم يعني قناعتهم بأن الموت لم يعد ثمنا يستحق أن يدفع من أجل هدف صار مستحيلا وهو الهدف الذي أطلق الحرب .. وهذا يعني سقوط الهدف وتحول الاتجاه .. وسريان الوهن ..وخروجهم إلى مكان آخر داخل سورية هو توطئة لخطوة أخرى هي الاستسلام وتسوية الأوضاع وكل ينفذ بجلده ..والخروج من تحصينات المدن إلى مناطق أقل تحصينا يعني أن الاستسلام الكامل هو ماسيلي ذلك .. فالقتال في المناطق الجديدة ليس في صالح مقاتلي المدن الكبيرة .. العسكريون في أي مدرسة عسكرية يعرفون أن حمص القديمة لايمكن أن تكون عصية على جيش نظامي يحاصرها منذ أشهر طويلة .. لكن لجأ الجيش إلى عدم اقتحام المدن والأحياء المحتلة من قبل العصابات المسلحة ومقاتلي القاعدة لأن عمليات الاقتحام للأحياء الواسعة المكتظة بالأبنية لن تنضج قبل حصار خانق .. وخيارات الجيش بعد الحصار إما أن تكون باجتياحها بآلاف الجنود مع غطاء عنيف من القصف .. أو بتسويتها بالأرض بسلاح الجو .. في الخيار الأول سيكون المسلحون متمترسين في أنفاقهم التي يعرف الجيش معظم مداخلها عبر معلومات متقاطعة يقينية ولن تكون عملية الاقتحام أصعب من اقتحام بابا عمرو والخالدية ..  ولكن لم يجد القادة العسكريون سببا لدفع أي عنصر من الجيش إلى الموت من أجل استئصال ورم ميت .. وفي الخيار الثاني فإن من المهم أن لا نتحول تجاه مدننا إلى غزاة بلا قلب .. فالخراب البادي على وجوه المدن والأبنية كالجراح سيبقى كالندوب والجروح في الاسمنت ..ونحن مهما بلغت قسوة القتلة وحقدهم علينا فسنحارب بالرصاص والأظافر وقد نجرح أجساد المدن ولكن لا تقوى قلوبنا على تسوية مدننا بالأرض وسحقها .. كما يفعل الغزاة ..   كل المقاتلين عبر التاريخ الذين خرجوا خروجا مذلا من المدن المحاصرة .. خرجوا ولم يعودوا .. وكان خروجهم نهائيا وإيذانا بموت زمن ما وميلاد زمن ليس زمنهم .. ورحلت معهم مراحل كاملة ..والباصات التي حملتهم تشبه نقالات وتوابيت للثورات .. فيوما خرج مسلحو الصليبيين من القدس بسلاحهم وعبر ممر آمن .. وكان ذلك بداية نهاية الحروب الصليبية تقريبا   .. ونهاية الحملات الصليبية .. ويوما خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بسلاح المقاتلين الفردي وكانت نهاية منظمة التحرير التي خرجت من بيروت فوصلت بها دروب الضياع إلى أوسلو وما أدراك ما أوسلو .. بالطبع لاسبيل لمقارنة منظمة التحرير الفلسطينية أيام بيروت بمقاتلي القاعدة المجرمين المجانين في حمص أو مقارنة الجيش السوري بالجيش الإسرائيلي الغازي .. ولكن الدرس واحد بالتأكيد والعظة هي ذاتها .. وهي : أن من خرج فقد خرج نهائيا ولن يعود .. الملفت للنظر أن الأمريكيين يطرحون في تذكير غريب وللمصادفة الغريبة فكرة إنشاء “منظمة التحرير السورية” بعد بدء سيناريو الانسحاب من حمص ..في تناقض حاد وشقلبة للتاريخ .. فالولايات المتحدة أنهت منظمة التحرير الفلسطينية عمليا في حصار بيروت وخروج مقاتلي المنظمة نهائيا من بيروت بالسفن .. أما في سورية فإن الولايات المتحدة أطلقت مشروع منظمة التحرير السورية عند بدء سيناريوهات خروج المقاتلين المسلحين من حمص ..بالباصات   وكما قلت فانه حسب تاريخ اقتحامات المدن لاتوجد مدينة عصية على جيوش نظامية تريد اجتياحها عندما تقع تلك المدن تحت الحصار الذي يمنع عنها المدد ويقطع شرايينها .. وهذا مافعله الجيش السوري حتى الآن فقد قام بتقطيع الشرايين عن الأورام “الدينية” في المدن الرئيسية أما الأرياف فلم يبال بها لأن الأرياف لم تحسم يوما صراعا ولا معركة .. والموجة الدينية في الأرياف ستتراجع بانتعاش المدن مدنيا .. ففي حمص قام الجيش بقطع الشريان الرئيسي لحمص في القصير وحدود لبنان وانتظر كل هذه الفترة محاصرا أحياء حمص القديمة التي كان يعرف أنها ستسقط كثمرة ناضجة دون الحاجة للدفع بمقاتلي الجيش لاقتحامها ودفع ثمن لا داعي له .. وفي معارك القلمون قام بقطع الشرايين عن محيط دمشق وبقي مسلحو الغوطة كجراء الذئاب التي قطعت أثداء أمهاتها .. والغوطة تنتظر الآن بلا أمل أثداء الجربا وسليم ادريس وميشيل كيلو وأثداء الأتاسي والحرائر .. وباستئصال جيوب الغوطة لاتبدو الغوطة بعيدة جدا عن سيناريو تحميل ثوارها بالباصات أيضا وشحنهم كما تفعل حاويات القمامة في البلديات .. وكم كان هنري كيسنجر على حق عندما قال: ان ماتستطيع تقطيعه بالملعقة لا تقطعه بالسكين !! ..ملعقة الحصار أفضل من سكين الاقتحام في أحيان كثيرة .. وهذا السيناريو (التحميل والشحن للثوار) قد يصل إلى حلب وإدلب لكن البعض يستبعد ذلك في هاتين المدينتين لأنها عمليات جبهة متطاولة متماهية مع الحدود التركية وليست محاصرة تماما .. رغم أن الطوق حول عنق حلب يكاد يكتمل .. لكن استعادة حلب سيكون في الغالب على شكل موجة عسكرية هائلة يقدر أنها ستحتاج قرابة 300 دبابة ومدرعة وسيشترك فيها سرب طائرات ميغ 29 تندفع القوات بها شمالا كتيار جارف لتدفع المسلحين عنوة وتلقي من يبقى منهم داخل الحدود التركية ..والعملية لن تستغرق طويلا كما حدث عند اقتحام بيروت الشرقية في عام 1990 .. الجيش السوري تاريخيا لم يضع في خططه دخول مدينة وفشل في ذلك بما فيها بيروت الشرقية ولن تكون معركة حلب أصعب من تلك المعركة .. وفي ذاكرة الجيش السوري فان حمص القديمة بتعقيداتها وحلب باتساعها وتراميها تشبه بيروت الشرقية الكبيرة التي تمترس وتحصن فيها الجنرال عون وهو العسكري البارع الشجاع (أيام خصومته مع الرئيس الراحل حافظ الأسد) مع آلاف من المقاتلين المدربين جدا والذين قاتلوا ببسالة شديدة معه .. لكن عملية اقتحام بيروت الشرقية التي قامت بها الوحدات الخاصة السورية مع قصف مدفعي عنيف وباشتراك طائرتي ميغ 25 فقط أنهت الوجود المسلح في بيروت الشرقية خلال يومين رغم أن قوات الجنرال عون كانت فيها فترة أطول مما كانت فيها المعارضة السورية في حلب .. وكانت مجهزة أفضل وولاءها له أعمى ولديها عمق اجتماعي مدني واسع .. ثمن بيروت الشرقية كان 527 شهيدا من الوحدات الخاصة السورية لأنه كان قتال شوارع ومن باب إلى باب .. يومها كان لابد من اقتحام بيروت بأي ثمن للتمهيد لاتفاق الطائف وإنهاء الحرب اللبنانية .. اقتحام حمص القديمة ليس ضروريا وملحا كما كان اقتحام بيروت الشرقية .. لأن لا طائف ينتظر .. وليست هناك حاجة لتقديم أي ثمن من قواتنا الخاصة طالما أنه يمكن إسقاطها مجانا خاصة أن عملية اقتحام حلب والرقة وأحياء دير الزور قد تتطلب سيناريو بيروت الشرقية والتقطيع بالسكين والساطور بسبب وجود مسلحي القاعدة الذين يهاجرون بلا أهل وبلا جذور من كل العالم .. بيروت الشرقية بالنسخة السورية هي في الشمال حيث حلب رغم أن الخصم في حلب ينقصه جنرال محارب وقائد شجاع نبيل مثل الجنرال ميشيل عون .. في تحرير حمص عرفنا أنه إن كان كريستوفر كولومبوس قد اكتشف قارة جديدة في أميريكا .. وتوماس كوك قد اكتشف قارة استراليا فإننا اكتشفنا ماهو أهم من أية قارة أو كوكب .. لقد اكتشفنا وطننا وثقافتنا ومواطننا الذي صار محاربا .. واكتشفنا أجسادنا وأورامنا وملامح وجوهنا وخطوط وجه بلدنا .. ورست مراكبنا وصوارينا على موانئ الوطن الذي كاد يضيع منا في العاصفة الهوجاء .. وكان أول رسو على موانئ حمص القديمة .. ولا أدري من الذي كان يبحث عن الآخر عند الموانئ .. نحن أم وطننا؟؟ وطننا القادم من الماضي وذكرياته أم من المستقبل وطموحاته ؟؟ سورية التي عرفناها أم التي لانعرفها ؟؟ ولا أجد خاتمة أختم بها مثل التذكير بما قاله وليد بك جنبلاط نقلا -على ذمته الواسعة – عن العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان السوري الأسبق الذي قال له بأن سورية التي عرفناها لن تعود كما كانت .. لأن العماد إن قالها فعلا فإنه يعرف ماذا يعني .. ولكن وليد بك لا يريد أن يستوعب العظات ..  إننا بالفعل لا نريد سورية كما كانت .. تستقبل وتؤوي المنافقين والمتملقين والطائفيين .. وتحمي السفلة من قادة حماس الذين يقبلون يد الذئب في قطر ويعضون يد الأسد في دمشق .. من يقبل أن يعض يد الأسد ويقبّل يد الذئب إلا الذئب ابن الذئب؟؟ ولن تسمح بأن يصل الناؤون بأنفسهم بعد اليوم إلى جوارها في قصر بعبدا .. ولن تسامح قاتلا محكوما بحكم محكمة ليقفز إلى حلبات السياسة ويحلم أن يكون رئيسا .. وسورية لن تعود لتستقبل العثمانيين بقلب كبير متسامح وسيعامل ابن القاتل وحفيده مثل أبيه وجده وجد جده .. وسورية لن تعفو عن رزايا أنصاف الرجال ولن تتفهم بعد اليوم عنانتهم الوطنية والإسلامية .. وسورية لن تغفر للأشقياء والصبية من أمثال سعدو الحريري كما تغفر لأطفالها العاقين .. ولن تغض الطرف عن عنتريات أبي تيمور .. سيشتاق العالم كله إلى سورية وسيتمنى العالم كله أن تعود سورية التي عرفها .. ولكن سورية فعلا لن تعود كما كانت .. وانتظروا الثالث من حزيران .. موعد وصول سورية التي ستدهشكم .. وستتمنون يومها عودة سورية التي عضضتم قلبها ويدها يوما وسرقتم أساورها وأقراطها بعد أن شربتم من كأسها وأكلتم من بيادرها ووصلتم إلى الله من معابدها .. أيها الأوغاد ..

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة