دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا تقتصر الصفقة في حمص القديمة على حدود المحافظة الوسطى لسورية. دارت أسئلة عدة عن سر قبول الأطراف بإنجاز التسوية: لماذا قبلت الدولة السورية بخروج المسلحين سالمين؟ وما هو سبب تسليم حمص كاملة إلى الدولة بعد أن كانت تعتبر “عاصمة الثورة”؟ هل صحيح أنّ هناك مسلحين أجانب وعرب ساهم وجودهم بإنجاز الرعاية الخارجية للصفقة؟
لم تأت قضية حمص من فراغ. في جنيف أثيرت قضية المدينة القديمة خلال المفاوضات وعلى هامشها، وعندما حاول الجيش السوري التقدم بإتجاه حمص القديمة ثارت الاتهامات والحملات ضد النظام تحت عنوان الحصار والقتل… كان التعاطي يوحي أن ثمة ما يقلق العواصم الخارجية. دخلت بعدها موسكو وطهران على خط مفاوضات الصفقة وحضر مندوبون من العاصمتين إلى حمص تحت عنوان الرعاية الدولية. استعاد المتابعون الزيارة التي قام بها مسؤول الاستخبارات القطرية إلى دمشق خلال فترة إطلاق الراهبات. كان كل شيء يوحي بوجود خطوط تواصل لإنجاز تسوية شبيهة بما جرى حول المخطوفين سابقا. في الأسابيع الماضية رفعت دمشق مستوى الشروط في آخر لحظة فأرجئ تنفيذ الصفقة. كانت الحكومة السورية عبر المحافظ طلال البرازي تناور لكسب المزيد في أمكنة أبعد من حدود حمص.
ماذا حصل؟ جرى ربط ريفي حلب واللاذقية بحمص: خروج مسلحين و إطلاق سراح مخطوفين وإيصال مساعدات إنسانية إلى نبل والزهراء.
كسبت الدولة السورية من خلال تلك العملية بإعادة حمص القديمة إلى حضن الدولة. لا تبدو المسألة بسيطة. سيعود النازحون إلى اكبر محافظة و أكثر المدن استقرارا بعد عودة الأمان إلى كل حمص. ستجري فيها انتخابات رئاسية. ستخفف الضغط الإنساني عن طرطوس واللاذقية ودمشق. ستبدأ فيها عمليات الإعمار أولاً. المحافظ جهز الخطط والخرائط و الحكومة تحضر مفاجآت عمرانية لحمص. الروس والإيرانيون وغيرهم من العواصم جاهزون للبدء بالإعمار.
من خلال استقرار حمص يكتمل العقد الآمن الممتد من الحدود التركية بحرا إلى اللاذقية ثم طرطوس وحمص وصولا إلى دمشق. تلك المنطقة تضم أكثر من 15 مليون نسمة. هنا تبدو الموازين في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد أسابيع.
لا يمكن استبعاد عامل استعادة الدولة للقلمون. النظام السوري يدرك أن إنجاز حمص يكمل ما حصل في النبك مرورا بيبرود وصولا إلى الزبداني. لكن تبقى الغوطة في ريف العاصمة. في الأيام الماضية قيل أن الجيش استمهل الدخول إلى جوبر بوابة العاصمة لجهة مناطق المسلحين في حرستا ودوما، رغم “طحشة” الجيش لمسافة مئات الأمتار. ما يحدث في جوبر يبدو مشاغلة لا أكثر. لا قرار اتخذ بالدخول إلى المنطقة. يستمهل الرئيس السوري في تحديد ساعة الصفر. يقال أن السبب وجود المدنيين، أو انتظار لحظة مؤاتية، أو الانتهاء من معركة المليحة والجوار- هذا يبدو منطقيا بحسب طبيعة الجغرافية والميدان. بالتوازي تجري المصالحات في عدد من مناطق الريف بصورة أسرع مما كانت متوقعة.
في الأسبوع الماضي رعت الحكومة السورية احتفالا في منطقة ازرع بدرعا. تفاجأ الحاضرون من كثافة أعداد الحاضرين. لم يكن متوقعا أن يأتي للمشاركة “حوارنة” يحملون الأعلام السورية وصور الأسد. كان المتحدثون الحكوميون ورعاة المهرجان “معتدلين” في خطابهم حول الأحداث والانتخابات… لكن الحاضرين كانوا أكثر تطرفا بشعاراتهم الداعمة للأسد والجيش.
اما في الشمال والشرق فالصورة متشابكة. المعارك تدور في أحياء في حلب بغالبيتها بين حلبيين ومسلحين. وجود الجيش أساسي وفاعل، لكن يجري الاعتماد على أبناء المدينة ضمن مجموعات تسمى بكتائب الدفاع الوطني أو كتائب البعث أو غيرها. أهمية هذه المجموعات رغم عدم خبرتها الكافية بأساليب القتال، أنها جعلت المواجهة بين الأهالي ومسلحين معظمهم قادمين من الريف الشمالي أو من خارج سورية.
ساهمت تصرفات المسلحين بالحقد على المعارضة، لم يعد ابن منبج في ريف حلب يميل إلى “الثوار”، لكن الأمر الواقع يفرض نفسه. أما في الشرق فالحديث مختلف تفرضه خلافات “داعش” و المسلحين الآخرين والعشائر حول النفط والسيطرة والنفوذ.
تعلم العواصم أن وضع الجيش السوري وحلفاءه بات أفضل بكثير. لن تحدث قنابل الهاون تغييرا في المعادلات ولا السيارات المفخخة أو التفجيرات ولا حتى التسليح النوعي والجديد. لقد باتت المرحلة لمصلحة النظام وأصيبت المعارضة بإنتكاسات قاسية جداً.
بعد حمص و القلمون سيكون ريف دمشق وحلب في واجهة الاهتمامات. بالنسبة إلى الدولة السورية الانتخابات ستجري في المدن الكبرى الأساسية وسيقترع المواطنون رغم التحديات. المشهد واضح: ربح الأسد لكن كيف يكمل طريق الانتصار؟
من أسباب الربح عند الأسد شخصيته وصموده. سيكون الرئيس السوري في حمص قريباً، لا يخاف التنقل كما يفعل بشكل شبه يومي في دمشق وريفها بعيدا عن الإعلام تحت شعار: لن نسمح للخوف يتسلل إلى نفوسنا بل نحاصره حيث هو.
معرفة الأسد بحقائق الميدان جعلته واثقا من انه ربح استراتيجيا وسيترجم تكتيكيا الربح خلال الفترة المقبلة.
في السنوات الثلاث الماضية حاول أعداء الأسد القول انه منفصل عن الواقع لكن أثبتت الأيام الجارية أن الرئيس السوري هو الأكثر واقعية.
المصدر :
النشرة / عباس ضاهر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة