دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في تقديري كوني راصداً للأوضاع الخليجية - الخليجية، أن تنحي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن حكم قطر واستبداله بابنه الشيخ تميم كان صفقة واجبة العقد منذ أشهر بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، لضمان الحفاظ على العلاقات ما بين الجيران - وإن في أدنى مستوياتها - بعد تسرب بعض التسجيلات الصوتية للشيخ حمد بن خليفة ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، يتعرضان فيها بسوء للدول الثلاث.
تنازل الشيخ حمد عن السلطة غير متعلق برغبة أميركية غربية كما أشيع، وليست له علاقة برغبة داخلية قطرية لضمان الانتقال السلس للجيل التالي من الأسرة الحاكمة، كما علّق الإعلام القطري. وبالطبع لا علاقة للأمر بصحة الشيخ حمد كما نشرت بعض الصحف، فالكل يعرف في هذه المنطقة أن الحاكم لا يحكم باستخدام صحته بمقدار استخدامه صحة الآخرين من حوله. كل ما في الأمر أن عربة التعاون وصلت إلى طريق مسدود، وكان لا بد من تغيير المسار!
اعتقدت الدول الثلاث أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال العمل من جديد مع الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم - بوصفهما رقمين - بعد انكشاف أمر الأشرطة، وأدرك القطريون أنه يستحيل ترميم علاقتهم بجيرانهم ما لم يتخلصوا من سبب المشكلة، لذلك بادروا إلى تبني عملية التحول الإجباري في الحكم، لكنهم في المقابل اشتغلوا من خلال إعلامهم على تخفيف حدة هذا الهبوط المفاجئ لطائرة القيادة القطرية، من خلال تمرير مصطلحات كبيرة من نوع "رؤيـة الشيخ الوالد الطليعية" و "نظرته الثاقبة" و "التجربة الجديدة في المنطقة" و "تسليم السلطة للجيل الجديد"، وغيرها من المبررات الكلامية.
الدول الخليجية الثلاث ضغطت بقوة في تقديري لأجل التغــيير الداخلي في الأسرة، لأنها ولأسباب استراتيجية ليس بمقدورها أن تفعل أكثر من ذلك، فالحفاظ على النسيج الخليجي الواحد، والاحتفاظ بطبيعة حكم خليجية واحدة، يفرضان على الأسر الحاكمة الخليجية أن تتعامل مع الوضع القطري بحساسية مفرطة، فقطر ليست العراق أو اليمن أو ليبيا، إذ لا فروق جوهرية بين من يأتي ومن يذهب! الأمر مختلف مع قطر وبقية الدول الخليجية، إذ تتداخل الحسابات التاريخية مع الحاضر. الخليجيون أرادوا التغيير داخلياً، وقطر خضعت لرغبتهم، لأنها لا تملك خياراً آخر.
الأشرطة المسربة كانت عند الحكومات المعنية في ما يبدو قبل ظهورها على وسائل التواصل الاجتماعي للعامة، وهذا ما يفسر ربما تأزم علاقات هذه الدول مع قطر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وانفراجها نسبياً بعد تولي الشيخ تميم مقاليد الحكم.
الحكومات الخليجية عدّت الأشرطة المسربة تتويجاً لسلسلة من الإجراءات العدائية التي اتخذتها قطر ضد شقيقاتها في الجوار منذ عام 1996، وتأكيداً صريحاً لرغبة قطرية صادقة في خلخلة المنطقة، لأجل تحقيق أهداف فردانية وقصيرة مدى! وكشفت صراحة عن عمل مؤسس «غير تعاوني»، يهدف إلى التشتيت والفرقة، وإن تدثر كل هذه الأعوام بمفاهيم الحرية الإعلامية والانفتاح على «الرأي والرأي الآخر»!
لكن، هل تغيّرت الحال القطرية بعد تنازل الشيخ حمد وتولي الشيخ تميم السلطة؟
واقع الحال يقول إن المناورة القطرية في استبدال الحاكم السابق بحاكم تالٍ لأجل تخفيف حدة الغضب الخليجي خوفاً من تداعياته لم تؤتِ أكلها لسبب جوهري، وهو عدم تغير السياسة الخارجية!
نعم، أقصي عن المشهد من يدعو في السر إلى نشر الفوضى في الخليج كما أذاعت الأشرطة "لم ينفها القطريون ولم يؤكدها الخليجيون حتى الآن"! لكن، ظلت السياسة القطرية على حالها، وظل الحاكم الجديد خاضعاً للسياق السياسي الذي وجد نفسه فيه، ما جعل الخليجيين من جديد يضغطون باتجاه التغيير، لكن هذه المرة بإجراء سحب السفراء فقط، إذ لا أشرطة ليبية جديدة تحوي تسجيلات جديدة للحاكم الجديد!
كثير من المؤشرات يشير إلى أن الحاكم السابق ووزير خارجيته هما اللذان يديران الأمور الخارجية في قطر، وكثير من المؤشرات يشير إلى أن الدول الخليجية باتت تعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى أن شريكي الحكم السابقين ما زالا يمارسان مهماتهما الكاملة، إنما برصيد لا محدود من إجازتيهما السنوية، وهذا ما سيعقد الحلول في المرحلة المقبلة، ويبعد كثيراً نقطة الالتقاء.
المصدر :
الحياة /عبدالله ناصر العتيبي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة