يحضر الشهيد في عيده، وقد كللته أزاهير الوجدان على امتداد الأرض السورية، بعد أن جمعت كل ما في سلال وجودها لتعلن: من هنا تكون البداية وهناك على ذلك المدار ترتسم الحصيلة الممتدة في اخاديد الوطن وجوداً وحضوراً.. تضحية وعطاء.. فعلاً وممارسة.. انتماء وقدسية.

 فالشهيد الذي زنر حضوره البيوت السورية، يقف اليوم في صرحه وعيونه ترنو نحو الوطن. ويقين الشهيد - الحاضر الأبدي - يضفي على الإرادة السورية ألق العطاء الممهور بضفائر الوطن الممتدة في عمق حضارته وهي تتجذر إصراراً وثباتاً.‏

 بين الإيمان بالشهادة والقناعة بسلوكها يبدو أن المسافة الفاصلة لم تتبدل، وقد باتت أكثر وضوحاً وأضافت إلى ذاكرة السوريين لوائح من المجد الذي تكتبه دماء من ضحوا، وتسطر بأحرف من نور بطولات الصمود الذي تحتضنه آلاف القصص والحكايات المسورة بحب الأرض وقدسية الوطن.‏

 فتعود المدارات الأولى للشهيد لترسم إحداثيات الوطن خطوطاً تتقاطع على مواسم العطاء والبذل والتضحية، وتتشارك في قاموس الوجود وهي تعيد ترتيب حروف الوطن وكلمات الأرض، وتكتب في دفاترها المزنرة بأسمائهم ووجوههم وابتساماتهم ما يوجز وما يصلح ليكون القاموس الجديد في ذاكرة الوطن.‏

 لم يكتفِ السوريون بكل ما تراكم في تلك الذاكرة من صفحات تصلح للمحاججة وتقدم القرائن على السمو في التضحية، ولم يتوقفوا عند حدود يقينهم الدائم بأن المدارات التي تتشكل حول الشهيد والشهادة ستظل مشهداً تتداوله الأجيال التي كتبت على السطور الأولى معزوفة العطاء، بل تمتد نحو مشاهد جديدة وعناوين جديدة يكون فيها عيد الشهداء منعطفاً إضافياً في رسم لوحة الوطن.‏

 على امتداد هذه الأرض يخطو السوريون على وقع انتصارات تصنعها تضحيات شهدائهم، ويقينهم بأن ما رسمته خطواتهم السابقة وما تتأهب لتخطه لاحقاً سيكون البرهان الساطع على أن التضحية ليست فعلا وطنيا بامتياز فحسب، بل أيضاً تحاكي فيه سمو الوجود ورسالة الخلود الأبدي للوطن.‏

 في حضرة الشهيد تعلن الكلمات عجزها ولا تشعر بالخجل، وفي مقام الشهيد تقترب الذات السورية من استكمال آخر مداراتها، وهي تسجل أن ما ضحى به السوريون في الماضي وما يضحونه حاضراً كان وسيبقى طريقا يضمن لهم الغد الذي يعملون من أجله، رغم ما يستفيق من أطماع وما يلوح من وجوه تستقدم العهود البائدة وسطوة الهيمنة والاحتلال، وتحاول أن تعيد عجلة التاريخ إلى الخلف.‏

 فالسوريون الذين يضبطون إيقاع التاريخ على توقيت حضارتهم الموغلة في عمق الوجود الإنساني، يضبطون اليوم بتضحياتهم وبصور شهدائهم وفي عيدهم التاريخ الجديد، والإيقاع المنتظم للبشرية في عهد العودة إلى اليقين الأول بأن سورية كانت وستبقى مهداً للحضارة ومنطلقاً للفعل الإنساني القائم على التضحية والعطاء كي يظل التاريخ داخل هوامش مساره..‏

  • فريق ماسة
  • 2014-05-05
  • 11076
  • من الأرشيف

في مدارات الشهيد

يحضر الشهيد في عيده، وقد كللته أزاهير الوجدان على امتداد الأرض السورية، بعد أن جمعت كل ما في سلال وجودها لتعلن: من هنا تكون البداية وهناك على ذلك المدار ترتسم الحصيلة الممتدة في اخاديد الوطن وجوداً وحضوراً.. تضحية وعطاء.. فعلاً وممارسة.. انتماء وقدسية.  فالشهيد الذي زنر حضوره البيوت السورية، يقف اليوم في صرحه وعيونه ترنو نحو الوطن. ويقين الشهيد - الحاضر الأبدي - يضفي على الإرادة السورية ألق العطاء الممهور بضفائر الوطن الممتدة في عمق حضارته وهي تتجذر إصراراً وثباتاً.‏  بين الإيمان بالشهادة والقناعة بسلوكها يبدو أن المسافة الفاصلة لم تتبدل، وقد باتت أكثر وضوحاً وأضافت إلى ذاكرة السوريين لوائح من المجد الذي تكتبه دماء من ضحوا، وتسطر بأحرف من نور بطولات الصمود الذي تحتضنه آلاف القصص والحكايات المسورة بحب الأرض وقدسية الوطن.‏  فتعود المدارات الأولى للشهيد لترسم إحداثيات الوطن خطوطاً تتقاطع على مواسم العطاء والبذل والتضحية، وتتشارك في قاموس الوجود وهي تعيد ترتيب حروف الوطن وكلمات الأرض، وتكتب في دفاترها المزنرة بأسمائهم ووجوههم وابتساماتهم ما يوجز وما يصلح ليكون القاموس الجديد في ذاكرة الوطن.‏  لم يكتفِ السوريون بكل ما تراكم في تلك الذاكرة من صفحات تصلح للمحاججة وتقدم القرائن على السمو في التضحية، ولم يتوقفوا عند حدود يقينهم الدائم بأن المدارات التي تتشكل حول الشهيد والشهادة ستظل مشهداً تتداوله الأجيال التي كتبت على السطور الأولى معزوفة العطاء، بل تمتد نحو مشاهد جديدة وعناوين جديدة يكون فيها عيد الشهداء منعطفاً إضافياً في رسم لوحة الوطن.‏  على امتداد هذه الأرض يخطو السوريون على وقع انتصارات تصنعها تضحيات شهدائهم، ويقينهم بأن ما رسمته خطواتهم السابقة وما تتأهب لتخطه لاحقاً سيكون البرهان الساطع على أن التضحية ليست فعلا وطنيا بامتياز فحسب، بل أيضاً تحاكي فيه سمو الوجود ورسالة الخلود الأبدي للوطن.‏  في حضرة الشهيد تعلن الكلمات عجزها ولا تشعر بالخجل، وفي مقام الشهيد تقترب الذات السورية من استكمال آخر مداراتها، وهي تسجل أن ما ضحى به السوريون في الماضي وما يضحونه حاضراً كان وسيبقى طريقا يضمن لهم الغد الذي يعملون من أجله، رغم ما يستفيق من أطماع وما يلوح من وجوه تستقدم العهود البائدة وسطوة الهيمنة والاحتلال، وتحاول أن تعيد عجلة التاريخ إلى الخلف.‏  فالسوريون الذين يضبطون إيقاع التاريخ على توقيت حضارتهم الموغلة في عمق الوجود الإنساني، يضبطون اليوم بتضحياتهم وبصور شهدائهم وفي عيدهم التاريخ الجديد، والإيقاع المنتظم للبشرية في عهد العودة إلى اليقين الأول بأن سورية كانت وستبقى مهداً للحضارة ومنطلقاً للفعل الإنساني القائم على التضحية والعطاء كي يظل التاريخ داخل هوامش مساره..‏

المصدر : الثورة/ علي قاسم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة