لا شك ان قرار الإدارة الأمريكية بفتح “مكاتب دبلوماسية” للائتلاف الوطني السوري المعارض على أراضيها سيشكل “مكافأة” سارة للسيد احمد الجربا الذي يزور واشنطن بدعوة رسمية للمرة الأولى منذ تأسيس الائتلاف، ولكن ما ينتظره السيد الجربا، وائتلافه، هو “الأسلحة النوعية”، والصواريخ المضادة للطائرات على أمل تغيير مسار العمليات العسكرية على الأرض لمصلحة المعارضة المسلحة، بعد أن حققت قوات الجيش السوري تقدما ملحوظا في الأشهر الأخيرة.

الإدارة الأمريكية لا تريد أن ترد السيد الجربا خائبا فارغ اليدين، ولذلك قررت أن تقدم له هذه الهدية ربما كبديل عن لائحة طلباته العسكرية الطموحة، وتخفيف حدة الانتقادات لها ومواقفها “المترددة” من قبل المعارضة السورية التي تشعر بخيبة أمل من الموقف الأمريكي الرافض للتدخل العسكري المباشر على غرار العراق او ليبيا، وينسى هؤلاء أن القاسم المشترك بين البلدين هو النفط، وان نتائج التدخل جاءت كارثية على أمريكا والدولتين المعنيتين معا.

***

توقيت القرار الأمريكي يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار، ولا نستبعد أو نستغرب أن يكون جاء ردا على خطوة الرئيس بشار الأسد خوض انتخابات رئاسية، في تحد صارخ واستفزازي للإدارة الأمريكية وحلفائها، وإغلاق كل الأبواب في وجه من يحاول تطبيق قرارات مؤتمر جنيف الأول، والبند الثامن منه، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة، وبموافقة الطرفين وإلغاء أي دور للرئيس السوري.

لا نعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الأسد للإقدام على هذا الخطوة المتحدية، خاصة أن المادة 187 من الدستور السوري تنص على تأجيل أي انتخابات رئاسية أو برلمانية إذا كانت أوضاع البلاد الأمنية لا تسمح بذلك، ونعتقد جازمين أن حالة الانقسام والاحتراب التي تعيشها سورية حاليا تجسد هذه المادة الدستورية، وتوفر المبرر للتأجيل، أي أن الانتخابات الرئاسية ليست ضرورة ملحة في الوقت الراهن.

أجهزة الإعلام السورية قالت أن الدعوة إلى الانتخابات هذه باتت ضرورة حتمية لتجنب حدوث فراغ دستوري، ولكن من سيحاسب نظاما محاصرا يخوض حربا ضروسا، ويسأله إذا ما كان وجوده دستوريا أم لا، خاصة في سورية؟ فالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يفاوض إسرائيل لتوقيع اتفاق نهائي للقضية الفلسطينية، انتهت مدته الرئاسية منذ أربع سنوات، ويتفاوض بغطاء أمريكي، ورعاية مباشرة من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي نفسه، ولم نسمع مطلقا أي مسؤول أمريكي، أو أوروبي، أو حتى إسرائيلي، يقول انه رئيس غير شرعي أو غير دستوري، بل هو أكثر شرعية من اوباما نفسه طالما انه سيوقع اتفاق يتخلى بمقتضاه عن الثوابت الفلسطينية جميعا.

يصعب علينا أن نتكهن عما إذا كانت هذه “الهدية” التي قدمتها إدارة اوباما للسيد الجربا “يتيمة” أم أن “هدايا” أخرى ستتبعها خاصة أن مدة إقامته في أمريكا ستطول عشرة أيام أخرى، ولكن ما يمكن التكهن به أن دولا عربية ستعتبرها ضوءا اخضر لفتح “هيئات” دبلوماسية مماثلة للائتلاف الوطني السوري على أراضيها، ومن غير المستبعد أن تذهب بعضها إلى ما هو ابعد من ذلك، وتسليم السفارات السورية المغلقة في عواصمها إلى الائتلاف، فواشنطن هي التي تحدد النغمة والباقون يعزفون.

بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات اوسلو قبل واحد وعشرين عاما، وارفقتها باعتراف صريح موثق باسرائيل، سمحت الدول الغربية لها بتحويل مكاتبها التي كانت في اطار الجامعة العربية او ملحقا بمكاتبها الى بعثات دبلوماسية، ومنحتها بعض الامتيازات الشكلية الصغيرة جدا والهامشية التي ترضي العقول الصغيرة، وما زال الوضع على حاله لم يتغير، ولن يتغير، حتى لو تجاوبت السلطة في رام الله مع الضغوط الامريكية الاسرائيلية واعتراف باسرائيل دولة يهودية عنصرية، فهل سيكون ائتلاف الجربا افضل حظا؟

***

امريكا تقدم للمعارضة السورية “لعبة” تتسلى بها، وتشغلها عن مطالبها الاخرى المستعجلة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “مان باد” لانها تعرف ان هذه الصواريخ قد تذهب الى الجماعات الاسلامية المتشددة ولا تستطيع استرجاعها، ثم قد تستخدم من قبلها او غيرها ضد اهداف اسرائيلية او طائرات مدنية لدول حليفة لامريكا.

العروض المغرية التي قدمها السيد كمال اللبواني احد ابرز قادة المعارضة السورية لاسرائيل، ومن بينها التنازل عن الجولان، وتحويلها الى “حديقة سلام”، جاءت بهدف طمأنة واشنطن ضمن اهداف اخرى بأن هذه الصواريخ لن تستخدم ضد اهداف اسرائيلية، ولكن واشنطن تستمع الى حلفائها الاستراتيجيين القدامى ولا تستمع الى حلفائها الجدد، مهما كان حديثهم عذبا ومغريا!

اسرائيل اولا واخيرا بالنسبة الى واشنطن ولم تتغير هذه المعادلة على مدى ستين عاما وليس هناك ما يوحي بغير ذلك في الوقت الراهن او المستقبل القريب على الاقل، ونتمنى للسيد الجربا اقامة هنيئة في واشنطن!

  • فريق ماسة
  • 2014-05-05
  • 9125
  • من الأرشيف

هكذا رد أوباما على تحدي الأسد بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها

لا شك ان قرار الإدارة الأمريكية بفتح “مكاتب دبلوماسية” للائتلاف الوطني السوري المعارض على أراضيها سيشكل “مكافأة” سارة للسيد احمد الجربا الذي يزور واشنطن بدعوة رسمية للمرة الأولى منذ تأسيس الائتلاف، ولكن ما ينتظره السيد الجربا، وائتلافه، هو “الأسلحة النوعية”، والصواريخ المضادة للطائرات على أمل تغيير مسار العمليات العسكرية على الأرض لمصلحة المعارضة المسلحة، بعد أن حققت قوات الجيش السوري تقدما ملحوظا في الأشهر الأخيرة. الإدارة الأمريكية لا تريد أن ترد السيد الجربا خائبا فارغ اليدين، ولذلك قررت أن تقدم له هذه الهدية ربما كبديل عن لائحة طلباته العسكرية الطموحة، وتخفيف حدة الانتقادات لها ومواقفها “المترددة” من قبل المعارضة السورية التي تشعر بخيبة أمل من الموقف الأمريكي الرافض للتدخل العسكري المباشر على غرار العراق او ليبيا، وينسى هؤلاء أن القاسم المشترك بين البلدين هو النفط، وان نتائج التدخل جاءت كارثية على أمريكا والدولتين المعنيتين معا. *** توقيت القرار الأمريكي يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار، ولا نستبعد أو نستغرب أن يكون جاء ردا على خطوة الرئيس بشار الأسد خوض انتخابات رئاسية، في تحد صارخ واستفزازي للإدارة الأمريكية وحلفائها، وإغلاق كل الأبواب في وجه من يحاول تطبيق قرارات مؤتمر جنيف الأول، والبند الثامن منه، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة، وبموافقة الطرفين وإلغاء أي دور للرئيس السوري. لا نعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الأسد للإقدام على هذا الخطوة المتحدية، خاصة أن المادة 187 من الدستور السوري تنص على تأجيل أي انتخابات رئاسية أو برلمانية إذا كانت أوضاع البلاد الأمنية لا تسمح بذلك، ونعتقد جازمين أن حالة الانقسام والاحتراب التي تعيشها سورية حاليا تجسد هذه المادة الدستورية، وتوفر المبرر للتأجيل، أي أن الانتخابات الرئاسية ليست ضرورة ملحة في الوقت الراهن. أجهزة الإعلام السورية قالت أن الدعوة إلى الانتخابات هذه باتت ضرورة حتمية لتجنب حدوث فراغ دستوري، ولكن من سيحاسب نظاما محاصرا يخوض حربا ضروسا، ويسأله إذا ما كان وجوده دستوريا أم لا، خاصة في سورية؟ فالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يفاوض إسرائيل لتوقيع اتفاق نهائي للقضية الفلسطينية، انتهت مدته الرئاسية منذ أربع سنوات، ويتفاوض بغطاء أمريكي، ورعاية مباشرة من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي نفسه، ولم نسمع مطلقا أي مسؤول أمريكي، أو أوروبي، أو حتى إسرائيلي، يقول انه رئيس غير شرعي أو غير دستوري، بل هو أكثر شرعية من اوباما نفسه طالما انه سيوقع اتفاق يتخلى بمقتضاه عن الثوابت الفلسطينية جميعا. يصعب علينا أن نتكهن عما إذا كانت هذه “الهدية” التي قدمتها إدارة اوباما للسيد الجربا “يتيمة” أم أن “هدايا” أخرى ستتبعها خاصة أن مدة إقامته في أمريكا ستطول عشرة أيام أخرى، ولكن ما يمكن التكهن به أن دولا عربية ستعتبرها ضوءا اخضر لفتح “هيئات” دبلوماسية مماثلة للائتلاف الوطني السوري على أراضيها، ومن غير المستبعد أن تذهب بعضها إلى ما هو ابعد من ذلك، وتسليم السفارات السورية المغلقة في عواصمها إلى الائتلاف، فواشنطن هي التي تحدد النغمة والباقون يعزفون. بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات اوسلو قبل واحد وعشرين عاما، وارفقتها باعتراف صريح موثق باسرائيل، سمحت الدول الغربية لها بتحويل مكاتبها التي كانت في اطار الجامعة العربية او ملحقا بمكاتبها الى بعثات دبلوماسية، ومنحتها بعض الامتيازات الشكلية الصغيرة جدا والهامشية التي ترضي العقول الصغيرة، وما زال الوضع على حاله لم يتغير، ولن يتغير، حتى لو تجاوبت السلطة في رام الله مع الضغوط الامريكية الاسرائيلية واعتراف باسرائيل دولة يهودية عنصرية، فهل سيكون ائتلاف الجربا افضل حظا؟ *** امريكا تقدم للمعارضة السورية “لعبة” تتسلى بها، وتشغلها عن مطالبها الاخرى المستعجلة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “مان باد” لانها تعرف ان هذه الصواريخ قد تذهب الى الجماعات الاسلامية المتشددة ولا تستطيع استرجاعها، ثم قد تستخدم من قبلها او غيرها ضد اهداف اسرائيلية او طائرات مدنية لدول حليفة لامريكا. العروض المغرية التي قدمها السيد كمال اللبواني احد ابرز قادة المعارضة السورية لاسرائيل، ومن بينها التنازل عن الجولان، وتحويلها الى “حديقة سلام”، جاءت بهدف طمأنة واشنطن ضمن اهداف اخرى بأن هذه الصواريخ لن تستخدم ضد اهداف اسرائيلية، ولكن واشنطن تستمع الى حلفائها الاستراتيجيين القدامى ولا تستمع الى حلفائها الجدد، مهما كان حديثهم عذبا ومغريا! اسرائيل اولا واخيرا بالنسبة الى واشنطن ولم تتغير هذه المعادلة على مدى ستين عاما وليس هناك ما يوحي بغير ذلك في الوقت الراهن او المستقبل القريب على الاقل، ونتمنى للسيد الجربا اقامة هنيئة في واشنطن!

المصدر : الراي اليوم/ عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة