طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أيام، اجتماعاً للرباعية الدولية حول سورية. كان هدفه تفعيل المشاورات لعقد جنيف 3. جاءه الردّ صادماً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «الوقت ليس مناسباً الآن، والأولوية حالياً لأوكراني ».

اللجنة الرباعية هي الأمم المتحدة وأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. كل هذه الأطراف تبدو عاجزة، في الوقت الراهن، عن إحياء جنيف، أو البحث في أي حل تفاوضي في شأن سورية. عزّز ذلك قناعة الجميع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار أكثر تشدداً في الموضوع السوري بعد أزمة اوكرانيا. بات وزير خارجيته سيرغي لافروف يدلي، مرات عدة في الأسبوع الواحد، بتصريحات تؤيّد وجهة النظر الرسمية السورية. تارة ينتقد «إزدواجية الغرب ونفاقه» حيال الأسلحة الكيماوية السورية. وتارة أخرى يشجب استعداد الغرب للاعتراف بالانتخابات الأوكرانية من دون إصلاحات سياسية، بينما يرفض الأمر نفسه لسورية رغم الإصلاحات. بين هذه وتلك، يكرّر الدبلوماسي الصلب رفض تسليح الإرهاب على الأراضي السورية، ويلمّح إلى دول باتت معروفة.

لعل الرسائل تعزّزت في الآونة الأخيرة بين موسكو ودمشق. يُحكى عن تأييد واضح لترشّح الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة. مثل هذا التأييد قدّمته موسكو للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر وللرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر. قبل كل ذلك، كان لافروف نفسه يُعرب من قلب بغداد عن دعم بلاده لحرب رئيس الوزراء نوري المالكي على الإرهاب. ذهبت موسكو أبعد من ذلك. عززت اتفاقياتها النفطية مع طهران. قالت لمن يريد أن يسمع إنها لا تعترف بأي عقوبات أميركية، وإنما تعترف فقط بعقوبات مجلس الأمن. قلقت واشنطن. قال وزير خزانتها أن أي اتفاق قد يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية. أعقب التحذير اتفاقاً أولياً بين موسكو وطهران بقيمة 20 مليار دولار يقضي بأن تزوّد موسكو طهران بمعدات وبضائع روسية مقابل نفط إيراني.

ليس سهلاً أن تفكر أوروبا والولايات المتحدة باحتمال نجاح موسكو على أكثر من جبهة. النفط والغاز من إيران والجزائر يثيران القلق. هاتان دولتان لا تدخلان في نطاق الاطلسي. إحداهما حليفة بقوة للنظام السوري، والثانية تدافع عنه دبلوماسياً. ليس سهلاً أن يصبح لروسيا موطئ قدم جدي في العراق ومصر…

تحرّكت الدبلوماسية الأميركية. سارعت إلى دعم بوتفليقة في أوج حملته الانتخابية. فتحت الأبواب لوزير الخارجية المصري الذي يبدأ اليوم لقاءات هامة، سياسية وأمنية، في واشنطن.

لا شك في أن نبيل فهمي الذي ساهم بقوة في دفع بلاده نحو الخيار الروسي، يزور واشنطن مزهوّاً. نجحت مصر عبد الفتاح السياسي في دفع الإدارة الأميركية إلى إعادة فتح خزائنها ونسيان مرحلة إسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي. المصالح دائماً تتغلب على المبادئ. هل ثمة من لا يزال يذكر الربيع العربي؟

ولأن المصالح تتغلّب على المبادئ، فلا داعي للاستعجال في عقد جنيف 3 . قبل أيام، أكد لافروف، في حضور وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على أهمية العودة إلى جنيف. لعله يدرك أن في الأمر إحراجاً لواشنطن. روسيا قد تصبح أكثر تشدداً في الاجتماع المقبل. هذا المعارض ميشال كيلو، الرابط خيوطاً من السعودية إلى قطر فأميركا وتركيا، يقول: «تبين أن الروس ليسوا مع الحل السياسي، ولا مع الهيئة الحاكمة الانتقالية، ولا مع الانتقال إلى نظام ديمقراطي». من يلتقي كيلو هذه الأيام، سيسمع منه كلاماً مفاده: «أن الأوروبيين أنفسهم يعترفون بأن اوباما دمّر الجميع بسياسته المتخاذلة والضعيفة».

في 8 أيار المقبل، تجتمع في بروكسيل 9 دول أوروبية مع ممثلين عن أميركا وتركيا والأردن والمغرب وتونس. الهدف هو مواجهة «كارثة عودة الجهاديين من سورية إلى بلادهم أو استمرار مرور بعضهم صوب سورية». توصيف الكارثة يطلقه مسؤول دبلوماسي أوروبي كان في السابق من مسهّلي مرور المقاتلين والتكفيريين والإرهابيين إلى سورية. سبحان مغيّر الأحوال.

أميركا والغرب في محنة حقيقية الآن. الارهاب خرج عما كان مرسوماً له. الحماقة نفسها التي ارتكبت في افغانستان مع طالبان تتكرر في سورية. الخلايا الإرهابية بدأت بالظهور في بعض الدول المصدرة أصلاً لها. الاتصالات الأمنية مع دمشق وطهران وحزب الله وأنقرة وبغداد وعمان لم تعد تكفي. يتوجه مبعوث دبلوماسي فرنسي رفيع، وعتيق في الملف السوري، إلى إيران. ثمة من يعتقد أن في الأمر جس نبض جديداً. تفتح طهران أبوابها. باتت العاصمة الإيرانية محجّة الساعين لحلّ، أو للخلاص، أو لحفظ ماء الوجه. لكن «مرونة المصارع» التي أقرّها السيد علي خامنئي، بالنسبة للتفاوض على الملف النووي، تنسحب على ملفات أخرى.

طهران تدعم طلب دمشق في رفع مستوى الاتصالات الأمنية إلى اتصالات دبلوماسية. الإدارة الإيرانية أفهمت الفرنسيين أن لا كلام عن انتخابات رئاسية في لبنان من دون سورية. أفهمتهم أيضاً انه لا بد من تمرير مرحلة الانتخابات الرئاسية السورية. لعلهم فهموا أيضاً، ومن تلقاء أنفسهم، أن الدعم الإيراني ساهم في دعم رجب طيب اردوغان في الانتخابات الأخيرة. نتائج ذلك قد تظهر لاحقاً في الموقف التركي من الحدود السورية، لكن، حتى الآن، لا يزال بعض قادة المسلحين المتهمين بالإرهاب يجدون ملجأ في تركيا حين يشتد ضغط الجيش السوري عليهم.

أما عسكرياً، فالمعلومات تؤكد أن ثمة استمراراً للتمويل السعودي والتسليح الفرنسي. ينقل مسؤول عربي أن ادميرالاً فرنسياً متقاعداً عقد صفقة مؤخرا بـ 450 مليون دولار لأسلحة مرت عبر العقبة الاردنية.

باختصار، المشهد السوري الآن أمام التالي: تخلٍّ أميركي تدريجي. إيلاء الأولوية لمكافحة الإرهاب. التعامل مع إعادة انتخاب الأسد كأمر واقع.

بناء على ما تقدم، قد يسمع زائر أوروبا هذه الأيام، من مسؤولين أوروبيين أو من الأخضر الإبراهيمي نفسه، كلاماً مفاده أن لا داعي للضجة الكبيرة في شان الانتخابات الرئاسية السورية. من الأفضل التركيز على ما يجري على الأرض. بعد أيام قليلة سيحاول الابراهيمي تكثيف المساعي في نيويورك لدفع عجلة «جنيف 3». لكنه قد لا يجد آذاناً كثيرة صاغية. لا احد مضطراً لتغيير الاولوية الدولية الآن … أي اوكرانيا.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-27
  • 12210
  • من الأرشيف

سورية لم تعد أولوية أميركية ..بقلم سامي كليب

طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قبل أيام، اجتماعاً للرباعية الدولية حول سورية. كان هدفه تفعيل المشاورات لعقد جنيف 3. جاءه الردّ صادماً من وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «الوقت ليس مناسباً الآن، والأولوية حالياً لأوكراني ». اللجنة الرباعية هي الأمم المتحدة وأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي. كل هذه الأطراف تبدو عاجزة، في الوقت الراهن، عن إحياء جنيف، أو البحث في أي حل تفاوضي في شأن سورية. عزّز ذلك قناعة الجميع بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار أكثر تشدداً في الموضوع السوري بعد أزمة اوكرانيا. بات وزير خارجيته سيرغي لافروف يدلي، مرات عدة في الأسبوع الواحد، بتصريحات تؤيّد وجهة النظر الرسمية السورية. تارة ينتقد «إزدواجية الغرب ونفاقه» حيال الأسلحة الكيماوية السورية. وتارة أخرى يشجب استعداد الغرب للاعتراف بالانتخابات الأوكرانية من دون إصلاحات سياسية، بينما يرفض الأمر نفسه لسورية رغم الإصلاحات. بين هذه وتلك، يكرّر الدبلوماسي الصلب رفض تسليح الإرهاب على الأراضي السورية، ويلمّح إلى دول باتت معروفة. لعل الرسائل تعزّزت في الآونة الأخيرة بين موسكو ودمشق. يُحكى عن تأييد واضح لترشّح الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة. مثل هذا التأييد قدّمته موسكو للمشير عبد الفتاح السيسي في مصر وللرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر. قبل كل ذلك، كان لافروف نفسه يُعرب من قلب بغداد عن دعم بلاده لحرب رئيس الوزراء نوري المالكي على الإرهاب. ذهبت موسكو أبعد من ذلك. عززت اتفاقياتها النفطية مع طهران. قالت لمن يريد أن يسمع إنها لا تعترف بأي عقوبات أميركية، وإنما تعترف فقط بعقوبات مجلس الأمن. قلقت واشنطن. قال وزير خزانتها أن أي اتفاق قد يقع تحت طائلة العقوبات الأميركية. أعقب التحذير اتفاقاً أولياً بين موسكو وطهران بقيمة 20 مليار دولار يقضي بأن تزوّد موسكو طهران بمعدات وبضائع روسية مقابل نفط إيراني. ليس سهلاً أن تفكر أوروبا والولايات المتحدة باحتمال نجاح موسكو على أكثر من جبهة. النفط والغاز من إيران والجزائر يثيران القلق. هاتان دولتان لا تدخلان في نطاق الاطلسي. إحداهما حليفة بقوة للنظام السوري، والثانية تدافع عنه دبلوماسياً. ليس سهلاً أن يصبح لروسيا موطئ قدم جدي في العراق ومصر… تحرّكت الدبلوماسية الأميركية. سارعت إلى دعم بوتفليقة في أوج حملته الانتخابية. فتحت الأبواب لوزير الخارجية المصري الذي يبدأ اليوم لقاءات هامة، سياسية وأمنية، في واشنطن. لا شك في أن نبيل فهمي الذي ساهم بقوة في دفع بلاده نحو الخيار الروسي، يزور واشنطن مزهوّاً. نجحت مصر عبد الفتاح السياسي في دفع الإدارة الأميركية إلى إعادة فتح خزائنها ونسيان مرحلة إسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي. المصالح دائماً تتغلب على المبادئ. هل ثمة من لا يزال يذكر الربيع العربي؟ ولأن المصالح تتغلّب على المبادئ، فلا داعي للاستعجال في عقد جنيف 3 . قبل أيام، أكد لافروف، في حضور وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، على أهمية العودة إلى جنيف. لعله يدرك أن في الأمر إحراجاً لواشنطن. روسيا قد تصبح أكثر تشدداً في الاجتماع المقبل. هذا المعارض ميشال كيلو، الرابط خيوطاً من السعودية إلى قطر فأميركا وتركيا، يقول: «تبين أن الروس ليسوا مع الحل السياسي، ولا مع الهيئة الحاكمة الانتقالية، ولا مع الانتقال إلى نظام ديمقراطي». من يلتقي كيلو هذه الأيام، سيسمع منه كلاماً مفاده: «أن الأوروبيين أنفسهم يعترفون بأن اوباما دمّر الجميع بسياسته المتخاذلة والضعيفة». في 8 أيار المقبل، تجتمع في بروكسيل 9 دول أوروبية مع ممثلين عن أميركا وتركيا والأردن والمغرب وتونس. الهدف هو مواجهة «كارثة عودة الجهاديين من سورية إلى بلادهم أو استمرار مرور بعضهم صوب سورية». توصيف الكارثة يطلقه مسؤول دبلوماسي أوروبي كان في السابق من مسهّلي مرور المقاتلين والتكفيريين والإرهابيين إلى سورية. سبحان مغيّر الأحوال. أميركا والغرب في محنة حقيقية الآن. الارهاب خرج عما كان مرسوماً له. الحماقة نفسها التي ارتكبت في افغانستان مع طالبان تتكرر في سورية. الخلايا الإرهابية بدأت بالظهور في بعض الدول المصدرة أصلاً لها. الاتصالات الأمنية مع دمشق وطهران وحزب الله وأنقرة وبغداد وعمان لم تعد تكفي. يتوجه مبعوث دبلوماسي فرنسي رفيع، وعتيق في الملف السوري، إلى إيران. ثمة من يعتقد أن في الأمر جس نبض جديداً. تفتح طهران أبوابها. باتت العاصمة الإيرانية محجّة الساعين لحلّ، أو للخلاص، أو لحفظ ماء الوجه. لكن «مرونة المصارع» التي أقرّها السيد علي خامنئي، بالنسبة للتفاوض على الملف النووي، تنسحب على ملفات أخرى. طهران تدعم طلب دمشق في رفع مستوى الاتصالات الأمنية إلى اتصالات دبلوماسية. الإدارة الإيرانية أفهمت الفرنسيين أن لا كلام عن انتخابات رئاسية في لبنان من دون سورية. أفهمتهم أيضاً انه لا بد من تمرير مرحلة الانتخابات الرئاسية السورية. لعلهم فهموا أيضاً، ومن تلقاء أنفسهم، أن الدعم الإيراني ساهم في دعم رجب طيب اردوغان في الانتخابات الأخيرة. نتائج ذلك قد تظهر لاحقاً في الموقف التركي من الحدود السورية، لكن، حتى الآن، لا يزال بعض قادة المسلحين المتهمين بالإرهاب يجدون ملجأ في تركيا حين يشتد ضغط الجيش السوري عليهم. أما عسكرياً، فالمعلومات تؤكد أن ثمة استمراراً للتمويل السعودي والتسليح الفرنسي. ينقل مسؤول عربي أن ادميرالاً فرنسياً متقاعداً عقد صفقة مؤخرا بـ 450 مليون دولار لأسلحة مرت عبر العقبة الاردنية. باختصار، المشهد السوري الآن أمام التالي: تخلٍّ أميركي تدريجي. إيلاء الأولوية لمكافحة الإرهاب. التعامل مع إعادة انتخاب الأسد كأمر واقع. بناء على ما تقدم، قد يسمع زائر أوروبا هذه الأيام، من مسؤولين أوروبيين أو من الأخضر الإبراهيمي نفسه، كلاماً مفاده أن لا داعي للضجة الكبيرة في شان الانتخابات الرئاسية السورية. من الأفضل التركيز على ما يجري على الأرض. بعد أيام قليلة سيحاول الابراهيمي تكثيف المساعي في نيويورك لدفع عجلة «جنيف 3». لكنه قد لا يجد آذاناً كثيرة صاغية. لا احد مضطراً لتغيير الاولوية الدولية الآن … أي اوكرانيا.

المصدر : الأخبار/ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة