يتصدر الصراع السعودي – الإيراني رأس قائمة الصراعات الإقليمية منذ عقد من الزمان، بحيث أصبح هذا الصراع علماً على ساحات المنطقة الساخنة والمشتعلة بالوكالة من العراق شمالاً وحتى اليمن جنوباً، ومن البحرين شرقاً حتى لبنان غرباً.

تعددت أسباب الصراعات الداخلية في كل بلد، ولكن الناظم لها في سلسلة الصراع الأكبر والرئيس ظل واحداً: المصالح المتضاربة لطهران والرياض. لم تفلح الانتفاضات الشعبية العربية في الانتقال بالحراكات السياسية إلى آفاق أكثر رحابة في السنوات الثلاث الماضية التي اندلع فيها «الربيع العربي»، ومع فورة الأحلام في مرحلته الأولى، إذ عاد بعدها الصراع السعودي – الإيراني، أو" السني – الشيعي"، ليحتل موقعه كمحدد أساس لصراعات المنطقة. راهناً، ترتفع راية الصراع الإقليمي الرئيس فوق المبارزات والحراكات والصراعات المحلية: الانتخابات البرلمانية العراقية والانتخابات الرئاسية اللبنانية، وصولاً إلى مصالحة «فتح» و«حماس» ومنها إلى الساحة الأبرز للصراع السعودي – الإيراني أي سوريا. تأسيساً على ذلك، تبدو العلاقات السعودية – الإيرانية مجسدة وملخصة لتوازنات المنطقة؛ إذ يعد تقليب النظر في طبيعتها مؤشراً دقيقاً على مآلات الصراعات المحلية وارتباطاتها وتقلباتها بعضها ببعض. ومع احتدام الصراع بين الرياض وطهران، تذهب هذه السطور إلى أن هناك مصلحة موضوعية وأخرى مشتركة سعودية – إيرانية في لجم هذا الصراع وتلطيف حدته كل لأسبابه الذاتية، بحيث يكون الحل السياسي في سوريا مفتاحاً لتسويات إقليمية كبرى.

إيران في العيون السعودية

تعتقد الرياض أن الاتفاق الإيراني – الأميركي حول الملف النووي سيعبد الطريق أمام رفع العقوبات الاقتصادية على إيران ويطلق يديها أكثر في صراعات المنطقة، ولكنه سيعني في الوقت نفسه تبدل موازين القوى داخل إيران لمصلحة رموز الاعتدال الإيراني رفسنجاني وروحاني. كما أن التقدم في هذه المفاوضات سيعني – حكماً – تراجع مواقع المؤسسة الأمنية الإيرانية بقيادة الحرس الثوري في إدارة الملفات الإقليمية، لمصلحة إدارة روحاني ومن خلفه رفسنجاني. لا تعتقد الرياض بوجود مشكلة أساسية مع هذا الفريق، لا سيما أن السعودية أبرمت اتفاقات أمنية كبرى مع إيران في عصر رفسنجاني وتفاهمات سياسية في عصر الرئيس الأسبق خاتمي. صحيح أن موازين القوى الإقليمية وقتذاك لم تكن على هذه الشاكلة، ولكن رفسنجاني وخاتمي كانا شريكين مقبولين سعودياً. تغير الأمر في فترة أحمدي نجاد كثيراً، لكن الأخير لم يعد في السلطة الآن، وليس من مصلحة إيران أن يشتد تياره مرة أخرى فتتراجع صورة إيران المتحسنة في العالم بعد خروجه من معادلات السلطة. وبالرغم من أن تقدم المفاوضات الإيرانية – الأميركية يقوض مصالح السعودية في المنطقة، إلا أن هذا التقدم يصعد في الوقت ذاته بحظوظ الفريق المعتدل داخل الدولة الإيرانية، وهي نتيجة جيدة للرياض. وتقود النظرة المتأنية للأمور إلى نتيجة مفادها أن هناك نافذة للخطر وباباً للفرصة يفتحان أمام السعودية مع تقدم هذه المفاوضات الإيرانية – الأميركية. ستحتاج إيران إلى بعض الوقت والكثير من النجاح في المفاوضات مع أميركا كي تبدأ في جني ثمار رفع العقوبات، وحتى ذلك الحين، سيكون الانتباه الإيراني مركزاً نحو الداخل وتكريس توازنات جديدة في مفاصل الدولة الإيرانية وعملية صنع القرار الإقليمي. وبالتالي، فمن الأفضل – من المنظور الإيراني – اجتراح تهدئة إقليمية مع السعودية لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، ولتخفيف حدة التوتر الناجم عن تدوير الزوايا الإلزامي بين المؤسسات المختلفة. كما أن التهدئة مع السعودية ستدفع العلاقات الإيرانية – الأميركية إلى أمام، خصوصاً أن أوباما يتحسب خطواته الانفتاحية حيال إيران ويحتاج إلى دعم إقليمي للمضي في سياساته الشرق أوسطية.

السعودية في العيون الإيرانية

تواجه السعودية بدورها تحولات داخلية لا تقل عما تواجه إيران، بل ربما تكون الأخطـر منذ تاريخ تأسيس المملكة العام 1932. وبالتوازي مع التحولات الداخلية، تظهر تهديدات ناجمة عن تبدل الإطارين الدولي والإقليمي، وبالتالي، تحتاج السعودية إلى تهدئة أو مصالحة مع غريمتها الإقليمية، ريثما تتمكن من ترتيب أوضاعها الداخلية. داخلياً، أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله قراراً ملكياً بتنصيب الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد بعد الأمير سلمان بن عبد العزيز، من دون الرجوع إلى المؤسسات المختصة بتسمية ولي العهد، في خطوة حاسمة نحو قطع الطريق على ما يُعتقد أنه صراع محتمل بين الثلاثي بندر بن سلطان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف على الخلافة. من ناحيته، يقوّض النفوذ المتصاعد للمؤسسة الدينية الوهابية قدرات السياسة الإقليمية السعودية في تنافسها مع إيران. وبالتالي، ستعمد العائلة الحاكمة السعودية إلى اجتراح توازنات بين طموحات الشباب السعودي المنفتح على وسائل الاتصال الاجتماعي والتواق إلى حريات مدنية أكثر من ناحية، والمؤسسة الديـنية التي تعرقل قدرات السعودية على تحسين صورتها في المنطقة من ناحية أخـرى. أما علـى الصعـيد الدولي، فهناك تحديات جسام، إذ لم تكن الرياض أبداً حليفة للديموقراطيين بل للجمهوريين في أميركا، ولما كان أوباما عازماً على تنويع علاقات أميركا الشرق أوسطية وراغباً فيه، شكل ذلك عامل عدم ارتياح سعودي واضح. لذلك، ستولي الرياض جهداً كبيراً لاستغلال اللوبي الخاص بها في أميركا وفي الكونغرس لتقويض خطوات أوباما الشرق أوسطية، بالرهان على مرور الفترة المتبقية من ولايته من دون أن يفلح في تحقيق أهدافه الإقليمية. وبالتوازي مع المهام الداخلية والجهد الدولي، هناك تحديات إقليمية متنوعة تواجهها السعودية بخلاف مشاكلها مع إيران مثل رغبة الرياض في الحفاظ على صورة «مجلس التعاون الخليجي» وصراعها مع قطر في إطاره. وتمتد مشاكل السعودية الإقليمية مع محاولاتها لتحجيم جماعة «الإخوان المسلمين» في طول المنطقة وعرضها، والمصاعب التي تواجه تحالفاتها الإقليمية في العراق ولبنان، فضلاً عن انفلات حبل السيطرة على الجماعات الجهادية التي تقاتل النظام في سوريا. هذه الحزمة من المشاكل المتنوعة ستدفع السعودية موضوعياً إلى تحبيذ تهدئة مع إيران.

تهدئة ضرورية في المدى المنظور

لا يعتقد أحد أن العداوة المستعرة طائفياً بين طرفي الصراع ستنقلب حالاً إلى محبة ووئام، ولكن حاجتهما معاً إلى تهدئة – كل لأسبابه – ستستبقي خيار التهدئة على طاولة الاحتمالات. وفي هذا السياق تبدو الأزمة السورية مفتاحاً للتهدئة السعودية – الإيرانية، إذ إن ثقل الجغرافيا السورية في الموازين المشرقية والشرق أوسطية يحدد تاريخياً وإلى حد كبير توازنات القوى في المنطقة. استنزف الصراع في سوريا قدرات الطرفين، ويصعب في السياق الحالي للأحداث تصور أحدهما رابحاً سياسياً مما يجري لأسباب لا تخفى. وبالتالي، مثلما فاقمت الأزمة السورية من حدة المواجهة الطائفية..فمن شأن التوصل إلى حل وسط هناك أن يوقف نزيف الدم السوري ويستنقذ ما تبقى من مقدرات الدولة السورية وأن يعبّد الطريق في النهاية أمام تهدئة إقليمية أكبر بين قطبي الصراع الإقليمي في الرياض وطهران. ستخسر أطراف بعينها من مثل هذه التهدئة، سواء داخل إيران أو داخل السعودية، أو على الجبهات المتقابلة في ساحات المنطقة، مثلما ستتراجع أدوار لتيارات سياسية على الطرفين أرست سياساتها على مواجهة الآخر والنيل منه والتعريض به لإدامة حضورها السياسي وللحفاظ على مكتسباتها. بالمقابل، سيربح الطرفان ومعهما شعوب المنطقة من حال التهدئة الإقليمية، التي ستنعكس إيجاباً على ساحاتها الصراعية. كانت السياسة وستبقى فن الممكن، ومصالح الدول لم تحتكر تحديدها الأيديولوجيا في يوم من الأيام، ومن يصنع القرار في الرياض وطهران قد سمع على الأرجح مأثورة تشرشل القائلة: «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وإنما المصالح الدائمة». بكثير من الاطمئنان، يمكن القول إن مآل المواجهة السعودية – الإيرانية إلى تهدئة على الجبهات الإقليمية في المدى المنظور، مهما بدت الصورة قاتمة الآن!

  • فريق ماسة
  • 2014-04-27
  • 11212
  • من الأرشيف

إيران والسعودية: نحو تهدئة ضرورية

 يتصدر الصراع السعودي – الإيراني رأس قائمة الصراعات الإقليمية منذ عقد من الزمان، بحيث أصبح هذا الصراع علماً على ساحات المنطقة الساخنة والمشتعلة بالوكالة من العراق شمالاً وحتى اليمن جنوباً، ومن البحرين شرقاً حتى لبنان غرباً. تعددت أسباب الصراعات الداخلية في كل بلد، ولكن الناظم لها في سلسلة الصراع الأكبر والرئيس ظل واحداً: المصالح المتضاربة لطهران والرياض. لم تفلح الانتفاضات الشعبية العربية في الانتقال بالحراكات السياسية إلى آفاق أكثر رحابة في السنوات الثلاث الماضية التي اندلع فيها «الربيع العربي»، ومع فورة الأحلام في مرحلته الأولى، إذ عاد بعدها الصراع السعودي – الإيراني، أو" السني – الشيعي"، ليحتل موقعه كمحدد أساس لصراعات المنطقة. راهناً، ترتفع راية الصراع الإقليمي الرئيس فوق المبارزات والحراكات والصراعات المحلية: الانتخابات البرلمانية العراقية والانتخابات الرئاسية اللبنانية، وصولاً إلى مصالحة «فتح» و«حماس» ومنها إلى الساحة الأبرز للصراع السعودي – الإيراني أي سوريا. تأسيساً على ذلك، تبدو العلاقات السعودية – الإيرانية مجسدة وملخصة لتوازنات المنطقة؛ إذ يعد تقليب النظر في طبيعتها مؤشراً دقيقاً على مآلات الصراعات المحلية وارتباطاتها وتقلباتها بعضها ببعض. ومع احتدام الصراع بين الرياض وطهران، تذهب هذه السطور إلى أن هناك مصلحة موضوعية وأخرى مشتركة سعودية – إيرانية في لجم هذا الصراع وتلطيف حدته كل لأسبابه الذاتية، بحيث يكون الحل السياسي في سوريا مفتاحاً لتسويات إقليمية كبرى. إيران في العيون السعودية تعتقد الرياض أن الاتفاق الإيراني – الأميركي حول الملف النووي سيعبد الطريق أمام رفع العقوبات الاقتصادية على إيران ويطلق يديها أكثر في صراعات المنطقة، ولكنه سيعني في الوقت نفسه تبدل موازين القوى داخل إيران لمصلحة رموز الاعتدال الإيراني رفسنجاني وروحاني. كما أن التقدم في هذه المفاوضات سيعني – حكماً – تراجع مواقع المؤسسة الأمنية الإيرانية بقيادة الحرس الثوري في إدارة الملفات الإقليمية، لمصلحة إدارة روحاني ومن خلفه رفسنجاني. لا تعتقد الرياض بوجود مشكلة أساسية مع هذا الفريق، لا سيما أن السعودية أبرمت اتفاقات أمنية كبرى مع إيران في عصر رفسنجاني وتفاهمات سياسية في عصر الرئيس الأسبق خاتمي. صحيح أن موازين القوى الإقليمية وقتذاك لم تكن على هذه الشاكلة، ولكن رفسنجاني وخاتمي كانا شريكين مقبولين سعودياً. تغير الأمر في فترة أحمدي نجاد كثيراً، لكن الأخير لم يعد في السلطة الآن، وليس من مصلحة إيران أن يشتد تياره مرة أخرى فتتراجع صورة إيران المتحسنة في العالم بعد خروجه من معادلات السلطة. وبالرغم من أن تقدم المفاوضات الإيرانية – الأميركية يقوض مصالح السعودية في المنطقة، إلا أن هذا التقدم يصعد في الوقت ذاته بحظوظ الفريق المعتدل داخل الدولة الإيرانية، وهي نتيجة جيدة للرياض. وتقود النظرة المتأنية للأمور إلى نتيجة مفادها أن هناك نافذة للخطر وباباً للفرصة يفتحان أمام السعودية مع تقدم هذه المفاوضات الإيرانية – الأميركية. ستحتاج إيران إلى بعض الوقت والكثير من النجاح في المفاوضات مع أميركا كي تبدأ في جني ثمار رفع العقوبات، وحتى ذلك الحين، سيكون الانتباه الإيراني مركزاً نحو الداخل وتكريس توازنات جديدة في مفاصل الدولة الإيرانية وعملية صنع القرار الإقليمي. وبالتالي، فمن الأفضل – من المنظور الإيراني – اجتراح تهدئة إقليمية مع السعودية لمواجهة الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، ولتخفيف حدة التوتر الناجم عن تدوير الزوايا الإلزامي بين المؤسسات المختلفة. كما أن التهدئة مع السعودية ستدفع العلاقات الإيرانية – الأميركية إلى أمام، خصوصاً أن أوباما يتحسب خطواته الانفتاحية حيال إيران ويحتاج إلى دعم إقليمي للمضي في سياساته الشرق أوسطية. السعودية في العيون الإيرانية تواجه السعودية بدورها تحولات داخلية لا تقل عما تواجه إيران، بل ربما تكون الأخطـر منذ تاريخ تأسيس المملكة العام 1932. وبالتوازي مع التحولات الداخلية، تظهر تهديدات ناجمة عن تبدل الإطارين الدولي والإقليمي، وبالتالي، تحتاج السعودية إلى تهدئة أو مصالحة مع غريمتها الإقليمية، ريثما تتمكن من ترتيب أوضاعها الداخلية. داخلياً، أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله قراراً ملكياً بتنصيب الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد بعد الأمير سلمان بن عبد العزيز، من دون الرجوع إلى المؤسسات المختصة بتسمية ولي العهد، في خطوة حاسمة نحو قطع الطريق على ما يُعتقد أنه صراع محتمل بين الثلاثي بندر بن سلطان ومتعب بن عبد الله ومحمد بن نايف على الخلافة. من ناحيته، يقوّض النفوذ المتصاعد للمؤسسة الدينية الوهابية قدرات السياسة الإقليمية السعودية في تنافسها مع إيران. وبالتالي، ستعمد العائلة الحاكمة السعودية إلى اجتراح توازنات بين طموحات الشباب السعودي المنفتح على وسائل الاتصال الاجتماعي والتواق إلى حريات مدنية أكثر من ناحية، والمؤسسة الديـنية التي تعرقل قدرات السعودية على تحسين صورتها في المنطقة من ناحية أخـرى. أما علـى الصعـيد الدولي، فهناك تحديات جسام، إذ لم تكن الرياض أبداً حليفة للديموقراطيين بل للجمهوريين في أميركا، ولما كان أوباما عازماً على تنويع علاقات أميركا الشرق أوسطية وراغباً فيه، شكل ذلك عامل عدم ارتياح سعودي واضح. لذلك، ستولي الرياض جهداً كبيراً لاستغلال اللوبي الخاص بها في أميركا وفي الكونغرس لتقويض خطوات أوباما الشرق أوسطية، بالرهان على مرور الفترة المتبقية من ولايته من دون أن يفلح في تحقيق أهدافه الإقليمية. وبالتوازي مع المهام الداخلية والجهد الدولي، هناك تحديات إقليمية متنوعة تواجهها السعودية بخلاف مشاكلها مع إيران مثل رغبة الرياض في الحفاظ على صورة «مجلس التعاون الخليجي» وصراعها مع قطر في إطاره. وتمتد مشاكل السعودية الإقليمية مع محاولاتها لتحجيم جماعة «الإخوان المسلمين» في طول المنطقة وعرضها، والمصاعب التي تواجه تحالفاتها الإقليمية في العراق ولبنان، فضلاً عن انفلات حبل السيطرة على الجماعات الجهادية التي تقاتل النظام في سوريا. هذه الحزمة من المشاكل المتنوعة ستدفع السعودية موضوعياً إلى تحبيذ تهدئة مع إيران. تهدئة ضرورية في المدى المنظور لا يعتقد أحد أن العداوة المستعرة طائفياً بين طرفي الصراع ستنقلب حالاً إلى محبة ووئام، ولكن حاجتهما معاً إلى تهدئة – كل لأسبابه – ستستبقي خيار التهدئة على طاولة الاحتمالات. وفي هذا السياق تبدو الأزمة السورية مفتاحاً للتهدئة السعودية – الإيرانية، إذ إن ثقل الجغرافيا السورية في الموازين المشرقية والشرق أوسطية يحدد تاريخياً وإلى حد كبير توازنات القوى في المنطقة. استنزف الصراع في سوريا قدرات الطرفين، ويصعب في السياق الحالي للأحداث تصور أحدهما رابحاً سياسياً مما يجري لأسباب لا تخفى. وبالتالي، مثلما فاقمت الأزمة السورية من حدة المواجهة الطائفية..فمن شأن التوصل إلى حل وسط هناك أن يوقف نزيف الدم السوري ويستنقذ ما تبقى من مقدرات الدولة السورية وأن يعبّد الطريق في النهاية أمام تهدئة إقليمية أكبر بين قطبي الصراع الإقليمي في الرياض وطهران. ستخسر أطراف بعينها من مثل هذه التهدئة، سواء داخل إيران أو داخل السعودية، أو على الجبهات المتقابلة في ساحات المنطقة، مثلما ستتراجع أدوار لتيارات سياسية على الطرفين أرست سياساتها على مواجهة الآخر والنيل منه والتعريض به لإدامة حضورها السياسي وللحفاظ على مكتسباتها. بالمقابل، سيربح الطرفان ومعهما شعوب المنطقة من حال التهدئة الإقليمية، التي ستنعكس إيجاباً على ساحاتها الصراعية. كانت السياسة وستبقى فن الممكن، ومصالح الدول لم تحتكر تحديدها الأيديولوجيا في يوم من الأيام، ومن يصنع القرار في الرياض وطهران قد سمع على الأرجح مأثورة تشرشل القائلة: «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وإنما المصالح الدائمة». بكثير من الاطمئنان، يمكن القول إن مآل المواجهة السعودية – الإيرانية إلى تهدئة على الجبهات الإقليمية في المدى المنظور، مهما بدت الصورة قاتمة الآن!

المصدر : السفير /مصطفى اللباد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة