اذا ما سألنا اي رئيس يريدونه لسوريا؟ رجل عبارة عن عباءة وحذاء وطربوش عثماني. أما مكان الولادة، والإقامة، فهو… القرون الوسطى.

لسنا من النوع الذي يرى الأمور بعيون عرجاء، أو بأصابع عرجاء، فنبرئ النظام من الانتهاكات والتجاوزات والارتكابات ونقول ان اهله اغتسلوا للتو بيدي محيي الدين بن عربي. ولكن ليقولوا لنا ما هو ومن هو البديل؟

لطالما رفضنا القول انه منطق الحرب قبل ان يتبين لنا ان المسألة لا تقتصر على تقويض النظام الذي يفترض ألاّ يكون أبدياً بأي حال.

ثمة من خطط لإزالة سوريا من خلال تفجيرها وتجزئتها قطعة قطعة، وبعدما قال ايهود يعاري، الاسرائيلي الذي يعمل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، ان تفكيك الدور الجيوبوليتيكي لدمشق يفضي حتماً الى اسدال الستار على سائر ازمات الشرق الأوسط. تفادى الحديث عن تفكيك الدولة كما لو أن تفكيك الدور يمكن ان يتحقق من دون تفكيك الدولة أو بالعكس.

الآن يصرخ أحمد الجربا، معتبراً أن البديل هو الهيئة الانتقالية.

ليقل لنا هذا الرجل ماذا يمثل هو والائتلاف (العثماني) الذي يرأسه على الأرض؟ وهل شاهد القنوات الغربية التي تحدثت بالتفصيل عن المواكبة التركية له لكي ينتقل لبضع دقائق الى كسب ثم يقفل عائداً وعلى وجه السرعة الى داخل تركيا التي يعلم كيف تعامل رفاقه في الائتلاف على انهم حجارة النرد. ولا ندري ما اذا كانت حجارة النرد أقل شأناً أم أكثر شأناً من حجارة الشطرنج.

لا نعتقد أن الجربا يحسن المشاهدة أو يحسن القراءة. قيل له في الصين التي زارها أخيراً الا حل ولا تسوية إلا بالتفاهم مع النظام الذي لم يعد اياه بطبيعة الحال، بعد كل ذلك الدمار وبعد كل تلك الكوارث، وقيل له اذا لم تتوحد المعارضة وتجلس موحدة على طاولة الحوار، او طاولة التفاوض «فأنتم تقودون بلادكم الى ما هو أسوأ من الأفغنة والى ما هو أسوأ من الصوملة».

يقول هذا ديبلوماسي صيني في دمشق بصوتٍ عالٍ، مع أن الصينيين يأخذون عادةً بدعوة كونفوشيوس لهم بأن يكون صوتهم مثل صوت الفراشات أو مثل صوت الأزهار. ما يحدث في سوريا حرب ضد سوريا. من أتى بالشيشاني (وهلم جراً) الى الرقة والى ادلب والى دير الزور لكي يقطع رؤوس السوريين ويدحرجها، هكذا بالحرف الواحد، الى جهنم؟

أهل الائتلاف، ومن آزرهم ويؤازرهم من العرب، قالوا باعتماد النموذج اليمني، كما لو ان هذا النموذج أتى بالسعادة الى اليمن السعيد الذي لا نعتقد ان احداً يجهل تحت اي سلطة وتحت اي حماية السلطة فيه، وكيف تدار الكترونياً عن قرب وعن بعد في آن. هذا بعدما قالوا بالنموذج الليبي الذي اوصل ليبيا الى الخراب، من دون التحسر ولو للحظة على معمر القذافي، ثم قالوا بالنموذج العراقي الذي يفكك، وبالسيناريو العثماني اياه، بلاد الرافدين مدينة بعد مدينة ومنطقة بعد منطقة.

الجربا قال ان المعارضة تسيطر على ما بين 60 و70 في المئة من سوريا. حسناً، لماذا لا يتحدى النظام ويعلن ترشحه ليحصل امام العالم على ما بين 60 و70 في المئة من الاصوات التي لا بد ان تتعدى في هذه الحال عدد الاصوات التي ينالها بشار الاسد؟

يعلم الجربا، ويعلم من أوكلوا اليه تلك المهمة الفضفاضة، ان المعارضة لا تخسر الارض بل وتخسر الناس عندما تكون الرقة هي المثال وحين تؤازر المدفعية التركية، والمستشارون الاتراك، وحدات المعارضة لكي تدمر مدينة كسب وتتولى ترحيل اهلها الارمن بالضغينة العثمانية اياها التي لم تقبل بهم حتى خارج حدودها.

بطبيعة الحال نحن مع تداول السلطة، وضد السلطة التي تتكئ، وبحسب باسكال بونيفاس، على ذراع الله، باعتبار ان الخروج عن طاعتها هو خروج عن طاعة الله، ولكن هل الذي يحدث في سوريا هو فعلاً ثورة من اجل الحياة، كما يحلو للبعض ان يطلق عليها، ام انها اوديسه الخراب والقتل والعودة بذلك البلد البهي الى ما قبل التاريخ؟

يقول لنا سفير عربي في بيروت ان اصواتاً بدأت تعلو داخل الدول العربية التي تدعم المعارضة، وحتى آخر جثة في سوريا، وترى انه في نهاية المطاف لا بد من ان تسقط سوريا ان في سلة الاتراك او في سلة الاسرائيليين او في السلتين معاً.

ثمة شيء يحدث في الدول العربية اياها. ودعونا نتفاءل بحذر شديد حين يعلن السفير السعودي في طهران عبد الرحمن بن غرمان الشهري توجيه الدعوة الى علي أكبرهاشمي رفسنجاني لزيارة الرياض، هذا حين نعلم، وقد كتبنا ذلك سابقاً، مدى الود الذي يكنه الملك عبدالله بن عبد العزيز للرجل حتى انه عندما زار الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد السعودية لم يخف انزعاجه من اسئلة الملك المتلاحقة حول رفسنجاني.

لا بد ان نسأل لماذا وجهت الدعوة الى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الاسبق ولم توجه الى رئيس الدولة حسن روحاني الذي اطلق العديد من المواقف التي ابدى خلالها الرغبة في زيارة المملكة والانتقال بالعلاقات المتوترة الى حالة أخرى؟

لا بأس ان تبدأ الأمور هكذا، وبعدما تبين لأكثر من جهة عربية ماهية الدور الذي تضطلع به أنقرة الآن، ولمن تفتح حدودها، وكيف تخطط لوضع اليد على مدينة حلب في اجتماعات عسكرية واستخباراتية يرأسها رجب طيب أردوغان شخصياً، فإلى متى يدفع العرب الجزية الى السلطان العثماني. السوريون لن يقبلوا برجل هو عبارة عن عباءة وحذاء وطربوش عثماني. ولنراهن، بكل ما أوتينا من يأس على نقطة التقاء بين الرياض وطهران. حتى الدم يصاب أحياناً بالضجر، دم العرب هو الاستثناء!.
  • فريق ماسة
  • 2014-04-26
  • 10580
  • من الأرشيف

عباءة وحذاء و .. طربوش عثماني

اذا ما سألنا اي رئيس يريدونه لسوريا؟ رجل عبارة عن عباءة وحذاء وطربوش عثماني. أما مكان الولادة، والإقامة، فهو… القرون الوسطى. لسنا من النوع الذي يرى الأمور بعيون عرجاء، أو بأصابع عرجاء، فنبرئ النظام من الانتهاكات والتجاوزات والارتكابات ونقول ان اهله اغتسلوا للتو بيدي محيي الدين بن عربي. ولكن ليقولوا لنا ما هو ومن هو البديل؟ لطالما رفضنا القول انه منطق الحرب قبل ان يتبين لنا ان المسألة لا تقتصر على تقويض النظام الذي يفترض ألاّ يكون أبدياً بأي حال. ثمة من خطط لإزالة سوريا من خلال تفجيرها وتجزئتها قطعة قطعة، وبعدما قال ايهود يعاري، الاسرائيلي الذي يعمل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، ان تفكيك الدور الجيوبوليتيكي لدمشق يفضي حتماً الى اسدال الستار على سائر ازمات الشرق الأوسط. تفادى الحديث عن تفكيك الدولة كما لو أن تفكيك الدور يمكن ان يتحقق من دون تفكيك الدولة أو بالعكس. الآن يصرخ أحمد الجربا، معتبراً أن البديل هو الهيئة الانتقالية. ليقل لنا هذا الرجل ماذا يمثل هو والائتلاف (العثماني) الذي يرأسه على الأرض؟ وهل شاهد القنوات الغربية التي تحدثت بالتفصيل عن المواكبة التركية له لكي ينتقل لبضع دقائق الى كسب ثم يقفل عائداً وعلى وجه السرعة الى داخل تركيا التي يعلم كيف تعامل رفاقه في الائتلاف على انهم حجارة النرد. ولا ندري ما اذا كانت حجارة النرد أقل شأناً أم أكثر شأناً من حجارة الشطرنج. لا نعتقد أن الجربا يحسن المشاهدة أو يحسن القراءة. قيل له في الصين التي زارها أخيراً الا حل ولا تسوية إلا بالتفاهم مع النظام الذي لم يعد اياه بطبيعة الحال، بعد كل ذلك الدمار وبعد كل تلك الكوارث، وقيل له اذا لم تتوحد المعارضة وتجلس موحدة على طاولة الحوار، او طاولة التفاوض «فأنتم تقودون بلادكم الى ما هو أسوأ من الأفغنة والى ما هو أسوأ من الصوملة». يقول هذا ديبلوماسي صيني في دمشق بصوتٍ عالٍ، مع أن الصينيين يأخذون عادةً بدعوة كونفوشيوس لهم بأن يكون صوتهم مثل صوت الفراشات أو مثل صوت الأزهار. ما يحدث في سوريا حرب ضد سوريا. من أتى بالشيشاني (وهلم جراً) الى الرقة والى ادلب والى دير الزور لكي يقطع رؤوس السوريين ويدحرجها، هكذا بالحرف الواحد، الى جهنم؟ أهل الائتلاف، ومن آزرهم ويؤازرهم من العرب، قالوا باعتماد النموذج اليمني، كما لو ان هذا النموذج أتى بالسعادة الى اليمن السعيد الذي لا نعتقد ان احداً يجهل تحت اي سلطة وتحت اي حماية السلطة فيه، وكيف تدار الكترونياً عن قرب وعن بعد في آن. هذا بعدما قالوا بالنموذج الليبي الذي اوصل ليبيا الى الخراب، من دون التحسر ولو للحظة على معمر القذافي، ثم قالوا بالنموذج العراقي الذي يفكك، وبالسيناريو العثماني اياه، بلاد الرافدين مدينة بعد مدينة ومنطقة بعد منطقة. الجربا قال ان المعارضة تسيطر على ما بين 60 و70 في المئة من سوريا. حسناً، لماذا لا يتحدى النظام ويعلن ترشحه ليحصل امام العالم على ما بين 60 و70 في المئة من الاصوات التي لا بد ان تتعدى في هذه الحال عدد الاصوات التي ينالها بشار الاسد؟ يعلم الجربا، ويعلم من أوكلوا اليه تلك المهمة الفضفاضة، ان المعارضة لا تخسر الارض بل وتخسر الناس عندما تكون الرقة هي المثال وحين تؤازر المدفعية التركية، والمستشارون الاتراك، وحدات المعارضة لكي تدمر مدينة كسب وتتولى ترحيل اهلها الارمن بالضغينة العثمانية اياها التي لم تقبل بهم حتى خارج حدودها. بطبيعة الحال نحن مع تداول السلطة، وضد السلطة التي تتكئ، وبحسب باسكال بونيفاس، على ذراع الله، باعتبار ان الخروج عن طاعتها هو خروج عن طاعة الله، ولكن هل الذي يحدث في سوريا هو فعلاً ثورة من اجل الحياة، كما يحلو للبعض ان يطلق عليها، ام انها اوديسه الخراب والقتل والعودة بذلك البلد البهي الى ما قبل التاريخ؟ يقول لنا سفير عربي في بيروت ان اصواتاً بدأت تعلو داخل الدول العربية التي تدعم المعارضة، وحتى آخر جثة في سوريا، وترى انه في نهاية المطاف لا بد من ان تسقط سوريا ان في سلة الاتراك او في سلة الاسرائيليين او في السلتين معاً. ثمة شيء يحدث في الدول العربية اياها. ودعونا نتفاءل بحذر شديد حين يعلن السفير السعودي في طهران عبد الرحمن بن غرمان الشهري توجيه الدعوة الى علي أكبرهاشمي رفسنجاني لزيارة الرياض، هذا حين نعلم، وقد كتبنا ذلك سابقاً، مدى الود الذي يكنه الملك عبدالله بن عبد العزيز للرجل حتى انه عندما زار الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد السعودية لم يخف انزعاجه من اسئلة الملك المتلاحقة حول رفسنجاني. لا بد ان نسأل لماذا وجهت الدعوة الى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الاسبق ولم توجه الى رئيس الدولة حسن روحاني الذي اطلق العديد من المواقف التي ابدى خلالها الرغبة في زيارة المملكة والانتقال بالعلاقات المتوترة الى حالة أخرى؟ لا بأس ان تبدأ الأمور هكذا، وبعدما تبين لأكثر من جهة عربية ماهية الدور الذي تضطلع به أنقرة الآن، ولمن تفتح حدودها، وكيف تخطط لوضع اليد على مدينة حلب في اجتماعات عسكرية واستخباراتية يرأسها رجب طيب أردوغان شخصياً، فإلى متى يدفع العرب الجزية الى السلطان العثماني. السوريون لن يقبلوا برجل هو عبارة عن عباءة وحذاء وطربوش عثماني. ولنراهن، بكل ما أوتينا من يأس على نقطة التقاء بين الرياض وطهران. حتى الدم يصاب أحياناً بالضجر، دم العرب هو الاستثناء!.

المصدر : الديار / نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة