يمكن للإمام الخامنئي أن يستقبل خالد مشعل. لكن الرئيس بشار الأسد لا يستطيع ذلك... بل ولا مكان لـ «حماس» في دمشق، إلا بشروطٍ سورية، ربما يكون تحقيقها صعباً جداً.

«حماس» في مأزق؛ فخيارها الاستراتيجي في العام 2011، ذهب نحو الخروج السياسي من حلف المقاومة، والانخراط في المشروع الإخواني ــــ التركي ــــ القَطري.

ومن المعروف أن هذا المشروع كان يتجاوز سوريا إلى المنطقة كلها، مما يجعل القول إن سوريا هي نقطة الخلاف الوحيدة بين «حماس» ومحور المقاومة، ليس صحيحاً.

فالمشروع ذاك، كما لخّص مضمونه الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، في تصريح علني، هو «مشروع أهل السنّة والجماعة». وهو يخرج، طالما أنه محمول بأنظمة وأحزاب وحركات سياسية، عن نطاق الدين إلى نطاق السياسة، وجوهره الدفع بحركة الإخوان المسلمين لركوب الحراك الشعبي العربي، والاستيلاء على السلطة، كما حدث في تونس ومصر وجزئياً في المغرب، وكان مخططاً له أن يحدث في ليبيا وسوريا واليمن والأردن وفلسطين. في البلدين الأخيرين، وجدت «حماس» أنها تملك أوراقاً مهمة: السلطة في غزة المستندة إلى الحليف الإخواني المصري، والصعود غير المسبوق لحركة الإخوان الأردنيين ــــ وهي مجرد فرع حمساوي ــــ وبين السلطة في القطاع وامكانية الحصول عليها في الأردن، كانت فتح محاصرةً في رام الله، والضفة الغربية تفاحة ينتظر الحمساويون سقوطها في أحضانهم. جمح الخيال السياسي بـ «حماس» إلى امكانية بناء نظامها ومنظومتها في فلسطين والأردن. وكما هو الحال في تونس ومصر، تطلّب مشروع السلطة، تفاهماً عميقاً مع الأميركيين، وابتعاداً عن إيران وحزب الله، وتورّطاً مفتوحاً في الحرب على سوريا التي تهم القَطريين والأتراك بالدرجة الأولى؛ فالشام، للدوحة، معبر وحقل... غاز، وهي، لأنقرة، بوابة التمدّد العثماني إلى البلدان العربية.

في سوريا انكسر المشروع؛ وعلى الجمر السوري الملتهب، وقع الانشقاق الفكري والسياسي في الحراك الشعبي الذي هيمن عليه الإخوان ردحاً من الزمن؛ خاصمهم اليساريون والقوميون، وانتفضت الدولة الوطنية المصرية ضدّ سلطتهم، وانحسرت حركتهم في الأردن، وانفلتت خيوط الإرهاب من أيديهم في سوريا التي خيّبت ظن أصحاب المشروع؛ فصمدت، ومكّنت حزب الله من التوسع الإقليمي، بدلاً من الانكفاء. وفي الأثناء، أعادت السعودية بناء حلفها الخاص، وبدأت بالتصدي للمنافسة على الدور والقيادة؛ انشق، بالنتيجة، محور الإسلام السياسي ــــ الخليجي ــــ التركي.من سوء حظ هذا المحور، بطرفيه، أن الربيع العربي الأسود، صادف ربيعاً روسياً أخضر؛ موسكو ــــ التي استكملت مستلزمات الإنبعاث ــــ قررت العودة، في لحظة الصمود السوري، إلى ميدان الصراع الدوليّ. ومن جهتها، وجدت الولايات المتحدة أن إعادة تنظيم إدارة أكثر فعالية وأقل كلفة للشرق الأوسط، لا يمكنها استبعاد إيران.

بالمحصلة، وجدت «حماس» نفسها خارج اللعبة، وأصغر منها؛ فساورها الحنين إلى الحضن الإيراني. وبالنسبة إلى إيران ــــ التي تجمّع أوراق النفوذ الإقليمية ــــ ليس هناك ما يمنع؛ فالخلاف مع الحمساويين محصور، عندها، في القضية السورية، و«فلسطين تجمعنا»، وكذلك «الصحوة الإسلامية»، والضرورة الشيعية الإقليمية للتحالف مع طرف سُنّي «معتدل»، حتى وإنْ كان يتداخل، ميدانياً، مع البيئة التكفيرية. وإلى ذلك، فـ «حماس» لم تؤذ الإيرانيين مباشرة، ولم تتلفّع بعلم الشاه، ولم تتدخل في الشأن الإيراني الداخلي، ولم «ينسحب» منها إرهابيون للقتال ضد الجيش الإيراني.

لكن ــــ بالنسبة إلى سوريا ــــ فالسياق كله مختلف نوعياً: سوريا جوهرة محور المقاومة، لكن نظامها السياسي علماني. وقد جذّرت الحرب الوطنية المريرة ضد جيوش محلية وغازية، مكوّنة من تيارات الإسلام السياسي، علمانيّتَه، بل إن إعادة بناء الدولة والمجتمع في سوريا ــــ وتجاوز ما حدث فيهما من تصدعات طائفية ومذهبية ــــ تفرض على القيادة السورية التشدّد في منحى علماني، يشكّل، في الآن نفسه، قوة تدخل ناعمة في تركيا التي تستخدم الإسلام السياسي للتدخل الخشن في سوريا.

من المعروف أن دمشق تؤيد، بلا تردد، النظام العسكري العلماني في مصر. وهي مستعدة للتسامح مع عمّان، ودعمها في مواجهة الإخوان المسلمين، بل إنها نسجت علاقات ودية مع فتح والسلطة الفلسطينية، تقوم على التفاهم المتبادل لخيارات طرفين تجمعهما العلمانية. ولا شيء يمنع من تطوّر هذا التفاهم إلى صيغة مشتركة تكفل الحضور السوري في الشأن الفلسطيني؛ هذه الصيغة أصبحت ممكنة بفضل المتغيرات الدولية، وامكانية تعديل موازين القوى السياسية مع إسرائيل، تحت مظلة الحليف الروسيّ.

لن يجرح الرئيس بشار الأسد، مشاعر السوريين باستقبال مشعل الذي تلفّع بعلم الانتداب، علم الإرهابيين الوالغين بالدم السوري. أما حركة «حماس»؛ فالشرط السوري واضح: قطع العلاقة مع الإخوان المسلمين. وحتى لو حدث ذلك، ستظل الحركة إخوانية في العمق، وموضع شبهة سياسية وأمنية عند الدولة السورية؛ طريق دمشق مقفل أمام حماس؛ لن تقبل الضغوط ولن تحتجّ، في الوقت نفسه، على ترتيب العلاقات الإيرانية ـــ الحمساوية.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-01
  • 11169
  • من الأرشيف

«حماس».. الأسد لا يستطيع ذلك!

يمكن للإمام الخامنئي أن يستقبل خالد مشعل. لكن الرئيس بشار الأسد لا يستطيع ذلك... بل ولا مكان لـ «حماس» في دمشق، إلا بشروطٍ سورية، ربما يكون تحقيقها صعباً جداً. «حماس» في مأزق؛ فخيارها الاستراتيجي في العام 2011، ذهب نحو الخروج السياسي من حلف المقاومة، والانخراط في المشروع الإخواني ــــ التركي ــــ القَطري. ومن المعروف أن هذا المشروع كان يتجاوز سوريا إلى المنطقة كلها، مما يجعل القول إن سوريا هي نقطة الخلاف الوحيدة بين «حماس» ومحور المقاومة، ليس صحيحاً. فالمشروع ذاك، كما لخّص مضمونه الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، في تصريح علني، هو «مشروع أهل السنّة والجماعة». وهو يخرج، طالما أنه محمول بأنظمة وأحزاب وحركات سياسية، عن نطاق الدين إلى نطاق السياسة، وجوهره الدفع بحركة الإخوان المسلمين لركوب الحراك الشعبي العربي، والاستيلاء على السلطة، كما حدث في تونس ومصر وجزئياً في المغرب، وكان مخططاً له أن يحدث في ليبيا وسوريا واليمن والأردن وفلسطين. في البلدين الأخيرين، وجدت «حماس» أنها تملك أوراقاً مهمة: السلطة في غزة المستندة إلى الحليف الإخواني المصري، والصعود غير المسبوق لحركة الإخوان الأردنيين ــــ وهي مجرد فرع حمساوي ــــ وبين السلطة في القطاع وامكانية الحصول عليها في الأردن، كانت فتح محاصرةً في رام الله، والضفة الغربية تفاحة ينتظر الحمساويون سقوطها في أحضانهم. جمح الخيال السياسي بـ «حماس» إلى امكانية بناء نظامها ومنظومتها في فلسطين والأردن. وكما هو الحال في تونس ومصر، تطلّب مشروع السلطة، تفاهماً عميقاً مع الأميركيين، وابتعاداً عن إيران وحزب الله، وتورّطاً مفتوحاً في الحرب على سوريا التي تهم القَطريين والأتراك بالدرجة الأولى؛ فالشام، للدوحة، معبر وحقل... غاز، وهي، لأنقرة، بوابة التمدّد العثماني إلى البلدان العربية. في سوريا انكسر المشروع؛ وعلى الجمر السوري الملتهب، وقع الانشقاق الفكري والسياسي في الحراك الشعبي الذي هيمن عليه الإخوان ردحاً من الزمن؛ خاصمهم اليساريون والقوميون، وانتفضت الدولة الوطنية المصرية ضدّ سلطتهم، وانحسرت حركتهم في الأردن، وانفلتت خيوط الإرهاب من أيديهم في سوريا التي خيّبت ظن أصحاب المشروع؛ فصمدت، ومكّنت حزب الله من التوسع الإقليمي، بدلاً من الانكفاء. وفي الأثناء، أعادت السعودية بناء حلفها الخاص، وبدأت بالتصدي للمنافسة على الدور والقيادة؛ انشق، بالنتيجة، محور الإسلام السياسي ــــ الخليجي ــــ التركي.من سوء حظ هذا المحور، بطرفيه، أن الربيع العربي الأسود، صادف ربيعاً روسياً أخضر؛ موسكو ــــ التي استكملت مستلزمات الإنبعاث ــــ قررت العودة، في لحظة الصمود السوري، إلى ميدان الصراع الدوليّ. ومن جهتها، وجدت الولايات المتحدة أن إعادة تنظيم إدارة أكثر فعالية وأقل كلفة للشرق الأوسط، لا يمكنها استبعاد إيران. بالمحصلة، وجدت «حماس» نفسها خارج اللعبة، وأصغر منها؛ فساورها الحنين إلى الحضن الإيراني. وبالنسبة إلى إيران ــــ التي تجمّع أوراق النفوذ الإقليمية ــــ ليس هناك ما يمنع؛ فالخلاف مع الحمساويين محصور، عندها، في القضية السورية، و«فلسطين تجمعنا»، وكذلك «الصحوة الإسلامية»، والضرورة الشيعية الإقليمية للتحالف مع طرف سُنّي «معتدل»، حتى وإنْ كان يتداخل، ميدانياً، مع البيئة التكفيرية. وإلى ذلك، فـ «حماس» لم تؤذ الإيرانيين مباشرة، ولم تتلفّع بعلم الشاه، ولم تتدخل في الشأن الإيراني الداخلي، ولم «ينسحب» منها إرهابيون للقتال ضد الجيش الإيراني. لكن ــــ بالنسبة إلى سوريا ــــ فالسياق كله مختلف نوعياً: سوريا جوهرة محور المقاومة، لكن نظامها السياسي علماني. وقد جذّرت الحرب الوطنية المريرة ضد جيوش محلية وغازية، مكوّنة من تيارات الإسلام السياسي، علمانيّتَه، بل إن إعادة بناء الدولة والمجتمع في سوريا ــــ وتجاوز ما حدث فيهما من تصدعات طائفية ومذهبية ــــ تفرض على القيادة السورية التشدّد في منحى علماني، يشكّل، في الآن نفسه، قوة تدخل ناعمة في تركيا التي تستخدم الإسلام السياسي للتدخل الخشن في سوريا. من المعروف أن دمشق تؤيد، بلا تردد، النظام العسكري العلماني في مصر. وهي مستعدة للتسامح مع عمّان، ودعمها في مواجهة الإخوان المسلمين، بل إنها نسجت علاقات ودية مع فتح والسلطة الفلسطينية، تقوم على التفاهم المتبادل لخيارات طرفين تجمعهما العلمانية. ولا شيء يمنع من تطوّر هذا التفاهم إلى صيغة مشتركة تكفل الحضور السوري في الشأن الفلسطيني؛ هذه الصيغة أصبحت ممكنة بفضل المتغيرات الدولية، وامكانية تعديل موازين القوى السياسية مع إسرائيل، تحت مظلة الحليف الروسيّ. لن يجرح الرئيس بشار الأسد، مشاعر السوريين باستقبال مشعل الذي تلفّع بعلم الانتداب، علم الإرهابيين الوالغين بالدم السوري. أما حركة «حماس»؛ فالشرط السوري واضح: قطع العلاقة مع الإخوان المسلمين. وحتى لو حدث ذلك، ستظل الحركة إخوانية في العمق، وموضع شبهة سياسية وأمنية عند الدولة السورية؛ طريق دمشق مقفل أمام حماس؛ لن تقبل الضغوط ولن تحتجّ، في الوقت نفسه، على ترتيب العلاقات الإيرانية ـــ الحمساوية.

المصدر : الاخبار/ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة