دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
نفى مصدر سعودي موثوق ما تردد من تكهنات في بعض الاوساط الاعلامية، العربية، والاجنبية، حول نية الملك عبد الله بن عبد العزيز التنحي عن الحكم، ومبايعة الامير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ملكا.
هذا النفي قد يكون اقرب الى الصحة، لانه لم يحدث مطلقا ان تنحى ملك سعودي عن الحكم منذ قيام الدولة السعودية لاسباب مرضية، او لتقدمه في السن، فالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مؤسس المملكة السعودية ظل في الحكم حتى وفاته، رغم انه قضى معظم ايامه على كرسي متحرك، والملك فيصل ظل يحكم حتى اغتياله، والملك خالد الذي خلفه توفي بعد مرض طويل، اما الملك فهد بن عبد العزيز الذي خلفه فقد اصيب بشبه فقدان الذاكرة لمدة عشر سنوات اثر جلطة دماغية، ورغم ذلك ظل ملكا حتى انتقاله الى الرفيق الاعلى، ولعل الاستثناء الوحيد هو الملك سعود الذي اقصي من الحكم وغادر البلد الى المنفى مكرها.
لا خلاف بان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز متقدم في السن، فقد تجاوز التسعين من عمره، ولا جدال في ان حالته الصحية ليست على ما يرام، فقد ظهر اثناء لقائه بالرئيس الامريكي باراك اوباما وفي انفه انبوب اوكسجين رفيع، واضطر الرئيس اوباما الى الذهاب اليه للقائه في روضة خريم شمال شرق الرياض، لكن مسألة التنحي تظل غير واردة.
تعيين الامير مقرن بن عبد العزيز اصغر ابناء الملك المؤسس وليا لولي العهد عكس اعترافا واضحا بازمة الحكم في المملكة، وضرورة ضخ دماء شابة في القمة حتى لا يتكرر سيناريو الاتحاد السوفيتي وما حدث لقيادته الهرمة في ايامه الاخيرة، حيث توفي ثلاثة قادة في غضون ثلاث سنوات ابتداء من ليونيد بريجنيف (توفي تشرين الثاني 1982) ومرورا بيوري اندربوف (توفي في شباط 1984)، وانتهاء بقسطنطين تشرنينكو (توفي في اذار 1985)، الامر الذي ادى الى حدوث فراغ ملأه ميخائيل غورباتشوف الذي مهدت قيادته لتفكك هذا الاتحاد وانهيار امبراطوريته.
في حفل عشاء اقامه الامير بندر بن سلطان سفير السعودية قبل عشر سنوات لوفد من رجال الاعمال السعوديين، عبر السفير عن قلقه من اوضاع المملكة ومرض القادة الثلاث الكبار في قمة الحكم، فالملك فهد في حينها كان مجرد واجهة بسبب فقدانه الذاكرة اثر جلطة دماغية، اما ولي العهد الامير عبد الله فقد اصيب بأزمتين قلبيتين، بينما كان والده الامير سلطان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع يعاني من بدايات مرض السرطان.
واقترح الامير بندر وجود نواب من الشباب لرئيس مجلس الوزراء يتولون مسؤولية ادارة دولة بحجم المملكة لها دور رئيسي في السياستين المحلية والاقليمية والدولية.
الظروف الدولية الحالية، حيث تلعب المملكة دورا كبيرا في تمويل جماعات اسلامية، وغير اسلامية، تقاتل في سورية وتتحمل مسؤولية تسليحها، وصعود القوة العسكرية والسياسية الايرانية تهديدا وجوديا لها، وترى في ثورات شعوب عربية مطالبة بالاصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي خطرا مباشرا عليها، في ظل هذه الظروف وغيرها، ربما ادركت مؤسسة الحكم في السعودية ان بيتها الداخلي بحاجة الى ترتيب سريع قبل فوات الاوان، ومن هنا جاءت خطوة تعيين ولي لولي العهد لتجنب حدوث فراغ صراعات على المناصب بين الجيلين القديم والجديد، اي ابناء الملك المؤسس الذين تجاوز معظمهم الثمانين، واحفاده الذين بلغ بعضهم السبعين ودخلو مرحلة الشيخوخة وامراضها.
صحيح ان هناك بعض الاحفاد اخذوا مواقع مهمة في الدولة مثل الامير محمد بن نايف الذي خلف والده في وزارة الداخلية، او الاميرين سعود الفيصل الذي تولى الخارجية، وشقيقه خالد الفيصل الذي يتولى حاليا وزارة التربية والتعليم، وهي وزارة على درجة كبيرة من الاهمية، ولكن ما زال العرش وولاية العهد من نصيب اميرين متقدمين في السن ويعانيان من اوضاع صحية غير مطمئنة.
الذين لا يعرفون الامير مقرن (69 عاما) يقولون انه رجل متعلم يجيد عدة لغات اجنبية، وتعلم في اكاديميات عسكرية عالمية مثل ويست بوينت الامريكية وسانت هيرست البريطانية، وتخرج كطيار عسكري، وتولى عدة مناصب كأمير لعدة مناطق، آخرها المدينة المنورة، وتولى رئاسة جهاز المخابرات لفترة وجيزة اكسبته كلها خبرة جيدة، ولكن يظل بحاجة الى مساعدين شبان في حال توليه ولاية العهد او حتى العرش نفسه لاي سبب من الاسباب.
الاعتراف بضرورة الاصلاح في قمة الحكم امر محمود، ولكن تظل هذه الخطوة غير مكتملة، بدون اجراء اصلاحات سياسية مثل اعطاء صلاحيات اكبر لمجلس الشورى واختيار اعضائه عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، والقضاء على الفساد، وتوسيع دائرة المشاركة في الحكم للكفاءات السعودية من خارج الاسرة الحاكمة فمثل هذه الخطوات يمكن ان تعطي ثمارا ملموسة وفورية.
لا شك ان منسوب الفساد تراجع كثيرا في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولم نعد نسمع عن العمولات الضخمة جدا، والمبالغ فيها فيما يتعلق بصفقات الاسلحة، وهذا لا يعني انها غير معدومة كليا، ولكن لا بد من خطوات اكثر جرأة لوضع حد لتجاوزات عديدة خاصة فيما يتعلق بالمال العام وهدره.
مرة اخرى نؤكد ان الحصانة الحقيقة للمملكة العربية السعودية او اي دولة عربية اخرى، تتأتى من خلال تبنيها القضايا الوطنية العربية والاسلامية، واتباع سياسات مستقلة عن الغرب تخدم قضايا الحق هذه، وقد تعلمت المملكة وقيادتها درسا قاسيا في الاشهر الاخيرة عندما تخلت عنها اقرب حليفاتها اي الولايات المتحدة وطعنتها في الظهر ووقعت اتفاقا مع ايران حول طموحاتها النووية.
التغيير في القمة يجب ان يتبعه تغيير في السياسات والاعتماد على الشعب وكذلك المحيطين العربي والاسلامي وعدم وضع البيض كله في سلة القوى الغربية الاستعمارية.
المصدر :
“راي اليوم”عبد الباري عطوان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة