لقد علمت أنّ كلّ تلميذ سوريّ هنا يتعلّم، على صغر سنّه، مُختَلَف عمليات الإستيلاء على الأراضي الإستعمارية التي طالت أجزاء كبيرة من بلدهم، كما وأنّهم يتلقّون تعليمات حول واجبهم الوطني الشخصي لاستعادة هذه المنطقة المقدّسة. وينطبق هذا بشكل متساو على فلسطين التي ما زالت محتلّة، أو على الأقلّ كان ينطبق عليها قبل انتفاضة العام 2011 التي شهدت بعض الإستياء من قبل الحكومة السورية إزاء مشاركة بعض الفلسطينيين مع مجموعات الثوار كمحاولة للإطاحة بحكومتهم.

وإحدى هذه الإستيلاءات هي تلك المتسببة بتعبئة المقاومة بالنيابة عن سورية، ضدّ الجهاديين المموّلين من قبل الأتراك والقطريين والسعوديين، وهي المتعلّقة بالإسكندرونة شمالي اللاذقية، المتنازع عليها حاليّاً بين سورية وتركيا. وهذه المنطقة التي كانت لآلاف السنين جزءاً من سورية وغنية بالموارد الطبيعية، قد تمّ اقتطاعها من سورية وإلحاقها بتركيا من قبل الفرنسيين منذ أكثر من نصف قرن. وهناك إحدى الميليشيات الموالية للنظام تقاتل من أجل استعادتها.

والإسكندرونة ما زالت تحتفظ باسمها، إلا أنها ربما لا تحتفظ بالموقع نفسه بحسب المؤرّخين، حيث خيّم الإسكندر الكبير عام 333 قبل الميلاد وأمر ببناء الإسكندرونة على أن تكون أساس المدينة. وتأتي أهميّة هذا المكان من حيث ارتباطه الجغرافي بالبوابات السورية، التي تعدّ من المنافذ الأسهل للأرض المفتوحة في كلّ من محافظة هتاي التركية وفي حلب.

 

وقد اشتدّت مؤخراً حدّة النزاع حول منطقة الإسكندرونة، والنزاع إلى حدّ ما هو نتيجة الأزمة الحالية، أما بدايته فكانت في الخامس من تمّوز/يوليو من عام 1938 عندما شنّت القوات التركية بقيادة العقيد "سوكريل كاناث" اعتداءً بموافقة فرنسية، وقامت بعملية تطهير عرقيّ ضدّ السكان المحليّين من مسيحيين أرمن وعلويين. وقد تمّ الإعتداء التركي برضى الفرنسيين، شركاء البريطانيين في معاهدة سايكس بيكو، الذين بقوا محتلّين غير شرعيين لسورية كبقايا من ولاية عصبة الأمم. وكان الفرنسيون متواطئون في عملية استفتاء مزوّر قاموا من خلاله بالتنازل عن منطقة الإسكندرونة السورية، التي تمّ تعريفها لاحقاً بجمهورية هتاي. وكان الإستيلاء على هذه الأرض جزءاً من اتفاقية سرّية لضمان مساعدة تركيا في الحرب ضدّ ألمانيا التي سرعان ما اندلعت. وبذلك وقّعت كلّ من باريس وأنقرة اتفاقية نتج عنها عدم انضمام تركيا إلى معسكر الحلفاء ضدّ ألمانيا، وإنما إعلانها الحياد والتغيّب عن المشاركة في الحرب العالمية الثانية.

وبدلاً من سعيها للتوسّع، كما تتهمها أحيانا تركيا والنظام الصهيوني، كانت سورية تخسر الأراضي بدلاً من استعادتها. وخسرنا الإسكندرونة بسبب الإزدواجية الفرنسية. وخلال الإعتداء الصهيوني عام 1967 خسرنا الجولان. ونحن نسعى لاستعادة هذه المناطق بدءاً من الإسكندرونة في المنطقة السورية المحتلّة من تركيا. وفي هذا السياق، يخبرني أحد الدبلوماسيين الغربيين المتقاعدين، من دون أن يمثّل أيّ رأي حكوميّ رسميّ قائلاً: "بالتأكيد، لا بدّ من إعادة لبنان إلى سورية. وإذ هممنا بالرحيل، صافحني الرجل وقال "لا شكّ أن الإسكندرونة جزء من سورية. لا يمكن لأيّ إنسان صادق أن ينكر ذلك"!

خذوا مثلاً أحد القوميين السوريين، علي كيالي، المعروف باسم "أبو زكي". كيف انتهى الأمر بإحدى الأمهات اللطيفات، المروفة بطيبتها، التي تعشق طفلاً من الإسكندرونة السورية المحتلّة من الأتراك أن تقود إحدى ميليشيات المقاومة الأكثر فاعليّة على المسرح الشمالي في الأزمة السورية الحالية، في حين أنها تعد بتحرير الإسكندرونة وإعادتها لسورية؟ لقد قام بمثل ذلك تماماً كما قام به عدد كبير من الفلسطينيين الذين كانوا يدعمون الشباب السوري في أوائل الثمانينيات. وقد ذهب إلى بيروت لمقاومة الإعتداء الصهيوني عام 1982. وقد تعمّد تحت النار بعد ذلك بقليل، وهو يحمل شعار مجموعته الجديدة، الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة تحت وصاية مجموعة الدكتور جورج حبش، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد حارب في عدد من الجبهات جنوبي لبنان وغربي بيروت. وبعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية في 20/8/1982، أبحر إلى طرطوس السورية وانضمّ إلى الثوار ضدّ رئيس المنظمة ياسر عرفات وحارب ضدّه بجوار مخيّم البداوي كجزء من إنتفاضة فتح بعد انشقاق منظمة التحرير الفلسطينية بين المؤيدين لياسر عرفات والمؤيدين لحافظ الأسد.

وبعد أن درس على نفقته في طرطوس (بين طرابلس وسورية)، والهروب من السجن في تركيا بعد أن تمّ حبسه بسبب التظاهر ضدّ النظام الفاشي في أنقرة، عاد علي كيالي إلى طرابلس شمالي لبنان وانضمّ إلى الجيش السوري في معاركه ضد حركة التوحيد الإسلامي بقيادة بلال شعبان (إخوان مسلمين). وبعد ذلك انتقل مع حركة الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة إلى منطقة حلبا العكّارية في لبنان ونظّم مخيّم مقاومة تدريبي وعاد بعد ذلك إلى سورية ليستكمل القتال من أجل تحرير منطقة الإسكندرونة السورية. ومجدداً في سورية، قاد الكيالي مجموعة مدعومة من المواطنين السوريين، ولكنها لم تكن رسميّاً جزءاً من جهاز المقاومة والأمن السوري.

وبالحديث مع محلّلين غير حكوميين في اللاذقية، أُخبرت مراراً أنّ الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة معروفة بفهم جغرافيّة وسياسة منطقة الساحل السوري حيث ينشط أفرادها في حلب وبانياس، وبين طرطوس وحول اللاذقية، بالإضافة إلى مناطق إدلب وحمص ودمشق.

أمّا مقاتلو هذه الجبهة ومسؤولوها فقد أخبروني عن ماضي مقاومتها في سورية خلال العامين الماضيين حاملين شعار "لن تركع سورية" كما وضعه القائد علي "لن تركع للمشروع الصهيوني العربي لتدمير وحدة الجمهورية العربية السورية واستقلالها". وبحسب المتحدّث باسم الجبهة، فإنها "تدعم وتقف في الصفّ نفسه مع الدولة ويداً بيد لمواجهة المشروعين الأجنبيين. الأوّل لتدمير إنجازات الشعب السوري والنسيج الإجتماعي في سورية والإرث الثقافي المتنوّع والثاني لإدخال الدخلاء الأجانب".

وأحد الأماكن التي تقاتل فيها الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة هو معقل الثوار الإستراتيجي في يبرود بجبال القلمون، شمالي دمشق بالقرب من الحدود اللبنانية. وفي 3 آذار/مارس 2014، وخلال لقائي مع القائد علي وبعض معاونيه، تلقّى اتّصالاً يحمل معلومات عن قرية السحل، التي تبعد حوالى ستة كيلومترات عن يبرود وهي الآن تحت السيطرة السورية والمجموعات الموالية لسورية بما فيها الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة. وعلي، المطّلع على تفاصيل المعارك، شرح أنّ المجموعات الموالية لسورية لا تريد احتلال يبرود وإنما تكمن استراتيجيتها في السيطرة على القرى المحيطة للإيقاع بميليشات النصرة وغيرها من ميليشيات الثوار في الداخل.

ولدى سؤاله عن السكان المحلّيين العالقين وما إذا سيكون مصيرهم كمصير سكّان حلب وحمص وعشرات المناطق الأخرى، هزّ علي كتفيه وقلّب كفّيه.

ونهار السابع من آذار/مارس 2014، الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة تقاتل لقطع الطريق التي تربط يبرود بعرسال شرقي لبنان. وكان لهم يدٌ في سقوط السحل الأسبوع الماضي، وهي مدينة صغيرة تقع حوالى 1.5 كيلومتر جنوبي يبرود، وتقاتل حول يبرود للتحضير للهجمة الأخيرة المحتملة. وبحسب مرافقي علي الشخصيين، يقومون بمواجهة جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة في سورية. ويقاتل حوالى 3000 من مقاتلي الجبهة في دوما وجوبر وحلب حول اللاذقية وداريا والنبك على طريق عام دمشق حمص. وكان لهم دور أساسي في معركة بانياس بين طرطوس واللاذقية. ويظهر أحد المقاطع على موقع "يوتيوب"، الذي يشاهده زوّار مقرّ الجبهة في اللاذقية، مشاركة مجموعات الجبهة، وبينهم نساء، في معركة مهمّة حديثاً ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).

وتلقى الجبهة دعماً متفرّقاً من المجتمع المحلّي بحسب ما يقوله الرئيس الكيالي ومعاونوه. ولكنها كما معظم الميليشيات بحاجة إلى المال والسلاح والإمداد المنتظم بالغذاء. وقد شرح لي القائد علي كيف أنّ الجبهة تحتاج أماكن لأفرادها كي يناموا في مختلف مواقع المعارك، والمزيد من الملابس الموحّدة من أجل التدفّق الكبير للمقاتلين والإنضمام إلى صفوف المقاومين وتمويل دفعات الإنتفاع من الموت لعوائل مقاتلي ومقاتلات الجبهة الذين قتلوا خلال المقاومة.

ومقاتول الجبهة لا يتلقّون رواتب تجعلهم بمنأى عن الميليشيات التي يتمّ دعمها من دول الخليج وتدريبها أحياناً من دول الغرب، والتي تحصل على دفعات شهرية تتراوح بين 500 وألف دولار. وبالمقابل، تحصل اللجان الشعبية الموالية للنظام، التي يبلغ عددها حوالى 5000 وحدة دفاعية، وتتضمّن حوالى 25 ألف مقاتل، على 20 ألف ليرة سورية تقريبا كلّ شهر، أو ما يساوي 125 دولار. ويتولّى هذه الدفعات رجال أعمال سوريّون أمثال رامي مخلوف، إبن خال الرئيس بشار الأسد. أمّا مجنّدو الجيش السوري فيحصلون فقط على 3000 ليرة سورية، أي ما يعادل 20 دولار شهريّاً، ولكنّهم يحصلون على الطعام والمسكن المؤمّن، بالإضافة إلى فوائد صحيّة ومنافع متعلّقة بالسفر. أمّا مجنّدو الإحتياط في الجيش السوري فيُحكى أنّهم يحصلون فقط على 10.50 دولارات شهريّاً.

وبالنسبة لعلي الكيالي، فإنّ الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة التي يرأسها هي أيضاً مسألة عائلة. فزوجته وابنته وولداه مرتبطون بعمق مع أهداف المقاومة التي وضعتها الجبهة. فالولدان مقاتلان والزوجة والإبنة مقاتلتان إذا دعت الحاجة، أمّا الآن فتقومان بمشاريع مقاومة أخرى. والإبنة البالغة من العمر 22 عاماً، والملقّبة باسم "جان دارك"، تدرس الطب، ولكن المعروف عنها أنها مقاتلة شرسة وصاحبة تكتيك في أرض المعركة، مع نتائج هائلة في عدد من المعارك ضدّ الثوار على مدى العامين الماضيين. وهي امرأة قويّة جداً، وقد أخبرتني أنها تحبّ أن تذهل التكفيريين الذين يعبّرون عن ذهولهم في بعض الأحيان لدى رؤيتها ورؤية الوحدة المؤلفة من النساء التي تطاردهم من على قمم أحد الجبال.

 

وبالعودة إلى موضوع حاجة الجبهة للمزيد من الوجبات المنتظمة، لقد تمّت دعوتي بشكل مفاجئ للغداء على جانب الطريق مع ستة مقاتلين الأسبوع الماضي. وقد دعانا طبّاخ المجموعة المفضّل، محمود، الذي يرتدي دائماً السترة الزرقاء نفسها. وخلال دقائق، جمع محمود بعض الأغصان وقطع الخشب الصغيرة، وأشعل ناراً صغيرة، ثمّ غطّاها بإناء معدني وجاء بكيس من الطحين، مزجه بالماء وبعد ذلك شكّل المزيج على شكل أرغفة غير متساوية وحمّصها. وبعدها نشر على الأرغفة من كيس بلاستيكي آخر القليل من البهارات. كانت وجبته السريعة والساخنة لذيذة وقد تكوّنت من مناقيش محمّرة (خبز محمّص مع صلصة الفلفل الأحمر الحار)، ومناقيش زعتر (توابل وزعتر وسمسم) ومناقيش الجبنة.

جهاد "الكبتاغون"؟

في بهو متهدّم، في فندق أقلّ من نجمة واحدة قبالة المتوسّط، ومستخدم للنوم من قبل مختلف الميليشيات، تحدّثت وأحد الرفاق مطوّلاً في الصباح الباكر مع أحد أبناء رئيس الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة، علي كيالي، وأحد الرفاق الذي يرافق والده حين لا يقاتل الجهاديين. وكنت مهتمّاً بعض الشيء بمزاعم الحكومات الغربية أنها "تقدّم دعماً إنسانيّاً غير قاتل" لمجموعات الثوار بما في ذلك "مناظير ليلية وأدوات إتصالات وأجهزة تحديد المواقع". أمّا أنا فأعتبر هذه الأدوات كلّها مموّهة التسمية وأنها في الواقع تشكّل دعماً قاتلاً طالما أنها تسهّل قتل الفرد للآخر من خلال القنص الليلي وتسهيل تحرّك القوات.

وقد تفاجأت قليلاً عندما عرفت عمّا كان يظنّه مقاتلو الجبهة حول هذا النوع من الأدوات التي يتمّ تسليمها لخصومهم تحت عنوان "المساعدات الإنسانية". وقد أخبرني أحد أبناء عليّ إنّ "عدم استخدام المناظير الليلية، إلّا البعض منها الذي أخذناه من الأعداء ليس مشكلة كبيرة لأنه بإمكاننا أن نستشعر مكان وجود مقاتلي النصرة وهم يميلون لعدم القتال ليلاً". ولدى سؤاله لماذا، ظنّاً منّي بأنّ الأمر قد يتعلّق بفتوى دينيّة نوعاً ما. ولكنني قد أخطأت مجدّداً. فقد شرح علي قائلاً "ليس الأمر كذلك، ولكنّهم يكونون خائفين ومرهقين من تناول حبوب "الكبتاغون" وغيرها من المخدّرات الأخطر ليقاتلوا ليلاً". وبحسب الشبان الذين التقيتهم، وبعضهم لديه خبرة قتالية يفوق عمرها السنتين في هذه الجبهة، فإنّ معظم الجهاديين المدعومين من الخليج يتلقّون أكياساً من هذه الحبوب لتحفيز شجاعتهم في أرض المعركة. وهذه الحبوب تؤدّي مفعولها إلى حدّ ما.

وعند الفجر من كلّ يوم، يتناول الجهاديون المخدّرات، بما في ذلك أحياناً جرعات كبيرة من "الكبتاغون" وغيرها من المخدّرات المتوفّرة بكثرة بين الميليشيات، التي تتضمّن على سبيل المثال لا الحصر بعض الحبوب المعروفة محلّياً بأسماء مثل "بالتكون" و "عفون" و "زولم" والأفيون والهيروين والكوكايين والحشيش. والمنافذ الاساسية التي تصل عبرها المخدّرات إلى مناطق المعارك في سورية هي من باكستان وأفغانستان ولبنان مع كميات أقلّ من تركيا والعراق والأردن. وسهل البقاع اللبناني على ما يبدو ينتج كمّيات كبيرة من حبوب "الكبتاغون" لتصديرها إلى الخليج والآن إلى سورية. والجهادييون يعوذلون بشكل كبير على المخدّرات التي تجعلهم يشعرون أنهم لا يُقهرون وأنهم عدائيون ولا يخافون الموت. ومعظمهم في الواقع مقاتلون شرسون ولا يخافون خلال النهار، بحسب ما نقلت معظم وسائل الإعلام. ولكن مع حلول الليل، عندما ينتهي مفعول الحبوب المخدّرة، يصبح المقاتلون مرهقين وفي بعض الأحيان تجدهم نائمين في المكان نفسه الذي كانوا يقاتلون فيه. وقد شرح علي أنّ "الكثير من الخليجيين مدمنون بشدّة على الأنواع القويّة من المخدّرات كالهيروين وهم يتلهّفون للحصول عليها وأحياناً يتشاجرون مع زملائهم الميليشياويين من أجل هذه الحبوب". ويخبرنا بعض الذين نأسرهم أنهم في بعض الأحيان عندما يموت زملاؤهم يهرع بعض "الرفاق" إلى جثته، ليس بالضرورة للصلاة على الجثّة، وإنما من أجل تفريغ جيوبه من المخدّرات.

وفي الواقع، في العام 2011 وحده، صادرت السلطات اللبنانية ثلاثة مختبرات لإنتاج المنشطات، وبالإضافة إلى مختبرين لإنتاج الكبتاغون الذي قيل إنهم يرسلون مئات الآلاف من حبوبه إلى الخليج، الذي يعاود إرسالها إلى مقاتليهم في سورية. ويظهر إلقاء القبض على شاحنات الكبتاغون المخبّأ في هياكلها في لبنان وفي مطار بيروت الدولي الحاجة المتزايدة لهذه المنتجات في سوق الميليشيات السورية. وقد نشرت الأمم المتحدة مؤخراً تقريراً مفاده أنّ منطقتي الشرق الأوسط والأدنى تشهدان أكبر إدمان في العالم.

وبحسب ما أورده بعض وسائل الإعلام فإنّ "جبهة النصرة وتنظيم داعش أصبحا من أكثر "الجهاديين المستوردين" تطرّفاً كما يسمّيهم البعض هنا، يزعمون أنّهم مقاتلون أفضل من حزب الله الذي تظهر وحداته مهارة قتالية عالية في هذه الأيّام. ويزعم بعضهم أنّهم لم يبدأوا فعليّاً معركتهم لهزيمة حزب الله في على أرضه، ولكنهم سيقومون بذلك عندما يصبحون جاهزين وعندما لا يكون لديهم أيّ شكّ بأنهم سيهزمون حزب الله. ولكن بحسب ما شرحه أحد مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة ووافق عليه بعض زملائه، فإنّ الجهاديين القطريين والسعوديين لا يظهرون شجاعة وتبجّحاً ولا يشكّلون خطراً حقيقياً إلّا عندما يكونون تحت تأثير المخدّرات ذلك أنّهم لا يتبعون التكتيكات القتالية الدفاعية الطبيعية. "ونحن نعرف الكثير من هؤلاء الشبّان جيّداً، والكثيرون منهم لم يكونوا متديّنين أصلاً. وهناك الكثير منهم من المدمنين على المخدّرات الذين لا يشعرون بالخوف من الموت. ولذلك يصبحون خطرين لتتمّ مواجهتهم، وهم غالباً ما يستخدمون تكتيكات غريبة".

 

وبحسب مصدر آخر في الجبهة نفسها، فإنّ "الجهاديين المستوردين" يموتون بأعداد كبيرة لأنهم يتجاهلون وقائع أرض المعركة. فمعدّل قتلاهم في أيّ معركة خلال العامين الماضيين تقدّر بأنها حوالى خمسة أضعاف عدد ضحايا حزب الله، وثلاثة أضعاف مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة وضعفي عدد ضحايا الجيش السوري ...

 

وفي حين تدخل الأزمة السورية عامها الرابع، مع وصول المزيد من الجهاديين وتشكيل المزيد من الميليشيات على امتداد الطيف السياسي والديني، يتوقّع المجتمع الإستخباري الأميركي ومصادر في الكونغرس أن تطول الحرب مدّة عقدٍ أو أكثر. ويمكن لأيٍّ كان أن يتوقّع ما ستكون عليه مرحلة ما بعد الأزمة السورية في المنطقة مع تزايد المطالب العرقية والقومية بعودة الإستيلاء على الأراضي بموجب سايكس بيكو، ومع تزايد الإشارات إلى إنتفاضة كارثية في فلسطين. أضف إلى أنّ توقّع هذا المجتمع الإستخباري الأميركي الإطاحة بمملكتين خليجيتين أو ربما ثلاث، واحتمال كبير لحرب أخرى بين حزب الله والصهاينة، فضلاً عن تراجع النسيج الإجتماعي الديني في المنطقة، يبدو المستقبل مظلماً بالفعل.

فرنكلين لامب أستاذ زائر في القانون الدولي في كليّة الحقوق بجامعة دمشق، وهو متطوّع في برنامج صبرا وشاتيلا للمنح التعليمية (sssp-lb.com).

ترجمة: زينب عبدالله -المنار

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-31
  • 11411
  • من الأرشيف

سورية: الإضطلاع بأدوار قتالية أساسية

لقد علمت أنّ كلّ تلميذ سوريّ هنا يتعلّم، على صغر سنّه، مُختَلَف عمليات الإستيلاء على الأراضي الإستعمارية التي طالت أجزاء كبيرة من بلدهم، كما وأنّهم يتلقّون تعليمات حول واجبهم الوطني الشخصي لاستعادة هذه المنطقة المقدّسة. وينطبق هذا بشكل متساو على فلسطين التي ما زالت محتلّة، أو على الأقلّ كان ينطبق عليها قبل انتفاضة العام 2011 التي شهدت بعض الإستياء من قبل الحكومة السورية إزاء مشاركة بعض الفلسطينيين مع مجموعات الثوار كمحاولة للإطاحة بحكومتهم. وإحدى هذه الإستيلاءات هي تلك المتسببة بتعبئة المقاومة بالنيابة عن سورية، ضدّ الجهاديين المموّلين من قبل الأتراك والقطريين والسعوديين، وهي المتعلّقة بالإسكندرونة شمالي اللاذقية، المتنازع عليها حاليّاً بين سورية وتركيا. وهذه المنطقة التي كانت لآلاف السنين جزءاً من سورية وغنية بالموارد الطبيعية، قد تمّ اقتطاعها من سورية وإلحاقها بتركيا من قبل الفرنسيين منذ أكثر من نصف قرن. وهناك إحدى الميليشيات الموالية للنظام تقاتل من أجل استعادتها. والإسكندرونة ما زالت تحتفظ باسمها، إلا أنها ربما لا تحتفظ بالموقع نفسه بحسب المؤرّخين، حيث خيّم الإسكندر الكبير عام 333 قبل الميلاد وأمر ببناء الإسكندرونة على أن تكون أساس المدينة. وتأتي أهميّة هذا المكان من حيث ارتباطه الجغرافي بالبوابات السورية، التي تعدّ من المنافذ الأسهل للأرض المفتوحة في كلّ من محافظة هتاي التركية وفي حلب.   وقد اشتدّت مؤخراً حدّة النزاع حول منطقة الإسكندرونة، والنزاع إلى حدّ ما هو نتيجة الأزمة الحالية، أما بدايته فكانت في الخامس من تمّوز/يوليو من عام 1938 عندما شنّت القوات التركية بقيادة العقيد "سوكريل كاناث" اعتداءً بموافقة فرنسية، وقامت بعملية تطهير عرقيّ ضدّ السكان المحليّين من مسيحيين أرمن وعلويين. وقد تمّ الإعتداء التركي برضى الفرنسيين، شركاء البريطانيين في معاهدة سايكس بيكو، الذين بقوا محتلّين غير شرعيين لسورية كبقايا من ولاية عصبة الأمم. وكان الفرنسيون متواطئون في عملية استفتاء مزوّر قاموا من خلاله بالتنازل عن منطقة الإسكندرونة السورية، التي تمّ تعريفها لاحقاً بجمهورية هتاي. وكان الإستيلاء على هذه الأرض جزءاً من اتفاقية سرّية لضمان مساعدة تركيا في الحرب ضدّ ألمانيا التي سرعان ما اندلعت. وبذلك وقّعت كلّ من باريس وأنقرة اتفاقية نتج عنها عدم انضمام تركيا إلى معسكر الحلفاء ضدّ ألمانيا، وإنما إعلانها الحياد والتغيّب عن المشاركة في الحرب العالمية الثانية. وبدلاً من سعيها للتوسّع، كما تتهمها أحيانا تركيا والنظام الصهيوني، كانت سورية تخسر الأراضي بدلاً من استعادتها. وخسرنا الإسكندرونة بسبب الإزدواجية الفرنسية. وخلال الإعتداء الصهيوني عام 1967 خسرنا الجولان. ونحن نسعى لاستعادة هذه المناطق بدءاً من الإسكندرونة في المنطقة السورية المحتلّة من تركيا. وفي هذا السياق، يخبرني أحد الدبلوماسيين الغربيين المتقاعدين، من دون أن يمثّل أيّ رأي حكوميّ رسميّ قائلاً: "بالتأكيد، لا بدّ من إعادة لبنان إلى سورية. وإذ هممنا بالرحيل، صافحني الرجل وقال "لا شكّ أن الإسكندرونة جزء من سورية. لا يمكن لأيّ إنسان صادق أن ينكر ذلك"! خذوا مثلاً أحد القوميين السوريين، علي كيالي، المعروف باسم "أبو زكي". كيف انتهى الأمر بإحدى الأمهات اللطيفات، المروفة بطيبتها، التي تعشق طفلاً من الإسكندرونة السورية المحتلّة من الأتراك أن تقود إحدى ميليشيات المقاومة الأكثر فاعليّة على المسرح الشمالي في الأزمة السورية الحالية، في حين أنها تعد بتحرير الإسكندرونة وإعادتها لسورية؟ لقد قام بمثل ذلك تماماً كما قام به عدد كبير من الفلسطينيين الذين كانوا يدعمون الشباب السوري في أوائل الثمانينيات. وقد ذهب إلى بيروت لمقاومة الإعتداء الصهيوني عام 1982. وقد تعمّد تحت النار بعد ذلك بقليل، وهو يحمل شعار مجموعته الجديدة، الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة تحت وصاية مجموعة الدكتور جورج حبش، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد حارب في عدد من الجبهات جنوبي لبنان وغربي بيروت. وبعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية في 20/8/1982، أبحر إلى طرطوس السورية وانضمّ إلى الثوار ضدّ رئيس المنظمة ياسر عرفات وحارب ضدّه بجوار مخيّم البداوي كجزء من إنتفاضة فتح بعد انشقاق منظمة التحرير الفلسطينية بين المؤيدين لياسر عرفات والمؤيدين لحافظ الأسد. وبعد أن درس على نفقته في طرطوس (بين طرابلس وسورية)، والهروب من السجن في تركيا بعد أن تمّ حبسه بسبب التظاهر ضدّ النظام الفاشي في أنقرة، عاد علي كيالي إلى طرابلس شمالي لبنان وانضمّ إلى الجيش السوري في معاركه ضد حركة التوحيد الإسلامي بقيادة بلال شعبان (إخوان مسلمين). وبعد ذلك انتقل مع حركة الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة إلى منطقة حلبا العكّارية في لبنان ونظّم مخيّم مقاومة تدريبي وعاد بعد ذلك إلى سورية ليستكمل القتال من أجل تحرير منطقة الإسكندرونة السورية. ومجدداً في سورية، قاد الكيالي مجموعة مدعومة من المواطنين السوريين، ولكنها لم تكن رسميّاً جزءاً من جهاز المقاومة والأمن السوري. وبالحديث مع محلّلين غير حكوميين في اللاذقية، أُخبرت مراراً أنّ الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة معروفة بفهم جغرافيّة وسياسة منطقة الساحل السوري حيث ينشط أفرادها في حلب وبانياس، وبين طرطوس وحول اللاذقية، بالإضافة إلى مناطق إدلب وحمص ودمشق. أمّا مقاتلو هذه الجبهة ومسؤولوها فقد أخبروني عن ماضي مقاومتها في سورية خلال العامين الماضيين حاملين شعار "لن تركع سورية" كما وضعه القائد علي "لن تركع للمشروع الصهيوني العربي لتدمير وحدة الجمهورية العربية السورية واستقلالها". وبحسب المتحدّث باسم الجبهة، فإنها "تدعم وتقف في الصفّ نفسه مع الدولة ويداً بيد لمواجهة المشروعين الأجنبيين. الأوّل لتدمير إنجازات الشعب السوري والنسيج الإجتماعي في سورية والإرث الثقافي المتنوّع والثاني لإدخال الدخلاء الأجانب". وأحد الأماكن التي تقاتل فيها الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة هو معقل الثوار الإستراتيجي في يبرود بجبال القلمون، شمالي دمشق بالقرب من الحدود اللبنانية. وفي 3 آذار/مارس 2014، وخلال لقائي مع القائد علي وبعض معاونيه، تلقّى اتّصالاً يحمل معلومات عن قرية السحل، التي تبعد حوالى ستة كيلومترات عن يبرود وهي الآن تحت السيطرة السورية والمجموعات الموالية لسورية بما فيها الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة. وعلي، المطّلع على تفاصيل المعارك، شرح أنّ المجموعات الموالية لسورية لا تريد احتلال يبرود وإنما تكمن استراتيجيتها في السيطرة على القرى المحيطة للإيقاع بميليشات النصرة وغيرها من ميليشيات الثوار في الداخل. ولدى سؤاله عن السكان المحلّيين العالقين وما إذا سيكون مصيرهم كمصير سكّان حلب وحمص وعشرات المناطق الأخرى، هزّ علي كتفيه وقلّب كفّيه. ونهار السابع من آذار/مارس 2014، الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة تقاتل لقطع الطريق التي تربط يبرود بعرسال شرقي لبنان. وكان لهم يدٌ في سقوط السحل الأسبوع الماضي، وهي مدينة صغيرة تقع حوالى 1.5 كيلومتر جنوبي يبرود، وتقاتل حول يبرود للتحضير للهجمة الأخيرة المحتملة. وبحسب مرافقي علي الشخصيين، يقومون بمواجهة جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة في سورية. ويقاتل حوالى 3000 من مقاتلي الجبهة في دوما وجوبر وحلب حول اللاذقية وداريا والنبك على طريق عام دمشق حمص. وكان لهم دور أساسي في معركة بانياس بين طرطوس واللاذقية. ويظهر أحد المقاطع على موقع "يوتيوب"، الذي يشاهده زوّار مقرّ الجبهة في اللاذقية، مشاركة مجموعات الجبهة، وبينهم نساء، في معركة مهمّة حديثاً ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وتلقى الجبهة دعماً متفرّقاً من المجتمع المحلّي بحسب ما يقوله الرئيس الكيالي ومعاونوه. ولكنها كما معظم الميليشيات بحاجة إلى المال والسلاح والإمداد المنتظم بالغذاء. وقد شرح لي القائد علي كيف أنّ الجبهة تحتاج أماكن لأفرادها كي يناموا في مختلف مواقع المعارك، والمزيد من الملابس الموحّدة من أجل التدفّق الكبير للمقاتلين والإنضمام إلى صفوف المقاومين وتمويل دفعات الإنتفاع من الموت لعوائل مقاتلي ومقاتلات الجبهة الذين قتلوا خلال المقاومة. ومقاتول الجبهة لا يتلقّون رواتب تجعلهم بمنأى عن الميليشيات التي يتمّ دعمها من دول الخليج وتدريبها أحياناً من دول الغرب، والتي تحصل على دفعات شهرية تتراوح بين 500 وألف دولار. وبالمقابل، تحصل اللجان الشعبية الموالية للنظام، التي يبلغ عددها حوالى 5000 وحدة دفاعية، وتتضمّن حوالى 25 ألف مقاتل، على 20 ألف ليرة سورية تقريبا كلّ شهر، أو ما يساوي 125 دولار. ويتولّى هذه الدفعات رجال أعمال سوريّون أمثال رامي مخلوف، إبن خال الرئيس بشار الأسد. أمّا مجنّدو الجيش السوري فيحصلون فقط على 3000 ليرة سورية، أي ما يعادل 20 دولار شهريّاً، ولكنّهم يحصلون على الطعام والمسكن المؤمّن، بالإضافة إلى فوائد صحيّة ومنافع متعلّقة بالسفر. أمّا مجنّدو الإحتياط في الجيش السوري فيُحكى أنّهم يحصلون فقط على 10.50 دولارات شهريّاً. وبالنسبة لعلي الكيالي، فإنّ الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة التي يرأسها هي أيضاً مسألة عائلة. فزوجته وابنته وولداه مرتبطون بعمق مع أهداف المقاومة التي وضعتها الجبهة. فالولدان مقاتلان والزوجة والإبنة مقاتلتان إذا دعت الحاجة، أمّا الآن فتقومان بمشاريع مقاومة أخرى. والإبنة البالغة من العمر 22 عاماً، والملقّبة باسم "جان دارك"، تدرس الطب، ولكن المعروف عنها أنها مقاتلة شرسة وصاحبة تكتيك في أرض المعركة، مع نتائج هائلة في عدد من المعارك ضدّ الثوار على مدى العامين الماضيين. وهي امرأة قويّة جداً، وقد أخبرتني أنها تحبّ أن تذهل التكفيريين الذين يعبّرون عن ذهولهم في بعض الأحيان لدى رؤيتها ورؤية الوحدة المؤلفة من النساء التي تطاردهم من على قمم أحد الجبال.   وبالعودة إلى موضوع حاجة الجبهة للمزيد من الوجبات المنتظمة، لقد تمّت دعوتي بشكل مفاجئ للغداء على جانب الطريق مع ستة مقاتلين الأسبوع الماضي. وقد دعانا طبّاخ المجموعة المفضّل، محمود، الذي يرتدي دائماً السترة الزرقاء نفسها. وخلال دقائق، جمع محمود بعض الأغصان وقطع الخشب الصغيرة، وأشعل ناراً صغيرة، ثمّ غطّاها بإناء معدني وجاء بكيس من الطحين، مزجه بالماء وبعد ذلك شكّل المزيج على شكل أرغفة غير متساوية وحمّصها. وبعدها نشر على الأرغفة من كيس بلاستيكي آخر القليل من البهارات. كانت وجبته السريعة والساخنة لذيذة وقد تكوّنت من مناقيش محمّرة (خبز محمّص مع صلصة الفلفل الأحمر الحار)، ومناقيش زعتر (توابل وزعتر وسمسم) ومناقيش الجبنة. جهاد "الكبتاغون"؟ في بهو متهدّم، في فندق أقلّ من نجمة واحدة قبالة المتوسّط، ومستخدم للنوم من قبل مختلف الميليشيات، تحدّثت وأحد الرفاق مطوّلاً في الصباح الباكر مع أحد أبناء رئيس الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة، علي كيالي، وأحد الرفاق الذي يرافق والده حين لا يقاتل الجهاديين. وكنت مهتمّاً بعض الشيء بمزاعم الحكومات الغربية أنها "تقدّم دعماً إنسانيّاً غير قاتل" لمجموعات الثوار بما في ذلك "مناظير ليلية وأدوات إتصالات وأجهزة تحديد المواقع". أمّا أنا فأعتبر هذه الأدوات كلّها مموّهة التسمية وأنها في الواقع تشكّل دعماً قاتلاً طالما أنها تسهّل قتل الفرد للآخر من خلال القنص الليلي وتسهيل تحرّك القوات. وقد تفاجأت قليلاً عندما عرفت عمّا كان يظنّه مقاتلو الجبهة حول هذا النوع من الأدوات التي يتمّ تسليمها لخصومهم تحت عنوان "المساعدات الإنسانية". وقد أخبرني أحد أبناء عليّ إنّ "عدم استخدام المناظير الليلية، إلّا البعض منها الذي أخذناه من الأعداء ليس مشكلة كبيرة لأنه بإمكاننا أن نستشعر مكان وجود مقاتلي النصرة وهم يميلون لعدم القتال ليلاً". ولدى سؤاله لماذا، ظنّاً منّي بأنّ الأمر قد يتعلّق بفتوى دينيّة نوعاً ما. ولكنني قد أخطأت مجدّداً. فقد شرح علي قائلاً "ليس الأمر كذلك، ولكنّهم يكونون خائفين ومرهقين من تناول حبوب "الكبتاغون" وغيرها من المخدّرات الأخطر ليقاتلوا ليلاً". وبحسب الشبان الذين التقيتهم، وبعضهم لديه خبرة قتالية يفوق عمرها السنتين في هذه الجبهة، فإنّ معظم الجهاديين المدعومين من الخليج يتلقّون أكياساً من هذه الحبوب لتحفيز شجاعتهم في أرض المعركة. وهذه الحبوب تؤدّي مفعولها إلى حدّ ما. وعند الفجر من كلّ يوم، يتناول الجهاديون المخدّرات، بما في ذلك أحياناً جرعات كبيرة من "الكبتاغون" وغيرها من المخدّرات المتوفّرة بكثرة بين الميليشيات، التي تتضمّن على سبيل المثال لا الحصر بعض الحبوب المعروفة محلّياً بأسماء مثل "بالتكون" و "عفون" و "زولم" والأفيون والهيروين والكوكايين والحشيش. والمنافذ الاساسية التي تصل عبرها المخدّرات إلى مناطق المعارك في سورية هي من باكستان وأفغانستان ولبنان مع كميات أقلّ من تركيا والعراق والأردن. وسهل البقاع اللبناني على ما يبدو ينتج كمّيات كبيرة من حبوب "الكبتاغون" لتصديرها إلى الخليج والآن إلى سورية. والجهادييون يعوذلون بشكل كبير على المخدّرات التي تجعلهم يشعرون أنهم لا يُقهرون وأنهم عدائيون ولا يخافون الموت. ومعظمهم في الواقع مقاتلون شرسون ولا يخافون خلال النهار، بحسب ما نقلت معظم وسائل الإعلام. ولكن مع حلول الليل، عندما ينتهي مفعول الحبوب المخدّرة، يصبح المقاتلون مرهقين وفي بعض الأحيان تجدهم نائمين في المكان نفسه الذي كانوا يقاتلون فيه. وقد شرح علي أنّ "الكثير من الخليجيين مدمنون بشدّة على الأنواع القويّة من المخدّرات كالهيروين وهم يتلهّفون للحصول عليها وأحياناً يتشاجرون مع زملائهم الميليشياويين من أجل هذه الحبوب". ويخبرنا بعض الذين نأسرهم أنهم في بعض الأحيان عندما يموت زملاؤهم يهرع بعض "الرفاق" إلى جثته، ليس بالضرورة للصلاة على الجثّة، وإنما من أجل تفريغ جيوبه من المخدّرات. وفي الواقع، في العام 2011 وحده، صادرت السلطات اللبنانية ثلاثة مختبرات لإنتاج المنشطات، وبالإضافة إلى مختبرين لإنتاج الكبتاغون الذي قيل إنهم يرسلون مئات الآلاف من حبوبه إلى الخليج، الذي يعاود إرسالها إلى مقاتليهم في سورية. ويظهر إلقاء القبض على شاحنات الكبتاغون المخبّأ في هياكلها في لبنان وفي مطار بيروت الدولي الحاجة المتزايدة لهذه المنتجات في سوق الميليشيات السورية. وقد نشرت الأمم المتحدة مؤخراً تقريراً مفاده أنّ منطقتي الشرق الأوسط والأدنى تشهدان أكبر إدمان في العالم. وبحسب ما أورده بعض وسائل الإعلام فإنّ "جبهة النصرة وتنظيم داعش أصبحا من أكثر "الجهاديين المستوردين" تطرّفاً كما يسمّيهم البعض هنا، يزعمون أنّهم مقاتلون أفضل من حزب الله الذي تظهر وحداته مهارة قتالية عالية في هذه الأيّام. ويزعم بعضهم أنّهم لم يبدأوا فعليّاً معركتهم لهزيمة حزب الله في على أرضه، ولكنهم سيقومون بذلك عندما يصبحون جاهزين وعندما لا يكون لديهم أيّ شكّ بأنهم سيهزمون حزب الله. ولكن بحسب ما شرحه أحد مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة ووافق عليه بعض زملائه، فإنّ الجهاديين القطريين والسعوديين لا يظهرون شجاعة وتبجّحاً ولا يشكّلون خطراً حقيقياً إلّا عندما يكونون تحت تأثير المخدّرات ذلك أنّهم لا يتبعون التكتيكات القتالية الدفاعية الطبيعية. "ونحن نعرف الكثير من هؤلاء الشبّان جيّداً، والكثيرون منهم لم يكونوا متديّنين أصلاً. وهناك الكثير منهم من المدمنين على المخدّرات الذين لا يشعرون بالخوف من الموت. ولذلك يصبحون خطرين لتتمّ مواجهتهم، وهم غالباً ما يستخدمون تكتيكات غريبة".   وبحسب مصدر آخر في الجبهة نفسها، فإنّ "الجهاديين المستوردين" يموتون بأعداد كبيرة لأنهم يتجاهلون وقائع أرض المعركة. فمعدّل قتلاهم في أيّ معركة خلال العامين الماضيين تقدّر بأنها حوالى خمسة أضعاف عدد ضحايا حزب الله، وثلاثة أضعاف مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير الإسكندرونة وضعفي عدد ضحايا الجيش السوري ...   وفي حين تدخل الأزمة السورية عامها الرابع، مع وصول المزيد من الجهاديين وتشكيل المزيد من الميليشيات على امتداد الطيف السياسي والديني، يتوقّع المجتمع الإستخباري الأميركي ومصادر في الكونغرس أن تطول الحرب مدّة عقدٍ أو أكثر. ويمكن لأيٍّ كان أن يتوقّع ما ستكون عليه مرحلة ما بعد الأزمة السورية في المنطقة مع تزايد المطالب العرقية والقومية بعودة الإستيلاء على الأراضي بموجب سايكس بيكو، ومع تزايد الإشارات إلى إنتفاضة كارثية في فلسطين. أضف إلى أنّ توقّع هذا المجتمع الإستخباري الأميركي الإطاحة بمملكتين خليجيتين أو ربما ثلاث، واحتمال كبير لحرب أخرى بين حزب الله والصهاينة، فضلاً عن تراجع النسيج الإجتماعي الديني في المنطقة، يبدو المستقبل مظلماً بالفعل. فرنكلين لامب أستاذ زائر في القانون الدولي في كليّة الحقوق بجامعة دمشق، وهو متطوّع في برنامج صبرا وشاتيلا للمنح التعليمية (sssp-lb.com). ترجمة: زينب عبدالله -المنار  

المصدر : د. فرنكلين لامب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة