قبل عام من الان جاء أوباما للمنطقة وفي جعبته خطة توخاها لحسم الوضع السوري عسكريا لمصلحة المشروع الصهيوأميركي، وبما يرضي شهوات من يسميهم «حلفاءه في المنطقة»،

حسم طمح دعاته الى اسقاط سورية الدولة والنظام والموقع الاستراتيجي واستبدالها بما يحقق لأميركا رغبتها في «شرق أوسط جديد» يستجيب لخططها الاستعمارية، مع وعد للحلفاء المزعومين بتلبية طموحاتهم في السلطة او الفضاء الاستراتيجي او احياء امبراطورية سقطت منذ قرن.‏

وفي نهاية جولته في العام الماضي اطلق أوباما «خطة اسقاط سورية» وتشظيها، وتبعا لهذا السقوط المظنون او المفترض، تخيل التركي انه سيقيم الامبراطورية العثمانية الجديدة، وحلم القطري بفضاء حيوي استراتيجي يجعل من قطر دولة اقليمية عظمى تنافس المملكة السعودية التي تلهث من اجل الابقاء على وضعها المتقدم في المجموعة العربية والمجموعة الاسلامية حيث مكنتها ظروف سادت في العقود السابقة من احتلال المقعد الاول في هاتين المجموعتين، وهي تحرص الان على المحافظة على هذا الموقع متكلة على القوة المالية الذاتية والقوة العسكرية الاميركية التي عودتها تدمير او شل او تعطيل قدرات اي دولة اقليمية يمكن ان تنافسها في هذا الامر.‏

حلم الثالوث غير المقدس «السعودي - التركي - القطري» بالانتصار في الهجوم على دمشق، وتعاظم حلمهم الى الحد الذي جعلهم يظنون بان اميركا لن تقبل بالفشل ولن تتراجع عن تحقيق الانجاز المطلوب، حلم جعلهم يظنون بان الجماعات الإرهابية المسلحة ستشكل الموجة الاولى من العدوان فاذا حققت المطلوب ونجحت فيما اسمي «بركان دمشق زلزال سورية» كان به، وان اخفقت فان اميركا لن تتردد في تكرار المشهد الافعاني او العراقي او اقلــه المشـــهد الليـــبي، ولن تتورع عن ارسال جنودها من اجل تحقيق اهداف عدوانها على سورية لتحقيق المصلحة الاميركية - غربية الذاتية اولا ومن اجل مصالح حلفائها الاقليمين المنضوين في المثلث المذكور ثانيا وقد كانت السعودية الاشد حماسة بين الثلاثة في الامر دون ان يعني ذلك تردد تركي وقطري بشأن العدوان في صيغتيه (الاصلية على يد الجماعات المسلحة والاحبتياطية على يد القوات الغربية وفي طليعتها الاميركية).‏

نام المثلث الحالم بالنفوذ والسيطرة والامبراطورية على انقاض سورية الدولة وانقاض المنطقة والامة، نام على حلم النجاح الاكيد وغادر أوباما المنطقة وترك الحالمين يسعدون باحلامهم على وقع اندفاعة الإرهابيين باتجاه دمشق ومدن سورية اخرى. لكن الميدان السوري جاء برد كذب الاحلام واجهض امال الجميع، وبدل ان تحدث موجة الإرهاب الممول خليجيا والمدعوم تركيا صدمة تزلزل الدولة السورية كما كان المنفذون يظنون، حصل العكس تماما، حيث تكسرت الموجات الإرهابية على الصخور السورية وارتدت على مطلقيها سلبياً ورسم مشهد سوري ميداني توزع تحت عناوين ثلاثة : اولها نجاح الجيش العربي السوري في التحكم بزمام المبادرة في الميدان والانطلاق في عمليات التطهير المتتابعة وسد المنافذ ومحاصرة الإرهابيين، والثاني تفجر الصراعات بين الجماعات الإرهابية وو تحولها الى دموية الغائية ، والثالث بدء التحرك المعاكس للإرهابيين وخروجهم من سورية هربا من اتونها وبدء تهديد المصالح الامنية للدول الراعية.‏

بنتيجة انكسار الصيغة الاولى من خطة أوباما لاسقاط سورية كان التصور السعودي اليقيني بان اميركا لن تتأخر في وضع «الخطة ب» موضع التنفيذ اي خطة الهجوم العسكري الغربي على سورية، والكل يذكر تلك الايام من شهر آب الماضي التي تلت استعمال الإرهابين في سورية للأسلحة الكيماوية وكيف كان تواطؤ دولي رافق خداع وكيد غربي اميركي لإنتاج بيئة تبرر العدوان على سورية بحجة استعمالها للسلاح الكيماوي، سلوك يذكر بالتلفيق والنفاق الاميركي حول اسلحة الدمار الشامل المزعومة كذبا في العراق لتبرير العدوان عليها.‏

ومرة جديدة ينام السعودي والقطري والتركي قريري الاعين حالمين بالتدخل العسكري الاميركي الذي يحسم المسألة في سورية ويعوض على مثلث الادوات هزائم إرهابيهم في «الخطة أ» وصيغتها الاجرامية.‏

 

وبالفعل اوحت اميركا لهؤلاء وبمناورة سياسية دعائية، بانها ذاهبة جدياً «للخطة ب» وأنها ستبدأ هجومها العدواني على سورية في وقت قصير، فطرب المثلث الاقليمي المذكور وهو يسمع تهديد أوباما لسورية وتلويحه بقرب الحرب عليها، لكن نسي هؤلاء بان سورية ليست عراق صدام وليست ليبيا القذافي، ونسي هؤلاء ان سورية هي القلعة الوسطى في محور المقاومة وان هذا المحور يملك من قدرات الرد ما يجعل المعتدي يندم اذا انطلق في عدوانه، وبين التهديد والمناورة السياسية والاستعدادات والمرونة والذكاء الدفاعي طويت صفحة الحرب، وطارت «الخطة ب» من الملف وطارت احلام المثلث الاقليمي حتى وطار صواب السعودية التي ادركت بان اميركا خذلتها، وباعتها في سوق المصالح والحسابات الدولية التي لا تفهم السعودية او لا تتقن قراءتها كما يجب.‏

هنا كانت الكارثة التي نزلت بالمثلث الاقليمي المضطلع بالعدوان على سورية، فكان زلزالا بخّر الاحلام وتصدع معه البنيان القائم على الشر والعدوان، وحتى تكتمل الصورة المؤلمة لهؤلاء خاصة السعودية عقدت اميركا الاتفاق الاولي مع ايران حول ملفها النووي، واستبعد مع هذا الاتفاق اي تفكير بعمل عسكري اميركي او اسرائيلي ايضا ضد ايران. وهنا اسودت الصورة اكثر بوجه مثلث الادوات الاقليمية وشعرت ان الاميركي تخلى جديا عنها وتركها لمصيرها تتخبط بعجزها.‏

والآن يأتي اليهم أوباما بعد عام زخر بهزائهم وخيباتهم التي تقابلها انجازات وانتصارات محور المقاومة التي صنعتها بطولات الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة، فما الذي يستطيعه أوباما وكيف تكون وعوده واحلامهم؟‏

يبدو ان زيارة اليوم تتم في بيئة دولية واقليمية وميدانية سورية معاكسة لطموح الجميع، فخسائر الغرب متعددة العناوين والميادين من سورية الى اوكرانيا مروراً بإيران، وان الاوراق التي كان من الممكن ان تهدد بها اميركا يبدو انها افرغت من محتواها او انها عطلت او انتفت فعاليتها وصلاحيتها فلا التهديد بالحرب بات امرا يخيف، ولا التهديد بالعقوبات بات أمراً مرعباً ولا التلويح بإقامة الاحلاف والتكتلات الدولية وفتح الجبهات بات امرا يؤخذ على محمل الجد، فالغرب يتخبط في ازماته الاقتصادية، وجيوشه تئن من الارهاق الذي اصابها في حروب العقود الثلاثة الماضية، ومن كان من الخصوم او الاعداء او المنافسين يحاذر اغضاب الغرب خشية عقابه، انقلب الى موقع لا يخاف من تهديد ولا يأبه لوعيد، وبعد هذا المشهد يطرح السؤال حول معنى الجملة التي تمخضت عنها زيارة أوباما للسعودية «أميركا والسعودية متفقان استراتيجيا مع وجود اختلاف تكتيكي» وهي الجملة التي تصلح لتكون عنوان نتائج زيارة أوباما للمنطقة نتائج نراها ما يلي :‏

- ستيقى اميركا تسمع حلفاءها من المثلث الاقليمي اجمل الكلام فيما يرضيهم لكنها لن تكون جاهزة للانخراط من اجلهم او من اجل اي احد اخر في حرب ولن تفتح جبهات جديدة اينما كانت الجبهة واميركا ارادت ان تفهمهم موقفها حيالهم وقولها «اذهب وقاتل وانا قاعدة هنا انتظر»، لأنها لن تعكر صفو تحضيراتها للانسحاب من أفغانستان ولا يمكن ان تغلق ممرات الخروج في اتجاه روسيا او ايران.‏

- انا ما قامت به اميركا تجاه ايران ليس زلة وهفوة بل هو تخطيط استراتيجي لا تراجع عنه لأنها لا تملك البديل وبالتالي غضب الحلفاء ام رضوا فلا تراجع عن المسار السلمي للملف النووي الايراني.‏

- اميركا لن تستمر في الرهان على متغيرات في سورية من قبيل اسقاطها او اسقاط نظامها، بل ان الواقعية تفرض الاعتراف بما هو قائم وبقدرات الخصم وبما هو ممكن الحصول فاذا اراد الادوات شيئا اخر فعليهم المغامرة بأنفسهم ولكن تحت سقف تحدده اميركا سقف ترفض اميركا خرقه لانه قد يمس مصالحها او يجبرها على فعل لا تريده، ولهذا لن يكون أردوغان حراً في جر الاطلسي الى حرب فب المنطقة.‏

- اميركا لن تتدخل الآن في ابرام مصالحة بين «الاعدقاء» أركان مثلث العدوان، وتنافرهم يريحها ومن يفرض نفسه منهم على الاخر تكون معه ومن يمسك بأمر بلاده فانه يكون محل ترحيبها ولكن من يخسر منهم في داخل دولته او في مواجهة الاخرين لن يجد لديها ما تعوض عليه فيه، ولهذا فهي ستترك السعودية تتعامل مع ارتدادات قراراتها في مسلسل تعيين الحكام، وستراقب من بعيد نتائج الانتخابات التركية وآلام أردوغان، وستواكب العلاقة المتفجرة بين قطر والسعودية، وهي تعلم ان حلفاء هذا حالهم لا يمكن المراهنة عليهم في اي حرب او مواجهة.‏

وفي الخلاصة نرى ان زيارة أوباما هذه المرة لم تكن من اجل اطلاق خطط حرب اخرى كما فعل في السنة الماضية، بل جاء في مهمة التحضير للتراجع وحفظ ماء الوجه، وضخ حزمة من المواقف الكلامية لمثلث الحلفاء يخفف فيها من فجيعتهم في الشكل ويحملهم فيها مسؤولية فشلهم المستقبلي في سورية والمنطقة، وباختصار أوباما 2013 جاء الى المنطقة مهاجما وتعلقت به امال مثلث العدوان، وفي 2014 جاء محضرا للتراجع محطما امال المثلث نفسه، ومع هذا التغيير نعتقد انه من الموضوعية والواقعية القول ان الغرب بدأ يتصرف فعليا على اساس انه خسر الحرب في سورية كما خسرها في اوكرانيا.‏

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-31
  • 12803
  • من الأرشيف

أوباما ومتغيرات ما بين الزيارتين للمنطقة... والنتائج ؟

قبل عام من الان جاء أوباما للمنطقة وفي جعبته خطة توخاها لحسم الوضع السوري عسكريا لمصلحة المشروع الصهيوأميركي، وبما يرضي شهوات من يسميهم «حلفاءه في المنطقة»، حسم طمح دعاته الى اسقاط سورية الدولة والنظام والموقع الاستراتيجي واستبدالها بما يحقق لأميركا رغبتها في «شرق أوسط جديد» يستجيب لخططها الاستعمارية، مع وعد للحلفاء المزعومين بتلبية طموحاتهم في السلطة او الفضاء الاستراتيجي او احياء امبراطورية سقطت منذ قرن.‏ وفي نهاية جولته في العام الماضي اطلق أوباما «خطة اسقاط سورية» وتشظيها، وتبعا لهذا السقوط المظنون او المفترض، تخيل التركي انه سيقيم الامبراطورية العثمانية الجديدة، وحلم القطري بفضاء حيوي استراتيجي يجعل من قطر دولة اقليمية عظمى تنافس المملكة السعودية التي تلهث من اجل الابقاء على وضعها المتقدم في المجموعة العربية والمجموعة الاسلامية حيث مكنتها ظروف سادت في العقود السابقة من احتلال المقعد الاول في هاتين المجموعتين، وهي تحرص الان على المحافظة على هذا الموقع متكلة على القوة المالية الذاتية والقوة العسكرية الاميركية التي عودتها تدمير او شل او تعطيل قدرات اي دولة اقليمية يمكن ان تنافسها في هذا الامر.‏ حلم الثالوث غير المقدس «السعودي - التركي - القطري» بالانتصار في الهجوم على دمشق، وتعاظم حلمهم الى الحد الذي جعلهم يظنون بان اميركا لن تقبل بالفشل ولن تتراجع عن تحقيق الانجاز المطلوب، حلم جعلهم يظنون بان الجماعات الإرهابية المسلحة ستشكل الموجة الاولى من العدوان فاذا حققت المطلوب ونجحت فيما اسمي «بركان دمشق زلزال سورية» كان به، وان اخفقت فان اميركا لن تتردد في تكرار المشهد الافعاني او العراقي او اقلــه المشـــهد الليـــبي، ولن تتورع عن ارسال جنودها من اجل تحقيق اهداف عدوانها على سورية لتحقيق المصلحة الاميركية - غربية الذاتية اولا ومن اجل مصالح حلفائها الاقليمين المنضوين في المثلث المذكور ثانيا وقد كانت السعودية الاشد حماسة بين الثلاثة في الامر دون ان يعني ذلك تردد تركي وقطري بشأن العدوان في صيغتيه (الاصلية على يد الجماعات المسلحة والاحبتياطية على يد القوات الغربية وفي طليعتها الاميركية).‏ نام المثلث الحالم بالنفوذ والسيطرة والامبراطورية على انقاض سورية الدولة وانقاض المنطقة والامة، نام على حلم النجاح الاكيد وغادر أوباما المنطقة وترك الحالمين يسعدون باحلامهم على وقع اندفاعة الإرهابيين باتجاه دمشق ومدن سورية اخرى. لكن الميدان السوري جاء برد كذب الاحلام واجهض امال الجميع، وبدل ان تحدث موجة الإرهاب الممول خليجيا والمدعوم تركيا صدمة تزلزل الدولة السورية كما كان المنفذون يظنون، حصل العكس تماما، حيث تكسرت الموجات الإرهابية على الصخور السورية وارتدت على مطلقيها سلبياً ورسم مشهد سوري ميداني توزع تحت عناوين ثلاثة : اولها نجاح الجيش العربي السوري في التحكم بزمام المبادرة في الميدان والانطلاق في عمليات التطهير المتتابعة وسد المنافذ ومحاصرة الإرهابيين، والثاني تفجر الصراعات بين الجماعات الإرهابية وو تحولها الى دموية الغائية ، والثالث بدء التحرك المعاكس للإرهابيين وخروجهم من سورية هربا من اتونها وبدء تهديد المصالح الامنية للدول الراعية.‏ بنتيجة انكسار الصيغة الاولى من خطة أوباما لاسقاط سورية كان التصور السعودي اليقيني بان اميركا لن تتأخر في وضع «الخطة ب» موضع التنفيذ اي خطة الهجوم العسكري الغربي على سورية، والكل يذكر تلك الايام من شهر آب الماضي التي تلت استعمال الإرهابين في سورية للأسلحة الكيماوية وكيف كان تواطؤ دولي رافق خداع وكيد غربي اميركي لإنتاج بيئة تبرر العدوان على سورية بحجة استعمالها للسلاح الكيماوي، سلوك يذكر بالتلفيق والنفاق الاميركي حول اسلحة الدمار الشامل المزعومة كذبا في العراق لتبرير العدوان عليها.‏ ومرة جديدة ينام السعودي والقطري والتركي قريري الاعين حالمين بالتدخل العسكري الاميركي الذي يحسم المسألة في سورية ويعوض على مثلث الادوات هزائم إرهابيهم في «الخطة أ» وصيغتها الاجرامية.‏   وبالفعل اوحت اميركا لهؤلاء وبمناورة سياسية دعائية، بانها ذاهبة جدياً «للخطة ب» وأنها ستبدأ هجومها العدواني على سورية في وقت قصير، فطرب المثلث الاقليمي المذكور وهو يسمع تهديد أوباما لسورية وتلويحه بقرب الحرب عليها، لكن نسي هؤلاء بان سورية ليست عراق صدام وليست ليبيا القذافي، ونسي هؤلاء ان سورية هي القلعة الوسطى في محور المقاومة وان هذا المحور يملك من قدرات الرد ما يجعل المعتدي يندم اذا انطلق في عدوانه، وبين التهديد والمناورة السياسية والاستعدادات والمرونة والذكاء الدفاعي طويت صفحة الحرب، وطارت «الخطة ب» من الملف وطارت احلام المثلث الاقليمي حتى وطار صواب السعودية التي ادركت بان اميركا خذلتها، وباعتها في سوق المصالح والحسابات الدولية التي لا تفهم السعودية او لا تتقن قراءتها كما يجب.‏ هنا كانت الكارثة التي نزلت بالمثلث الاقليمي المضطلع بالعدوان على سورية، فكان زلزالا بخّر الاحلام وتصدع معه البنيان القائم على الشر والعدوان، وحتى تكتمل الصورة المؤلمة لهؤلاء خاصة السعودية عقدت اميركا الاتفاق الاولي مع ايران حول ملفها النووي، واستبعد مع هذا الاتفاق اي تفكير بعمل عسكري اميركي او اسرائيلي ايضا ضد ايران. وهنا اسودت الصورة اكثر بوجه مثلث الادوات الاقليمية وشعرت ان الاميركي تخلى جديا عنها وتركها لمصيرها تتخبط بعجزها.‏ والآن يأتي اليهم أوباما بعد عام زخر بهزائهم وخيباتهم التي تقابلها انجازات وانتصارات محور المقاومة التي صنعتها بطولات الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة، فما الذي يستطيعه أوباما وكيف تكون وعوده واحلامهم؟‏ يبدو ان زيارة اليوم تتم في بيئة دولية واقليمية وميدانية سورية معاكسة لطموح الجميع، فخسائر الغرب متعددة العناوين والميادين من سورية الى اوكرانيا مروراً بإيران، وان الاوراق التي كان من الممكن ان تهدد بها اميركا يبدو انها افرغت من محتواها او انها عطلت او انتفت فعاليتها وصلاحيتها فلا التهديد بالحرب بات امرا يخيف، ولا التهديد بالعقوبات بات أمراً مرعباً ولا التلويح بإقامة الاحلاف والتكتلات الدولية وفتح الجبهات بات امرا يؤخذ على محمل الجد، فالغرب يتخبط في ازماته الاقتصادية، وجيوشه تئن من الارهاق الذي اصابها في حروب العقود الثلاثة الماضية، ومن كان من الخصوم او الاعداء او المنافسين يحاذر اغضاب الغرب خشية عقابه، انقلب الى موقع لا يخاف من تهديد ولا يأبه لوعيد، وبعد هذا المشهد يطرح السؤال حول معنى الجملة التي تمخضت عنها زيارة أوباما للسعودية «أميركا والسعودية متفقان استراتيجيا مع وجود اختلاف تكتيكي» وهي الجملة التي تصلح لتكون عنوان نتائج زيارة أوباما للمنطقة نتائج نراها ما يلي :‏ - ستيقى اميركا تسمع حلفاءها من المثلث الاقليمي اجمل الكلام فيما يرضيهم لكنها لن تكون جاهزة للانخراط من اجلهم او من اجل اي احد اخر في حرب ولن تفتح جبهات جديدة اينما كانت الجبهة واميركا ارادت ان تفهمهم موقفها حيالهم وقولها «اذهب وقاتل وانا قاعدة هنا انتظر»، لأنها لن تعكر صفو تحضيراتها للانسحاب من أفغانستان ولا يمكن ان تغلق ممرات الخروج في اتجاه روسيا او ايران.‏ - انا ما قامت به اميركا تجاه ايران ليس زلة وهفوة بل هو تخطيط استراتيجي لا تراجع عنه لأنها لا تملك البديل وبالتالي غضب الحلفاء ام رضوا فلا تراجع عن المسار السلمي للملف النووي الايراني.‏ - اميركا لن تستمر في الرهان على متغيرات في سورية من قبيل اسقاطها او اسقاط نظامها، بل ان الواقعية تفرض الاعتراف بما هو قائم وبقدرات الخصم وبما هو ممكن الحصول فاذا اراد الادوات شيئا اخر فعليهم المغامرة بأنفسهم ولكن تحت سقف تحدده اميركا سقف ترفض اميركا خرقه لانه قد يمس مصالحها او يجبرها على فعل لا تريده، ولهذا لن يكون أردوغان حراً في جر الاطلسي الى حرب فب المنطقة.‏ - اميركا لن تتدخل الآن في ابرام مصالحة بين «الاعدقاء» أركان مثلث العدوان، وتنافرهم يريحها ومن يفرض نفسه منهم على الاخر تكون معه ومن يمسك بأمر بلاده فانه يكون محل ترحيبها ولكن من يخسر منهم في داخل دولته او في مواجهة الاخرين لن يجد لديها ما تعوض عليه فيه، ولهذا فهي ستترك السعودية تتعامل مع ارتدادات قراراتها في مسلسل تعيين الحكام، وستراقب من بعيد نتائج الانتخابات التركية وآلام أردوغان، وستواكب العلاقة المتفجرة بين قطر والسعودية، وهي تعلم ان حلفاء هذا حالهم لا يمكن المراهنة عليهم في اي حرب او مواجهة.‏ وفي الخلاصة نرى ان زيارة أوباما هذه المرة لم تكن من اجل اطلاق خطط حرب اخرى كما فعل في السنة الماضية، بل جاء في مهمة التحضير للتراجع وحفظ ماء الوجه، وضخ حزمة من المواقف الكلامية لمثلث الحلفاء يخفف فيها من فجيعتهم في الشكل ويحملهم فيها مسؤولية فشلهم المستقبلي في سورية والمنطقة، وباختصار أوباما 2013 جاء الى المنطقة مهاجما وتعلقت به امال مثلث العدوان، وفي 2014 جاء محضرا للتراجع محطما امال المثلث نفسه، ومع هذا التغيير نعتقد انه من الموضوعية والواقعية القول ان الغرب بدأ يتصرف فعليا على اساس انه خسر الحرب في سورية كما خسرها في اوكرانيا.‏  

المصدر : العميد د. أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة