قبل أيام عندما بدأت المعارضة السورية معركة الساحل بالهجوم على بلدة كسب الحدودية الإستراتيجية، وما لحق ذلك من إسقاط تركيا لطائرة حربية سورية،

كان الجيش السوري قد استعاد للتو مدينة يبرود الاستراتيجية والكثير من المناطق المحيطة بها، ليرسل إلى من يهمهم الأمر رسالة واضحة، بأن المبادرة بالكامل هي بيد دمشق وحلفائها، وأن حالة المعارضة المسلحة، بغض النظر عن انتمائها الفكري أو ارتباطها السياسي والمالي، أصبحت في حال تراجع، وأن المقبل من أيام سيحمل الكثير الكثير من المفاجآت. لم يكن البناء على النصر الذي حققه النظام و«حزب الله» في يبرود محل خلاف بين الخبراء، فالجميع يعلم الأهمية الاستراتيجية للمنطقة ودورها كنقطة ترانزيت عسكرية ولوجستية لمن يرغب في الدخول إلى سوريا من الحدود اللبنانية. فبعد سقوط القصير، وتطور السيطرة الميدانية للجيش السوري و«حزب الله»، في تلك المنطقة من كيلومترات معدودة بداية نهاية المعركة إلى عشرات الكيلومترات التي تحيط بالحدود اللبنانية، وفي عمق الأراضي السورية أصبحت الحاجة ضرورية للسيطرة على نقاط رئيسية في منطقة القلمون، كيبرود وفليطة ورنكوس، لتصبح الحدود اللبنانية آمنة بشكل نسبي، بحيث لا يدخل منها مقاتلون وعتاد إلى الأراضي السورية، ولا تخرج منها سيارات مفخخة إلى لبنان. وكان لتقدم النظام في المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية، ومجموعة العمليات النوعية في محيط دمشق وريفها، انعكاس عملي على الميدان. هكذا أصبحت العاصمة خارج السؤال، وما كان يعول عليه سابقا لإسقاط النظام عبر هجوم مباغت عليها لم يعد محل طرح، وهكذا أيضا بدأ النظام يفكر بهدوء أكثر في كيفية استعادة المبادرة في الجنوب، وتأمين الحدود الأردنية بالشكل الكامل، وكذلك المنطقة المحاذية للجولان المحتل. أما حلب وبعض الأحياء الباقية مع المعارضة في حمص، والرقة ودير الزور، فكلها كانت مؤجلة إلى مرحلة لاحقة. فجأة سمع الصوت من الشمال الغربي، من محافظة اللاذقية، المعارضة المسلحة تبدأ معركة الساحل، أو ما أسمته عبر مواقعها بـ«معركة الأنفال». هي معركة في عقر دار النظام، والأهم أنها تستهدف إيجاد منفذ بحري للمعارضة كما تقول مصادرها لـ«السفير». منذ اللحظة الأولى للهجوم قرأت دمشق ما يحدث على أنه رسالة تركية، لأن هجوما كهذا لا يمكن ان ينجح من دون غطاء وخط إمداد وعمق مساند. لم يطل الأمر حتى قطع الشك باليقين عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة حربية سورية. هنا كان لا بد من مشاورة الحلفاء وتقييم الوضع على الأرض. الوضع على الأرض كان يشي بتقدم للكتائب المعارضة، لكنه حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يكن ينطبق على هذا التقدم صفة الاستراتيجي، فسقوط رأس البسيط وحده الذي سيجعل الأمر خطيرا وخطيرا جدا، ومن هنا بدأ الحراك الإقليمي.

قبل أيام قليلة فقط اتصلت جهات إيرانية بالجار التركي للتباحث في ما يحدث على جبهة الساحل. قبل التواصل خرج نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، معلقا على إسقاط الطائرة السورية على يد الأتراك، بدعوة الطرفين إلى ضبط النفس وعدم توتير الأجواء. كان التصريح مفاجئا في سوريا، خاصة ان المسؤول الإيراني أضاف أن «الحل العسكري لن يجدي نفعا في حل الأزمة السورية وأن طهران وأنقرة مستمرتان بالتباحث الجاد للعمل على حل الأزمة السورية، ومتفقتان على مواجهة أنواع الإرهاب كافة في سوريا، وتدعمان أي مساع جادة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية». هدف التصريح الإيراني حينها لامتصاص الأزمة والتركيز على القنوات السياسية والديبلوماسية والمشتركات في الأزمة. بل إن هناك في طهران من قرأ الأمر بداية على أن الحركة التركية كانت في إطار الاستثمار الإنتخابي، ولا تداعيات حقيقية لها، لكن حسن الظن ما لبث أن تحول إلى قلق وعلامات تعجب واستفهام مع تطور الوضع على الأرض. تقول مصادر «السفير» إن الإيرانيين استوضحوا الأتراك حول تحريك الجبهة، حاملين رسائل واضحة من طهران إلى أنقرة. الأسئلة تمحورت حول ما إذا كان الهدف داخليا، أم تحريك مسار الحل السياسي ودفع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، أو تغيير المعادلات على الأرض. لم ينتظر الإيرانيون كثيرا الإجابة، ونقلوا إلى حليفهم التركي رسالة واضحة مفادها، انه إذا كان الهدف سياسيا فطهران تستطيع نقل الرسائل مباشرة من فم التركي إلى إذن السوري، ولا حاجة لرفع منسوب التوتير وإراقة المزيد من الدماء، أما إذا كان الهدف من معركة الساحل تغيير المعادلات الميدانية، فذلك سيعني حكما تغييرا للمعادلات في كل مناطق سوريا، وعندها ستكون الأولوية لمناطق نزاع غير تلك التي تضعها دمشق على رأس أولوياتها، ولتكن عندها معركة الساحل، لكن فليكن معها معارك حسم في حلب، وما تبقى من حمص، واللائحة طويلة.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-31
  • 10948
  • من الأرشيف

رسائل إيرانية لتركيا: معركة الساحل ستغيّر المعادلات

 قبل أيام عندما بدأت المعارضة السورية معركة الساحل بالهجوم على بلدة كسب الحدودية الإستراتيجية، وما لحق ذلك من إسقاط تركيا لطائرة حربية سورية، كان الجيش السوري قد استعاد للتو مدينة يبرود الاستراتيجية والكثير من المناطق المحيطة بها، ليرسل إلى من يهمهم الأمر رسالة واضحة، بأن المبادرة بالكامل هي بيد دمشق وحلفائها، وأن حالة المعارضة المسلحة، بغض النظر عن انتمائها الفكري أو ارتباطها السياسي والمالي، أصبحت في حال تراجع، وأن المقبل من أيام سيحمل الكثير الكثير من المفاجآت. لم يكن البناء على النصر الذي حققه النظام و«حزب الله» في يبرود محل خلاف بين الخبراء، فالجميع يعلم الأهمية الاستراتيجية للمنطقة ودورها كنقطة ترانزيت عسكرية ولوجستية لمن يرغب في الدخول إلى سوريا من الحدود اللبنانية. فبعد سقوط القصير، وتطور السيطرة الميدانية للجيش السوري و«حزب الله»، في تلك المنطقة من كيلومترات معدودة بداية نهاية المعركة إلى عشرات الكيلومترات التي تحيط بالحدود اللبنانية، وفي عمق الأراضي السورية أصبحت الحاجة ضرورية للسيطرة على نقاط رئيسية في منطقة القلمون، كيبرود وفليطة ورنكوس، لتصبح الحدود اللبنانية آمنة بشكل نسبي، بحيث لا يدخل منها مقاتلون وعتاد إلى الأراضي السورية، ولا تخرج منها سيارات مفخخة إلى لبنان. وكان لتقدم النظام في المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية، ومجموعة العمليات النوعية في محيط دمشق وريفها، انعكاس عملي على الميدان. هكذا أصبحت العاصمة خارج السؤال، وما كان يعول عليه سابقا لإسقاط النظام عبر هجوم مباغت عليها لم يعد محل طرح، وهكذا أيضا بدأ النظام يفكر بهدوء أكثر في كيفية استعادة المبادرة في الجنوب، وتأمين الحدود الأردنية بالشكل الكامل، وكذلك المنطقة المحاذية للجولان المحتل. أما حلب وبعض الأحياء الباقية مع المعارضة في حمص، والرقة ودير الزور، فكلها كانت مؤجلة إلى مرحلة لاحقة. فجأة سمع الصوت من الشمال الغربي، من محافظة اللاذقية، المعارضة المسلحة تبدأ معركة الساحل، أو ما أسمته عبر مواقعها بـ«معركة الأنفال». هي معركة في عقر دار النظام، والأهم أنها تستهدف إيجاد منفذ بحري للمعارضة كما تقول مصادرها لـ«السفير». منذ اللحظة الأولى للهجوم قرأت دمشق ما يحدث على أنه رسالة تركية، لأن هجوما كهذا لا يمكن ان ينجح من دون غطاء وخط إمداد وعمق مساند. لم يطل الأمر حتى قطع الشك باليقين عندما أسقطت الدفاعات الجوية التركية طائرة حربية سورية. هنا كان لا بد من مشاورة الحلفاء وتقييم الوضع على الأرض. الوضع على الأرض كان يشي بتقدم للكتائب المعارضة، لكنه حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يكن ينطبق على هذا التقدم صفة الاستراتيجي، فسقوط رأس البسيط وحده الذي سيجعل الأمر خطيرا وخطيرا جدا، ومن هنا بدأ الحراك الإقليمي. قبل أيام قليلة فقط اتصلت جهات إيرانية بالجار التركي للتباحث في ما يحدث على جبهة الساحل. قبل التواصل خرج نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، معلقا على إسقاط الطائرة السورية على يد الأتراك، بدعوة الطرفين إلى ضبط النفس وعدم توتير الأجواء. كان التصريح مفاجئا في سوريا، خاصة ان المسؤول الإيراني أضاف أن «الحل العسكري لن يجدي نفعا في حل الأزمة السورية وأن طهران وأنقرة مستمرتان بالتباحث الجاد للعمل على حل الأزمة السورية، ومتفقتان على مواجهة أنواع الإرهاب كافة في سوريا، وتدعمان أي مساع جادة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية». هدف التصريح الإيراني حينها لامتصاص الأزمة والتركيز على القنوات السياسية والديبلوماسية والمشتركات في الأزمة. بل إن هناك في طهران من قرأ الأمر بداية على أن الحركة التركية كانت في إطار الاستثمار الإنتخابي، ولا تداعيات حقيقية لها، لكن حسن الظن ما لبث أن تحول إلى قلق وعلامات تعجب واستفهام مع تطور الوضع على الأرض. تقول مصادر «السفير» إن الإيرانيين استوضحوا الأتراك حول تحريك الجبهة، حاملين رسائل واضحة من طهران إلى أنقرة. الأسئلة تمحورت حول ما إذا كان الهدف داخليا، أم تحريك مسار الحل السياسي ودفع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، أو تغيير المعادلات على الأرض. لم ينتظر الإيرانيون كثيرا الإجابة، ونقلوا إلى حليفهم التركي رسالة واضحة مفادها، انه إذا كان الهدف سياسيا فطهران تستطيع نقل الرسائل مباشرة من فم التركي إلى إذن السوري، ولا حاجة لرفع منسوب التوتير وإراقة المزيد من الدماء، أما إذا كان الهدف من معركة الساحل تغيير المعادلات الميدانية، فذلك سيعني حكما تغييرا للمعادلات في كل مناطق سوريا، وعندها ستكون الأولوية لمناطق نزاع غير تلك التي تضعها دمشق على رأس أولوياتها، ولتكن عندها معركة الساحل، لكن فليكن معها معارك حسم في حلب، وما تبقى من حمص، واللائحة طويلة.

المصدر : السفير/علي هاشم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة