بدأ السعوديون مساومة الرئيس الأميركي وهو في الطائرة إليهم. أبلغوه عبر قمّة الكويت: لن نغطّي «يهودية الدولة». والبعض فَهِمَها على طريقة الناشطة المصرية: «شات أب يور ماوث أوباما». لكنّ الرجل التقطها «على الطاير». فتح فمه في الرياض وقال الكثير، وقيل له أكثر!

ما جرى في قمّة أوباما – عبدالله أكبر ممّا سُرِّب. فالنقاش الجوهري دار حول ملفّين حملهما الضيف الأميركي:

1- هل ستتجاوب السعودية مع رغبة واشنطن في تسهيل ولادة الإتفاق – الإطار بين إسرائيل والفلسطينيين، وتستخدم نفوذها المعنوي لتمريره عربياً وإسلامياً، وتمويل تنفيذه؟

2- ما الضمانات لانتقال السلطة في المملكة، واستقرارها السياسي، وتالياً مخزون النفط؟

أمّا السعوديون، وقبل ساعات من وصول أوباما إلى الرياض، فأرسلوا إليه إشارات واضحة تجاه الملفّين:

1- في ملفّ التسوية، رفضوا في الكويت تغطية «يهودية الدولة». وأرفقوا ذلك بعدم إعطاء صحافي أميركي، يعمل لـ»جيروزاليم بوست»، تأشيرة دخول لتغطية وقائع القمّة.

2- في ملف إستقرار المملكة، تمّت تهدئة التساؤلات الأميركية حول الوضع الصحّي للملك ووليّ العهد، بتعيين وليّ لوليِّ العهد هو الأمير مقرن بن عبد العزيز (69 عاماً)، في حال «خُلوِّ منصبَي الملك ووليّ العهد في وقت واحد». ولهذه العبارة مغزاها. وخلال الزيارة، أتيح لأوباما تكريم ناشطة سعودية في مجال التصدّي للعنف الأسري.

إذاً، العصا والجزرة. السعوديون يتشدّدون فلسطينياً وينفتحون داخليّاً. وعلى الأرجح، هم لا يريدون أن «يدفعوا» في الملف الفلسطيني قبل أن «يقبضوا» في استقرارهم الداخلي. ويريدون الاطمئنان إلى أنّ واشنطن لن تتواطأ مع إيران للتوسُّع إلى الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان. وبعد ذلك، يمكن البحث في تسوية للملفّ الفلسطيني و»بيريسترويكا» سعودية.

قبل أسابيع، قام بنيامين نتنياهو باستباق الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، وطالب الأميركيين بتنفيذ البرنامج الذي أقرّته جولات جون كيري، وأبرز بنوده:

– إعتراف الفلسطينيين (والعرب) بيهودية الدولة. وهذا يمهّد ليصبح مليون و750 ألف مواطن من فلسطينيّي 1948 عرضة للتهجير إلى الأردن أو لبنان أو سيناء وسواها.

– قيام شبه كيانَين فلسطينيين في الأراضي وغزّة، لا يمارسان أيّ مظهر سياديّ.

– منع أيّ شكل من السيادية الفلسطينية على القدس.

– إنهاء الحقّ في العودة، ما يعني توطين فلسطينيّي الشتات، بمن فيهم المقيمون في الخليج. وعلى السعودية أن تضطلع بدور في تمويل الخطة.

مورسَت ضغوط على «أبو مازن» في واشنطن. وتمّ التلويح بزعزعة الإستقرار الفلسطيني في حال الرفض. وفي المعلومات أنّ الرجل وَعدَ بـ»تسهيل» التسوية بعد توفير التغطية لها فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، ثمّ الخروج من السلطة. ودور السعودية يكمن في هذه التغطية.

لذلك، رفَضَ السعوديّون منح الغطاء للتسوية في قمّة الكويت، قائلين لأوباما: عندما نحصل على الثمن سيصبح ممكناً البحث في الموضوع. فالسعوديون خائفون من نهايات دراماتيكية لمجريات الأحداث، ولا سيّما الكابوس السوري.

والأسئلة التي يطرحها السعوديون على أوباما كلّها خطِرة، بل مصيرية: هل يريد الإسرائيليون تفتيت العالم العربي والمنطقة بدءاً من سوريا؟ وما حقيقة الموقف الأميركي من ذلك؟ وما سرُّ عدم تسليحكم المعارضة السورية؟ وما سرُّ علاقتكم بقطر؟ وبـ»الإخوان المسلمين» في مصر؟

وما ارتباط ذلك بإمكان نشوء كيان للإسلاميين الفلسطينيين في غزّة؟ وما سرُّ العمليات الإرهابية التي جرت في سيناء خلال عهد الرئيس محمد مرسي؟ وما سرُّ قيام مرسي بمنحِ الجنسية المصرية لفلسطينيين؟

القمّة في منتجع «روضة خريم» حافلة بالأسرار. ويرى البعض أنّها «كمب ديفيد» أخرى (السادات 1978، عرفات 2000) وستظهر مفاعيلها تباعاً. وإذا كان «الكاوبوي» الأميركي يتميَّز بالسرعة والمغامرة، فـ»الجَمَّال» العربي يفضِّل البطء والصبر. ومطلوب منه أن يقتنع بالمغامرة ويجتاز الصحراء. ولكن: هل هو الماءُ في النهاية أم سراب؟

  • فريق ماسة
  • 2014-03-30
  • 11212
  • من الأرشيف

أسرار خطِرة في قمّة أوباما – عبدالله

بدأ السعوديون مساومة الرئيس الأميركي وهو في الطائرة إليهم. أبلغوه عبر قمّة الكويت: لن نغطّي «يهودية الدولة». والبعض فَهِمَها على طريقة الناشطة المصرية: «شات أب يور ماوث أوباما». لكنّ الرجل التقطها «على الطاير». فتح فمه في الرياض وقال الكثير، وقيل له أكثر! ما جرى في قمّة أوباما – عبدالله أكبر ممّا سُرِّب. فالنقاش الجوهري دار حول ملفّين حملهما الضيف الأميركي: 1- هل ستتجاوب السعودية مع رغبة واشنطن في تسهيل ولادة الإتفاق – الإطار بين إسرائيل والفلسطينيين، وتستخدم نفوذها المعنوي لتمريره عربياً وإسلامياً، وتمويل تنفيذه؟ 2- ما الضمانات لانتقال السلطة في المملكة، واستقرارها السياسي، وتالياً مخزون النفط؟ أمّا السعوديون، وقبل ساعات من وصول أوباما إلى الرياض، فأرسلوا إليه إشارات واضحة تجاه الملفّين: 1- في ملفّ التسوية، رفضوا في الكويت تغطية «يهودية الدولة». وأرفقوا ذلك بعدم إعطاء صحافي أميركي، يعمل لـ»جيروزاليم بوست»، تأشيرة دخول لتغطية وقائع القمّة. 2- في ملف إستقرار المملكة، تمّت تهدئة التساؤلات الأميركية حول الوضع الصحّي للملك ووليّ العهد، بتعيين وليّ لوليِّ العهد هو الأمير مقرن بن عبد العزيز (69 عاماً)، في حال «خُلوِّ منصبَي الملك ووليّ العهد في وقت واحد». ولهذه العبارة مغزاها. وخلال الزيارة، أتيح لأوباما تكريم ناشطة سعودية في مجال التصدّي للعنف الأسري. إذاً، العصا والجزرة. السعوديون يتشدّدون فلسطينياً وينفتحون داخليّاً. وعلى الأرجح، هم لا يريدون أن «يدفعوا» في الملف الفلسطيني قبل أن «يقبضوا» في استقرارهم الداخلي. ويريدون الاطمئنان إلى أنّ واشنطن لن تتواطأ مع إيران للتوسُّع إلى الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان. وبعد ذلك، يمكن البحث في تسوية للملفّ الفلسطيني و»بيريسترويكا» سعودية. قبل أسابيع، قام بنيامين نتنياهو باستباق الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، وطالب الأميركيين بتنفيذ البرنامج الذي أقرّته جولات جون كيري، وأبرز بنوده: – إعتراف الفلسطينيين (والعرب) بيهودية الدولة. وهذا يمهّد ليصبح مليون و750 ألف مواطن من فلسطينيّي 1948 عرضة للتهجير إلى الأردن أو لبنان أو سيناء وسواها. – قيام شبه كيانَين فلسطينيين في الأراضي وغزّة، لا يمارسان أيّ مظهر سياديّ. – منع أيّ شكل من السيادية الفلسطينية على القدس. – إنهاء الحقّ في العودة، ما يعني توطين فلسطينيّي الشتات، بمن فيهم المقيمون في الخليج. وعلى السعودية أن تضطلع بدور في تمويل الخطة. مورسَت ضغوط على «أبو مازن» في واشنطن. وتمّ التلويح بزعزعة الإستقرار الفلسطيني في حال الرفض. وفي المعلومات أنّ الرجل وَعدَ بـ»تسهيل» التسوية بعد توفير التغطية لها فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، ثمّ الخروج من السلطة. ودور السعودية يكمن في هذه التغطية. لذلك، رفَضَ السعوديّون منح الغطاء للتسوية في قمّة الكويت، قائلين لأوباما: عندما نحصل على الثمن سيصبح ممكناً البحث في الموضوع. فالسعوديون خائفون من نهايات دراماتيكية لمجريات الأحداث، ولا سيّما الكابوس السوري. والأسئلة التي يطرحها السعوديون على أوباما كلّها خطِرة، بل مصيرية: هل يريد الإسرائيليون تفتيت العالم العربي والمنطقة بدءاً من سوريا؟ وما حقيقة الموقف الأميركي من ذلك؟ وما سرُّ عدم تسليحكم المعارضة السورية؟ وما سرُّ علاقتكم بقطر؟ وبـ»الإخوان المسلمين» في مصر؟ وما ارتباط ذلك بإمكان نشوء كيان للإسلاميين الفلسطينيين في غزّة؟ وما سرُّ العمليات الإرهابية التي جرت في سيناء خلال عهد الرئيس محمد مرسي؟ وما سرُّ قيام مرسي بمنحِ الجنسية المصرية لفلسطينيين؟ القمّة في منتجع «روضة خريم» حافلة بالأسرار. ويرى البعض أنّها «كمب ديفيد» أخرى (السادات 1978، عرفات 2000) وستظهر مفاعيلها تباعاً. وإذا كان «الكاوبوي» الأميركي يتميَّز بالسرعة والمغامرة، فـ»الجَمَّال» العربي يفضِّل البطء والصبر. ومطلوب منه أن يقتنع بالمغامرة ويجتاز الصحراء. ولكن: هل هو الماءُ في النهاية أم سراب؟

المصدر : الجمهورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة