تعاني أميركا من عوارض سن الشيخوخة السياسية، حيث بدأت مرحلة إقفال فروعها الخارجية من أنظمة ورؤساء وملوك، وبدأ سقوط الحكومة الأميركية العالمية الكبرى،

بعدما انهارت الولايات الخارجية الأميركية، ولم تنجح أميركا باستعادتها وتغيير جلدها بما سمي “الربيع العربي”، فسقط مبارك وبن علي والقذافي وعلي صالح والحمدَيْن في قطر، ويترنح أردوغان في تركيا، ويقلق السعوديون من المستقبل المظلم خوفاً من أن تتركهم أميركا كما تركت مبارك وبن علي وقبلهما شاه إيران.

يحاول أوباما طمأنة السعودية العجوز التي غضبت من العلاقة المستجدّة بين إيران والدول الست في المحادثات النووية، وتحاول الضغط على الأميركيين بفتح علاقات مع الصين وغيرها، ولا تملك إلا سلاح النفط والمال، وهي تعرف أنهما باليد الأميركية، فالمال في البنوك الأميركية، والنفط بيد الشركات، والأمن بيد المارينز، ولذا فالتهديد السعودي بلا تأثير أو وزن، بل العكس فيمكن للأميركيين إعادة ما أنتجته السعودية من التكفيريين و”القاعدة” في مصانع الوهابية إلى أراضيها لتحرير الحرمين.

فقدت أميركا التفرد بالقرار الدولي، وفشلت في أفغانستان والعراق، ثم عجزت عن إسقاط النظام في سورية، وخسرت احتكار المؤسسات الدولية؛ من مجلس الأمن والهيئات التابعة، بما يشبه الانحدار أو السقوط السوفياتي بعد الهزيمة العسكرية في أفغانستان وانعكاسها السلبي في الداخل السوفياتي، والذي استغلته أميركا عبر “البريسترويكا” – إعادة البناء – السوفياتية بقيادة غورباتشوف، الذي قاد سياسة الانفتاح والديمقراطية التي أنهت الامبراطورية السوفياتية وفككت العالم الشرقي أو الشيوعي.

الرئيس أوباما رفع شعار العودة إلى داخل الحدود أو إعادة التوضع “Repositioning” عبر الانسحاب من أفغانستان والعراق، ومحاولة التخلي عن مسؤولية حماية الحلفاء ميدانياً عبر التدخل المباشر، والاستعاضة عنها باستراتيجية الحرب البديلة المرتكزة على مجاميع الإرهابيين التكفيريين، بعد نجاح تجربتهم في أفغانستان وتكرارها في سورية الآن .

إن الفشل والتراجع الأميركي خلال العقد الأخير يظهر وفق الآتي:

- الانسحاب من أفغانستان والعراق.

- الهزيمة في سورية، والخوف من التدخل العسكري.

- فشل الحصار والعقوبات على إيران، والرضوخ لمبدأ المفاوضات، والاعتراف بحقوق إيران النووية السلمية.

- خسارة السيطرة الأحادية في مجلس الأمن وتعطيله كأداة رديفة للسياسة الأميركية للسيطرة على العالم.

- الفشل الأميركي في القضية الأوكرانية، وانتفاضة القيادة الروسية لمواجهة الغطرسة الأميركية والدفاع عن فضائها الأمني الاستراتيجي.

- تصدُّع جبهة العدوان على سورية، والصراع القطري – السعودي والتركي، وتشتت المعارضة السورية، وتغلُّب القوى التكفيرية الأجنبية على المعارضة الداخلية ومصادرة الأرض والقرار.

- تفكك مجلس التعاون الخليجي الذي يشكل رديفاً للجامعة العربية وأحد نوافذ التدخل الأميركي إلى المنطقة.

- فشل المشروع الأميركي لتسليم العالم العربي لـ”الإخوان المسلمين”.

لقد ألغى أوباما جولته الخليجية وسيكتفي بزيارة السعودية، مع عدم قدرته في تحقيق المصالحة القطرية السعودية أو عدم رغبته في ذلك، خصوصاً أن البلدين تحت الرعاية والأمرة الأميركية، وذلك نتيجة الارتباك والتخبط الأميركي في المنطقة بعد الفشل المتكرر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وظهور محور مواجه للسياسة الأميركية وفق تقاطع المصالح مرحلياً أو وحدة الهدف بإسقاط الهيمنة الأميركية وحماية الدول لكياناتها السياسية ووحدتها الجغرافية.

أوباما في ولايته الرئاسية الثانية يؤسس لسقوط الإمبراطورية الأميركية، ويمهد للعودة للتفرغ للمشاكل الداخلية، فيرضى بتفكك الإمبراطورية خارجياً ليحفظ الوحدة الداخلية، ولو كان الثمن التخلي عن قيادة العالم ومشروع الحكومة العالمية بقيادة أميركا بعد فشل مشروع السيطرة على العالم .

هل سيسجل التاريخ أن أوباما هو النسخة الأميركية لغورباتشوف السوفياتي؟

يمكن أن يستغرب البعض ذلك أو يقلب شفتيه رفضاً لإمكانية السقوط الأميركي، لكننا نؤمن عقائدياً وتؤشر الوقائع الميدانية والسياسية بإمكانية تحقيق ذلك عبر الثقة بالله سبحانه، والاعتماد على النفس، والصبر والصمود، وتعميم ثقافة المقاومة والوحدة، وإسقاط المقاولة الثورية ومقاومة الانهتازيين والوصوليين، وتطهير الساحة من الانحراف والضلال الفكري والسلوكي، حتى لا يستمر بعض المسلمين بالعمل وفق العقيدة السلفية اليهودية المنحرفة، والتي يقولها التلمود الذي يعتقدون به والقائلة بفكرة “التسامي عبر الغوص في الرذيلة”.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-26
  • 9754
  • من الأرشيف

أوباما.. غورباتشوف أميركا

تعاني أميركا من عوارض سن الشيخوخة السياسية، حيث بدأت مرحلة إقفال فروعها الخارجية من أنظمة ورؤساء وملوك، وبدأ سقوط الحكومة الأميركية العالمية الكبرى، بعدما انهارت الولايات الخارجية الأميركية، ولم تنجح أميركا باستعادتها وتغيير جلدها بما سمي “الربيع العربي”، فسقط مبارك وبن علي والقذافي وعلي صالح والحمدَيْن في قطر، ويترنح أردوغان في تركيا، ويقلق السعوديون من المستقبل المظلم خوفاً من أن تتركهم أميركا كما تركت مبارك وبن علي وقبلهما شاه إيران. يحاول أوباما طمأنة السعودية العجوز التي غضبت من العلاقة المستجدّة بين إيران والدول الست في المحادثات النووية، وتحاول الضغط على الأميركيين بفتح علاقات مع الصين وغيرها، ولا تملك إلا سلاح النفط والمال، وهي تعرف أنهما باليد الأميركية، فالمال في البنوك الأميركية، والنفط بيد الشركات، والأمن بيد المارينز، ولذا فالتهديد السعودي بلا تأثير أو وزن، بل العكس فيمكن للأميركيين إعادة ما أنتجته السعودية من التكفيريين و”القاعدة” في مصانع الوهابية إلى أراضيها لتحرير الحرمين. فقدت أميركا التفرد بالقرار الدولي، وفشلت في أفغانستان والعراق، ثم عجزت عن إسقاط النظام في سورية، وخسرت احتكار المؤسسات الدولية؛ من مجلس الأمن والهيئات التابعة، بما يشبه الانحدار أو السقوط السوفياتي بعد الهزيمة العسكرية في أفغانستان وانعكاسها السلبي في الداخل السوفياتي، والذي استغلته أميركا عبر “البريسترويكا” – إعادة البناء – السوفياتية بقيادة غورباتشوف، الذي قاد سياسة الانفتاح والديمقراطية التي أنهت الامبراطورية السوفياتية وفككت العالم الشرقي أو الشيوعي. الرئيس أوباما رفع شعار العودة إلى داخل الحدود أو إعادة التوضع “Repositioning” عبر الانسحاب من أفغانستان والعراق، ومحاولة التخلي عن مسؤولية حماية الحلفاء ميدانياً عبر التدخل المباشر، والاستعاضة عنها باستراتيجية الحرب البديلة المرتكزة على مجاميع الإرهابيين التكفيريين، بعد نجاح تجربتهم في أفغانستان وتكرارها في سورية الآن . إن الفشل والتراجع الأميركي خلال العقد الأخير يظهر وفق الآتي: - الانسحاب من أفغانستان والعراق. - الهزيمة في سورية، والخوف من التدخل العسكري. - فشل الحصار والعقوبات على إيران، والرضوخ لمبدأ المفاوضات، والاعتراف بحقوق إيران النووية السلمية. - خسارة السيطرة الأحادية في مجلس الأمن وتعطيله كأداة رديفة للسياسة الأميركية للسيطرة على العالم. - الفشل الأميركي في القضية الأوكرانية، وانتفاضة القيادة الروسية لمواجهة الغطرسة الأميركية والدفاع عن فضائها الأمني الاستراتيجي. - تصدُّع جبهة العدوان على سورية، والصراع القطري – السعودي والتركي، وتشتت المعارضة السورية، وتغلُّب القوى التكفيرية الأجنبية على المعارضة الداخلية ومصادرة الأرض والقرار. - تفكك مجلس التعاون الخليجي الذي يشكل رديفاً للجامعة العربية وأحد نوافذ التدخل الأميركي إلى المنطقة. - فشل المشروع الأميركي لتسليم العالم العربي لـ”الإخوان المسلمين”. لقد ألغى أوباما جولته الخليجية وسيكتفي بزيارة السعودية، مع عدم قدرته في تحقيق المصالحة القطرية السعودية أو عدم رغبته في ذلك، خصوصاً أن البلدين تحت الرعاية والأمرة الأميركية، وذلك نتيجة الارتباك والتخبط الأميركي في المنطقة بعد الفشل المتكرر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وظهور محور مواجه للسياسة الأميركية وفق تقاطع المصالح مرحلياً أو وحدة الهدف بإسقاط الهيمنة الأميركية وحماية الدول لكياناتها السياسية ووحدتها الجغرافية. أوباما في ولايته الرئاسية الثانية يؤسس لسقوط الإمبراطورية الأميركية، ويمهد للعودة للتفرغ للمشاكل الداخلية، فيرضى بتفكك الإمبراطورية خارجياً ليحفظ الوحدة الداخلية، ولو كان الثمن التخلي عن قيادة العالم ومشروع الحكومة العالمية بقيادة أميركا بعد فشل مشروع السيطرة على العالم . هل سيسجل التاريخ أن أوباما هو النسخة الأميركية لغورباتشوف السوفياتي؟ يمكن أن يستغرب البعض ذلك أو يقلب شفتيه رفضاً لإمكانية السقوط الأميركي، لكننا نؤمن عقائدياً وتؤشر الوقائع الميدانية والسياسية بإمكانية تحقيق ذلك عبر الثقة بالله سبحانه، والاعتماد على النفس، والصبر والصمود، وتعميم ثقافة المقاومة والوحدة، وإسقاط المقاولة الثورية ومقاومة الانهتازيين والوصوليين، وتطهير الساحة من الانحراف والضلال الفكري والسلوكي، حتى لا يستمر بعض المسلمين بالعمل وفق العقيدة السلفية اليهودية المنحرفة، والتي يقولها التلمود الذي يعتقدون به والقائلة بفكرة “التسامي عبر الغوص في الرذيلة”.

المصدر : الثبات / د.نسيب حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة