دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بلدة كسب الأرمنية، ذات الطابع الأثري الغارق في التاريخ، مهددة في حاضر أيامها وقابلها بالغرق في طوفان الرصاص والركام. فرغت البلدة من أهلها، وانتشر المسلحون في شوارعها وكنائسها، واشتعلت حرائق المعارك في محيطها القريب والبعيد، بينما تشير معظم المعطيات المتوفرة إلى أن البلدة مرشحة لأن تكون ميدان معركة قاسية بين الجيش السوري من جهة والفصائل الإسلامية المتشددة من جهة ثانية، ما لم تتداركها تسوية مستعجلة يقوم بها وسطاء يجدون في تاريخ البلدة ورمزيتها ما يشفع لها، لئلا تلاقي مصير مدن أخرى أكلها الخراب والتدمير.
واستمرت المعارك لليوم الخامس على التوالي في التلال والقرى المحيطة ببلدة كسب في ريف اللاذقية الشمالي، لاسيما في قرية السمرا والنبعين وجبل النسر، بينما لم يسجل حدوث اشتباكات عنيفة داخل البلدة نفسها التي تعرّت للمرة الأولى في تاريخها من قداسة «الصلبان» بعد أن حطّمها عناصر «جبهة النصرة» بمجرد دخولهم البلدة. وهذا ما أكده أبو قتادة المصري، الذي نشر على حسابه على «تويتر»، صوراً لبعض عناصر «النصرة» وهم يقومون بتحطيم الصلبان داخل الكنائس.
واتسمت المعارك الدائرة في المنطقة بالكرّ والفرّ، لدرجة أن السيطرة في بعض المناطق كانت تنتقل من المسلحين إلى الجيش أو بالعكس خلال ساعات معدودة فقط، وهو ما يجعل من الصعب الحديث عن نتيجة نهائية لهذه المعارك لأنها مرهونة بالتطورات الميدانية التي تتغير بين ساعة وأخرى. وقد يكون ما جرى في النقطة 45 وجبل النسر خير مثال على هذا الأمر، فقد تمكن المسلحون من الفصائل المتشددة فرض سيطرتهم على جبل النسر بعد ساعات فقط من بداية الهجوم الجمعة الماضي، إلا أن الجيش استعاده في اليوم ذاته، لكنه عاد وانسحب منه يوم الأحد بعد أن سيطر المسلحون على محيطه، إلا أن المسلحين بدورهم لم يتمكنوا من الصعود على الجبل والتمركز فوق قمته إلا بعد ما جرى في النقطة 45 أمس الأول، حيث أخلاها الجيش السوري في أعقاب العملية الانتحارية التي نفذتها «جبهة النصرة» تمهيداً لهجوم كبير اضطرت معه قوة الجيش المتمركزة في المرصد أن تقوم بإخلائه وتنسحب باتجاه بلدة القسطل على أغلب تقدير.
وسبب ذلك أن النقطة 45 هي أعلى نقطة في المنطقة وتشرف على جبل النسر وبالتالي لم يكن بمقدور المسلحين التمركز على قمة جبل النسر رغم سيطرتهم الفعلية عليه وعلى محيطه، خوفاً من المدفعية والدبابات الموجودة على الـ45 والتي يمكن أن ترصدهم بسهولة، لذلك لم يتمركزوا على جبل النسر إلا بعد أن أخلى الجيش مواقعه فوق النقطة 45.
وذكر مصدر جهادي، لـ«السفير»، أن العملية الانتحارية التي نفذتها «جبهة النصرة» تمت عبر عربة «ب م ب« مفخخة يقودها الانتحاري أبو المثنى فهد القاسم، انطلقت من غابات الفرنلق مرفوعٌ فوقها العلم السوري وليس راية «جبهة النصرة»، الأمر الذي أتاح لها الوصول إلى قمة الـ45 والدخول إلى ساحة المرصد، حيث فجّر الانتحاري نفسه هناك، وربما اعتقد كل من رأى العربة أنها من التعزيزات التي أرسلها الجيش إلى النقطة ولم يدر في خلد أحدهم أنها مفخخة وقادمة لتفجيرهم وليس تعزيزهم، وكان من أوائل من قضوا بسبب التفجير الانتحاري عقيد من دون معرفة الحصيلة النهائية لعدد القتلى والجرحى بسببها. بينما عرف من قتلى «جبهة النصرة» كل من السعوديين صالح بن علي بن صالح الغنام أبو حصة، محمد الغنام أبو الوليد القصيمي، أبو مريم وعزام الأحسائي (الأخيرين لم تعرف أسماؤهما الحقيقية)، وأصيب أبو محمد الأميركي الذي نقل إلى مستشفى أنطاكية الحكومي في تركيا. كما قتل عدد من المسلحين السوريين على رأسهم أبو حسين الأنصاري.
واستطاع الجيش السوري أمس، استرجاع السيطرة على النقطة 45 بعد قصف مدفعي وجوي جعل من المستحيل على عناصر «جبهة النصرة» التمركز في النقطة، فانسحبوا منها بعد ساعات فقط من سيطرتهم عليها، إلا أن الجيش السوري بدوره لم يعاود إشغال النقطة بل تركها خالية مع إحكام سيطرته على محيطها. وبحسب مصدر ميداني تحدث لـ«السفير» فإن قتلى «النصرة» في النقطة 45 يبلغ العشرات، مشيراً إلى أن القصف الذي استهدف النقطة كان «مركزاً وثقيلاً ونوعياً».
وعلى عكس ما هو شائع، أكد المصدر لـ«السفير» أن الجيش السوري أخلى كذلك منطقة نبع المر بعد يومين من سيطرته عليها، لأن المنطقة هي عبارة عن منخفض (وادي) ومكشوفة للتلال المحيطة بها، وبالتالي فإن التمركز فيها يمكن أن يكون مكلفاً على عكس خيار القصف من بعيد، لأن هذه المنطقة مهمة كونها تعتبر ممراً للتسلل باتجاه جبل النسر والنقطة 45، وقد يكون ما شجع الجيش على إخلاء نبع المر هو سيطرته النارية على كل من جبل النسر والـ45 وإن لم يكن متمركزاً بهما، علماً أن نبع المر تقع بين هذين الجبلين.
وسيطر الجيش السوري كذلك، على منطقة النبعين الواقعة على مدخل مدينة كسب الغربي، وذلك بعد اشتباكات عنيفة وشاقة شارك بها عناصر الجيش الذين أخلوا جبل النسر والتحقوا بزملائهم في النبعين. وأكد المصدر الميداني، لـ«السفير»، هذه السيطرة رغم أن بعض التقارير الإعلامية أصرّت على نفي حدوثها والتأكيد على سيطرة المسلحين عليها، الأمر الذي ينافي الواقع كما ينافي ما ذكره «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي أقر بسيطرة الجيش السوري على المنطقة.
وقد حاولت الفصائل المشاركة في الهجوم على كسب، وأهمها «جبهة النصرة» و«أنصار الشام» و«الجبهة الإسلامية»، أن تمد خيوط الاشتباكات باتجاه بلدة قسطل معاف، إلا أنها فشلت فانكفأ عناصرها، وقاموا باستهداف بلدة قسطل معاف ببعض قذائف الهاون انطلاقاً من القرى التي يسيطرون عليها في محيط قسطل معاف مثل كنيسة وعطرا والسودا.
وحول ما ينتظر مدينة كسب، فإنه رغم المخاطر التي تحيق بها، والجهالة التي يتسم بها قدرها خلال الأيام المقبلة، واحتمال أن تنضم إلى قائمة المدن المدمرة، فإن البعض يستبعد أن تنال كسب هذا المصير الأسود، ليس اعتماداً على قيام أحدهم بتسوية أو وساطة، ولكن لأن موقع المدينة المنخفض بين مجموعة من التلال يجعل من الصعب على المسلحين التحصن بها، لذلك فضلوا كما هو ملاحظ التحصن في التلال والمرتفعات القريبة، بينما لا يوجد سوى عدد قليل منهم في المدينة نفسها التي لم يعد فيها أي تواجد للجيش السوري. فهل تنجو كسب بشفاعة تاريخها وموقعها؟
المصدر :
السفير /عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة