* حتى لا ننسى :

منذ غارة جمرايا أيار 2013 ماذا تغير في ميزان القوى ؟ تم سحق الهجوم الكبير الذي شنه الإرهابيون عبر غوطة دمشق .

بعد شهر واحد تمّ تطهير مدينة القصير وعدد كبير من البلدات حولها .

شهر آخر ويتم تطهير حي الخالدية في حمص .

ثلاثة أشهر تقريباً وتعود السفيرة وتل حاصل وتل عرن … لحضن الوطن في ريف حلب … .

كم عدد قتلى المسلحين منذ ذلك اليوم حتى اليوم ؟ أي عطب ضرب جبهة اعداء سوريا منذ تلك اللحظة وحتى اليوم ؟ وكم من اعداء سوريا انسحب من جبهة العدوان ؟ كم رئيس وأمير ووزير وسفير ومسؤول أمني … رحل وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة التي تجرعها بأيد السوريين ؟ وكم هي البلدات والقرى – غير التي ذكرتها ، مثل قارة والنبك والسحل ويبرود … – التي إستعادها الجيش ؟

ماذا لو تصرفت القيادة السوريّة “إنفعاليّا” وذهبت الى ردّ غير محسوب يجرها إلى حرب مع كيان العدو في تلك اللحظة الدقيقة ؟

ألن يكون ذلك خلل كبير في منطق وآلية إتخاذ القرار ؟ ألن تكون الخطيئة الكبرى في هندسة إستراتيجة الصراع ، والتي ستفتح المجال واسعاً – في الحدود الدنيا من الإحتمالات – أمام المجوعات الإرهابية المسلحة لتلتهم المزيد من القرى والبلدات ، وتهدد جديّاً المدن الكبرى ؟ ألن يكون ذلك مدعاة لإلتحاق عشرات الألآف من المرتزقة والمجرمين الجدد من الخارج ، واغراء ألآف أخرى من الداخل لضرب الدولة وهي في حربها ضد كيان العدو ؟ من يضمن أن لا نرى ما رأيناه منذ أيام في كسب ؟ …

أسئلة كثيرة جداً ، ولكن لنسترجع سريعاً جداً ، وعلى شكل محطتين كبريين بعض من أهم تجليات سلوك القيادة السوريّة في تعاملها مع هذه الحرب المفتوحة والمعقدة والفريدة في آن .

 

1- تحصين المدن ، واسقاط بنغازي السورية :

 

لقد بات من المسلم به أن جبهة العدوان على سوريا قد هيأت نفسها وأدواتها وإمكاناتها ومخططاتها … على أساس فرضيّة تقول ، بأن الدولة السورية ستسقط خلال أشهر ثلاثة ، وهذا ما اعترف به قادة cia ، ومكتب الامن القومي ، ودبلوماسيون امريكيون ، وهذا ما اعترف به سياسيون ورؤساء اجهزة في كيان العدو الصهيوني ، وهو عينه ما مَنّا بة نفسه أردوغان و القرضاوي ، عندما اعلنا بأنهما سيصليان قريباً في المسجد الاموي بعد سقوط الدولة . فماذا حدث ؟

لأن أعداء سوريا وضعوا سقف زمني لعدوانهم ، وإنجاز مخططهم كان الهدف الأول سحب سلاح الزمن من يدهم ، وتحويله الى سيف مُسلط على اعناقهم ، ودليل قاطع على زيف قدرتهم وإدعاءاتهم .

وفي المرحلة الثانية إدخالهم إلى مساحة من الزمن لا يملكون حدودها ومجريتها ، والعناصر الفاعلة فيها . تمّ تحصين المدن الكبرى – دمشق وحلب حمص حماة طرطوس اللاذقية درعا ديرالزور …

- لإسقاط هذا المخطط ، وتهئة الظروف للانقلاب عليه . فبقيت تلك المدن ، وخصوصا دمشق وحلب خارج ميدان المعركة لأكثر من عام ونصف تقريباً ، فسقط مشروع الاستيلاء على العاصمتين السياسية والاقتصادية من جهة ، وتمّ وأد أي محاولة لخلق بنغازي سوريّة من جهة أخرى .

 

2 – الأرض لنا دعها تقاتلهم ، وإنطلاق الهجوم المعاكس :

 

الثلاثاء 27/3/2012 يوجه الرئيس بشار حافظ الأسد الإشارة الأبلغ على سقوط خيار بنغازي ، والإنتقال إلى مرحلة التمهيد للهجوم المعاكس ، وكان ذلك بزيارته إلى منطقة بابا عمرو . في لحظة ما من الحرب على سوريا وهي قبل عام من الان تقريباً ، بلغ عدد أعضاء المجموعات الارهابية فيها 250 الف تقريبا ، منهم قسم كبير من عُتاة الارهابيين حول العالم ومن مختلف أنحاء العالم ، بعدد جنسيات تخطى الثمانين جنسية .

لقد كان الوضع الميداني صعب جداً ، ولكن الدراسة المتأنية لظروف الصراع ، وموازين القوى على الأرض ، وتبدل “مزاج” المواطن السوري … ساعد على إنطلاق مرحلة الهجوم المعاكس ، وإعلان معركة تطهير الأرض من الإرهابيين ، والتهيؤ للإشتباك الإقليمي الكبير والمصيري ، لا الإستفزازات ومحاولات صرف الإنتباه . ألم تُسقط الدفاعات الجويّة السورية في22 حزيران 2012 مقاتلة تركية من طراز إف-4 في المياه الإقليمية السورية على البحر الأبيض المتوسط عندما فكر النيتو بغزو سوريا ؟ .

 

* “الحبل السّري” بين جبهتي كسب والجولان :

 

كلنا يذكر التصعيد الميداني على جبهة الجولان منذ أيام ، وتعالي الأصوات عن فتح جبهة الجنوب ، واليوم تشتعل معركة في مكان يبعد مئات الكيلومترات عن الجولان ، لماذا ؟

الرسالة الإستراتيجيّة والكبرى التي يبعث بها أردوغان تقول ” إن فتح جبهة الجولان ، والتصعيد فيها ، يقابله فتح الجبهة التركية وإشعالها .

وأنا مهم وضروري لكم بقدر ما هي “إسرائيل” ضروريّة ومهمة لكم ، فلا تتخلوا عني ” .

إنه التشابك المصيري بين الصهيونيّة والإخوانيّة والوهابيّة من جهة ، ومشروع البترودولار الغربي من جهة أثانية ، وسعيهم المسعور لإستعادة زمام الأمور في المنطقة ، وخلق توازن إستراتيجي – ولو بإستخدام الإرهابيين – مع محور قرّر تغيير معالم المشرق والإقليم والعالم من جهة ثالثة . لنتحدث بشيء من التفصيل عن أسباب التصعيد :

 

الأهداف داخلية :

 

1 – تقديم أوراق اعتماد لواشنطن بأنه رجل تركيا القوي ، والقادر على إتخاذ القرارات الصعبة .

2 – محاولة توريط المؤسسة العسكرية في مغامرة خاسرة ليضعها معه في مركب واحد فيضمن عدم إنقلابها عليه .

3 – شَدّ عصب ناخبيه ، وإستثارة العامل القومي ، وتركيزه حول شخصه وحزبه عشيّة الإنتخابات البلديّة . 4 – هزيمة خصمة الإخواني اللدود فتح الله غولن بعمل ميداني لا يمكن لفتح الله أن يجاريه فيه .

 5 – تضييق الخناق على الرئيس التركي غول الذي يحاول منذ فترة إنتهاج سياسة متمايزة عن أردوغان . 6 – تجميع أكبر قدر من نقاط القوة في تفاوضه مع “الوسيط” الإيراني لإستعادة العلاقات مع سوريا في حال تدهورت الأوضاع .

7 – تليين الموقف السوري لفتح الخطوط مع تركيا أردوغان .

8 – التّعمية على مشاكله الداخليّة .

9 – محاولة الحصول على مقعد “دائم” في التسويات الإقليميّة .

10 – محاولة إنشاء منطقة عازلة من الإرهابين قبالة الإسكندرون لمنع ظهور مقاومة شعبيّة هناك .

 

الأهداف الخارجيّة :

 

1 – الضغط على القوى الإقليميّة والدوليّة لإيجاد مكان لتركيا أردوغان في “التسويّة المقبلة” – إن تمت . 2 – توتير الأجواء لتليين موقف روسيا في سوريا وأوكرانيا ، والوصول إلى “تسوية مقبولة” .

3 – مساعدة أمريكا في تحقيق إنسحاب “آمن ومنظم ومفيد” من أفغانستان عبر روسيا وحتى ايران ربما ، بممارسة الضغوط على سوريا ، الحليف الأقرب لروسيا وإيران .

4 – وجود تنظيمات إرهابيّة مسلحة “مثل الجبهة الإسلاميّة” المدعومة كليّاً من مملكة آل سعود ضمن التشكيل المهاجم لريف اللاذقيّة عموماً وكسب خصوصاً ، يثبت ميدانيّاً ومنطقيّاً عدة أمور دفعة واحدة ، منها : أن تركيا والسعودية أدوات في الحرب على سوريا ، وأي حديث عن خلاف إستراتيجي بينهما مجرد تهويل ، وأن هناك تنسيق كبير بينهما وبين الكيان الصهيوني في تنسيق تحريك الجبهات والجماعات الإرهابيّة توفره غرفة القيادة الأمريكيّة ، وأي هزيمة لأحد أطراف العدوان هزيمة لبقيّة الأطراف وعلى رأسهم أمريكا .

5 – وقف تدهور الجماعات المسلحة ، وإنهياراتها المتتالية في مناطق سيطروا عليها منذ عامين وأكثر ، وكان أغلب ظنهم بأن الجيش العربي السوري لن يكون قادراً على تطهيرها ، وإعطاء ممالك العهر والعمالة “إنجازاً” ليتكئوا عليه في قمة الكويت ، و”يتسلحوا” به أمام أوباما عشية زيارته للمنطقة .

6 – إشاعة أجواء نفسيّة سلبيّة لدى المواطن العربي السوري ، كالخوف من الغد واليأس من بلوغ نهاية قريبة للحرب ، وإستحالة تحقيق نصر على حلف عدوان كلما إعتقدنا بإستسلامه جدد هجومه … بعد الإنتصارات الكبرى للجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان والإقليم والعالم ، من القلمون إلى القرم . 7 – التشويش ما أمكن على إستعدادات الحكومة السوريّة لإجراء الإنتخابات الرئاسيّة ، خصوصاً وأن الرئيس بشار حافظ الأسد سيفوز فيها وبفارق كبير جداً ، وضمن معايير رقابيّة وقانونيّة غاية في الشفافيّة والحداثة . * كلمة أخيرة :

 

حاول نتن ياهو إقامة منطقة عازلة في الجولان بإستخدام “إخوان أمريكا وقاعدتها” فأضطره أداء سوريا – حزب الله أن يستقبلهم في مشافيه جرحى ومعاقين و”منسقين” …

وصعّدت سوريا وحزب الله بتغيير قواعد الإشتباك المستقرة منذ العام 2006 في الجبهة الشماليّة الممتدة من رأس الناقورة إلى وادي اليرموك .

إرتفع منسوب التوتر ومستوى الخطر في الجبهة الشماليّة إلى الدرجة أجبر فيها كيان العدو على “تشكيل” فرقة عسكريّة جديدة لتنتشر في الجولان ، وصار وضع العبوات الناسفة ، والقصف الصاروخي ، وتحليق الطيران الحربي السوري … أمر شبه إعتيادي على جبهة الجولان .

سقط التصعيد الصهيو – أمريكي وأستمر الجيش العربي السوري بتطهير بؤر الإرهاب على كامل الحدود مع لبنان تمهيداً لإغلاقها قريباً جداً .

تدخل أردوغان ووضع ثقله في “غزوة” ظنها سهلة ، فغرق وجيشه ومجموعاته الإرهابيّة في بضعة كيلومترات مربعة في بلدة كسب ، ووضع مستقبله السياسي – خصوصاً عشيّة الإنتخابات – بين يدي الرئيس الأسد .

تعالت الأصوات الغربيّة والنفطيّة ضد الجيش العربي السوري وإنجازاته الميدانيّة الهامة والإستراتيجيّة ، وخصوصاً في القلمون ، فذهب وزير الدفاع السوري إلى يبرود ليقول لهم : الكلمة العليا في الميدان لنا . الغرب يقاطع موسكو “لإستعادته” القرم فيكرر وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” رسائل وتكتيك نظيره السوري العماد فهد الفريج ، ويذهب لتفقد القطاعات العسكريّة في القرم . الرئيس الأوكراني المُعين غربيّاً يسحب ذليلاً مهزوماً ما تبقى من الجيش الأوكراني من القرم ، وكذلك سيفعل أردوغان . إنه الفرق بين لغة الميدان المؤكدة الوزن في معادلات السياسة وتوازن القوى ، ولغة المنابر المنفصلة عن الواقع والمنهزمة في الميدان ، والتي ستُترجم تراجعاً وإنكسارات وهزائم حتماً مهما حاولوا التهرب من “دفع الأثمان” . أما إن “قرروا” الذهاب إلى خيار الحرب المباشرة فإن لنا هناك كلام من شوق و”ذهب” سيُقال ، وفي الميدان أيضاً لا على المنابر .

  • فريق ماسة
  • 2014-03-25
  • 11652
  • من الأرشيف

لا لـلـوهـم.. سـوريـة تـمـلـك مـعـادلـة الـنـصـر

 * حتى لا ننسى : منذ غارة جمرايا أيار 2013 ماذا تغير في ميزان القوى ؟ تم سحق الهجوم الكبير الذي شنه الإرهابيون عبر غوطة دمشق . بعد شهر واحد تمّ تطهير مدينة القصير وعدد كبير من البلدات حولها . شهر آخر ويتم تطهير حي الخالدية في حمص . ثلاثة أشهر تقريباً وتعود السفيرة وتل حاصل وتل عرن … لحضن الوطن في ريف حلب … . كم عدد قتلى المسلحين منذ ذلك اليوم حتى اليوم ؟ أي عطب ضرب جبهة اعداء سوريا منذ تلك اللحظة وحتى اليوم ؟ وكم من اعداء سوريا انسحب من جبهة العدوان ؟ كم رئيس وأمير ووزير وسفير ومسؤول أمني … رحل وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة التي تجرعها بأيد السوريين ؟ وكم هي البلدات والقرى – غير التي ذكرتها ، مثل قارة والنبك والسحل ويبرود … – التي إستعادها الجيش ؟ ماذا لو تصرفت القيادة السوريّة “إنفعاليّا” وذهبت الى ردّ غير محسوب يجرها إلى حرب مع كيان العدو في تلك اللحظة الدقيقة ؟ ألن يكون ذلك خلل كبير في منطق وآلية إتخاذ القرار ؟ ألن تكون الخطيئة الكبرى في هندسة إستراتيجة الصراع ، والتي ستفتح المجال واسعاً – في الحدود الدنيا من الإحتمالات – أمام المجوعات الإرهابية المسلحة لتلتهم المزيد من القرى والبلدات ، وتهدد جديّاً المدن الكبرى ؟ ألن يكون ذلك مدعاة لإلتحاق عشرات الألآف من المرتزقة والمجرمين الجدد من الخارج ، واغراء ألآف أخرى من الداخل لضرب الدولة وهي في حربها ضد كيان العدو ؟ من يضمن أن لا نرى ما رأيناه منذ أيام في كسب ؟ … أسئلة كثيرة جداً ، ولكن لنسترجع سريعاً جداً ، وعلى شكل محطتين كبريين بعض من أهم تجليات سلوك القيادة السوريّة في تعاملها مع هذه الحرب المفتوحة والمعقدة والفريدة في آن .   1- تحصين المدن ، واسقاط بنغازي السورية :   لقد بات من المسلم به أن جبهة العدوان على سوريا قد هيأت نفسها وأدواتها وإمكاناتها ومخططاتها … على أساس فرضيّة تقول ، بأن الدولة السورية ستسقط خلال أشهر ثلاثة ، وهذا ما اعترف به قادة cia ، ومكتب الامن القومي ، ودبلوماسيون امريكيون ، وهذا ما اعترف به سياسيون ورؤساء اجهزة في كيان العدو الصهيوني ، وهو عينه ما مَنّا بة نفسه أردوغان و القرضاوي ، عندما اعلنا بأنهما سيصليان قريباً في المسجد الاموي بعد سقوط الدولة . فماذا حدث ؟ لأن أعداء سوريا وضعوا سقف زمني لعدوانهم ، وإنجاز مخططهم كان الهدف الأول سحب سلاح الزمن من يدهم ، وتحويله الى سيف مُسلط على اعناقهم ، ودليل قاطع على زيف قدرتهم وإدعاءاتهم . وفي المرحلة الثانية إدخالهم إلى مساحة من الزمن لا يملكون حدودها ومجريتها ، والعناصر الفاعلة فيها . تمّ تحصين المدن الكبرى – دمشق وحلب حمص حماة طرطوس اللاذقية درعا ديرالزور … - لإسقاط هذا المخطط ، وتهئة الظروف للانقلاب عليه . فبقيت تلك المدن ، وخصوصا دمشق وحلب خارج ميدان المعركة لأكثر من عام ونصف تقريباً ، فسقط مشروع الاستيلاء على العاصمتين السياسية والاقتصادية من جهة ، وتمّ وأد أي محاولة لخلق بنغازي سوريّة من جهة أخرى .   2 – الأرض لنا دعها تقاتلهم ، وإنطلاق الهجوم المعاكس :   الثلاثاء 27/3/2012 يوجه الرئيس بشار حافظ الأسد الإشارة الأبلغ على سقوط خيار بنغازي ، والإنتقال إلى مرحلة التمهيد للهجوم المعاكس ، وكان ذلك بزيارته إلى منطقة بابا عمرو . في لحظة ما من الحرب على سوريا وهي قبل عام من الان تقريباً ، بلغ عدد أعضاء المجموعات الارهابية فيها 250 الف تقريبا ، منهم قسم كبير من عُتاة الارهابيين حول العالم ومن مختلف أنحاء العالم ، بعدد جنسيات تخطى الثمانين جنسية . لقد كان الوضع الميداني صعب جداً ، ولكن الدراسة المتأنية لظروف الصراع ، وموازين القوى على الأرض ، وتبدل “مزاج” المواطن السوري … ساعد على إنطلاق مرحلة الهجوم المعاكس ، وإعلان معركة تطهير الأرض من الإرهابيين ، والتهيؤ للإشتباك الإقليمي الكبير والمصيري ، لا الإستفزازات ومحاولات صرف الإنتباه . ألم تُسقط الدفاعات الجويّة السورية في22 حزيران 2012 مقاتلة تركية من طراز إف-4 في المياه الإقليمية السورية على البحر الأبيض المتوسط عندما فكر النيتو بغزو سوريا ؟ .   * “الحبل السّري” بين جبهتي كسب والجولان :   كلنا يذكر التصعيد الميداني على جبهة الجولان منذ أيام ، وتعالي الأصوات عن فتح جبهة الجنوب ، واليوم تشتعل معركة في مكان يبعد مئات الكيلومترات عن الجولان ، لماذا ؟ الرسالة الإستراتيجيّة والكبرى التي يبعث بها أردوغان تقول ” إن فتح جبهة الجولان ، والتصعيد فيها ، يقابله فتح الجبهة التركية وإشعالها . وأنا مهم وضروري لكم بقدر ما هي “إسرائيل” ضروريّة ومهمة لكم ، فلا تتخلوا عني ” . إنه التشابك المصيري بين الصهيونيّة والإخوانيّة والوهابيّة من جهة ، ومشروع البترودولار الغربي من جهة أثانية ، وسعيهم المسعور لإستعادة زمام الأمور في المنطقة ، وخلق توازن إستراتيجي – ولو بإستخدام الإرهابيين – مع محور قرّر تغيير معالم المشرق والإقليم والعالم من جهة ثالثة . لنتحدث بشيء من التفصيل عن أسباب التصعيد :   الأهداف داخلية :   1 – تقديم أوراق اعتماد لواشنطن بأنه رجل تركيا القوي ، والقادر على إتخاذ القرارات الصعبة . 2 – محاولة توريط المؤسسة العسكرية في مغامرة خاسرة ليضعها معه في مركب واحد فيضمن عدم إنقلابها عليه . 3 – شَدّ عصب ناخبيه ، وإستثارة العامل القومي ، وتركيزه حول شخصه وحزبه عشيّة الإنتخابات البلديّة . 4 – هزيمة خصمة الإخواني اللدود فتح الله غولن بعمل ميداني لا يمكن لفتح الله أن يجاريه فيه .  5 – تضييق الخناق على الرئيس التركي غول الذي يحاول منذ فترة إنتهاج سياسة متمايزة عن أردوغان . 6 – تجميع أكبر قدر من نقاط القوة في تفاوضه مع “الوسيط” الإيراني لإستعادة العلاقات مع سوريا في حال تدهورت الأوضاع . 7 – تليين الموقف السوري لفتح الخطوط مع تركيا أردوغان . 8 – التّعمية على مشاكله الداخليّة . 9 – محاولة الحصول على مقعد “دائم” في التسويات الإقليميّة . 10 – محاولة إنشاء منطقة عازلة من الإرهابين قبالة الإسكندرون لمنع ظهور مقاومة شعبيّة هناك .   الأهداف الخارجيّة :   1 – الضغط على القوى الإقليميّة والدوليّة لإيجاد مكان لتركيا أردوغان في “التسويّة المقبلة” – إن تمت . 2 – توتير الأجواء لتليين موقف روسيا في سوريا وأوكرانيا ، والوصول إلى “تسوية مقبولة” . 3 – مساعدة أمريكا في تحقيق إنسحاب “آمن ومنظم ومفيد” من أفغانستان عبر روسيا وحتى ايران ربما ، بممارسة الضغوط على سوريا ، الحليف الأقرب لروسيا وإيران . 4 – وجود تنظيمات إرهابيّة مسلحة “مثل الجبهة الإسلاميّة” المدعومة كليّاً من مملكة آل سعود ضمن التشكيل المهاجم لريف اللاذقيّة عموماً وكسب خصوصاً ، يثبت ميدانيّاً ومنطقيّاً عدة أمور دفعة واحدة ، منها : أن تركيا والسعودية أدوات في الحرب على سوريا ، وأي حديث عن خلاف إستراتيجي بينهما مجرد تهويل ، وأن هناك تنسيق كبير بينهما وبين الكيان الصهيوني في تنسيق تحريك الجبهات والجماعات الإرهابيّة توفره غرفة القيادة الأمريكيّة ، وأي هزيمة لأحد أطراف العدوان هزيمة لبقيّة الأطراف وعلى رأسهم أمريكا . 5 – وقف تدهور الجماعات المسلحة ، وإنهياراتها المتتالية في مناطق سيطروا عليها منذ عامين وأكثر ، وكان أغلب ظنهم بأن الجيش العربي السوري لن يكون قادراً على تطهيرها ، وإعطاء ممالك العهر والعمالة “إنجازاً” ليتكئوا عليه في قمة الكويت ، و”يتسلحوا” به أمام أوباما عشية زيارته للمنطقة . 6 – إشاعة أجواء نفسيّة سلبيّة لدى المواطن العربي السوري ، كالخوف من الغد واليأس من بلوغ نهاية قريبة للحرب ، وإستحالة تحقيق نصر على حلف عدوان كلما إعتقدنا بإستسلامه جدد هجومه … بعد الإنتصارات الكبرى للجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان والإقليم والعالم ، من القلمون إلى القرم . 7 – التشويش ما أمكن على إستعدادات الحكومة السوريّة لإجراء الإنتخابات الرئاسيّة ، خصوصاً وأن الرئيس بشار حافظ الأسد سيفوز فيها وبفارق كبير جداً ، وضمن معايير رقابيّة وقانونيّة غاية في الشفافيّة والحداثة . * كلمة أخيرة :   حاول نتن ياهو إقامة منطقة عازلة في الجولان بإستخدام “إخوان أمريكا وقاعدتها” فأضطره أداء سوريا – حزب الله أن يستقبلهم في مشافيه جرحى ومعاقين و”منسقين” … وصعّدت سوريا وحزب الله بتغيير قواعد الإشتباك المستقرة منذ العام 2006 في الجبهة الشماليّة الممتدة من رأس الناقورة إلى وادي اليرموك . إرتفع منسوب التوتر ومستوى الخطر في الجبهة الشماليّة إلى الدرجة أجبر فيها كيان العدو على “تشكيل” فرقة عسكريّة جديدة لتنتشر في الجولان ، وصار وضع العبوات الناسفة ، والقصف الصاروخي ، وتحليق الطيران الحربي السوري … أمر شبه إعتيادي على جبهة الجولان . سقط التصعيد الصهيو – أمريكي وأستمر الجيش العربي السوري بتطهير بؤر الإرهاب على كامل الحدود مع لبنان تمهيداً لإغلاقها قريباً جداً . تدخل أردوغان ووضع ثقله في “غزوة” ظنها سهلة ، فغرق وجيشه ومجموعاته الإرهابيّة في بضعة كيلومترات مربعة في بلدة كسب ، ووضع مستقبله السياسي – خصوصاً عشيّة الإنتخابات – بين يدي الرئيس الأسد . تعالت الأصوات الغربيّة والنفطيّة ضد الجيش العربي السوري وإنجازاته الميدانيّة الهامة والإستراتيجيّة ، وخصوصاً في القلمون ، فذهب وزير الدفاع السوري إلى يبرود ليقول لهم : الكلمة العليا في الميدان لنا . الغرب يقاطع موسكو “لإستعادته” القرم فيكرر وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” رسائل وتكتيك نظيره السوري العماد فهد الفريج ، ويذهب لتفقد القطاعات العسكريّة في القرم . الرئيس الأوكراني المُعين غربيّاً يسحب ذليلاً مهزوماً ما تبقى من الجيش الأوكراني من القرم ، وكذلك سيفعل أردوغان . إنه الفرق بين لغة الميدان المؤكدة الوزن في معادلات السياسة وتوازن القوى ، ولغة المنابر المنفصلة عن الواقع والمنهزمة في الميدان ، والتي ستُترجم تراجعاً وإنكسارات وهزائم حتماً مهما حاولوا التهرب من “دفع الأثمان” . أما إن “قرروا” الذهاب إلى خيار الحرب المباشرة فإن لنا هناك كلام من شوق و”ذهب” سيُقال ، وفي الميدان أيضاً لا على المنابر .

المصدر : سمير الفزاع


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة