دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
باتت الانفاق و السراديب في حلب القديمة تشكل هاجساً بعد تتالي التفجيرات الكبيرة بواسطتها ، فيما تنفرد حلب اليوم عن بقية المدن السورية بعدة نواح لعل أهمها تمجيدهم البالغ لعظمة مدينتهم و عراقتها، وقهرهم الشديد على تتويج المحنة بضياع درر معالمها التاريخية.
والمدينة القديمة المصنفة على قائمة التراث الانساني بحلب هي أكثر مناطقها تعرضاً للدمار ، الأسواق الاضخم من نوعها في العالم احترقت بعد نهبها، مئذنة الجامع الأموي، و أساساتها الرصاصية فجرها زعيم لواء التوحيد “عبد القادر الصالح” الملقب بحجي مارع ، و الذي قتل بغارة لسلاح الجو السوري العام الماضي، الخانات التي شكلت العقدة الاهم في طريق الحرير بين الصين و أوربا تعرضت مقرات المسلحين فيها للقصف مرات ومرات .
دخول الجماعات التكفيرية المسلحة إلى المدينة القديمة و أسواقها ، لم يكن لنهب بضائعها وهي بعشرات المليارات فحسب، بل كان الهدف الاهم لهم ، هو التحصن فيها لما توفره من حماية وسهولة حركة ،و لاحتوائها على شبكة سراديب و منشآت تحت الأرض تجعل البقاء و القتال فيها أمرا يسيراً.
و مؤخراً حفلت وسائل الاعلام بمشاهد حفر الانفاق و تفجيرها و تهديد الجبهة الاسلامية بتدمير قلعة حلب ، العملية الاولى استهدفت فندق الكارلتون ،و أوقعت ضحية واحدة في صفوف الجنود ، لكن العملية الثانية دمرت مبنى ” العلم ” الذي كان يحرسه مجموعة مؤلفة من ١١ عنصراً من كتائب البعث .
وتحت النار، واصلت فرق الانقاذ البحث عن مفقودين و انتشال جثث عدد من عناصر الكتائب فقدوا إثر التفجير الأخير ، الذي أشيع انه استهدف مبنى السرايا الأثري العريق ، ليتبين عدم صحة ذلك .
باتت الانفاق الشغل الشاغل للقيادة العسكرية ، التي اعادت توزيع نقاط الحراسة و الرصد تحسباً لعمليات جديدة من هذا النوع ، و قبيل تفجير الكارلتون ، حفرت وحدة حراسته عدة حفر بحثاث عن أنفاق محتمله، بعد سماع اصوات حفريات وصل عمق إحداها إلى ستة أمتار و تسبب بإعاقة عمل المسلحين.
الاجراءات لم توقف عمليات التفجير فاستهدف القصر العدلي للمرة الثانية وتهدم جزء كبير من مبانيه التي تضم وثائق ، المحاكمات المدنية منذ عشرات السنين .
النوم في العسل
مصدر مطلع قال لوكالة أنباء آسيا إنه مع بداية دخول المسلحين إلى حلب و تمركزهم في منطقتي صلاح الدين و هنانو وكلاهما بعيدتان عن المدينة القديمة حمل أحد المختصين خرائط لها و لشبكة الانفاق التاريخية التي تربط أحياءها ببعضها البعض و تربطها مع ريفها و حذر اللجنة الأمنية من خطورة دخولهم إلى المدينة التاريخية ، لكن الاحتياطات التي اتخذت لم تمنع المسلحين من احتلالها.
و يذكر كبار السن في حلب قناة حيلان ، ومغامرات اللعب فيها أيام الطفولة، وهي قناة لجر المياه من قرية حيلان القريبة من السجن المركزي حالياً شمال حلب ،تراجعت اهميتها في القرن العشرين بعد احتكار شركة فرنسية لمياه الشرب بحلب و مدها قساطل معدنية، وبعد جر مياه الفرات إلى المدينة .
القناة التي تعود لأكثر من الفي عام ، بعمق مترين تحت سطح المدينة و يمكن للواقف أن يسير فيها ، واختصت عائلات ” القنواتي ” و القنواتية ” بأعمال صيانتها وترميمها ، و تحولت بعد جر مياه الفرات إلى حلب عام ١٩٥٠ إلى قناة للصرف الصحي ، يستخدمها المسلحون في حركتهم ، و في عمليات التسلل و التفخيخ.
مشروع تجميل القلعة الذي انتهى قبل الازمة بخمس سنوات شهد اكتشاف عدد من السراديب بعمق عشرة أمتار و تم ردم مداخلها ، فيما يروي مختص في جمعية العاديات طلب عدم نشر اسمه أن رئيسها الاسبق الراحل القاضي سعد زغلول الكواكبي أكد لهم أثناء ترميم مدرسة التمريض ( تحولت إلى الكارلتون لاحقاً ) أنه يوجد سرداب فيها يوصل إلى ما يشبه السوق التجاري منحوت في الصخر ، و أمرت السلطات بردم السرداب على الفور “.
وقبل أكثر من عام تمكن المسلحون من الوصول من حيي الهزازة و الجديدة، عبر انفاق و مجاري الصرف الصحي و سراديب تاريخية لغاية شارع النيال على بعد أقل من ١٥٠ متراً من فرع الأمن السياسي .
و إثر ذلك تم حفر خنادق بعمق عشرة أمتار في عدة شوارع لكشف محاولات اخرى، قبل أن تتقدم وحدات الجيش و تحرر مساحات أكبر في الحي باتجاه المدينة القديمة .
لكن المسلحين تمكنوا من تفجير أحد الابنية الطابقية الحديثة القريبة من قسطل الحرامي بعد تفخيخ سرداب أسفله، و أدى ذلك إلى مقتل وجرح عدة عسكريين بينهم ضابط .
مدينة السراديب
حلب القديمة تم وضعها على لائحة التراث الانساني منذ فترة طويلة ، وعملت فيها طوال سنين الوكالة الالمانية للتنمية GTZ التي أثارت حفيظة الجهات الامنية قبيل الازمة بشهور بتوزيعها استبياناً يلحظ معرفة أدق العلاقات الاثنية و العشائرية لدى السكان ، في خروج فاقع على دورها في صيانة الآثار وفق عقد عملها في سورية .
من جانبه قال وضاح محيي الدين وهو باحث في التاريخ و مدير سابق للمدينة القديمة ” يوجد شبكة كبيرة من السراديب تربط أجزاء المدينة القديمة ببعضها البعض، وكل منزل عربي قديم في محيط القلعة يتصل بقناة حيلان ومتفرعاتها حيث كانت تستخدم كبراد لحفظ الطعام لبرودتها وجريان الماء فيها ” .
و أشار محي الدين إلى ” وجود عدد من السراديب بينها قناة حيلان ، تصل القلعة بالخارج، و أحدها مثلاً كان يستخدمه خازن بيت المال في العصر الايوبي لنقل المال من و إلى القلعة، و قد سرت في أحد سراديب المدينة لمسافة ١٥٠ مترا “.
و أضاف ” كتبت تحقيقاً ونشرته عن الخطورة الأمنية لتسليم خرائط و أبحاث عن المدينة القديمة لجهات أجنبية كالوكالة الالمانية و الأغا خان وكان ذلك قبل ستة أشهر من الازمة “.
و يوجد في حلب حي باسم ” المغاير” في منطقة تلة السودا ، يوجد عدة طبقات من البيوت فيه في مغاير متشعبة و تتصل فيما بينها بسراديب، كما يسود اعتقاد لدى عامة الناس في حلب أن المغارات في حديقة طارق بن زياد في حي الاشرفية الذي بات ضمن المدينة اليوم تتصل بالقلعة التي تبعد عنها نحو ثمانية كيلومترات.
المصدر :
أنباء آسيا / باسل ديوب
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة